أخيراً سيصبح لدى ألمانيا تصور عن الاتجاه الذي ستسلكه البلاد بعد تنحي المستشارة أنجيلا ميركل، أكثر الزعماء الألمان شعبية والأطول حكماً. فعندما تتقاعد ميركل في سبتمبر (أيلول) المقبل بعد 15 عاماً في الحكم، سيكون لدى الحزب زعيم جديد قد يكون هو المستشار المقبل، وستعرف ألمانيا أخيراً ما إذا كانت ستكمل بنهج ميركل أو تذهب في اتجاه مغاير.
فانتخاب زعيم جديد للحزب يتم اليوم في مؤتمر انطلق مساء الأمس، بعد أن تأجل لقرابة العام بسبب وباء «كورونا». الخيار بين ثلاثة مرشحين سيأخذون الحزب والبلاد في اتجاهين مختلفين، هم: فريدريش ميرز (65 عاماً)، ونوربرت روتغين (55 عاماً)، وأرميت لاشيت (59 عاماً).
ولو أن أعضاء الحزب هم المخولون اختيار الزعيم، لكانوا قد اختاروا ميرز الذي يحل منذ أسابيع في طليعة استطلاعات الرأي. ولكن من يختار الزعيم المقبل هم مندوبون منتخبون لمدة عامين، يبلغ عددهم 1001 شخص. هؤلاء منقسمون بين محافظين مؤيدين لميرز، وآخرين أكثر اعتدالاً من الأولياء لميركل، والذين يفضلون اختيار مرشح يكمل بالنهج نفسه.
وإذا كانت انتخابات زعيم الحزب التي حصلت قبل عامين عندما أعلنت ميركل تقاعدها، دليلاً، فإن أصوات الفئتين متقاربة بشدة. فقد فازت حينها أنغريت كرامب كارنباور، الزعيمة الحالية المستقيلة.
يقدم ميرز نفسه على أنه «البديل الجديد» في الحزب، وقال مرة عندما سئل عما يقدمه بترشحه: «أنا أقدم بديلاً بين الاستمرارية وبين بداية جديدة وتجديد». ولكن مؤيدي ميركل لا ينسون أن ميرز قد يكون ما زال يحمل ضغينة للمستشارة التي كانت السبب في خروجه من السياسة في التسعينات وتوجهه نحو عالم الأعمال والمال، ما جعل منه مليونيراً يسعى لإعادة الحزب إلى اليمين، بعد أن كانت ميركل قد شدته إلى الوسط. ودائماً ما ينتقد ميرز سياسات ميركل؛ خصوصاً تجاه اللاجئين، ويحملها مسؤولية تراجع الحزب في الانتخابات الأخيرة، ودخول حزب «البديل لألمانيا» المتطرف إلى البرلمان للمرة الأولى. وهو يعتبر أن سياسة «الباب المفتوح» التي اعتمدتها ميركل مع اللاجئين السوريين عام 2015، دفعت بكثير من الناخبين للتوجه للحزب المتطرف الذي بنى رصيده السياسي بالتهجم على اللاجئين والمسلمين. هؤلاء، يقول ميرز إنه يريد أن يستعيدهم للحزب، رغم أنه ينفي مساعيه لإعادة الحزب لليمين. ومنذ أزمة «كورونا» التي أعادت لميركل شعبيتها بسبب إدارتها الجيدة لها، خفت انتقادات ميرز بشكل لافت، رغم أنه لم يتوقف عن الترويج لسياسة لجوء أكثر تشدداً. ولم يتردد في توجيه انتقادات غير مباشرة لميركل بسبب موافقتها على الحزمة الاقتصادية الأوروبية لمساعدة الدول التي عانت أكثر من أزمة «كورونا».
المرشح الثاني، النائب نوربرت روتغين، كان مرشحاً مفاجئاً نوعاً ما. وهو أيضاً قد يكون يحمل «ضغينة» لميركل بعد أن طردته من الحكومة عام 2012 عندما خسر مقعده في «البوندستاغ» (البرلمان الفدرالي). وكانت عام 2009 قد عينته وزيراً للبيئة، وبقي في منصبه 3 سنوات. ولكن رغم ذلك، فإن سياسات وأفكار روتغين هي يمينية وسطية أقرب لميركل من ميرز. وهو قد دخل السباق على اعتبار أنه المرشح الذي يمتلك أكبر خبرة على صعيد السياسة الخارجية، مستفيداً من سنوات خبرة وعلاقات بناها من خلال ترؤسه لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان.
ولكن في الأسابيع الماضية، عندما شعر بأن السياسة الخارجية لن تكسبه المعركة، عاد وطرح نفسه كمرشح المرأة والشباب والطاقة المتجددة، مما رفع من أسهمه في السباق على الزعامة.
المرشح الثالث لاشيت، هو رئيس وزراء أكبر ولاية ألمانية من حيث عدد السكان، ولاية شمال الراين فيستفاليا. يتمتع لاشيت بعلاقة جيدة جداً مع ميركل التي يعتقد بأنه مرشحها المفضل بين الثلاثة، بعد أن فشلت مرشحتها المفضلة السابقة كرامب كارنباور في البقاء في المنصب واستقالت في فبراير (شباط) الماضي بعد فضائح خسائر انتخابية في ولايات محلية مني بها الحزب. لاشيت يقدم نفسه على أنه المرشح غير الأناني الذي لا يستفرد بالسلطة، في إشارة مبطنة إلى ميرز الذي يشاع عنه ذلك. ويقول لاشيت: «أنا لاعب ضمن الفريق. وحزبنا يقوم على التضامن». وفي المقابل، انخفضت شعبية لاشيت الذي لم ينجح في إثبات نفسه في قيادة أزمة «كورونا» في ولايته. وتناقلت صحف في الأسابيع الماضية ندم يانس شبان على تنازله للاشيت، ومحاولته العودة للسباق من دون جدوى. ولكن مع ذلك، فإن الوزير الشاب (40 عاماً) ما زال يطمح إلى أن يترشح لمنصب المستشار المقبل. ذلك أن تحالف حزب «الاتحاد المسيحي الديمقراطي» والحزب «الاجتماعي البافاراي» (الذي يوجد فقط في بافاريا ويتحالف مع حزب ميركل على الصعيد الفدرالي)، يقرران بشكل مشترك من هو مرشحهما لمنصب المستشار.
في الواقع تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن المرشح المفضل لمنصب المستشار ليس أياً من المرشحين الثلاثة لزعامة حزب «الاتحاد المسيحي الديمقراطي»؛ بل زعيم حزبه البافاري الشقيق ماركوس زودر الذي أثبت أنه قائد جدير خلال أزمة «كورونا». وحتى أن شبان يحل قبل المرشحين الثلاثة لزعامة الحزب، من ناحية الثقة التي يتمتع بها بين الناخبين لكي يكون المستشار المقبل.
«الاتحاد المسيحي الديمقراطي»... بين «الاستمرارية» و«التجديد»
حزب ميركل يختار خليفتها قبل 8 أشهر من تقاعدها
«الاتحاد المسيحي الديمقراطي»... بين «الاستمرارية» و«التجديد»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة