تأخر اتصال بايدن بنتنياهو يعكس عدم أولوية ملفات المنطقة

بما فيها العودة سريعاً إلى الاتفاق النووي مع إيران

عمال فلسطينيون يعبرون إلى إسرائيل أمس من فتحة «غير شرعية» قرب الخليل (أ.ف.ب)
عمال فلسطينيون يعبرون إلى إسرائيل أمس من فتحة «غير شرعية» قرب الخليل (أ.ف.ب)
TT

تأخر اتصال بايدن بنتنياهو يعكس عدم أولوية ملفات المنطقة

عمال فلسطينيون يعبرون إلى إسرائيل أمس من فتحة «غير شرعية» قرب الخليل (أ.ف.ب)
عمال فلسطينيون يعبرون إلى إسرائيل أمس من فتحة «غير شرعية» قرب الخليل (أ.ف.ب)

بعد مضي نحو شهر على تنصيبه، لا يزال الرئيس الأميركي جو بايدن محجما عن إجراء «الاتصال الهاتفي الأول» برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في سابقة غير معهودة في تاريخ العلاقات الأميركية الإسرائيلية. وهو ما طرح أسئلة عن أسباب هذا الإحجام، في وقت يسعى فيه العديد من الباحثين والسياسيين، العثور على إجابات عنها.
بمقاييس «التقاليد الطبيعية» بين البلدين، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي من بين أوائل الشخصيات الأجنبية التي يجري معها الرئيس الأميركي الجديد اتصالاته الأولى. فقد اتصل بيل كلينتون، بإسحاق رابين، في 23 يناير (كانون الثاني) 1992 فيما اتصل جورج بوش الابن، بآرييل شارون، في 6 فبراير (شباط) شباط 2001، وباراك أوباما اتصل بإيهود أولمرت في 2 يناير أي قبل تنصيبه، في حين اتصل دونالد ترمب بنتنياهو في 22 يناير 2017 واستقبله في البيت الأبيض في الشهر التالي.
لماذا هذا التأخير وهل الأمر يتعلق بخلافات شخصية بين بايدن ونتنياهو، أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى خلافات سياسية جوهرية بين أكثر حليفين قربا في المنطقة، رغم التواصل القائم بين مسؤولين أميركيين ونظرائهم الإسرائيليين؟ قد يكون ملف إيران النووي على رأس الخلافات في وجهات النظر، لكن ماذا عن عملية السلام واتجاه واشنطن لإعادة إشراك الفلسطينيين في العملية على قاعدة «حل الدولتين»؟ المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي، جددت مساء الثلثاء، التأكيد على أن أول اتصال سيجريه بايدن بزعماء منطقة الشرق الأوسط «سيكون مع رئيس الوزراء الإسرائيلي»، ما يطرح على الفور فرضية أن الأمر يعود إلى مستوى الأولوية التي توليها إدارته للمنطقة.
تقول أوساط دبلوماسية، إن واشنطن على دراية بالقراءة الإسرائيلية لأسباب تأخر هذا الاتصال، التي تنسبها إلى أسباب شخصية تتعلق بنتنياهو وبنهجه السياسي والأسلوب الذي أدار فيه علاقاته مع «الإدارة الديمقراطية»، منذ عهد الرئيس السابق باراك أوباما. وتؤكد أن الإسرائيليين ما زالوا مطمئنين للتقاطعات الكبيرة القائمة بين البلدين، خاصة أن التقييم الإسرائيلي لإدارة بايدن، يفيد بأن طاقمه الذي يدير السياسة الخارجية، موال لإسرائيل. وتضيف تلك الأوساط، أن نقل ملف التعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة وخصوصا في الملف الإيراني، إلى مائير بن شبات، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، يعود إلى عدم استعداد نتنياهو لتسليمه إلى أي مسؤول ينافسه في الانتخابات المقبلة، أو لوزير خارجيته المعارض له.
وزارة الخارجية الأميركية والمسؤولون الذين عينتهم لتولي ملف العلاقة مع إسرائيل وعملية السلام، ما زالوا ممتنعين عن التعليق أو الإدلاء بأي تصريحات مباشرة، ما عدا ما صدر عن الوزير أنطوني بلينكن في هذا المجال. ولم تتمكن «الشرق الأوسط» من الحصول على تعليقات على هذا الموضوع، رغم المحاولات المتكررة.
