«قرطبة»... مكتبة موجهة للقارئات من سن 6 إلى 36 عاماً

تطلقها أول جمعية للقراءة في السعودية

جانب من مكتبة قرطبة
جانب من مكتبة قرطبة
TT

«قرطبة»... مكتبة موجهة للقارئات من سن 6 إلى 36 عاماً

جانب من مكتبة قرطبة
جانب من مكتبة قرطبة

مكتبة «قرطبة» هي أحدث مولود ثقافي في السعودية، أطلقتها جمعية «قرطبة للقراءة»، التي تعد أول جمعية سعودية مهتمة بالقراءة بالبلاد، وهي تتبع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وتتخذ من مدينة الدمام مقراً لها. المكتبة تمتاز بأنها تركز على المرأة القارئة، وهي مكتبة إثرائية تحتضن القراء وتقدم لهم خدمة الإعارة وإمكانية الاستعارة الإلكترونية، بالإضافة إلى المناشط والفعاليات القرائية والثقافية التي تخلق بيئة ملهمة لنشر قيمة القراءة.
وتوضح الدكتورة هدى الملحم، رئيس الجمعية، أن المكتبة تضم مبدئياً قرابة 1200 كتاب، وحوالي ألف عنوان، وسبع خدمات نوعية تخدم القراءة، مبينة أن دافع تأسيس هذه المكتبة هو جعلها بيئة ملهمة لنشر ثقافة القراءة من خلال المناشط القرائية والثقافية المتنوعة، مشيرة إلى دراسة سابقة أجراها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) أظهرت نتائجها أن عدم وجود مكتبة هو من معوقات القراءة، بنحو 66 في المائة.
وأفادت الملحم بأن هذه المكتبة تتيح الفرصة للفتيات في الاطلاع على مصادر المعلومات المطبوعة والمتاحة، مع توفير إمكانات وخدمات البحث والثقافة الذاتية، لمعاونة الفتاة على النمو الثقافي طبقاً لاحتياجاتها واهتماماتها ورغباتها وقدراتها، إلى جانب تزويدهن بالمعلومات اللازمة لتحديث خبراتهن الوظيفية وإدارة شؤونهن العملية.
من جهتها، أبانت نوال الضويان، مسؤولة المكتبة، أنها تضم 26 تصنيفاً، تتنوع ما بين الأدب العربي، والشعر، والتاريخ، والفلسفة، وكتب الحديث والفقه والسيرة النبوية، والتراجم، وتطوير الذات، والروايات العربية، والروايات المترجمة، والعلوم، والعلوم الاجتماعية، وإدارة الأعمال، والفنون، والتربية والتعليم، ومجالات أخرى متنوعة.
وأوضحت الضويان أن المكتبة تتضمن خدمة الإعارة، وهي تشكل أحد الحلول لمواجهة ارتفاع أسعار الكتب التي قد تحد من اقتنائها لدى الكثيرين، مما يجعل استعارة الكتاب خياراً أنسب، وخدمة الإرشاد القرائي المتمثلة في توجيه القراء وإرشادهم نحو المواد التي تقابل حاجتهم الفعلية، والمبنية على مستوياتهم العملية والثقافية، ومتابعة قراءاتهم في المستقبل باستمرار، وخدمة الإحاطة الجارية، وهي خدمة تتعلق بتقديم المعلومات الخاصة باهتمامات كافة الأفراد بالمجتمع ممن تخدمهم المكتبة، وتشمل هذه الخدمات الإعلام السريع بكل جديد يضاف إلى المكتبة.
وبسؤال الضويان عن دور خدمة الإرشاد القرائي في الحد من تداول بعض الكتب والتوجيه نحو كتب أخرى أكثر نفعاً، أفادت بأن المكتبة لا تتحفظ على قراءة أي كتاب حتى وإن كان يثير الجدل والمغالطات، مرجعة ذلك لأهمية تعزيز التفكير الناقد تجاه هذه الإصدارات، حيث ترى أن معرفة محتوى الكتب يعزز هذه المهارة.
وفي خطوة جديدة لحل إشكاليات القراء، تفيد الضويان بأن المكتبة أطلقت برنامج «بوصلة»، الذي يجيب على الأسئلة المتعلقة بمواضيع القراءة، وهو برنامج يستضيف مختصين بالقراءة، يجيبون على هذه الأسئلة مساء كل يوم سبت، لمدة ساعة ونصف الساعة، مبينة أن المكتبة تفتح أبوابها أيضاً لأندية القراءة التي لا يجد بعضها مقراً لمناشطه، وذلك نظير رسوم اشتراك، ولمدة عام كامل.
وتفيد الضويان بأن المكتبة الجديد تقدم خدماتها بنظام الاشتراكات السنوية، حيث يبلغ الاشتراك السنوي للمكتبة 26 دولاراً فقط، بما يتيح القراءة داخل المكتبة والإرشاد القرائي والإحاطة الجارية وخدمة «بلغني» للكتب، ومقعداً مجانياً في نادي القراءة، وخصومات على برامج المكتبة. أما عضوية المنتسب فتشمل خدمات أكثر برسوم أعلى، بما يشمله ذلك من الإعارة المجانية وحضور جميع برامج المكتبة مجاناً، وخدمة توقيع الكتب.
وتركز «قرطبة» على أن القراءة تسهم في تمكین المرأة السعودیة وبناء شخصیتها، بحیث تكون متوازنة قادرة على مجابهة التحدیات مع إكساب الفتیات مهارات المستقبل. وتستند الجمعية على أن اتجاه السعودیین نحو القراءة، يعد متدنياً، مشيرة إلى أن دراسة سابقة لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني أظهرت أن 55 في المائة ليس لديهم اهتمام بقراءة الكتب، وجاءت نسبة الإقبال على قراءة الكتب في المكتبات العامة ضئیلة جداً، بنحو 4 في المائة فقط.
وتستهدف جمعية «قرطبة» الفتيات القارئات من سن 6 إلى 36 عاماً، وفق مرتكزات التنمية المستدامة و«رؤية 2030». وتهدف الجمعية إلى رفع مستوى النمو الثقافي في المجتمع من خلال أندية القراءة والبرامج العلمية والمهنية، وتشجيع المبادرات الشبابية التي تحقق أهداف الجمعية والمساهمة في بناء القيادات الشابة من خلال مجموعة من المبادرات والشراكات المجتمعية التكاملية.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».