مودعون يسحبون أموالهم من مؤسسة تابعة لـ«حزب الله» في لبنان

محل لتصريف العملة في بيروت في 7 ديسمبر الجاري (رويترز)
محل لتصريف العملة في بيروت في 7 ديسمبر الجاري (رويترز)
TT

مودعون يسحبون أموالهم من مؤسسة تابعة لـ«حزب الله» في لبنان

محل لتصريف العملة في بيروت في 7 ديسمبر الجاري (رويترز)
محل لتصريف العملة في بيروت في 7 ديسمبر الجاري (رويترز)

لا تزال قضية قرصنة شبكة مؤسسة «القرض الحسن» التابعة لـ«حزب الله» تتفاعل في لبنان لا سيما مع تسجيل سحب عدد من المودعين ودائعهم، فيما يبذل الحزب جهوداً لـ«مقاومة» هذا الاختراق وتداعياته عبر التأكيد على عدم تأثير ما حصل على المؤسسة والأموال المودعة لديها.
وفيما لم تنجح المؤسسة في استعادة موقعها حتى أمس بعدما كان قد هدّد المقرصنون بالكشف عن المزيد من المعلومات، بدأت تداعيات هذه العملية التي نتجت عن كشف لأسماء المودعين تظهر عبر قيام عدد منهم بإقفال حساباتهم وسحب أموالهم لا سيما في ظل الخوف من أن تطالهم العقوبات الأميركية المفروضة سابقاً على «القرض الحسن» إضافة إلى مؤسسات أخرى تابعة لـ«حزب الله»، بحسب ما تقول مصادر مطلعة على هذا الأمر لـ«الشرق الأوسط»، وذلك بعدما عمد المقرصنون إلى التواصل مع المودعين عبر الرسائل النصية أو الإلكترونية داعين إياهم إلى سحب ودائعهم. وقال بعض من تم التواصل معهم بالبريد الإلكتروني إن بريدهم لم يكن ضمن المعلومات التي قدموها للمؤسسة، وهذا الأمر أدى إلى حملة مضادة من قبل «حزب الله» والموالين له ولا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي، معلنين دعمهم للمؤسسة، ومعتبرين أن ما حصل هو في سياق الحملات التي تشنّ على الحزب، إضافة إلى إصدار المؤسسة بياناً جديداً ثانياً أمس تؤكد فيه أن ما حصل لن يؤثر عليها.
وتعتبر الخبيرة الاقتصادية فيوليت بلعة أن الاختراق لا شكّ كشف المؤسسة وسيكون له تأثير على ثقة المودعين بها. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «مع هذه القرصنة لم يعد هناك ما يمكن اعتباره (سرية مصرفية) بغض النظر عن عدم شرعية المؤسسة كمؤسسة مصرفية، وهي التي أنشئت برخصة جمعية، وبالتالي هذا الاختراق سيهز الثقة بها وبمستقبلها وبسريتها ومدى ضمانتها للقروض التي تمنحها لا سيما أنها مدرجة على لائحة العقوبات الأميركية وإن كان جمهورها من فئة معينة وتحديداً الشيعة والمناصرين للحزب الذين يتعاملون معها عاطفياً، لكن ما حصل سيترك تداعياته، ولا شكّ أنه سيسجل إحجاماً عن التعامل معها كما كان يحصل في السابق، فيما سيتغير نمط عملها عبر البحث عن صيغ أخرى لتكمل نشاطها».
وتعتبر بلعة أن «القول بأن الحسابات والأسماء التي أعلن عنها عبر القرصنة غير دقيقة، لن يؤثر في جوهر ما حصل بعدما باتت هذه المؤسسة أكثر فأكثر تحت الضوء وهي أساساً مدرجة على (لوائح) العقوبات، وستصبح بالتالي ملاحقة أكثر مادياً ومعنوياً».
وتذكّر كذلك بلعة بأن مؤسسة «القرض الحسن» التي تملك عشرات الفروع في لبنان وتعمل كمؤسسة مصرفية، هي أصلاً مؤسسة غير قانونية وغير مرخصة من قبل مصرف لبنان وتقوم بعملها من خارج النظام المصرفي اللبناني أي خارج رقابة مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف و«ربما هذا ما سهّل اختراقها بحيث إنها ليست محصنة بالقدر الكافي لحماية أنظمتها».
وأمس عادت المؤسسة وأصدرت بياناً جديداً بعد بيانها الأول مجددة فيه القول إن المعلومات التي كشفت في عملية القرصنة، كما أسماء المودعين، غير دقيقة. وأوضحت «أنّ الخرق الحاصل هو للشبكة الخارجية للمعلومات، وهو جزئي ومحدود، ولم يطل الشبكة الأساسية المقفلة والآمنة، كما لم يطل الكثير من الحسابات الفعلية في المؤسسة». وأضافت: «إن معظم الأسماء المنشورة في الموقع المشبوه على أنها تتعامل مع المؤسسة، ليس لها حسابات في المؤسسة، وإنما زُجّ بها لغايات وأهداف سياسية وأمنية مشبوهة، سواءً للمقيمين منهم في لبنان أو للمغتربين. وإن غالبية الأسماء الواردة هي لمشتركين مقترضين وليست لمساهمين مودعين وهم مِن الذين استفادوا من قروض قديمة من المؤسسة».
ولفت البيان إلى «أن معظم الأرقام المالية المدرجة كبيانات مالية للجمعية هي غير صحيحة، والمؤسسة عادة تُعلن عن أرقامها وإنجازاتها بشفافية في وسائل الإعلام. وجمعية مؤسسة القرض الحسن تُعنى فقط بإعطاء القروض الحسنة بدون فوائد لطالبي القروض من أجل تلبية حاجاتهم المختلفة من سكنٍ ودراسة وطبابة وغيرها، وهي تؤمن تمويل هذه القروض من أموال المساهمين والمشتركين الذين يرغبون في دعم الناس المحتاجين».
ومعلوم أن آخر نشاط لافت لـ«القرض الحسن» كان قبل أسابيع بوضعها آلات صرافة لسحب الأموال وتحديداً بالدولار الأميركي في الضاحية الجنوبية لبيروت بشكل علني، وهو ما لاقى ردود فعل رافضة في لبنان وكان آخرها ما عبّر عنه رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، قبل يومين، بحديثه عن استفادة «حزب الله» من الفراغ في لبنان وعرقلته تشكيل الحكومة. وقال: «القوة المركزية في لبنان، يعني إيران متمثّلة بحزب الله، تنتظر تسلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن لتفاوض طهران معه على الملف اللبناني، والصواريخ، والعراق، وسوريا، واليمن، وفي الأثناء، هم مرتاحون في وقتهم. نرى كيف يستفيدون من الفراغ في لبنان، ومن يركّب أجهزة ATM في مناطقه تمكّن من سحب مبلغ يصل إلى حد الـ5000 دولار أميركي نقداً بينما المواطن اللبناني العادي يذهب إلى المصارف ويُذلّ ولا يستطيع سحب إلّا كمية قليلة جداً بالعملة اللبنانية وبعد الواسطة، أما هم فنراهم مرتاحين وينتظرون التفاوض».
وخلال الأزمة المالية التي بدأت في لبنان قبل أشهر، سُجّلت «مواجهة» بين «القرض الحسن» والمقترضين لديه، حيث كان يطالب الحاصلون على قروض بتسديدها بالعملة الخضراء (الدولار) أو وفق سعر الصرف في السوق السوداء (أكثر من 8000 ليرة للدولار الواحد) وليس السعر الرسمي (1500 ليرة للدولار).



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».