يقول الباحث في شؤون المنطقة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، غيث العمري، أن هناك بُعدين لهذا التأخير الذي لا يتعلق فقط بنتنياهو، بل وبباقي زعماء المنطقة، ما يعني أن بايدن يتعامل مع المنطقة بأولوية غير ملحة. يضيف العمري، لـ«الشرق الأوسط»، أنها رسالة واضحة بأن بايدن لا يريد الاتصال به، كي لا يظهر، فورا، خلافهما على الملف الإيراني، والذي يبدو أيضا أن واشنطن ليست متعجلة لمعالجته. لذلك يفضل بايدن عدم تحويله إلى خلاف يحتل عناوين وسائل الإعلام الأميركية. وهناك أيضا الانتخابات الإسرائيلية وهو لا يريد التدخل فيها، خصوصا أن التوتر الحالي والسابق تراه في تصريحات أي ديمقراطي، حيث يعبر لك عن استيائه من نتنياهو ومن سلوكه مع أوباما، خلال خطابه المثير للجدل في الكونغرس عام 2015 والذي تحدث فيه عن الاتفاق النووي مع إيران.
في السياق، يؤكد جوناثان شانذر في تقرير لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات المحسوبة على الجمهوريين، أنه قد يكون من المفهوم أن تأخير الاتصال الهاتفي يعكس اهتمام بايدن بالتحديات الداخلية التي لها الأولوية، من مواجهة الوباء والاقتصاد، ومعالجة آثار الهجوم على الكابيتول الذي كشف عن عمق التصدع الداخلي. كما أن بايدن قد يكون مضطرا للتصدي لقضايا السياسة الخارجية المهمة، من العلاقة مع جيران الولايات المتحدة كندا والمكسيك، ومنافسة القوى الكبرى كالصين وروسيا، وإصلاح التحالفات عبر الأطلسي بعد أربع سنوات من سياسات إدارة ترمب التي وترت تلك العلاقات. لكن الذي لا معنى له، أن إدارته وكبار المسؤولين فيها، يواصلون الحديث عن الاتفاق النووي، ما يعني أن الشرق الأوسط لا يزال محط اهتمام كبير للبيت الأبيض. وكلما تأخر بايدن في الاتصال بنتنياهو، زاد صمته من خطر الإشارة إلى مشكلة أعمق مع إسرائيل.
بيد أن هناك إجماعا بين الديمقراطيين والجمهوريين، بأن الخلاف حول الملف النووي الإيراني، ليس فقط بين إدارة بايدن وإسرائيل، بل ومع معظم الدول العربية التي ترى أن العودة إليه، من دون معالجة مداه الزمني وبرنامج الصواريخ الباليستية وتدخلات إيران في المنطقة، سيكون هدية مجانية لحكام طهران. لكن الخلاف مع إسرائيل لا يقتصر على هذا الملف، بل يطال أيضا النظرة المختلفة لإدارة بايدن إلى عملية السلام مع الفلسطينيين. فسياسات ترمب في هذا المجال، شكلت خروجا كبيرا عن السياسات الأميركية تجاه قضايا الحل النهائي، كوضع القدس وحل الدولتين، وضم مرتفعات الجولان المحتلة إلى إسرائيل. ورغم عدم تراجع إدارة بايدن عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، فإنها أبقت موقفها غامضا من اعتبار المدينة عاصمة لإسرائيل، فضلا عن تعليق الوضعية القانونية للجولان.
يقول العمري، إن مواقف إدارة بايدن تعتبر تراجعا عن سياسات ترمب، وهي تحاول إقامة نوع من التوازن مع الفلسطينيين، من دون أن يؤدي ذلك إلى أزمة كبرى مع الإسرائيليين. ويضيف أن «التصريحات الأخيرة لمندوب واشنطن في الأمم المتحدة، عن العودة إلى تقديم المساعدات لوكالة الأونروا، والاتصالات الأخيرة بين إدارة بايدن والفلسطينيين، لإعادة فتح الممثلية الفلسطينية في واشنطن، وإعادة البحث في تقديم المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، هي رسائل واضحة عن سياسة التوازن التي تريدها». «لكن الأمر مرهون بنتائج الانتخابات الإسرائيلية التي ستوضح الصورة».
لذلك من غير المتوقع حصول تغيير دراماتيكي في الوقت الراهن، رغم الضغوط التي تمارس على بايدن، خصوصا في ملف إيران النووي. فهو لا يرغب الآن في فتح معارك كبيرة في واشنطن، في الوقت الذي يعمل فيه على توحيد الجمهوريين والديمقراطيين لتحريك أجندته الداخلية، ويعلم أن ملف إيران جذاب لفتح المواجهات.



