اليونان تستغل «كورونا» والعمل عن بُعد لعودة الأدمغة المهاجرة

شخصان يعملان من المنزل أثناء تفشي فيروس «كورونا» (رويترز)
شخصان يعملان من المنزل أثناء تفشي فيروس «كورونا» (رويترز)
TT

اليونان تستغل «كورونا» والعمل عن بُعد لعودة الأدمغة المهاجرة

شخصان يعملان من المنزل أثناء تفشي فيروس «كورونا» (رويترز)
شخصان يعملان من المنزل أثناء تفشي فيروس «كورونا» (رويترز)

أيقظ تفشي وباء «كوفيد - 19» الحنينَ لدى خريستوفوروس كسينوس إلى أكثر ما يفتقده في لندن; الشمس اليونانية التي ابتعد عنها مع انتقاله إلى بريطانيا... وهو استغل فرصة العمل عن بُعد لتمضية أشهر في اليونان التي تسعى للإفادة من الجائحة لعكس مسار هجرة الأدمغة.
فقد غادر مدير المخاطر البالغ من العمر 36 عاماً بلده الأم عندما كان في أوائل العشرينات من العمر إلى بريطانيا بهدف إكمال دراسته واكتساب الخبرة المهنية في الخارج والعودة إلى الوطن. إلا أن ذلك لم يتحقق، إذ اندلعت الأزمة الاقتصادية في اليونان التي استمرت عقداً وأدت إلى القضاء على آلاف الوظائف.
لكن خلال الموجة الأولى لفيروس «كورونا»، استغل كسينوس العمل عن بُعد للعودة إلى اليونان لمدة ثلاثة أشهر بعدما شعر بالحنين إلى الوطن. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: «عملتُ لمدة ثلاثة أشهر من أثينا والجزر اليونانية واستمتعتُ بالطقس ونوعية الحياة والعودة إلى الوطن».
ومع قدرة الآلاف من الموظفين مثل كسينوس على العمل عن بُعد، ترى اليونان فرصة لإعادة بعض الأدمغة التي فقدتها البلاد خلال العقد الماضي.
وقال أليكس باتيليس، كبير المستشارين الاقتصاديين لرئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس، في منتدى «دلفي» الأخير الذي عُقد افتراضياً: «نريدكم أن تعودوا». وأضاف: «افتحوا مكاتب أو أنشئوا شركات جديدة أو انقلوا جزءاً من أعمالكم إلى اليونان... لدينا الشمس والتكنولوجيا ونحن إلى جانبكم».
وهاجر نحو 500 ألف شخص خلال الأزمة اليونانية. وانكمش الاقتصاد بمقدار الربع وارتفعت البطالة إلى 28%. ومنذ ذلك الحين، تحسنت أوضاع الوظائف لكنّ البطالة لا تزال أكثر من ضعفَي متوسط الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو.
وكلّفت هجرة نصف مليون شخص الاقتصاد اليوناني أكثر من 15 مليار يورو (17.85 مليار دولار)، حسب تقرير صادر عن الهيئة اليونانية لنوعية التعليم العالي.
ووفقاً لمسح أجرته شركة الاستشارات «إيكاب»، فإن نحو 90% من الذين رحلوا كانوا من متخرجي الجامعات، و64% منهم يحملون شهادة في الدراسات العليا.
وتقدم الحكومة حافزاً ضريبياً كبيراً للأشخاص الذين يعودون إلى اليونان من الخارج، وهو إعفاء بنسبة 50% على الدخل المكتسب في البلاد خلال السنوات السبع المقبلة.
وأشار كسينوس إلى أن الضرائب هي إحدى المشكلات الرئيسية التي لا تزال تبقي اليونانيين في الخارج، وستكون السياسة الضريبية المنخفضة الجديدة حافزاً كبيراً لعودتهم. وأضاف: «أريد العودة... أعلم أن الراتب لن يكون نفسه، لكنني لا أريد أن أقدم مساومة كبيرة لا معنى لها على الصعيد المهني».
ومع ذلك، هناك مشكلات رئيسية أخرى تجب معالجتها: الرواتب المنخفضة، وبيروقراطية الدولة، وخدمة الإنترنت البطيئة والمكلفة.
ووفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة الاتحاد الأوروبي لتحسين ظروف المعيشة والعمل، تتخلف اليونان بشكل كبير عن المتوسط الأوروبي في ما يتعلق بخلق وظائف عالية الجودة مع مكاسب وآفاق مالية جيدة.
وتعد اليونان أيضاً من بين البلدان الأسوأ أداء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي في توظيف متخرجي التعليم العالي الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و64 عاماً. ومع ذلك، بدأ بعض اليونانيين العودة.
في كلية الطب في أثينا، عاد عشرات العلماء إلى وطنهم وحتى الآن لم يندموا على ذلك.
وقالت إيوانا موركيوتي، وهي طالبة دكتوراه في علم الأحياء تبلغ من العمر 29 عاماً: «تحدث أمور لا تصدَّق في اليونان، فالبلاد لا تفتقر إلى الأدمغة ولا القدرات». وأضافت: «كل شيء يتم ببطء أكثر بسبب البيروقراطية اليونانية».
عملت موركيوتي ضمن فريق تمكن من إنشاء اختبار سريع بالتقاط المستضد لفيروس «كورونا». وهم يأملون في أن تبدأ شركة يونانية قريباً الإنتاج على نطاق واسع، ما يسمح لليونان بأن تصبح أكثر استقلالية من حيث الاختبارات.
وأكمل جميع أعضاء الفريق جزءاً من دراستهم أو أمضوا قسماً من حياتهم المهنية في الخارج.
وقالت نيفيلي لاغوباتي، وهي باحثة تبلغ من العمر 37 عاماً في علم الأحياء وطب النانو: «يُظهر عملنا أن اليونان يمكن أن تكون رائدة في مجال البحوث أيضاً... قد يكون الأمر أكثر صعوبة بالنسبة إلى الباحث اليوناني، إذ عليه القيام بكل الخدمات اللوجيستية بنفسه ويفتقر إلى البنية التحتية، لكن يمكن القيام بذلك، وهو قطاع يمكن لبلدنا الازدهار فيه».


