شحن بطاريات الأجهزة المزروعة للمرضى عن بُعد

شحن بطاريات الأجهزة الطبية عن بُعد باستخدام مادة لينة ومتوافقة حيويّاً تمتص الموجات الصوتية التي تمر عبر الجسم
شحن بطاريات الأجهزة الطبية عن بُعد باستخدام مادة لينة ومتوافقة حيويّاً تمتص الموجات الصوتية التي تمر عبر الجسم
TT

شحن بطاريات الأجهزة المزروعة للمرضى عن بُعد

شحن بطاريات الأجهزة الطبية عن بُعد باستخدام مادة لينة ومتوافقة حيويّاً تمتص الموجات الصوتية التي تمر عبر الجسم
شحن بطاريات الأجهزة الطبية عن بُعد باستخدام مادة لينة ومتوافقة حيويّاً تمتص الموجات الصوتية التي تمر عبر الجسم

يوماً بعد يوم يتزايد الاعتماد على تركيب أجهزة إلكترونية طبية كسبيل لعلاج مشكلات صحية خطيرة وطويلة الأمد، مثل أجهزة تنظيم ضربات القلب، والمضخات الإلكترونية التي تفرز الإنسولين، والأجهزة السمعية المساعدة القابلة للزرع. ومن أبرز الأمور التي تؤخذ في الاعتبار في هذه الأجهزة تقليل حجمها ووزنها من أجل راحة المريض، إلى جانب التأكد من أنها ليست سامة للجسم.
وهناك تحدٍّ آخر يتمثل في كيفية تزويد هذه الأجهزة بالطاقة، فرغم أن البطاريات تجعلها تعمل لفترة، ولكن تغيير البطاريات يتطلب إجراء جراحة؛ ففي أفضل الأحوال، يحتاج مصدر الطاقة إلى إعادة الشحن لاسلكيّاً. وحديثاً، كشفت دراسة مشتركة - أجراها فريق عالم المواد، البروفسور حسام الشريف بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، بالتعاون مع فريق خبير التصوير التشخيصي الطبي، الدكتور عبد القادر عبد المحسن القناوي بجامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية - عن طريقة لشحن البطاريات عن بُعد، باستخدام مادة لينة متوافقة حيويّاً، تمتص الموجات الصوتية التي تمر عبر الجسم؛ ما من شأنه أن يقلل الحاجة إلى الحل الجراحي لإعادة شحن الأجهزة الطبية المزروعة للمرضى. إن السعي لتطوير البطاريات بشكل أفضل بدأ منذ أكثر من 200 سنة، وذلك حينما اخترع عالم الفيزياء الإيطالي أليساندرو فولتا أول بطارية كهربائية في عام 1799، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم يبحث العلماء حول العالم في آليات تطوير أنواع جديدة ومتقدمة من البطاريات، خاصة تلك المستخدمة في الأغراض الطبية، وذلك عبر تسخير طائفة من المواد الجديدة مثل استخدام الهلامات المائية التي تعد موصلات كهربائية متوافقة حيويّاً؛ مما يجعلها مثالية للتطبيقات الإلكترونية الحيوية.
وجدير بالذكر، أن الهلامات المائية هي عبارة عن سلاسل أو جزيئات بوليمرية طويلة ومتشابكة محبة للماء، بحيث تُشكل شبكة ثلاثية الأبعاد، يمكنها الاحتفاظ بكمية كبيرة من الماء تصل إلى 90 في المائة؛ مما يمنحها قواماً مرناً قابلاً للتمدُّد. وتستخدم اليوم في مجالات الزراعة والري وهندسة الأنسجة، وفي عمليات توصيل العقار للجسم.
يوضح الدكتور كانج هيوك لي - المؤلف الرئيسي للدراسة - من «كاوست»، أن الفريق البحثي عمل على إدماج كحول عديد الفاينيل (بوليمر صناعي منحل في الماء) مع صفائح نانوية من المكسين (MXene)، وهو مادة نانونيّة مسطحة تتكون من غلاف خارجي مؤكسِد، ومحشوة بالمعدن والكربون الموصِل. ويضيف «مثلما يصبح الماء موصلاً للكهرباء عند إذابة الملح فيه، استخدمنا رقائق نانوية من (المكسين) لإنتاج الهلام المائي. وقد فوجئنا بأن المادة الناتجة يمكنها توليد طاقة كهربائية تحت تأثير الموجات فوق الصوتية». يولِّد الهلام المائي الذي تم إنتاجه، والذي أطلقوا عليه اسم «إم – جِل» (M - gel)، تياراً عندما يحفز الضغط المستخدم تدفق الأيونات الكهربائية في الماء، فتملأ الهلام المائي. وعندما يكون هذا الضغط ناتجاً من الموجات فوق الصوتية، يسمى التأثير جهد الدفق الاهتزازي.
أثبت فريق «كاوست» صحة هذا المفهوم باستخدام طائفة من مصادر الموجات فوق الصوتية، بما في ذلك رؤوس أجهزة التصوير بالموجات فوق الصوتية الموجودة في العديد من المختبرات ومسبارات الفحص بالموجات فوق الصوتية المستخدمة في المستشفيات للتصوير.
وتمكَّن الفريق من الشحن السريع لجهاز كهربائي مزروع داخل قطعة من اللحم البقري على عمق عد سنتيمترات من السطح.
وعن هذا الاكتشاف يعلق حسام الشريف قائلاً «هذا مثال آخر على الإمكانات المذهلة لـ(هلامات مكسين المائية)، التي طورناها بمختبرنا، في تطبيقات الاستشعار والطاقة».
وتجدر الإشارة إلى أن علماء «كاوست» كانوا قد طورا سابقاً سوار معصم يراقب وضعك الصحي أثناء ممارسة الرياضة باستخدام مادة «مكسين» تجعل من السهل رصد المؤشرات الحيوية للجسم عبر تحليل العرق، وإرسال النتائج إلى صاحبها في رسالة قصيرة على هاتفه المحمول، دون الحاجة إلى التدخلات الجراحية أو الاستعانة بطبيب.



المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر
TT

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

تلتمع «بارفيه» السمّان (وهي لحم مسحون لطير السمّان) على صحني، مقترنة بقرص من الذرة المقلية. وللوهلة الأول، يبدو هذا كنوع من طعام العشاء الفاخر الذي ستجده في العديد من المطاعم الراقية: عجينة غنية وردية مغطاة بالفلفل المخلل، وزهرة صالحة للأكل، ولمحة من الكوتيجا (الجبن المكسيكي المعتّق).

لحم طير مختبري

ولكن العرض التقليدي لهذا اللحم يحجب حقيقة أعمق، فهذه الوجبة غير تقليدية، بل وراديكالية. ومن بعض النواحي، تختلف عن أي شيء شهده العالم في أي وقت مضى.

لم تُصنع عجينة اللحم الموجودة على طبقي بالطريقة التقليدية مع كبد الإوزّ. لقد تمت زراعة اللحم من خلايا النسيج الضام لجنين السمان الياباني الذي تم حصاده منذ سنوات، وتم تحفيزه وراثياً على التكاثر إلى الأبد في المختبر. وقد قُدم لي هذا الطبق في فعالية «أسبوع المناخ» في نيويورك من قبل جو تيرنر، المدير المالي في شركة «فاو» الأسترالية الناشئة للتكنولوجيا الحيوية.

إن تسمية السمان «اللحم المستزرع في المختبرات» تعد تسمية خاطئة. فهذه النسخة الشبيهة بالهلام من السمان كانت تُزرع في مصنع حقيقي للحوم الخلوية، وهو الأول والأكبر من نوعه. وعلى وجه التحديد زرعت في خزان طوله 30 قدماً، وسعته 15 ألف لتر في مصنع «فاو» في سيدني، حيث، حتى كتابة هذه السطور، يمكن للشركة إنتاج 2000 رطل (الرطل 152 غراماً تقريباً) من السمان كل شهر.

وهذه كمية ضئيلة مقارنة بالكميات المتوفرة في مرافق اللحوم التقليدية، لكنها تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة إلى التكنولوجيا التي - على مدى العقد الماضي - أسست سمعتها بالكامل تقريباً على تقديم قطع صغيرة شهية في جلسات التذوق الصحفية الفردية.

نجاحات وإخفاقات

وقد بدأت «فاو» للتو أعمالها هذه مع ما يقرب من 50 مليون دولار من تمويل شركات أخرى مثل «بلاكبيرد فينشرز»، و«بروسبيرتي 7»، و«تويوتا فينشرز» (التي رعت فاعلية أسبوع المناخ). وقامت الشركة حديثاً بتركيب مفاعل بيولوجي كبير آخر سعته 20 ألف لتر هذه المرة، أكبر بنسبة 33 في المائة من الأول. ومع تشغيل المفاعلين على الإنترنت، تُقدر الشركة أنها سوف تنتج قريباً 100 طن من السمان المستزرع كل عام.

