«شفرات الألوان» والفرز المجتمعي في الشارع المصري

خلقتها أعوام من الاضطراب

«شفرات الألوان» والفرز المجتمعي في الشارع المصري
TT

«شفرات الألوان» والفرز المجتمعي في الشارع المصري

«شفرات الألوان» والفرز المجتمعي في الشارع المصري

بينما تشكل الإيحاءات اللونية عوامل شبه ثابتة في كل دولة أو مجتمع وفقا لتقاليده وموروثاته، تتخذ الألوان دلائل عدة في مصر وفقا لمكان وموعد ظهورها نتيجة سنوات عدة من الاضطراب الاجتماعي؛ الذي تبع اضطرابات وتقلبات سياسية.
وفي أغلب دول العالم، يكون هناك شعارات لونية معروفة لأغلب القوى السياسية والاجتماعية، بل وربما للمنظمات الخيرية.. لكن في شوارع مصر، تختلف تلك المدلولات بحسب الشارع واليوم الذي تظهر فيه، ووصل الأمر إلى حالة تشبه الفرز الاجتماعي تبعا للون الزي أو السيارة أو حتى الإكسسوارات النسائية.
ويتربع اللون الأصفر على قمة القائمة الجدلية، بعد أن اتخذته العناصر المؤيدة لجماعة الإخوان شعارا لهم منذ أحداث فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر في صيف عام 2013 بعد سقوط الجماعة عن كرسي الحكم في مصر.
ومنذ اعتبرت الدولة جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا، اتخذ اللون الأصفر دلالة تحذيرية في نفوس العامة، إذ أصبح في نظر الغالبية مؤشرا على الانتماء للجماعة المكروهة شعبيا، أو التعاطف معها على أقل تقدير، خصوصا إذا ظهر بالتزامن مع فعاليات دعت إليها الجماعة أو في حرم الجامعات المصرية.
وأثناء الاحتجاجات المحدودة التي اندلعت في الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير (كانون الثاني)، تقمص المواطنون دور رجال الشرطة ليقبضوا على صحافية ترتدي زيا أصفر بتهمة انتمائها لـ«الإخوان»، رغم أنها تعمل بجريدة «الفجر» المعروفة بسياساتها المضادة لـ«الإخوان».
لكن اللون الأصفر يرتبط ذهنيا بمعنى آخر تماما في وضع مختلف؛ إذ إنه الشعار الرسمي لمدينة الإسماعيلية (شرق القاهرة) التي تعد قلب محافظات قناة السويس. وخلال الأحداث الكروية، ترى اللون الأصفر المائل إلى البرتقالي في شوارع مصر، ليثير هذه المرة أنصار الفرق المنافسة، وليس فرقاء السياسة.
اللون الأسود الذي يتربع على عرش الألوان في الموضة، صار أيضا يثير الريبة أحيانا في الشارع المصري، خاصة بعد انتشار عمليات زرع العبوات المتفجرة محلية الصنع. ومع مطاردة الشرطة للعناصر التي تثير الفتنة، امتدت أصابع الاتهام نحو من يرتدين النقاب الأسود بالمسؤولية عن زرع تلك العبوات، وكثرت الأقاويل عن ارتداء رجال للنقاب من أجل القيام بتلك العمليات، خاصة أن تفتيش المنتقبات هو أمر صعب في المجتمع المصري.
وصار ارتداء النقاب الأسود لافتا ومثيرا للريبة، خاصة إذا كان في أحد المراكز التجارية الضخمة أو في وسط التجمعات، كالسينمات أو المطاعم. وخلال الشهور الماضية، تعددت الروايات حول إبلاغ رواد هذه الأماكن بالاشتباه في منتقبة وإبلاغ الأمن عنها لتفتيشها.
اللون الأحمر، الذي كان قديما رمزا للشيوعية في سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي، ارتبط في ذهن المصريين لسنوات بالنادي الأهلي المصري. لكن أحداث الثورة وما تلاها، وكذلك الأحداث الدامية التي شهدها لقاء كروي في مدينة بورسعيد (شمال قناة السويس)، حيث راح ضحية ما يعرف بـ«مجزرة بورسعيد» 74 مشجعا أهلاويا في مباراة بين الأهلي الملقب بـ«الشياطين الحمر» ونادي المصري البورسعيدي في فبراير (شباط) 2012.
ونتيجة لذلك، حمل اللون الأحمر مدلولا جديدا؛ ففي المظاهرات وأمام استادات الكرة، صار ظهور رابطة مشجعي الأهلي (الأولتراس) بأعلامهم وزيهم الأحمر مؤشرا على التوتر، خاصة بعد أن تكررت الاشتباكات بينهم وبين عناصر الأمن على مدار السنوات الأربع الماضية. كما أن الأحمر يعد شعارا لبعض القوى الثورية الأخرى، على غرار الاشتراكيين الثوريين.
أما الأزرق، فقد ارتبط في ذاكرة المصريين طويلا بالشرطة، خاصة إذا حملته السيارات. وفي ظل التوترات الأمنية، صار عدد كبير من المواطنين يتحاشون الاحتكاك بما يحمل هذا اللون تجنبا للمشاكل بوجه عام.
تقسيم الألوان أثر على صناع الموضة الذين باتوا في حيرة من أمرهم، بل وربما يلجأون لتجنب الكثير من الألوان في تصميماتهم حتى لا يلاقي مرتديها أي مشاكل اجتماعية.
وقالت سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن التمييز اللوني سببه شعور المجتمع بالخوف والقلق الشديد في المرحلة الحالية مع انتشار القنابل والعمليات الإرهابية. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن هذا التصنيف كان منتشرا في حقبة الستينات أثناء حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ولكنه انحصر آنذاك بين اللونين الأخضر والأحمر تعبيرا عن الناصرية والشيوعية على الترتيب.
ولمحت خضر إلى أن وسائل الإعلام التي تمر بحالة «انفلات إعلامي» لها دور في ذلك التوتر، بعد تكرارها الهجوم على ألوان بعينها وتفضيل أخرى، مؤكدة كذلك أن علاج هذا التمييز سيأخذ فترة زمنية حتى تعود الأمور إلى وضعها الصحيح.
واختتمت حديثها مشيرة إلى أن مصممي الأزياء قد يلجأون لتغيير ألوان تصميماتهم في أوروبا بسبب خوف مجتمعي، ولكن في مصر الأمر غير مطروح والمجتمع لم يصل لهذه الدرجة العالية من الثقافة.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.