مقالات ذات صلة

روسيا توقف شحنات الغاز إلى النمسا

الاقتصاد محطة للتزود بالوقود في المجر عليها شعار مجموعة «أو إم في» النمساوية للنفط والغاز (د.ب.أ)

روسيا توقف شحنات الغاز إلى النمسا

أعلنت مجموعة «أو إم في» النمساوية للنفط والغاز أن روسيا ستُوقف تزويد النمسا بالغاز، ابتداء من السبت، بسبب خلاف مع مجموعة «غازبروم» الروسية العملاقة.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
العالم أميركا تعتمد على اليورانيوم المخصب المصنوع في روسيا على الرغم من الجهود المضنية بين حلفاء الولايات المتحدة لقطع العلاقات الاقتصادية مع موسكو (رويترز)

روسيا تفرض قيوداً على صادرات اليورانيوم المخصب لأميركا

قالت روسيا، الجمعة، إنها فرضت قيوداً مؤقتة على صادرات اليورانيوم المخصب إلى الولايات المتحدة في خطوة رمزية؛ رداً على حظر أميركي لواردات اليورانيوم الروسي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تحليل إخباري متنزهون روس في حديقة عامة بموسكو (إ.ب.أ)

تحليل إخباري اقتصاد روسيا في الحرب... نموّ يخفي اتجاهات مقلقة؟

يسجّل مراقبون تطورات اقتصادية مقلقة في روسيا تكاد تفوق في أهميتها المكاسب الميدانية التي تحققها موسكو منذ أشهر في الشرق الأوكراني.

أنطوان الحاج
الاقتصاد مقر المصرف المركزي الروسي في موسكو (رويترز)

روسيا تسجل فائضاً في الموازنة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام

سجلت روسيا فائضاً في الموازنة قدره 169 مليار روبل (1.74 مليار دولار)، أي ما يعادل 0.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.