قد يبدو كل ذلك متناقضاً مع التقارير السابقة، إذ وصف مقال استقصائي نشرته أخيرا صحيفة «نيويورك تايمز» كيف أن قطاع اللحوم المستزرعة الناشئ قد خرج عن مساره بسبب العقبات الاقتصادية والتقنية، رغم سنوات من الضجيج، وسلسلة من الموافقات التنظيمية البارزة، و3 مليارات دولار من الاستثمار.

جمعت شركة «أب سايد فودز»، ومقرها في بيركلي، بولاية كاليفورنيا، أكثر من 600 مليون دولار لتقييم نموذج لشريحة دجاج تبين أنها يمكنها أن تصنعه يدوياً فقط في أنابيب اختبار صغيرة، في حين أن محاولة شركة «إيت جاست»، ومقرها في كاليفورنيا لبناء مصنع للحوم أكبر 50 مرة من مصنع «فاو» انتهت بدعاوى قضائية ومشاكل مالية والقليل للغاية من الدجاج المستزرع.

وقد وعدت الجهات الداعمة لهذا القطاع بمحاكاة اللحوم التي نشأنا على تناولها، اللحم البقري والدجاج، من دون المعاناة التي تعرضت لها الحيوانات والطيور، ومن دون انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولكن اليوم لم يعد هناك أي منتج متاح إلا بالكاد في هذه الصناعة. لقد حان الوقت، كما كتبتُ، للاعتراف بحقيقة أن هذا الحلم قد مات.

تطويرات غير مألوفة

كيف تستعد شركة «فاو» لشحن المنتجات بكميات كبيرة؟ بالتخلي عن المألوف واعتماد غير المألوف. إذ وبدلاً من محاولة إنتاج قطع الدجاج الصغيرة والبرغر، ركزت «فاو» على ما يمكن أن تقدمه الخزانات الفولاذية الكبيرة المليئة بالخلايا بشكل موثوق به في المدى القصير: منتجات غريبة ومميزة مخصصة لسوق السلع الفاخرة، وهي فئة جديدة من الأطعمة التي يسميها جورج بيبو الرئيس التنفيذي لشركة «فاو»: «اللحوم الغريبة».

اللحوم الغريبة هي انحراف عمّا وعدت به صناعة اللحوم الخلوية بالأساس. سيكون الأمر مكلفاً، في البداية. ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت شركة «فاو» تبيع بارفيه السمان لأربعة مطاعم في سنغافورة مقابل 100 دولار للرطل. وسوف تتميز هذه اللحوم بمذاق وقوام غير موجودين في الطبيعة. وسوف تُصنع من الحيوانات التي لم يعتد الناس أكلها. فكروا في التمساح، والطاووس، وطائر الغنم، وغيرها. في العام الماضي، تصدرت «فاو» عناوين الأخبار العالمية بعد «كرات اللحم الضخمة» - وهي نموذج أولي ضخم وفريد مختلط مع خلايا الفيل والحمض النووي لحيوان الماموث الصوفي - مما أدى إلى ظهور مقطع ذائع الانتشار في برنامج «العرض الأخير» مع ستيفن كولبرت. في نهاية المطاف، تأمل «فاو» في أن يمنحها إنشاء سوق فاخرة قوية للحوم الغريبة الفرصة لخفض التكاليف تدريجياً من خلال مواصلة البحث والتطوير، رغم أنها سوف تحتاج أولاً إلى تطبيع فكرة تناول الأنواع غير التقليدية.

غرائب الأطباق

عندما أنظر إلى طبق بارفيه السمان خاصتي، يدهشني أنني لم أتناول السمان من قبل. أتناول قضمة، ويكون الطعم خفيفاً ومليئاً مثل الزبدة المخفوقة، مع ملاحظات بطعم معدني دقيق أقرنه بالكبد. إنها تمثل بداية عصر جديد غامض، عصر ستكون فيه اللحوم المستزرعة متوافرة أخيراً، ولكن ليس بالطريقة التي يتوقعها أي شخص.

* مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»