كتّاب وفنانون مغاربة تعاطوا مع الأزمة بصيغ متعددة... ومنهم من قتلته الجائحة

جداريات في أصيلة في زمن {كورونا}
جداريات في أصيلة في زمن {كورونا}
TT

كتّاب وفنانون مغاربة تعاطوا مع الأزمة بصيغ متعددة... ومنهم من قتلته الجائحة

جداريات في أصيلة في زمن {كورونا}
جداريات في أصيلة في زمن {كورونا}

هي سنة استثنائية بكل المقاييس، مرت ثلاثة أرباعها الأخيرة تحت رحمة الأزمة الصحية التي فجرها تفشي وباء «كوفيد - 19» عبر العالم، ودفع السلطات المغربية، بعد تسجيل أول حالة إصابة يوم 2 مارس (آذار) الماضي، إلى فرض حالة الطوارئ الصحية على البلاد في 20 من الشهر نفسه، خولتها اتخاذ تدابير استثنائية وإجراءات رادعة وحازمة لمواجهة تداعيات انتشار الفيروس، شملت، في الشق الثقافي، إغلاق المسارح والقاعات السينمائية والمتاحف والخزانات العمومية، وإلغاء التظاهرات الثقافية والمهرجانات الفنية، بشكل لخص لوضع غير مسبوق لخص وقعه وتداعياته «بيت الشعر في المغرب»، حين دعا الشعراء المغاربة إلى «أن يجعلوا من عُزلتهم الراهنة مناسبة للقاءِ الشعر قرينِ العزلة وتوأمها الشقيق، مُرددين جميعاً مع نيتشه (سارع إلى عزلتك، يا صديقي). فقد تتيحُ العزلة ما لا يتيحُه الحشد وجحيم الآخر».
وفرضت حالة الهلع غير المسبوقة التي تسببت فيها الجائحة، على الكتاب المغاربة، أن يتعاطوا مع الأزمة الصحية وتداعياتها بصيغ متعددة. فمنهم من اختار زيادة منسوب قراءاته وكتاباته. ومنهم من فضل «الصمت الصحي» للتعايش مع «الحجر الصحي»، دون التخلي عن الإيمان بـ«قدرة العلم على تمكين البشرية من الحلول الصحية والاقتصادية والاجتماعية للخروج من نفق هذه الهزة العنيفة»، مع الحفاظ على الأمل في «انبثاق رؤية جديدة إلى العالم بعد اجتياز الأزمة تقوم أساساً على احترام الحياة في الكوكب الذي نعيش فيه، وعلى إنصاف الإنسان، وتمكينه من شروط العيش الكريم».
وفيما تواصل «كورونا» تفشيها، ضيفاً ثقيل الظل يخنق الأنفاس، ويبقى استئناف النشاط الثقافي مأمولاً ومنتظراً في غضون السنة المقبلة مع أخبار البدء في عملية التلقيح عبر العالم، عاش المغاربة بألم كبير رحيل كتاب وفنانين كانت لهم بصمتهم على مستوى المنجز الفني والأدبي للمغرب المعاصر، بينهم من مات متأثراً بإصابته بفيروس كورونا.
وفضلاً عن رحيل عدد من رموز ورواد الممارسة الثقافية والفنية، وتأثر النشاط الثقافي جراء إغلاق فضاءات العرض والفرجة وإلغاء التظاهرات الثقافية والمهرجانات الفنية في مرحلة أولى، وتنظيم بعضها عن بعد، لاحقاً إثر تخفيف أو رفع جزئي للحجر الصحي، فقد تميزت السنة، على صعيد تدبير الشأن الثقافي، بتعيين عثمان الفردوس وزيراً للثقافة والشباب والرياضة، خلفاً للحسن عبيابة.

معرض وجوائز
شهد الربع الأول من السنة تنظيم عدد من التظاهرات الفنية والثقافية، يبقى أبرزها المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، الذي شكلت دورته الـ26 ما بين 6 و16 فبراير (شباط) الماضي، فرصة للاحتفاء بالجوار الثقافي والقيم الكونية وإثراء الحوار الثقافي الفكري الإقليمي والدولي، تعزيزاً للدبلوماسية الثقافية.
واحتفت هذه التظاهرة الثقافية الكبرى خلال دورة هذه السنة بدولة موريتانيا، كضيف شرف، فيما ناهز عدد المؤسسات المشاركة في هذه التظاهرة 266، منها 8 مؤسسات دستورية و6 وزارات قطاعية و3 مؤسسات عمومية و7 جامعات و12 سفارة وتمثيلية أجنبية، إلى جانب 230 عارضاً من المغرب والعالم العربي وأفريقيا وأوروبا وأميركا وآسيا؛ مع عرض 120 ألف عنوان، وتنظيم 120 فعالية ضمن البرنامج الثقافي الذي ساهم فيه 380 متدخلاً، 70 منهم من خارج المغرب، فيما تجاوز عدد الأنشطة التي نظمتها دور النشر وباقي المؤسسات ألف نشاط؛ وعرفت البرمجة الخاصة بفئة الأطفال تنظيم 80 نشاطاً أطره أكثر من 60 مؤطراً منهم فنانون ورياضيون وإعلاميون.
ونظم على هامش المعرض حفل لتوزيع جوائز ابن بطولة لأدب الرحلة 2020. التي كان من بين الفائزين بها من المغاربة الكاتب والروائي المغربي أحمد المديني في صنف الرحلة المعاصرة «سندباد الجديد»، عن كتابه «مغربي في فلسطين... أشواق الرحلة المغربية»، فيما تقاسم الجائزة في فرع «الدراسات» ثلاثة باحثين مغاربة هم زهير سوكاح عن «تمثلات الشرق في السرد الرحلي الألماني»، وأيوب بنمسعود عن «تداخل الأجناس في أدب الرحلة»، ومحمد حاتمي عن «المعرفي والأدبي في الرحلات المغربية». ومن الأعمال التي تم تبني نشرها، نجد «الرحالة والصحافي... رحلة الصفار إلى باريس نموذجاً» لأحمد المريني، و«ثلاث رحلات إيبيرية... المغرب في المتخيل الإيبيري ما بين القرنين 16 و19» التي اختارها وترجمها من الإسبانية والبرتغالية أحمد صابر، و«أنفاس الجغرافيا» لمحمد أشويكة.

