نجح دونالد ترمب ومايك بنس في العمل معاً لأكثر من أربع سنوات رغم اختلافاتهما الكبيرة. فالأول اشتُهر بثروته وببرنامج تلفزيون الواقع قبل دخوله معترك السياسة، أما الثاني فعُرف بمسيرته السياسية المحافظة.
لكن هذه الاختلافات طفت إلى السطح بعد خسارتهما الانتخابية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. وأصبح كل منهما يشعر بالخيانة من الطرف الآخر، كما ذكرت وكالة «أسوشيتد برس». وبلغ هذا الخلاف ذروته هذا الأسبوع، بعدما تحدى مايك بنس رئيسه علناً، ورفض قلب نتيجة الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الديمقراطي جو بايدن. فجاء رد ترمب غاضباً، وصنف نائبه ضمن السياسيين «الضعفاء»، فيما غذى غضبه مئات من أنصاره الذين شاركوا في اقتحام مبنى الكابيتول الأربعاء الماضي.
وقال أحد كبار موظفي الحزب الجمهوري في الكونغرس، إن العلاقة بين ترمب وبنس باتت «قاسية للغاية» في الوقت الحالي، مشيراً إلى مكالمات هاتفية متعددة وبخ فيها الرئيس ترمب، نائبه، مع محاولة الضغط عليه لاستخدام سلطات لا يملكها من أجل قلب نتائج الانتخابات الأخيرة. أما بنس، فقد شعر بالأذى والانزعاج من هذه الضغوط، وذلك وفقاً لعدد من الشخصيات المقربة منه الذين تحدثوا شريطة حجب هوياتهم لمناقشة المجريات الداخلية.
كان قرار بنس بالتحدي العلني للرئيس ترمب هو أول قرار من نوعه لنائب الرئيس المتصف بالاحترام البالغ، وبالإخلاص التام للرئيس الأميركي منذ يوم انضمامه إلى قائمة الحزب الجمهوري في عام 2016. وأمضى بنس فترة ولايته في الدفاع عن تصرفات الرئيس، محاولاً تهدئة روع مراقبين قلقين جراء خطابات الرئيس اللاذعة.
وقد تولى بنس بعض أكثر مشاريع الإدارة الأميركية أهمية، بما فيها قيادة الاستجابة الرسمية لمواجهة جائحة «كورونا». وواصل دعم الرئيس ترمب، رغم مزاعمه بشأن تزوير الانتخابات، ورفضه التام الإقرار بنتائج الاقتراع الرئاسي إثر خسارته الواضحة أمام بايدن. وفي ظل الظروف العادية، كانت عملية فرز الأصوات في الكونغرس، التي بدأت الأربعاء الماضي، تعد مجرد إجراء شكلي ليس أكثر. لكن بعد خسارة الدعاوى القضائية واحدة تلو الأخرى، ركز الرئيس ترمب وحلفاؤه جهودهم على حساب الأصوات في الكونغرس على اعتبارها الفرصة الأخيرة لدحض نتائج الانتخابات الرئاسية.
ودفع فريق الرئيس ترمب بأن نائبه يحظى بسلطات أحادية الجانب، تُخول له رفض أصوات المجمع الانتخابي المؤيدة لبايدن. وذلك رغم أن الدستور الأميركي ينص بوضوح على أن الكونغرس هو الجهة الرسمية الوحيدة المخول لها هذه السلطة دون غيره.
وتحول بنس لدى جزء من قاعدة ترمب الشعبية إلى ما يشبه كبش الفداء الذي يتحمل اللوم الكامل في خسارة الرئيس ترمب لفترة الولاية الثانية، إذا ما رفض الاستجابة للضغوط. وقد أمضى ترمب ومحاموه أياماً عديدة في ممارسة حملة ضغوط ثقيلة لإقناع بنس بالإذعان لإرادتهم عبر سلسلة من المكالمات الهاتفية والاجتماعات الشخصية، بما في ذلك أحد الاجتماعات الذي استمر لساعات طويلة يوم الثلاثاء الماضي.
وعندما قام بنس، الذي تشاور مع فريقه القانوني ومختصين في الدستور الأميركي وأعضاء مجلس الشيوخ، بإبلاغ الرئيس ترمب، صبيحة الأربعاء، بأنه لن يستطيع مجاراة تلك الجهود، انفجر الرئيس ترمب غاضباً للغاية في وجهه، على حد تعبير شخص مطلع على المحادثة.
وبعد فترة وجيزة، حض الرئيس ترمب من منصة في العاصمة واشنطن آلافاً من أنصاره احتشدوا تحت شعار «أوقفوا السرقة»، على السير إلى مبنى الكابيتول، محفزاً الآمال الواهمة لديهم بأن بنس ربما يغير نتائج الانتخابات، وفق «أسوشيتد برس».
