غسان سلامة: نعيش في عالم معتل... بحاجة إلى مقاربة أميركية جديدة

المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا ووزير الثقافة اللبناني الأسبق دعا في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى نهج أميركي جديد مع الصين وروسيا

غسان سلامة (الشرق الأوسط)
غسان سلامة (الشرق الأوسط)
TT

غسان سلامة: نعيش في عالم معتل... بحاجة إلى مقاربة أميركية جديدة

غسان سلامة (الشرق الأوسط)
غسان سلامة (الشرق الأوسط)

لوزير الثقافة اللبناني الأسبق وأستاذ العلاقات الدولية والمبعوث الأممي غسان سلامة قراءة للوضع الدولي الراهن خص بها «الشرق الأوسط». وهو يرى أن جائحة «كورونا» بتداعياتها على السياسة والاقتصاد، كما على حياتنا اليومية، هي «الحدث الوحيد الطاغي الذي يجعل كل الأحداث الأخرى التي قد تشغلنا مجرد تزويق هامشي». ويقول: «إننا نعيش وسط عالم معتل، بالمعنى الحرفي للكلمة، كما في معناها المجازي، إذ تتزامن الجائحة مع وهن واعتلال شديدين في النظام الدولي، بحيث أدى انتشارها إلى تسريع عدد من التحولات في العلاقات الدولية التي كانت قد بدأت. كما أنها أطلقت بذاتها تعديلات أخرى على ذاك النظام، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقة بين الصين والولايات المتحدة».
ويضيف: «الجائحة كشفت الكسل الواسع في الغرب الذي كان بدأ يلمس مشكلته التجارية والمالية مع الصين، وبات اليوم مضطراً للإقرار بأن له معها مشكلة جيوسياسية أيضاً»، لكن سلامة يتجنب وصف تلك العلاقة الجديدة بـ«الحرب الباردة»، لاعتقاده بوجود «فروقات هائلة بين العلاقة التي كانت قائمة بين الغرب والاتحاد السوفياتي، والعلاقة القائمة اليوم بينه وبين الصين».
وهو يرى أن الجائحة شكلت «تحدياً حقيقياً» للأنظمة الديمقراطية حول العالم، لأن مكافحة الوباء دفعت بالضرورة إلى «فرض المزيد والمزيد من القيود على الحريات الفردية، في الوقت الذي تقوم فيه تلك الأنظمة على مبدأ أولوية تلك الحريات». لكن الذهاب من هنا إلى الاستنتاج بأن «الدول التسلطية أكثر فعالية من منافساتها الديمقراطية، أو أنها تتفوق عليها في مجالات التنمية والصحة، خصوصاً في مجال طريقة الحكم» هو بالنسبة إلى سلامة «حكم سابق لأوانه، والأرجح خاطئ».
وعن الولايات المتحدة، يرى سلامة أن إدارة الرئيس دونالد ترمب السيئة للجائحة، واستخفافه الغريب بها، كان لهما «الدور الأكبر» في تحديد نتائج الانتخابات الأميركية. وأبدى بالنسبة للإدارة الجديدة «تخوفاً من أن تكون مجرد فصل ثالث» بعد إدارتي بيل كلينتون وباراك أوباما في «كتاب قرأناه وأدركنا جميعاً حدوده وأخطاءه». وتساءل سلامة عن مدى قدرة ورغبة إدارة جو بايدن على «إنتاج سياسة لا تكون مجرد إعادة باهتة لإدارتين ديمقراطيتين سابقتين».
وهنا نص الحديث الذي أجرته «الشرق الأوسط» هاتفياً، أول من أمس، وتناول أيضاً الأوضاع في العالم العربي، مثل ليبيا ولبنان:

* لا تزال المعركة مع «كورونا» مستمرة، وهناك سلالة جديدة مع انطلاق عملية اللقاح. هل يمكن الحديث عن العالم وخلاصات معينة بعد الجائحة؟
- أعتقد أننا نعيش في عالم معتل ومريض، بالمعنى الحرفي والمجازي. بالمعنى الحرفي أننا نعيش وسط جائحة غير مسبوقة. وبالمعنى المجازي أن النظام العالمي الذي نعيش في ظله أيضاً معتل. وكل أملي أن يكون العام المقبل، عام المعافاة. لكن الاعتلال متعدد الأوجه عميق لدرجة أننا لو بدأنا مرحلة المعافاة قريباً فإن ذلك سيأخذ سنوات قبل أن نتعافى تماماً.
العالم معتل بطريقة غير مجازية. هناك مسالك فردية للنظر إلى الجائحة. هناك من يريد تناسيها، وهناك من هو مشغول البال بها في كل لحظة وحركة من حياته. لكن دون أي شكل. إنها أثّرت، أولاً، على حياتنا اليومية والحياة اليومية لعموم البشرية. لكن هناك أيضاً آثاراً جماعية.
* مثلاً؟
- أدت إلى وفاة أكثر من مليون 700 ألف إنسان. وهذا رقم متواضع لأنه لا يحتسب ربما ملايين الناس الذين توفوا في الجائحة دون أن يعرف بهم أحد. يقال إنها أصابت 70 مليوناً. لكن هذه هي الأرقام المسجلة، والأرقام الحقيقية أكبر بكثير، وسمعتُ من صديق مختص أن عدد المصابين أكثر من 300 مليون شخص.
* ماذا عن الاقتصاد؟
- هناك تأثيرات هائلة. سأذكر بعضها: الهند فقدت ربع إنتاجها خلال العام. وما كنا نتوقعه للاقتصاد العالمي من نمو في هذا العام أدى إلى تراجع بنسبة بين 7 و9 في المائة. الدول الثرية في الغرب التي تحاول أن تعوض على الذين تأثروا اقتصادياً، أنفقت خلال تسعة أشهر، ما قيمته أكثر ثلاث مرات مما أنفقته في معالجة الأزمة المالية في 2007. أعتقد أن تريليونات أخرى ستُنفق؛ ما يتطلب سنوات لتعويضها.
* ماذا عن قطاعات السياحة والعمالة والثروة؟
- لاحظنا أن هناك عدداً من الأمور التي لم نكن نتنبه إليها؛ هشاشة قطاع السياحة، والدول التي اعتمدت على السياحة أصيبت إصابات بالغة. تحتاج إلى سنوات كي يعود الناس ويعتادوا ثانياً على السفر والسياحة. هناك أيضاً انتقال الثروة إلى مجالات معينة. خلال تسعة أشهر من الجائحة، جيف بيزوس صاحب «أمازون»، ضاعف ثروته مرتين؛ وصلت إلى 200 مليار دولار، وتمكن من توظيف آلاف العاملين في التوصل للناس الجالسين في منازلهم. وواضح انتقال العمالة من قطاع إلى آخر. لذلك، نرى أن هذه الجائحة جعلت من عام 2020 الأبرز، أو الأوحد. إنها الحدث الوحيد الطاغي الذي يجعل كل الأحداث الأخرى التي قد تشغلنا مجرد تزويق هامشي.
* لكن ظهرت لقاحات...
- صحيح، تم التوصل إليها، لكنا لسنا متأكدين من أثرها على المدى الطويل، ولسنا متأكدين من أثر اللقاحات في حال تحول الفيروس. لسنا متأكدين أيضاً من حصول الأعداد الكبيرة ومليارات البشر الذي يعيشون في العالم على اللقاح قبل أن يضربهم الفيروس. هناك سباق بين اللقاحات والفيروس، خصوصاً أننا لم نجد، إلى الآن، دواء لهذا المرض، وليست لدينا ضمانة بأننا لن نُصاب بجائحة أخرى من هذا النوع.
إذن، العالم معتل بهذه الجائحة. النتائج هائلة ومستمرة بالزمن لفترة مفتوحة، رغم أن هناك لقاحات قد وُجِدت. أيضاً، هذا الاعتلال للنظام العالمي واضح، بالمعنى المجازي.
* هناك من يقول إن ما فعله الوباء هو تسريع اتجاهات كانت سائدة، من العمالة وهشاشة قطاع السياحة إلى موضوع أكبر يتعلق بصعود الصين ودورها...
- في بعض الحالات سرع، وفي أخرى دفع بأمور جديدة. في موضوع هشاشة القطاع السياحة أو الانتقال إلى العمل في المكاتب. مفهوم ساعات العمل بدأ بالتغير قبل الوباء. الجائحة سرعت من هذا الأمر. لكن في الوقت نفسه، أبرزت أنه ليست كل الأعمال قابلة للانتقال إلى المنازل. برزت مسألة اللامساواة في الدخل، وجرى تسريع تعميق الهوة بين فئات الموظفين والعمال.
* ماذا عن الجامعات والتعليم؟
- أصبح القسم الأكبر من التعليم الجامعي «أونلاين». إذن، نحن أمام شيء تم تسريعه لكن بثمن غالٍ. هناك عناصر من التعليم الجامعي لا تتم «أونلاين»، مثل العلاقات بين الطلاب التي توفرها الجامعة، والعلاقة بينهم وبين الأستاذ، والدخول إلى المكتبات. صحيح أن التسريع يتم، لكن أيضاً بثمن. ولم يتم وفق مخطط أو انتقال تدريجي لهذه الأمور، بل بصورة فجائية وقطعية.

النموذج الصيني... والعولمة

* ماذا عن الصورة الأوسع، موضوع الصين؟! هناك مَن يعتقد أن صعود الصين كان مطروحاً، وجاء الوباء وعجَّل الموضوع. هذا أولاً. الأمر الثاني أن الجائحة طرحت أسئلة عن نجاعة الأنظمة الديمقراطية، خصوصاً أن الصين حاولت الترويج لنموذجها باعتباره الأفضل للتعاطي مع الأوبئة.
- النقطتان في غاية الأهمية. الموضوع الصيني مطروح منذ فترة، لذلك يجب طرحه بهدوء. إنها بلد بدأ بالتحول بسرعة فائقة قبل ثلاثين سنة، وتمكن خلال ثلاثة عقود من إخراج مئات الملايين من الصينيين من تحت خط الفقر، وتحول إلى سوق كبيرة. والأهم إلى مصنع العالم. كان هذا يحصل وكأن الصين والدول التي تتعامل معها، وضعت العوامل الجيوساسية جانباً، لأنها غير مطروحة. منذ خمس أو ست سنوات، بدأ الاهتمام بالإنفاق العسكري الصيني. وبدأ هناك من يقول إن تعافي الصين الاقتصادي لأن الصين كانت اقتصاداً هائلاً في مطلع القرن التاسع عشر، وما حصل هو عودة إلى وضع الصيني العالمي، وليست المرة الأولى.
العودة الصينية التي تمت بسرعة وضعت الموضوع الجيوسياسي بين هلالين. ومنذ سنوات، بدأ بعض المراقبين يسألون: هل أنتم متنبّهون للإنفاق العسكري الصيني؟ هل تنبهتم إلى أنها أنتجت أول حاملة طائرات؟ بدأت بزراعة جزر اصطناعية قادرة على تحويلها لقواعد عسكرية بسرعة؟ أنا أضيف: هل تنبهتم إلى أن حرباً حصلت بين الصين والهند لأول مرة منذ عقود؟ ثم هل تنبهتم إلى أن الصين تصرفت للمرة الأولى بقبضة من حديد في هونغ كونغ والنزعات الديمقراطية؟
* الرئيس الصيني شي جينبينغ تحدث عن أولوية البعد العسكري...
- عندما يقول الرئيس الصيني إنه يسعى كي تكون بلاده الأولى في المجال العسكري قبل عام 2050، فإن دولاً كثيرة تصاب بالقلق، لأنها باتت تعلم أن الصين بلد لا يطلق الشعارات الفارغة. اليابان يزيد من ميزانيته العسكرية ويشتري 150 من آخر طرز «إف - 35». الهند تضاعف من تأهبها على الحدود. المطالبات بانسحاب القوات الأميركية من قواعدها الآسيوية تخفت.
بدأ التعامل مع صعود الصين الجيوسياسي قبل الجائحة. الجائحة جاءت لتعطي حججاً ديماغوجية لدى حديث الرئيس دونالد ترمب عن «الوباء الصيني». استعمل هذا تماماً في وقت كانت فيه أميركا تدخل في مفاوضات تجارية في غاية الأهمية مع الصين، لأن هناك شيئين مختلفين: الأول، شعور الغرب بأن حركة العولمة التي استفاد منها الغرب لفترة من الزمن بدأت تصبح أكثر إفادة للدول الأخرى من الغرب. بالتالي، بدأت التيارات تنشأ في دول الغرب، ولم يكن أحد يجرؤ على طرحها. جاء الرئيس ترمب وقال إنه يريد إعادة النظر بالعلاقات التجارية مع الصين، لأنها تستفيد من العولمة أكثر مما نحن نستفيد.
هناك عنصر أول يختص بنظرة الغرب إلى العولمة؛ من إيجابية جداً إلى سلبية، خلال السنوات التي سبقت الجائحة. جاءت الجائحة وتفوق الصين في إرسال المعدات الطبية ومعالجة ووهان، لتثبت مرة أخرى أن العولمة تسمح للصين بأن تعزز من صورتها وسطوتها في النظام العالمي بطريقة لم يعد الغرب قادراً عليها. الغرب الذي يرى أن حصة أميركا من الاقتصاد العالمي انتقلت من 45 في المائة في 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى نحو 17 في المائة اليوم. ديموغرافياً، نسبة الرجل الأبيض تراجعت من نحو 30 في مطلع القرن العشرين إلى أقل من 17 في المائة اليوم. إذن، هناك شعور بأن العولمة سمحت للشركات الغربية بأن تخفّض من تكلفة الإنتاج، من خلال نقل الإنتاج إلى الصين وآسيا، وأنعشت الشركات وفتحت سوقاً جديدة للمنتجات الغربية هي السوق الصينية، لكن العولمة لها ثمن بدأ يصبح أكثر من الفوائد التي جناها الغرب من العولمة.
* ثم جاءت الجائحة وأظهرت ذلك...
- أسست الجائحة مفهوماً جديداً، وهو مفهوم السيادة الصحية، بمعنى أن الدول المتقدمة اكتشفت أنها انزلقت بسبب منطق العولمة وتقليص التكلفة إلى التخلي عن إنتاجها الذاتي من الأدوية. من أصل أول دزينة لقاحات ضد «كورونا»، خمسة كانت صينية، وهذا إنجاز كبير سيزداد وهجه مع اعتماد عشرات الدول على اللقاحات الصينية، بالنظر لسعرها البسيط. فرنسا مثلاً اكتشفت فجأة أنه لا إنتاج للكمامات بقي عندها، وأن حبة «بانادول» تأتيها من الهند. هذا سيتغير بعد الجائحة، لأن الدول ستعيد النظر في معطيات العولمة، وفي انكشاف الضعف الذي أصابها.
* نظرة جديدة للصين...
- الجانب العسكري، بدأ يتطور؛ هنا المسألة جيوسياسة. كان هناك كسل فكري في الغرب. لدينا مشكلة جيوساسية وعسكرية مع روسيا ولدينا مشكلة تجارية مع الصين. حالياً، بدأ اكتشاف أن هناك مشكلة جيوسياسة وتجارية مع الصين. لذلك، فإن تعبير «الحرب الباردة» بين الصين والغرب، ليس ناجحاً.
* لماذا؟
- «الحرب الباردة» بين الاتحاد السوفياتي والغرب كانت قائمة على الاكتفاء الذاتي في كل شيء: الإنتاج العسكري والثقافي والاقتصادي. كان التبادل التجاري بين أميركا والاتحاد السوفياتي نحو 50 مليون دولار أميركي في السنة. الآن، هناك مشكلة جيوساسية مع دولة اسمها الصين، لكن هناك توأمة صناعية وتجارية. تبادل تجاري هائل. هذا فارق جوهري في العلاقة بين الصين والغرب اليوم، والعلاقة بين الغرب والكتلة الشرقية خلال «الحرب الباردة» التي كانت قائمة على إدارة الظهر كلّ للآخر. لم يكن هناك تبادل أو شيء، لكن حالياً التبادل هائل ومتعدد الأوجه. هناك مئات الآلاف من الطلاب الصينيين في الجامعات الأميركية. هناك شركات غربية تموت في حال انقطع التواصل مع الصين.
* ما المصطلح البديل لـ«الحرب الباردة» بين الصين والغرب؟
 - ليست حرباً باردة. تتحول تدريجياً إلى علاقة متوترة تحتاج إلى صيانة يومية من الطرفين، لفصل الأمور كي لا تتداخل وتتحول إلى صراع دموي.
* كيف يكون ذلك؟
 - أن نقول إن هناك مشكلة اسمها الجائحة بدأت في الصين وعالجتها الصين ولقاحات... يجب فصل هذا الموضوع عن العلاقة التجارية أو سعر صرف اليوان أو سلوك الصين العسكري في بحر الصين أو العلاقة مع الهند أو هونغ كونغ. العلاقة متشعبة مع الصين؛ ما يجعل جمع جميع الأمور معاً يؤدي إلى كارثة. لذلك، فإن المرحلة المقبلة، ستشهد بالضرورة، في حال ذهبنا إلى التعافي، نوعاً من الفصل بين المسارات. جمع المسارات ستكون في مستوى عالٍ من التوتر. إذا فصلت المسارات، يمكن أن تتفاوض الصين مع الغرب في كل من هذه المسارات على حدة. جمع المسارات كما كان يقوم به وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر مع الاتحاد السوفياتي مسيئة وغير مفيدة في الحالة الصينية.
* ماذا عن الفرق بين الدول الديمقراطية والدولة الشمولية؟ هل غير الوباء وصعود الشعبوية في النظرة إلى النموذجين؟
- حصل أمر ذو بعد تاريخي خطر في تسعينات القرن الماضي. للمرة الأولى في تاريخ البشرية، كان هناك أكثر من نصف دول العالم، وأكثر من نصف مواطني العالم، انتقلوا من الأنظمة التسلطية إلى الأنظمة الديمقراطية. لكن لاحظنا أنه في مطلع القرن الحادي والعشرين، حصل نوع من التراجع التدرجي، له شكلان مختلفان: أولاً: عدد الدول التي انتقلت إلى الديمقراطية عاد إلى الانحسار. رأينا دولاً تعود إلى الانقلابات العسكرية، أو أنظمة تسلطية بوسائل انتخابية. الثاني: نمو الشعبوية في الأنظمة الديمقراطية التي تغير من نوعية، ليس العدد، الحياة الديمقراطية من خلال قمع الحريات وتراجع السلطات التشريعية وانتخابات من خارج النوادي السياسية من رجال أعمال، ومن خلال تغير وسائل التواصل الاجتماعي ومخاطبة الناس دون المرور عبر المؤسسات الوسيطة، مثل البرلمانات والنقابات والأحزاب. حلت بدلاً منها إمكانية تحدث القادة مباشرة مع الناس، ما شجع الشعبوية. حصلت ثورة تكنولوجية سمحت للشعبوية بالدخول في صلب الحياة الديمقراطية في عدد من البلدان، وصلت إلى درجات عالية في مثل المجر أو أميركا أو البرازيل.
الثورة السيبرية سمحت بانتشار الشعبوية، ولكنها أيضاً سمحت بالتدخل المفرط للدول في شؤون الأخرى. من الواضح أننا سنشهد مزيداً من الحروب السيبرية في الأشهر والسنوات المقبلة، وهي ستزيد من التوتر في علاقات الدول العظمى كما ستضعف علاقات الثقة بين قادة العالم.
* هل يمكن الحديث عن مرض الدول الديمقراطية؟
- هناك تراجع عددي وفي نوعية الحياة الديمقراطية. لكن، هل هذا يعني أن الدول الديمقراطية عاجزة عن معالجة ظواهر مثل الجائحة والدول التسلطية قادرة على ذلك؟ لستُ متأكداً من الجواب. ما أراه أن الدول الآسيوية، مهما كان نظامها، كانت أفعل، مثل كوريا الجنوبية وفيتنام ولاوس وتايوان. أنظمتها السياسة ليست مثل الصين، لكنها تمكنت من معالجة موضوع الجائحة بطريقة أفضل من الدول الديمقراطية.
* أين المشكلة، إذن؟
- المشكلة أن الجائحة تفرض بالضرورة على الحكومات، مثل بريطانيا أو فرنسا أو إيطاليا، أن تمسّ بالحريات العامة؛ أن تفرض قيوداً على الحريات، بينما الفلسفة التي تقوم عليها الدول الديمقراطية هي الحريات. إذن، وجدت الدول الديمقراطية نوعاً من التناقض، لكنني أعتقد أن هذه الدول قادرة على العودة إلى مستوى من الحريات والديمقراطية إذا مرت الجائحة بخير ولم تبقَ آثارها بعيدة المدى. إذن، فاستخراج الخلاصة بأن الدول التسلطية قادرة أكثر، أمر مبالغ به ومتسرع وسابق لأوانه. لكن، كان هناك أيضاً جدل قبل الجائحة حول المقارنة بين الدول التسلطية والدول الديمقراطية في دفع التنمية الاجتماعية والاقتصادية. كانت الصين تقول إن النظام الذي اختارته: الرأسمالية مع الحزب الواحد، هو الأفضل للتنمية، عندما قارنت نفسها مع روسيا التي اختارت شيئاً من الديمقراطية وشيئاً من الرأسمالية. الصين فككت اقتصاد النظام الموجه، لكن لم تفكك الحزب الواحد. الجدل كان وتجدد الآن، لأن الدول التسلطية قادرة على فرض قيود على الحريات بسهولة، لأنها تفرض دائماً قيوداً على الحريات. في المقابل، فإن الدول الديمقراطية عندما تفرض قيوداً على الحريات تخرج عن المبدأ الذي قامت عليه.
لكن الديمقراطية ثقافة، وستجد في المرحلة المقبلة من يطالب بشدة حكومات بريطانيا وفرنسا وإيطاليا بأن تعود عن القرارات التي اتخذتها لمواجهة الجائحة، باعتبارها مرحلة استثنائية. أي فاصلاً بالزمن وليست خياراً ثابتاً. سيكون هذا هو الجدل الأساسي في الدول الغربية بالسنوات المقبلة: متى وبأي سرعة تعود الديمقراطيات إلى ما كانت عليه أو تبقي على القيود التي اضطرت لفرضها لمواجهة الجائحة؟
* ماذا عن أميركا؟ كيف أثّر الوباء عليها ودورها؟
- أعتقد أن نتيجة الانتخابات الأميركية قررتها الجائحة. لم تقررها بسبب حصولها، لكن إلى حد كبير بسبب سوء تعامل الرئيس ترمب معها؛ مثل أن يقول لبوب وودورد إنه تقصد القول للأميركيين في أبريل (نيسان) إن هذا الوباء ليس خطراً، وإن الحياة ستعود إلى طبيعتها، ثم «سيّس» موضوع الكمامة، بحيث أصبحت كأنها عَلَم، يحمله «الديمقراطي»، أو لا يحمله «الجمهوري»، ليقول إنه «جمهوري». ثم السماح بتجمعات واسعة دون كمامات. هناك سوء إدارة من ترمب لهذه الجائحة كلفته الانتخابات. الفارق بينه وبين جو بادين كان نحو ستة ملايين ناخب، لكن الفارق في الولايات المحورية ليس كبيراً. سوء إدارته (ترمب) للجائحة لعب دوراً في خسارته. هذا يعطي درساً مهماً. تعلمنا وعلمنا أن الأشخاص أدوارهم في مجرى التاريخ هامشي. هناك قوى لها دور في التاريخ، وليس الأفراد. في هذه الحال، سلوك ترمب الفردي نقيض ذلك. لو تصرف بطريقة مختلفة، لكانت حظوظه شبه مؤمّنة لإعادة انتخابه. بايدن لم يكن قوياً في الانتخابات التمهيدية في «الحزب الديمقراطي». كانت الانتخابات مع أو ضد ترمب...