إصدارات
واصلت عملية نشر الكتب ديناميتها، وإن بزخم أقل، غير أن اللافت هذه السنة يبقى التزايد اللافت لإصدارات الكتاب المغاربة من طرف دور نشر عربية، خصوصاً دار «خطوط» الأردنية ودار نشر «المتوسط» بإيطاليا.
من عشرات الكتب التي رأت النور خلال هذه السنة، أو تم تقديمها وتوقيعها، وتهم مختلف مجالات الكتابة والإبداع، نجد «إني رأيتكما معاً» لأحمد بوزفور، و«إعدام الشعراء» و«حين يخطئ الموت طريقه» لمحمد عنيبة الحمري، و«في جو من الندَم الفكري» لعبد الفتاح كيليطو، و«الكتابة بالقَفْز والوَثْب» لعبد السلام بنعبد العالي، و«أرخبيل الفزع» و«الحيوان الدائري» لأنيس الرافعي، و«في حضرة الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر» لعبد العزيز كوكاس، و«مرابع السلوان» لعبد القادر الشاوي، و«الأفرو أميركي» لعبد العزيز آيت بنصالح، و«بين وبين... نصوص قبل الكتابة - غير ملتفتة» لأحمد لمسيح، و«حياة الفراشات» ليوسف فاضل.

مهرجانات
فرضت جائحة «كورونا» وإجراءات مواجهة تفشيها إلغاء أو تأجيل عدد من المهرجانات الفنية والثقافية، على غرار «مهرجان موازين... إيقاعات العالم» بالرباط و«مهرجان كناوة وموسيقى العالم» بالصويرة و«المهرجان الدولي للفيلم بمراكش» و«موسم أصيلة الثقافي الدولي»، فيما فضلت أخرى التنظيم عن بعد، على غرار «مهرجان الفيلم المغاربي» بوجدة، و«مهرجان الأندلسيات الأطلسية» بالصويرة. وبين الإلغاء أو التأجيل والتنظيم عن بعد، سعى منظمو عدد من التظاهرات الثقافية إلى بعث رسالة أمل في زمن الجائحة. وفي هذا الإطار، ومساهمة منها في إذكاء شعور السكان بالمرح والطمأنينة عن طريق الفنون التشكيلية كأداة لمقاومة القنوط والاكتئاب، وتوظيف الفن والإبداع وسيلة للتعافي والشفاء من تداعيات الجائحة وآثارها على مزاج السكان وصحتهم، نظمت مؤسسة «منتدى أصيلة»، ما بين 13 و31 يوليو (تموز) الماضي، تظاهرة فنية من سبع فقرات، شملت مشاغل صباغة على الجداريات ومعارض تشكيلية وورشة للكتابة.
وأوضحت المؤسسة أن الفنانين المشاركين تحدوهم «الرغبة في توظيف الفن والإبداع كوسيلة للتعافي والشفاء من تداعيات الجائحة وآثارها على مزاج السكان وصحتهم». وتضمن برنامج هذه التظاهرة الفنية مشغل الصباغة على الجداريات بمشاركة 14 فناناً من جيل المبدعين المغاربة المرموقين، فضلاً عن مشغل الصباغة على الجداريات الخاص بأطفال أصيلة الفنانين، ومعرض لأعمال مختارة للفنانين المشاركين في التظاهرة برواق المعارض التابع لمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية؛ ومعرض لأعمال الفنانين الصغار، ومعرض للفنانين الزيلاشيين الشباب بقصر الثقافة. كما تضمنت التظاهرة إقامة منحوتة معدنية كبيرة للفنانة المغربية إكرام القباج في الوسط الدائري بمحج محمد السادس، مع مرافقة شباب «ورشة الكتابة» في توثيق أعمال الجداريات وكتابة بورتريهات تتحدث عن مسار كل فنانة وفنان وتجربتهم الإبداعية ضمن مشغل الكتابة.

رحيل رموز في الفن والأدب
بمزيج من الحزن والصدمة، ودع المغاربة عدداً من رموز الفن والأدب بالبلد، منهم من مات بعد صراع طويل مع المرض، كما كان الحال مع الفنانة والوزيرة السابقة في الثقافة ثريا جبران، والممثل سعد الله عزيز، والفنان المسرحي عبد الجبار لوزير، والناقد المسرحي حسن المنيعي، والباحث والإعلامي محمد أديب السلاوي، والمفكر محمد وقيدي، والفنان المسرحي أنور الجندي، والفنانة شامة الزاز، والفنان حمادي التونسي، وفنان الملحون أحمد سهوم، والفنان المسرحي عبد العظيم الشناوي. فيما امتزج الحزن لوفاة عدد آخر من الأدباء والفنانين الرواد مع صدمة رحيلهم جراء إصابتهم بـ«كورونا»، بينهم رائد الفن التشكيلي المغربي محمد المليحي، والفنان والملحن محمود الإدريسي، والإعلامي والناقد السينمائي نور الدين الصايل.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.