«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
TT

«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)

تثير تحركات تشكيل «حكومة موازية» في السودان، مخاوف مصرية من تفكك البلاد، التي تعاني من حرب داخلية اندلعت قبل نحو عام ونصف العام، وشردت الملايين. وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن «بلاده مع استقرار السودان ومع بسط سيادته على كل الأراضي السودانية»، مشيراً إلى أن «هذا أمر ثابت في السياسة الخارجية المصرية ولا يمكن أن تتزحزح عنه».

واعتبر وزير الخارجية، في مؤتمر صحافي مشترك، مع المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط دوبرافكا سويتشا، «تشكيل أي أطر موازية قد تؤدي إلى تفكك الدولة السودانية خطاً أحمر بالنسبة لمصر ومرفوضاً تماماً»، مضيفاً: «ندعم الشرعية. ندعم مؤسسات الدولة السودانية، وندعم الدولة، لا ندعم أشخاصاً بأعينهم».

ويرى خبراء ومراقبون، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن الموقف السياسي المصري الداعم بقوة لمؤسسات الدولة، والرافض لتشكيل أي أطر موازية، هدفه حماية السودان من التمزق، لكنه يظل رهن تباينات إقليمية تعقد حل الأزمة.

ويمهد توقيع «قوات الدعم السريع» وحركات مسلحة وقوى سياسية ومدنية متحالفة معها بنيروبي، الأسبوع الماضي، على «الميثاق التأسيسي»، الطريق لإعلان حكومة أخرى موازية في السودان، في مواجهة الحكومة التي يقودها رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، وتتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» من القاهرة، قبل أيام، عدَّ وزير الخارجية السوداني، علي يوسف الشريف، أن تحرك تشكيل «حكومة موازية» في مناطق سيطرة قوات «الدعم السريع» لا يحظى باعتراف دولي، مشيراً إلى أن «دولاً إقليمية ودولية تدعم موقف بلاده في هذه القضية».

وجددت مصر، الأحد، رفضها مساعي تشكيل «حكومة موازية» بالسودان، ووصفت الخارجية المصرية، في بيان رسمي، الأحد، ذلك، بأنه «محاولة تهدد وحدة وسيادة وسلامة أراضي السودان».

وأضاف البيان أن تشكيل حكومة سودانية موازية «يُعقد المشهد في السودان، ويعوق الجهود الجارية لتوحيد الرؤى بين القوى السودانية، ويفاقم الأوضاع الإنسانية»، فيما طالبت كافة القوى السودانية بتغليب المصلحة الوطنية العليا للبلاد والانخراط في إطلاق عملية سياسية شاملة دون إقصاء أو تدخلات خارجية.

وحسب الوزير المصري عبد العاطي، فإن «مصر على تواصل مع كل الأطراف المعنية لنقل وجهه نظرها وموقفها الواضح والثابت»، وأضاف: «بالتأكيد نحن مع السودان كدولة، ومع السودان كمؤسسات، ومع السودان بطبيعة الحال لفرض سيادته وسيطرته على كل الأراضي السودانية».

