قد يبدو «ريسايكل» للوهلة الأولى اسماً غريباً لعمل مسرحي، بل إنه قد يثير تساؤلاً مشروعاً مفاده: ما الذي يجمع بين هذا المصطلح الذي يشير إلى عملية معالجة النفايات بهدف إعادة تدويرها، وبين فنون الإبداع عموماً والمسرح بشكل خاص الذي يوصف تقليدياً بأنه «أبو الفنون»، والحق أن المتلقي لهذه المسرحية التي تعرض في موسهما الثاني ثلاثة أيام في الأسبوع هي الخميس والجمعة والأحد وتستمر حتى نهاية يناير (كانون الثاني) الحالي، على مسرح «الطليعة»، التابع للبيت الفني للمسرح، في حي العتبة بوسط القاهرة، سيدرك أن الاسم كان موفقاً للغاية، ويعبر بشكل مباشر عن العمل على أكثر من مستوى.
على مستوى الشكل، جاءت ديكورات العمل التي صممها مخرج العرض محمد الصغير، لتوظف العديد من عناصر النفايات التي فقدت صلاحيتها، وباتت بحاجة ماسة إلى إعادة التدوير مثل إطارات السيارات وصناديق الطعام الخشبية وزجاجات مياه غازية فارغة، فضلاً عن ملابس الممثلين التي صممتها عبير البدراوي وجاءت مكونة من قطع قديمة متنافرة الألوان والنسيج ترمز إلى ضياع هذه الشخصيات وتمزقها تحت عجلة الهموم اليومية التي لا ترحم.
على مستوى المضمون، يقدم العمل عدة اسكتشات أو لوحات تتناول العديد من القضايا الشبابية الملحة في المجتمع المصري مثل تأخر سن الزواج، التأثير السلبي للسوشيال ميديا، والتحرش، وقهر الأنثى، والبحث عن وظيفة، والمحسوبية، والتفاوت الطبقي الصارخ، وغياب العدالة الاجتماعية، لا توجد دراما إذن بالمعنى التقليدي، أي مقدمة وعقدة ونهاية عبر تسلسل متصاعد للأحداث، فنحن فقط بإزاء عدة قصص تبدو منفصلة لكن يجمع بين خيط واحد متمثل في وحدة المعاناة والهموم التي يجسدها أبطال العرض من الشباب.
ويؤكد مخرج العرض محمد الصغير، أن العرض يقوم على إعطاء مساحة كبيرة من حرية الارتجال لدى الممثلين، بحيث تخرج انفعالاتهم طبيعية للغاية في محاولة منا للتمرد على الشكل التقليدي المسرحي، مشدداً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، على أن «هذا الطابع التجريبي للعمل لا يأتي على حساب حيوية التفاعل مع الجمهور»، ويضيف الصغير قائلاً: «لا أنتمي إلى هذه النوعية من المخرجين التي تتعالى على المتلقي بحجة تقديم فكرة غير تقليدية، فإذا فقدنا خيط التواصل مع الناس نكون قد حققنا الفشل بامتياز، وبصراحة شديدة يهمني رأي الجمهور أكثر من النقاد، فما قيمة عمل عظيم يشيد به النقاد وينهالون عليه بالتمجيد في حين ينصرف عنه الناس ولا يشعرون به».
ويضرب الصغير مثلاً لأهمية رأي الجمهور لديه، فقد أقدم على تغيير مشهد النهاية حين رأى أنه لا يجذب انتباه الحضور في القاعة بالشكل الكافي، كما كانت هناك رقصة تعتمد على أداء حركي بشكل معين لم يتفاعل معها الجمهور فلم يتردد في إلغائها.
ويعد هذا العمل نتاج «ورشة ارتجال» أدارها المخرج محمد الصغير الذي تعود بداياته الفنية إلى الإخراج في المسرح الجامعي الذي قدم فيه أعمالاً لافتة، من ثم انتقل بعد ذلك للعمل ضمن منظومة مسرح الدولة، حيث قدم عروضاً لفتت الأنظار بقوة من حيث قدرتها على مزج الكوميديا بالمأساة، فضلاً عن التلاعب بنصوص عالمية وتراثية مهمة وإعادة تفكيكها وتركيبها من جديد مع الحفاظ على الرؤية الأساسية بها، كما في «يا هاملت» و«الليلة ماكبث» و«السيرة الهلامية».
وتشير عليا القصبي، إحدى بطلات العرض، إلى أن طبيعة هذا العمل وضعت العديد من التحديات على عاتق الممثلين مشيرة إلى أن الممثل يكون في أقصى درجات انفعاله بشخصية معينة، وفجأة عليه تغيير ملابسه ومساحيق وجهه في غضون دقيقة فقط ليجسد شخصية أخرى وفق سياق درامي جديد تماماً، وتضيف القصبي: «رغم هذا الإجهاد الشديد، لم نشعر سوى بمزيد من الطاقة الإيجابية التي نستمدها من تفاعل الجمهور معنا».
ويؤكد حسام التوني، أحد أبطال العرض، أن «القالب الكوميدي استطاع تخفيف الطبيعة الجادة المتجهمة لنوعية المشاكل المعروضة ضمن سياق هذا العمل»، موضحاً أنه لا تناقض على الإطلاق بين أن يحمل العرض رسالة جادة وبين استغراق الجمهور في الضحك.
«ريسايكل»... مسرحية تعيد تدوير هموم المواطن المصري
كوميديا تعتمد على ارتجال الممثلين
«ريسايكل»... مسرحية تعيد تدوير هموم المواطن المصري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة