«كورونا» أعاد المكتبات المنزلية إلى الواجهة

التطور التقني ساهم في تقلص ركن كان مرجعاً للقراءة

الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل يوقع عقد التبرع  بمكتبته لمدينة لشبونة في سبتمبر الماضي (غيتي)
الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل يوقع عقد التبرع بمكتبته لمدينة لشبونة في سبتمبر الماضي (غيتي)
TT

«كورونا» أعاد المكتبات المنزلية إلى الواجهة

الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل يوقع عقد التبرع  بمكتبته لمدينة لشبونة في سبتمبر الماضي (غيتي)
الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل يوقع عقد التبرع بمكتبته لمدينة لشبونة في سبتمبر الماضي (غيتي)

ممتنون نحن لجائحة فيروس كورونا المستجد، لأنها أعادت للمكتبة وأرفف الكتب، حضورها البهي، وهي تظهر خلفية في برامج المحادثة أو لضيوف التلفزيون، الذين يتحدثون من بيوتهم، ضمن تدابير الوقاية من الوباء. أرقب تلك الخلفيات باهتمام وأنشغل بتأمل إطلالة المكتبة، أنيقة كأنها لم تمس منذ زمن، أم مستها فوضى النقل والإعادة؟ وأرقب ما وضع على الأرفف، من صور لأحبة أو مبدعين ملهمين، أو تحفة من مقتنيات السفر.
من خلال تلك الإطلالة، بتنا نرى تصاميم مختلفة للمكتبات المنزلية، أو لزوايا، قد لا ينطبق على بعضها، اسم «مكتبة»، لكنها أرفف تحتضن الكتب، في بيوت أطباء وعلماء وصحافيين وسياسيين، أمهات وآباء، تعكس ذوق كل منهم في تخصيص ركن للكتب، يتموضع في الصالة، وأحياناً في غرفة النوم، أو حتى في المطبخ، بحسب ما نرى. هذا الركن، وإن كان محدود المساحة، يشي بمنزل يحترم ساكنوه وجود الكتاب في فضاء البيت، بعد أن ابتلعت برامج الألعاب ومواقع التواصل، اهتمام الأجيال الجديدة، وبعد أن راجت نسخ ديجيتال وألواح قراءة، بديلاً لنسخ ورقية من الكتب والصحف والمجلات، ما ساهم في تقلص أو اختفاء ركن داخل البيت، كان مرجعاً أساسياً للقراءة.
في العادة، كان يتم توريث المكتبة المنزلية إلى الأجيال اللاحقة، فتكون مصدر تعلق بالقراءة، وربما، لاحقاً، بالكتابة. في مقتبل التسعينات، حظيت بزيارة لبيت الباحث محمد سعيد القاسمي، في حي المهاجرين بدمشق، حفيد علامة الشام محمد جمال الدين القاسمي، حيث استقبلني في حجرة المكتبة الواسعة التي ورث فيها كتب ومخطوطات جده، رجل الدين الإصلاحي ومؤرخ صناعات دمشق ورجالها البارزين. حدثني محمد سعيد عن صداقة جده بالعلامة اللبناني رشيد رضا ولقائهما في القاهرة ودمشق، عن نسخ من الرسائل التي تبادلاها، وعن أعداد من مجلة «المنار» التي نشرا فيها المقالات وكانت تسترخي على أرفف المكتبة العتيدة في ذلك البيت. أثناء بحثي بينما أكتب هذا المقال، قرأت أن محمد سعيد توفي مطلع عام 2019. وأول ما خطر ببالي، التساؤل عن مصير تلك المكتبة التي يعود كثير من محتوياتها إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، خصوصاً في ظل الأوضاع المزرية التي تمر بها سوريا.
وكي نكون واقعيين، ليس كل جيل بقادر على تحمل عبء صيانة مكتبة جمعت خلال عقود، فقد تفسد بفعل الحرارة أو الرطوبة أو الاستخدام السيئ للمخطوط، لذا، يفضل الورثة التبرع بها لجامعات أو مراكز بحثية قادرة على صيانتها، من أن تترك لأجيال يزداد تعدادهم مع الوقت، وقد يتسرب بعض هذا الإرث إلى بسطات الكتب المستعملة أو الأفراد، بالإهداءات التي عليها أو الملاحظات التي خطها مالك الكتاب، وهي آثار تعدها الأمم المتحضرة من موروثها القومي الذي تحتفظ به، وتطلق حملات التبرع لشرائها ومنع خروجها إلى بلد آخر.
تروي السيدة فايزة شاويش، زوجة الكاتب المسرحي السوري البارز سعد الله ونوس، كيف كان في آخر أيامه وهو يصارع السرطان، قلقاً على مصير مكتبته التي تضم نحو 4500 كتاب، وأنها أعطته الوعد بالاهتمام بها. لكن بعد وفاته بعقدين، وعندما لم تعد قادرة على حراستها في دمشق، من نيران الحرب أو السطو أو حتى الانتقام، وبعد متابعة ثلاث جهات، بينها مكتبة الأسد «الوطنية»، اضطرت عام 2017 للتبرع بها إلى الجامعة الأميركية في بيروت. ولهذه الجامعة صيت أكاديمي يدفع للثقة بها، لأن أكثر من كاتب في المنطقة، ترك إرثه في جنبات جدرانها، فقد أعلن عمرو العظم، نجل المفكر السوري صادق جلال العظم، ووفقاً لرغبة والده الراحل، التبرع بمجموعة من الأوراق ومقتطفات الصحف والوثائق التي كان لها علاقة بكتابة «نقد الفكر الديني» والقضية المرتبطة به، وكل ما كتب عن هذا الموضوع، لمكتبة الجامعة الأميركية في بيروت، وكذلك التبرع بعدد من الكتب والمجلات التي كانت جزءاً من مكتبته الخاصة في دمشق. وهو الكرم الذي استقبلته الجامعة، باعتذار متأخر عن تخليها عن الكاتب قبل 47 عاماً، في القضية التي وصلت للمحاكم بسبب الكتاب ثم تبرأ فيها العظم.
الجامعة الأميركية، في القاهرة، احتضنت هي الأخرى، إرث شخصيات معروفة، مثل مجموعة بطرس بطرس غالي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، والكاتب أنيس منصور. ويختار بعض المشاهير أو ورثتهم، التبرع للمكتبات الوطنية أو المحلية، المكان الذي تثق أنه سيحافظ على مخطوطات وأوراق، وحتى نسخ من الكتب اقتناها الراحل.
في حوار أجريته معه قبل سنوات قليلة، سألت الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل، وهو الذي كتب عن مئات الكتب وعن المكتبات وفلسفة القراءة، حاملاً لعالم النشر تخصصاً جديداً، عن حجم مكتبته الآن؟ فأجاب أن لديه في حدود 40 ألف عنوان. وكان من الفضول الصحافي أن أسأل الكاتب الستيني، عما ينوي أن يفعله بهذا الكم من الكتب، إن كان سيهديه لمكتبات وطنية أم سيورثها لعائلته؟ قال مانغويل إنه لم يفكر بالموضوع بعد، «لكن من المؤكد أن عائلتي لا تريد أن تتورط بعبء مكتبة بهذا الحجم». غير أن الأخبار حملت لنا في سبتمبر (أيلول) الماضي، خبر توقيع مانغويل على إهداء ثروته من الكتب، إلى مدينة لشبونة عاصمة البرتغال، لتكون بذرة «مركز دراسات تاريخ القراءة».
وعلى سيرة البرتغال، قرأت في «يوميات» الكاتب خوزيه سراماغو، الحاصل على نوبل، التفاتة مهمة عن خلو المسلسلات الأميركية الشهيرة من أي حضور للمكتبة المنزلية، مذكراً بأن الأعمال ممولة من قبل شركات المال في وول ستريت.
إذا حاولنا أن نفكك ملحوظته، نلحظ تركيز تلك المسلسلات، على الأثاث، مثل التلفزيون والكنبة الواسعة، المطابخ الحديثة بتصميم لافت للخزائن والأجهزة الكهربائية، علب رقائق الفطور والحليب والعصائر، ثم علب الآيس كريم والمشروبات الغازية أو البيرة، إلخ. وكلها منتجات سينجذب لها المتفرج في أول تسوق قريب بعد أن تم تخزينها في ذاكرته. وهكذا فإن أمكنة المسلسلات الخفيفة، مفروشة بأسلوب يستثمره المعلنون، ويصدف أن دور النشر ومحلات بيع الكتب، ليست بينهم.
في المسلسلات العربية حضور باهت للمكتبة المنزلية، لأنها لا تستوقف صناع العمل، وإن ظهرت، تكون مرتبطة بشخصية تعمل في الكتابة أو التدريس، شديدة الجدية أو «معقدة». وإن صدف وتمت استضافة شخص في بيته، يكون تركيز الاهتمام على إظهار تحف أو قطعة أثاث لافتة، حتى لو كانت لوحة فنية من البوب آرت، ونادراً ما نرى رف كتب خلف الضيف. وحدها برامج تصور عاملين في الكتابة، داخل منازلهم، تكشف عن «مكتبة» أو أرفف كتب، فالكاتب يقرأ ويكتب، وغداً سيحار ورثته ماذا يفعلون بالإرث الثقيل.
ستحتاج البشرية في المستقبل، لموجة وباء آخر، وتباعد اجتماعي يستدعي الكلام، من البيت، لنتأكد إن كان لا يزال للمكتبة المنزلية حضور أم أنها اختصرت داخل جهاز كومبيوتر