وقال الرئيس ترمب، في خطابه، «إذا فعل مايك بنس الشيء الصحيح فسوف نفوز في الانتخابات»، وعاود الإشارة إلى بنس مراراً وتكراراً طوال خطابه، في محاولة لفرض المزيد من الضغوط على نائبه بُغية الانصياع لمطالبه ومجاراة الجهود المحمومة من طرف فريقه الرئاسي.
غير أن الرئيس ترمب كان يدرك بالفعل نوايا بنس. وأثناء إلقاء الرئيس المنتهية ولايته كلمته أمام أنصاره، أصدر بنس خطاباً إلى الكونغرس يبسط فيه ما خلص إليه بأن نائب الرئيس الأميركي ليس بمقدوره ادعاء حيازة السلطة الأحادية بُغية رفض الأصوات الانتخابية لدى الولايات.
وبعد ذلك بفترة قصيرة، وصل أفراد من الحشد المؤيد للرئيس ترمب إلى مبنى الكابيتول، حيث تجاوزوا قوات الشرطة، وتعمدوا تحطيم النوافذ، وقاموا باحتلال المبنى لإيقاف الإجراءات الانتخابية. ونُقل بنس من مجلس الشيوخ إلى موقع آمن على وجه السرعة، حيث جرى الحفاظ عليه آمناً لعدة ساعات رفقة موظفيه، بالإضافة إلى زوجته وابنته، اللتين كانتا موجودتين معه لتأييده ودعمه.
ولم يتصل الرئيس ترمب للتحقق من سلامة نائبه أثناء تلك الأوقات العصيبة، وبدلاً من ذلك أمضى جُل يوم الأربعاء في حالة من الغضب العارم بسبب تصرف بنس. وغرد قائلاً: «فقد مايك بنس الشجاعة لفعل ما كان يتوجب عليه القيام به لحماية بلادنا ودستورنا».
وفي وقت لاحق، جرى تصوير أفراد من الغوغاء المحتشدين خارج مبنى الكابيتول وهم يهتفون ضد نائب الرئيس ويقولون: «اشنقوا مايك بنس!».
أما بالنسبة إلى حلفاء بنس، شكلت تلك الأحداث واقعة مزعجة للغاية من تعريض حياة نائب الرئيس للخطر الداهم بعد 4 سنوات كاملة من الولاء غير المحدود للرئيس ترمب.
يقول جون تومسون، الناطق الرسمي باسم حملة بنس، ولقد عمل لدى رابطة الحكام الجمهوريين، «أعتقد أنه شهد ما يكفي في هذه الليلة». وأضاف قائلاً: «لقد كانت أعصابه مشدودة للغاية بالأمس، إنه شخصية تتمتع بقدر وافر من الإخلاص للرئيس، ولقد طلب منه الرئيس خرق القانون والتصرف خارج حدود واجباته الدستورية. وأعتقد أن الأمور قد بلغت حد الغليان الشديد، لدرجة أن نائب الرئيس قال معلناً: لقد اكتفيت من ذلك».
بدوره، صرح السيناتور الجمهوري جيم إينهوف، لصحيفة «تولسا وورلد» المحلية في ولاية أوكلاهوما، «لم أر بنس في حالة الغضب العارمة كما كان اليوم أبداً». فيما التزم نيوت غينغريتش، الرئيس الأسبق لمجلس النواب والمستشار غير الرسمي للرئيس دونالد ترمب، جانب الدفاع عن مايك بنس، وغرد قائلاً إن موقفه وتصرفاته هي صورة من أبلغ صور الشجاعة.
ولا يزال من غير الواضح كيف لمجريات الأحداث بين الرئيس الأميركي ونائبه أن تستمر على مدار الأسبوعين المقبلين، وإلى أي مدى سوف يحمل الرئيس ترمب الضغائن ضد نائبه. ولقد رفض البيت الأبيض مناقشة ما يُفكر فيه الرئيس ترمب، غير أن بعض الحلفاء قالوا إن بنس ينوي قضاء الفترة المقبلة برمتها في التركيز على المرحلة الانتقالية. كما أنه من المتوقع له أن يحضر بنفسه مراسم تنصيب الرئيس المنتخب جوزيف بايدن.
وفي حين أن مايك بنس كان يرتكز على علاقته الوثيقة مع الرئيس ترمب لتحسين فرصه السياسية في حال قرر خوض انتخابات 2024، إلا أن حلفاءه لا يعتقدون أن تصرفاته خلال الأسبوع الحالي ستضر بمكانته السياسية على المدى الطويل، حتى وإن ألقى بعض الناخبين اللوم عليه في هزيمة الرئيس دونالد ترمب. وقال تومسون أخيراً: «ظننت أنها من أقوى وأبلغ لحظات الجرأة والشجاعة بالنسبة إليه، كما أعتقد أن صداها سوف يتردد عبر مستقبله السياسي بأكمله».
خلاف ترمب وبنس ينهي تحالفاً سياسياً غير تقليدي
جمهوريون أشادوا بـ«جرأة» نائب الرئيس و«شجاعته»
خلاف ترمب وبنس ينهي تحالفاً سياسياً غير تقليدي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة