شكوك في نجاح التدقيق الجنائي رغم قانون البرلمان اللبناني

TT

شكوك في نجاح التدقيق الجنائي رغم قانون البرلمان اللبناني

يمكن القول مبدئياً إن حجة السرية المصرفية سقطت بإصدار البرلمان اللبناني أول من أمس قانون رفعها عن حسابات المصرف المركزي ومؤسسات الدولة، وهو ما اعتبرته الكتل النيابية إنجازاً من شأنه أن يمهد الطريق أمام التدقيق المالي الجنائي بعد أسابيع من انسحاب شركة «ألفاريز ومارسال» لعدم حصولها على المستندات المطلوبة لإنجاز التدقيق.
أما في التفاصيل فهناك «شكوك وعلامات استفهام كثيرة بدأت تطرح تنطلق من بنود القانون نفسه من جهة وفقدان المصداقية بالطبقة السياسية التي تعتبر متورطة بشكل أو بآخر بهدر المال من جهة أخرى، وبالتالي يستبعد أن تحاسب نفسها»، وفق ما يؤكد عليه خبراء في القانون والاقتصاد. مع العلم أن التدقيق الجنائي يعتبر من أبرز بنود خطة النهوض الاقتصادي التي كانت أقرتها الحكومة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي قبل إعلان فشلها، كما ورد أيضاً ضمن بنود خارطة الطريق التي وضعتها فرنسا لمساعدة لبنان للخروج من أزمته الاقتصادية.
وينص القانون الذي أصدره البرلمان أول من أمس، بعد دمج 4 اقتراحات عن رفع السرية المصرفية قدمتها كتلة «التنمية والتحرير» (الذي يرأسه رئيس البرلمان نبيه بري) و«القوات اللبنانية» و«اللقاء التشاوري» (النواب السنة المقربين من حزب الله) والنائب فؤاد مخزومي، على «تعليق العمل بقانون سرية المصارف لمدة سنة تسري من تاريخ نشر القانون، وذلك في كل ما يتعلق بعمليات التدقيق المالي والتحقيق الجنائي التي قررتها وتقررها الحكومة على حسابات المصرف المركزي والوزارات والإدارات والمؤسسات العامة والهيئات والمجالس والصناديق، كما جاء في قرار المجلس النيابي، ولغايات هذا التدقيق ولمصلحة القائمين به حصراً على أن يشمل التعليق كل الحسابات التي تدخل في عمليات التدقيق».
ويجمع كل من الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان والخبير الدستوري، ورئيس مؤسسة جوستيسيا بول مرقص على وجود ثغرات في القانون قد تؤدي إلى عدم تنفيذ التدقيق الجنائي لأسباب عدة منها حصر رفع السرية المصرفية بعام واحد، وهو الوقت الذي لن يكون كافياً لإنجازه لا سيما أنه يفترض بدء مفاوضات مع شركة جديدة بعد انسحاب «ألفاريز ومارسال»، إضافة إلى عدم وضوح كيفية التعامل مع المؤسسات الخاصة، وتحديداً المصارف المرتبطة حساباتها بالبنك المركزي.
ومع وصفه خطوة رفع السرية المصرفية بالإيجابية، يعتبر مرقص في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن صياغة القانون غير كاملة وتحتمل التأويل لمن يريد أن يتشدد بتطبيق النصوص، ويعطي مثالاً على ذلك أن بإمكان المصرف المركزي أن يعتبر أن المؤسسات الخاصة بما فيها المصارف غير مشمولة بالتعديل القانوني وبالتالي يمتنع عن الكشف عن المستندات الخاصة بها، معتبراً أنه كان يفترض تعديل المادة 151 من قانون النقد والتسليف حسما لأي جدل «في الماء العكر» بحيث يتم رفع السرية عن المصارف الخاصة أيضاً.
ويشكك مرقص بوجود إرادة برفع الغطاء السياسي عن المحسوبين على الأحزاب والمسؤولين في المؤسسات، وهذا أهم من رفع السرية المصرفية، بحسب قوله، وبالتالي يبدي خشيته من أن تصطنع عقبات ليست بالحسبان لتبرير عدم السير بالتحقيق.
وعن تحديد رفع السرية لمدة عام واحد، يعتبر مرقص أن إنجاز التدقيق في 12 شهراً أمر في غاية الصعوبة لا سيما إذا كانت ستشمل البنك المركزي والمؤسسات العامة والخاصة.
الملاحظات نفسها يتوقف عندها الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان، الذي يعتبر في حديث مع «الشرق الأوسط» أنه لو كانت هناك نية حقيقية وصادقة لإنجاز التدقيق المالي لما كان حدد القانون بعام واحد. ويوضح: «إذا كانوا يعتبرون أن هذا الأمر يؤثر على جذب الأموال، كان بإمكانهم إقرار قانون يرتبط بشكل أساسي أو تحديدا بمؤسسات الدولة وموظفيها».
ومع تأكيده أن المؤسسات العامة لا تتطلب رفع السرية المصرفية، يؤكد أبو سليمان أن الأمر الأهم سيكون مرتبطاً بالمؤسسات الخاصة وتحديداً بالمصارف الخاصة التي يفترض أن يكشف المصرف المركزي عن مستندات متعلقة بها وهو ما لم ينص عليه القانون الأخير، ويذكر بما سبق أن قاله حاكم البنك المركزي رياض سلامة، مطالباً برفع السرية المصرفية عن المصارف للكشف عن حساباتها وهو ما لم يحصل، وبالتالي قد يشكل بدوره عائقاً أمام التدقيق الجنائي.
أما إذا تم تخطي هذه الثغرات، فإن المدة الزمنية التي حددها القانون بعام واحد، هي عائق أساسي، وفق ما يؤكد أبو سليمان، ويعطي مثالاً على ذلك أنه في دولة الموزمبيق استغرق التدقيق الجنائي في مؤسستين عامتين فقط سبعة أشهر، وبالتالي إذا حققوا في لبنان إنجازاً ونفذوا التدقيق خلال 11 أو 12 شهراً، يعني بعد انتهاء العام الواحد المحدد بالقانون سنعود إلى الدوامة والحجة نفسها المرتبطة بالسرية المصرفية التي قد تحول دون أي محاسبة بعد إصدار التقرير.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.