وتستهدف مصر من رفض مسار الحكومة الموازية «دعم المؤسسات الوطنية في السودان، حفاظاً على وحدته واستقراره، وسلامته الإقليمية»، وفق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تعمل على حشد الدعم الدولي والإقليمي لوقف الحرب ونفاذ المساعدات الإنسانية، ووضع خطط لإعادة الإعمار».

وتنظر القاهرة لحكومة بورتسودان باعتبارها الممثل الشرعي للسودان، والمعترف بها دولياً، وفق حليمة، ودلل على ذلك بـ«دعوة رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، للأمم المتحدة، وزيارة دول مختلفة، كممثل شرعي عن بلاده».

وترأس البرهان وفد السودان، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويعتقد حليمة أن إجهاض مساعي «الحكومة الموازية» لن يتحقق سوى بـ«التوافق على مسار سياسي، من خلال حوار سوداني - سوداني، تشارك فيه كل الأطراف، ويفضي لتشكيل حكومة مدنية مستقلة لفترة انتقالية»، وطالب بالبناء على مبادرة مصر باستضافة مؤتمر للقوى السياسية السودانية العام الماضي.

وجمعت القاهرة، في شهر يوليو (تموز) الماضي، لأول مرة، الفرقاء المدنيين في الساحة السياسية السودانية، في مؤتمر عُقد تحت شعار «معاً لوقف الحرب»، وناقش ثلاث ملفات لإنهاء الأزمة السودانية، تضمنت «وقف الحرب، والإغاثة الإنسانية، والرؤية السياسية ما بعد الحرب».

في المقابل، يرى المحلل السياسي السوداني، عبد المنعم أبو إدريس، أن «التحركات المصرية تواجه تحديات معقدة، بسبب دعم دول إقليمية مؤثرة للقوى الساعية لتشكيل حكومة موازية، في مقدمتها (الدعم السريع)»، مشيراً إلى أن «الموقف المصري مرهون بقدرتها على تجاوز الرفض الدبلوماسي، وقيادة تحركات مع الفرقاء السودانيين وحلفائها في الإقليم».

ويعتقد أبو إدريس، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن اختراق القاهرة لأزمة «الحكومة الموازية»، «لن يكون سهلاً، في ضوء تأثير الجهات الدولية والأطراف الداعمة للقوى السودانية التي تقف خلف هذه الحكومة»، وقال إن «مصر تخشى أن تقود تلك التحركات إلى انفصال جديد في السودان، ما يمثل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية».

ورغم هذه الصعوبات، يرى القيادي بالكتلة الديمقراطية السودانية، مبارك أردول، أن الموقف المصري مهم في مواجهة الأطراف الإقليمية الداعمة لمسار الحكومة الموازية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رفض القاهرة يؤكد أن السودان لا يقف وحده في هذه الأزمة»، وأن «هناك أطرافاً إقليمية داعمة لوحدة واستقرار السودان».

وتعتقد مديرة وحدة أفريقيا في «مركز الأهرام للدراسات السياسية»، أماني الطويل، أن «المواقف الرافضة لهذه الحكومة، التي صدرت من مصر والأمم المتحدة ودول أخرى، يمكن أن تُضعف من الاعتراف الدولي والإقليمي للحكومة الموازية، دون أن تلغيها».

وباعتقاد الطويل، «سيستمر مسار الحكومة الموازية بسبب رغبة شركات عالمية في الاستفادة من موارد السودان، ولن يتحقق لها ذلك إلا في وجود سلطة هشّة في السودان»، وقالت: «الإجهاض الحقيقي لتلك التحركات يعتمد على التفاعلات الداخلية بالسودان، أكثر من الموقف الدولي، خصوصاً قدرة الجيش السوداني على استعادة كامل الأراضي التي تسيطر عليها (الدعم السريع) وخصوصاً دارفور».