مقبرة رمسيس الأول تستقبل الزوار بعد 12 عاماً من الإغلاق

انتهاء المرحلة الأولى من ترميم «كِباش الكرنك»

مقبرة الملك رمسيس الأول بوادي الملوك في الأقصر (وزارة السياحة المصرية)
مقبرة الملك رمسيس الأول بوادي الملوك في الأقصر (وزارة السياحة المصرية)
TT

مقبرة رمسيس الأول تستقبل الزوار بعد 12 عاماً من الإغلاق

مقبرة الملك رمسيس الأول بوادي الملوك في الأقصر (وزارة السياحة المصرية)
مقبرة الملك رمسيس الأول بوادي الملوك في الأقصر (وزارة السياحة المصرية)

بعد ما يقرب 12 عاماً على إغلاقها تعود مقبرة الملك رمسيس الأول بوادي الملوك بالأقصر (جنوب مصر) لاستقبال السياح، مرة أخرى، حيث أعاد الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار المصري، اليوم (السبت)، افتتاح المقبرة، في إطار جولته بالأقصر والتي شهدت أيضاً إتمام المرحلة الأولى من مشروع ترميم كِباش الصرح الأول بمعبد الكرنك والتي تضم 29 كبشاً، موجودة في الناحية الجنوبية، بعد الانتهاء من مشروع لترميمها، وإعادتها إلى حالتها الأصلية، والإعلان عن بدء مشروع لترميم 19 تمثالاً آخر موجودة في الناحية الشمالية من معابد الكرنك.
وقال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، في بيان صحافي، إن «أعمال ترميم مقبرة الملك رمسيس الأول شملت ترميم الأرضيات وتنظيف الجدران من مخلفات الطيور والخفافيش، وتنظيف النقوش الموجودة بالمقبرة وإزالة السناج».
من جانبه أوضح علي رضا، مدير آثار وادي الملوك، لـ«الشرق الأوسط» أن «المقبرة أُغلقت عام 2008 لبدء مشروع لترميمها وحمايتها من تأثير كثرة الزيارة السياحية، حيث شملت أعمال الترميم إعادة تهيئة المقبرة لاستقبال الزوار، وتزويدها بسلم وإضاءة».
ويعود تاريخ اكتشاف المقبرة إلى عام 1817 على يد جيوفاني بلزوني، ويبلغ طولها 29 متراً، وتتكون من ممر قصير ينتهي بحجرة دفن تحتوي على تابوت من الجرانيت، وتضم مجموعة من المناظر من بينها منظر على الجدار الأيسر من حجرة الدفن للملك رمسيس راكعاً أمام أرواح نخن وبي وهيراكنوبوليس، وكان رمسيس الأول نائباً للجيش في عصر حور محب، وزوجته سات رع، قبل أن يؤسس الأسرة التاسعة عشرة في الفترة من 1290 - 1292 قبل الميلاد، وتعرضت مومياء الملك رمسيس الأول للسرقة خلال عام 1860، قبل أن تستردّها مصر عام 2003، وتُعرض حالياً بقاعة طيبة، بمتحف الأقصر.
وفي سياق متصل افتتح وزير السياحة والآثار مشروع ترميم كِباش الصرح الأول من معابد الكرنك، ووصف وزيري مشروع الترميم بأنه «الأكبر من نوعه منذ قرابة خمسة عقود»، مشيراً إلى أن «الدراسات أثبتت خطأ عملية الترميم التي تمت للتماثيل في السبعينات من القرن الماضي».

ويعود تاريخ مشروع الترميم إلى ديسمبر (كانون الأول) 2019 في أعقاب نقل أربعة تماثيل كِباش أثرية من الصف الجنوبي بالفناء المفتوح الأول بمعابد الكرنك إلى ميدان التحرير، كجزء من خطة الحكومة لتطوير الميدان، حسب صلاح الماسخ، مدير معابد الكرنك، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه «خلال عملية النقل تبين أن «الكِباش لا ترتكز على قواعد من الحَجَر الرملي كما كان يعتقد، بل تستند إلى مصطبة مفرغة، سمحت للمياه الجوفية بالتسرب داخل التماثيل، مما أدى إلى تلف أجزاء كبيرة من قواعدها خصوصاً الجزء السفلي منها، ليبدأ مشروع ترميم الكِباش في الأول من مارس (آذار) الماضي.
وعقب اكتشاف ما تعانيه الكِباش بدأت لجنة أثرية في دراسة التماثيل وتاريخ ترميمها وتبين خلال الدراسة «ظهور عيوب» في عملية الترميم التي تمت لهذه الكِباش عام 1970 والتي استُخدمت فيها مواد مثل الطوب الأحمر والإسمنت والجبس، حيث أثّرت هذه المواد على الحجر الرملي المكون الكِباش، مما دفع وزارة السياحة والآثار لاتخاذ قرار بإعادة ترميمها، حسب الماسخ.
والكِباش، هي تماثيل أثرية برأس كبش وجسم أسد، وتعود تماثيل الصف الجنوبي في الصرح الأول من معابد الكرنك إلى عهد الملك رمسيس الثاني (1237 - 1304 قبل الميلاد)، وكانت موجودة في الأصل أمام الصرح الثاني، والذي كان بمثابة الصرح الأول في عهد الملك رمسيس الثاني، لكن الملك طاهرقا (644 - 690 قبل الميلاد) نقلها إلى الموقع الحالي، لبناء معبد في وسط الفناء المفتوح، وتماثيل الصرح الجنوبي جزء من صفَّي تماثيل شمالي وجنوبي، كان يضم 88 تمثالاً، 33 منها في الصف الجنوبي.
وأشار الماسخ إلى أن «أعمال الحفائر الأخيرة أثبتت نقل التماثيل من مكانها الأصلي، وكشفت معلومات علمية مهمة عن تاريخها، وما زال العمل مستمراً في دراسة الكتل الحجرية والفخار المعاد استخدامها والتي وُجدت أسفل التماثيل». وأوضح الماسخ أن وزير الآثار وجّه بترميم 19 تمثالاً موجوداً في الناحية الشمالية من المعبد، وسيبدأ العمل في الترميم الأسبوع المقبل.
ويعود اكتشاف كِباش الكرنك إلى جورج لاجارن (1910 - 1895) حيث اكتشف 12 تمثالاً من الناحية الشرقية في أثناء أعمال الحفائر في معابد الكرنك، ثم اكتشف شيفريه (1940 - 1926) 10 تماثيل خلال أعمال الحفائر من الناحية الشرقية، واكتشف مفتش الآثار المصري عبد الله عبد العليم 11 تمثالاً آخر عام 1942.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.