مقالات ذات صلة

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
آسيا رجل أمن بلباس واقٍ أمام مستشفى يستقبل الإصابات بـ«كورونا» في مدينة ووهان الصينية (أرشيفية - رويترز)

الصين: شاركنا القدر الأكبر من بيانات كوفيد-19 مع مختلف الدول

قالت الصين إنها شاركت القدر الأكبر من البيانات ونتائج الأبحاث الخاصة بكوفيد-19 مع مختلف الدول وأضافت أن العمل على تتبع أصول فيروس كورونا يجب أن يتم في دول أخرى

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد أعلام تحمل اسم شركة «بيونتيك» خارج مقرها بمدينة ماينتس الألمانية (د.ب.أ)

«بيونتيك» تتوصل إلى تسويتين بشأن حقوق ملكية لقاح «كوفيد»

قالت شركة «بيونتيك»، الجمعة، إنها عقدت اتفاقيتيْ تسوية منفصلتين مع معاهد الصحة الوطنية الأميركية وجامعة بنسلفانيا بشأن دفع رسوم حقوق ملكية للقاح «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بفيروس كورونا على نحو مطرد (أ.ف.ب)

الصحة العالمية تعلن عن حدوث تراجع مطرد في وفيات كورونا

بعد مرور نحو خمس سنوات على ظهور فيروس كورونا، تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بهذا الفيروس على نحو مطرد، وذلك حسبما أعلنته منظمة الصحة العالمية في جنيف.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».