جمهورية اللامعقول تحت صور سليماني والمهندس

فيديو حرق صورة سليماني في بيروت
فيديو حرق صورة سليماني في بيروت
TT

جمهورية اللامعقول تحت صور سليماني والمهندس

فيديو حرق صورة سليماني في بيروت
فيديو حرق صورة سليماني في بيروت

لم يكن ينقص اللبنانيين لاكتمال غربتهم عن بلدهم سوى أن يستيقظوا ذات صباح ليجدوا صور قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس تحتل طرقاتهم وعاصمتهم. قائد فيلق القدس الإيراني ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أصبحا فجأة من الوجوه التي يصادفها الناس في شوارعهم ومداخل مؤسساتهم وبيوتهم، بعدما كان الرجلان قبل عام واحد مجهولين أو يكادان يكونان كذلك، عند الشطر الأكبر من المواطنين.
بل إن على سكان هذا البلد الصغير أن يجهزوا أنفسهم ليكونوا خط الدفاع الأول عن إيران التي أفضلت على لبنان وزودت حزبها فيه بالصواريخ، على ما قال قائد سلاح الجو في الحرس الثوري ذاته، أمير علي حاجي زاده. هذا التصريح استدعى رداً لطيفاً من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي اعتبر أن ما من أحد يشارك اللبنانيين في الدفاع عن بلدهم. وكرر حزبه «التيار الوطني الحر» الموقف ذاته بكلمات مختلفة قليلاً، من دون أن يأتيا على ذكر الضابط الإيراني بطبيعة الحال.
الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله اتهم في يوم ذكرى الغارة الأميركية التي قضت على سليماني وعامله على العراق، وسائل الإعلام بتزوير كلام حاجي زاده، إضافة - وفي مسألة منفصلة - إلى تلقي مئات آلاف الدولارات من الولايات المتحدة لتشويه سمعة المؤسسة المالية التي يديرها الحزب «جمعية القرض الحسن»، وتشكل نظاماً مصرفياً مستقلاً وموازياً غير خاضع للقوانين اللبنانية. التزوير وتلقي الأموال من الخارج وصفتان لا يصح أن يمرّ خطاب لنصر الله من دونهما. فمنتقدو تمادي جنرالات الحرس الثوري في ازدراء السيادة اللبنانية مثلهم مثل المتضررين من إفراط الحزب في احتقار القوانين المحلية وإقامة مؤسسات خارج أي رقابة أو مساءلة، خصوصاً عندما تعلو صرخة المودعين فيها بالشكوى من سوء المعاملة والتهرب من دفع المستحقات.
المصادفة، أو ربما الطيران الإسرائيلي الذي لا يغادر سماء لبنان إلا ليعود إليها، جعلت مستودع محروقات وغاز ضخم ينفجر قرب الحدود اللبنانية - السورية أثناء إلقاء نصر الله خطابه الذي حفل بالتهديد للولايات المتحدة وإسرائيل وحفنة العملاء والمتعاملين إلخ.. ولا يحتاج المرء خبرات جنائية ليعرف أن المستودع الذي تعرض للتفجير الغامض يشرف عليه مؤيدو الحزب، وهو مخصص لتهريب المحروقات والغاز المدعومين من المال العام اللبناني إلى الداخل السوري لتمويل نظام بشار الأسد والحزب المقاوم. بهذه الخفة يتعين على اللبنانيين تصديق جملة من «الحقائق البديلة» التي ترمي إلى إقناعهم بأنهم يعيشون أزهى أيام العزة الوطنية والكرامة بفضل «كرامات المقاومة»، فيما تهرب السلع الأساسية التي يشترونها بمالهم أمام أعينهم بتواطؤ أجهزة السلطة ومعرفتها.
بيد أن هذا جانب واحد من غربة اللبنانيين التي تتخذ شكل اليأس والاكتئاب الجماعي. ولكي تتضح الصورة تنبغي زيادة الأرقام الضخمة اليومية للمصابين بوباء «كوفيد - 19» وأعداد الوفيات جراء المرض وتحذيرات الهيئات الطبية من قرب انهيار القطاع الصحي بسبب ضغط العدوى المتفاقمة وفشل الدولة في اتخاذ أي إجراء لكبح الوباء الذي ينتشر بتموالية هندسية (ربما) مع استمرار التدهور الاقتصادي والامتناع عن البدء بخطوات لوقف الكارثة المعيشية المقبلة أو العمل على إصلاح القطاع المصرفي الذي نهب أموال المودعين بمباركة السلطة، ناهيك بضياع التحقيق في انفجار الرابع من أغسطس (آب) الماضي، في متاهات المهاترات السياسية والطائفية ومعه ضياع حقوق الضحايا والمصابين.
لا رد على الاعتراض على رفع صور سليماني والمهندس سوى مزيد من الاستعلاء والمكابرة تحت ضجيج محركات النفاثات الإسرائيلية. ولا حل للقضايا المعيشية والمطلبية والصحية سوى بجمل خطابية فارغة واستعراض للعدوانية من قبل تحالف الميليشيات والمافيات الحاكم. ليقابل ذلك كله بعبث ولامبالاة تصل إلى مستويات غير مفهومة أو قابلة للتصديق كتلك التي رافقت الاحتفالات برأس السنة الميلادية، حيث احتشد آلاف اللبنانيين من دون احترام إجراءات التباعد والوقاية من الوباء في المطاعم والملاهي...
كيف تصاغ صورة منطقية من هذه الأحداث ومن تناقضات اليوميات اللبنانية؟ هل حقاً ثمة من يشعر بخطر تخبئه الأيام المقبلة؟ هل من نظام عام يصح استتناجه من هذه الفوضى العارمة في السياسة والاقتصاد وتحلل البنى الاجتماعية والمؤسسية؟ لا جديد في الأسئلة هذه، ولا جديد في البحث عن إجابات لها. وإذا صح أن هناك ما يتغير تحت ضوء الشمس فهو مستوى اللامعقول والعبث واضمحلال كل ما يمت إلى الوضوح والانتظام بصلة. جمهورية اللامعقول برعاية لافتات تحمل صور قتيلين إيراني وعراقي يقال إنهما قدما حياتيهما فداء لنا... وثمة من يصدق.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.