* ماذا عن قولك إن بايدن هو الفصل الثالث في كتاب قرأناه؟
- عندما جاءت إدارة بادين، هناك بعض الأسماء الجديدة. لكن معظم الأشخاص الذي جاء بهم بايدن إلى إدارته، هم أشخاص ألفناهم مرتين في إدارة بيل كلينتون وإدارة باراك أوباما. عددهم كبير جداً في إدارة بايدن. سألت وأسأل حتى اليوم: هناك إدارتان «ديمقراطيتان» بعد «الحرب البادرة»؛ إدارة كلينتون وأوباما. والآن، هناك إدارة بايدن. هل هي فصل ثالث من كتاب قرأنا فصلين منه وعرفناهما؟ هل سيتمكن بايدن من إعادة النظر في عدد كبير من الأخطاء التي شهدناها أيام كلينتون وأوباما؟
* أي أخطاء؟
- تعامل كلينتون مع الاتحاد السوفياتي وبوريس يلتسين، باحتقار شديد. وكيف فشل في بناء علاقة ثقة مع روسيا الجديدة، ولا نزال ندفع ثمنها حتى اليوم. هناك في روسيا نوع من الغضب الحقيقي الذي تعامل به الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، مع روسيا بعد انتهاء الاتحاد السوفياتي. ندفع ثمنه يومياً في مجلس الأمن. ندفع ثمنه في ليبيا، وندفع ثمنه في سوريا وأماكن أخرى. هل الإدارة الديمقراطية الجديدة راجعت هذا الخطأ التاريخي في تسعينات القرن الماضي أم أنها تعود دون أن تكون تمت المراجعة؟
أيضاً بالنسبة إلى الصين والتدخل والحروب في العراق في 2003 أو ليبيا في 2011. هل هناك من جلس في أميركا في السنوات الأربع الماضية، وقال: إذا عدت إلى السلطة فإنني لن أقدم على الأخطاء التي حصلت في الإدارتين «الديمقراطيتين» السابقتين؟ هذا هو السؤال الأول لبايدن.
* السؤال الثاني؟
- هل أنا علمتُ أن العالم تغير وأننا لم نعد في عام 1990، ولم تعد الولايات المتحدة القائد أو الزعيمة الوحيدة للنظام العالمي؟ هناك دول كثيرة بدأت تتدخل في شؤون جيرانها. هناك دول وسطى تعمل يومياً بالعمل العسكري. تركيا منخرطة في أربع حروب. إيران أيضاً. الآن، القول إن الولايات المتحدة كان لها دور الريادة في الحرب العالمية الثانية، وإنه حصل فاصل قصير خلال ترمب وستعود الأمور إلى وضعها السابق، أمر في غاية الخطورة. هل هناك في هذه الإدارة مَن أجرى المراجعة؟ وهل هناك في هذه الإدارة مَن أعاد قراءة وضع أميركا في العالم الذي تغير بصورة كبيرة؛ ليس بسبب شخصية ترمب، بل لأن النظام العالمي كله تغير، ومن السذاجة بمكان وضع اللوم فقط على ترمب.
عندما تنظر في جوهر الأمور، كان هناك جانب إشكالي في شخصية ترمب، مثل التغريدات وإقالة المسؤولين فجأة، والتبديل في الوظائف، والهجمات اللفظية يميناً ويساراً، لكن هذه الشخصية عادت وتمكنت من الحصول على 60 مليون صوت في أميركا. له قاعدة شعبية حقيقية. هذه الشخصية، حاولت الحصول إلى شيء ما مع كوريا الشمالية وفتحت الملف التجاري مع الصين، ولم تفتح حرباً جديدة في العالم.
أخاف أن تكون الإدارة الجديدة تقول: كان هناك فاصل لأربع سنوات، وسنعود إلى الوضع السابق، مثل اتفاق المناخ ومنظمة الصحة والاتفاق النووي مع إيران.
* هل هذا ممكن داخلياً؟
- إذا كانت هذه الفكرة هي المسيطرة على الإدارة الجديدة، فلن أتوقع لها النجاح، خصوصاً أن الأكثرية في المحكمة العليا الأميركية محافظة. وأكثرية مجلس الشيوخ ستكون في أيدي «الجمهوريين» على الأرجح (بعد انتخابات جورجيا بداية العام)، وأغلبية «الديمقراطيين» في مجلس النواب ضعيفة.
* ماذا عن أوروبا: هناك بدء تطبيق اتفاق «بريكست»، الشعبوية، الهجرة، الإرهاب. أوروبا وسط كل هذه التحديات؟
- لنقل الأمور بطرق مختلفة: مَن كان يراهن على أن نجاح مؤيدي «بريكست» في بريطانيا سيؤدي إلى تفكك الاتحاد الأوروبي، فشل رهانه. هناك أدلة كثيرة لذلك. أولاً لم تخرج دول أخرى من الاتحاد، بل هناك دول لا تزال مرشّحة للدخول إلى الاتحاد. هناك حجة أخرى؛ أنه في الاتحاد الأوروبي، للمرة الأولى، قبلت ألمانيا بما تطالب به فرنسا وإسبانيا وغيرهما، بأن يستدين الاتحاد الأوروبي لمعالجة الجائحة اقتصادياً على مستوى الاتحاد. هذا جديد يحصل للمرة الأولى. أي أن الجائحة كانت دافعاً لتوطيد القوة المالية للاتحاد بدل ضعضعتها. ثالثاً حتى في بريطانيا، فإن مؤيدي الخروج لم يزيدوا بل نقص عددهم، حسب الإحصاءات.
إذن، الاتحاد الأوروبي نجح، رغم هول الجائحة، في المرحلة الأولى من «كورونا». الآن، لديه تحدّ جديد؛ أن قرارات الاتحاد تُتخذ بالإجماع. قرارات الإجماع تتطلب توافقاً حقيقياً على الأشياء الأساسية، وتماثلاً في الأنظمة السياسية. إذا ذهبت بعض الدول نحو مزيد من الشعبوية وتقييد الحريات، كما حصل في المجر وبولندا، فإن قاعدة الإجماع في الاتحاد ستعطل عمله دون أي شك. كاد هذا يحصل قبل أيام، ما لم يُعالج في اللحظة الأخيرة، حيث كاد ينهار مشروع اقتصاد الاتحاد الأوروبي بسبب بولندا والمجر. إذن، أنت بحاجة في أندية مثل الاتحاد الأوروبي، إلى أن تكون الدول تشبه بعضها بالأنظمة ومتفقة على الأساسيات. إلى أي مدى يمكن الحفاظ على ذلك؟
* ماذا عن العلاقة الأوروبية مع أميركا؟
- هناك تحول أوروبي باتجاه أكثر عدائية ضد الصين مما هو كان قبل الجائحة. كان هناك موقف أميركي عدائي وحرب تجارية مع الصين، لكن أوروبا لم تكن مستعدة لذلك. الآن، من خلال زيارتي الأخيرة لألمانيا والتحول في كلام الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، هناك تخوف من تحول القدرات المالية والاقتصادية الصينية إلى قدرات جيوسياسة. بالتالي، تأفف شديد من شراء الصين لميناء في اليونان وفي الجزائر. لم يكن هذا موجوداً في السابق. بدأ يظهر في أميركا، وكان الأميركيون منشغلين بالإفادة من السوق الصينية ويعطونها الأهمية القصوى. أصبح الآن هناك تشابه بالموقف بين أوروبا وأميركا في الموقف من الصين. وربما تصويت البرلمان الأوروبي الخاص بالأويغور (في الصين) مؤشر كبير إلى هذا التقارب في الموقف من الصين.
* الموقف من روسيا مختلف؟
- لدى ماكرون رغبة حقيقية في بناء علاقة استراتيجية مع روسيا. أعلن عنها في سبتمبر (أيلول) في 2018، لكن لم يتحقق منها الكثير. هناك أيضاً خط الغاز الذي تبنيه ألمانيا من روسيا، والذي تعارضه أميركا. وهو موضوع جدل. قد يكون في إدارة بايدن مجالات الاختلاف حول الموقف من روسيا، بينما هناك تقارب في الموقف من الصين.
* في بداية ظهور الجائحة، أطلق الأمين العام أنطونيو غوتيريش «هدنة كورونا» في دول الحروب، مثل ليبيا وسوريا وغيرهما. ما رأيك بالاستجابة؟
- نداء الأمين العام كان في محله، لكن الاستجابة لم تكن على مستوى النداء. أولاً، مجلس الأمن أخذ أسابيع وأسابيع قبل أن يتخذ قراراً بهذا الشأن. لماذا؟ الأمر واضح. أمام هذه الجائحة يجب أن نقف ونعالج ما هو أخطر، الذي يواجه المتقاتلين. لماذا تأخر؟ لأن الولايات المتحدة تريد أن تذكر الصين، وأن تؤكد على انعدام ثقتها في «منظمة الصحة العالمية». الوضع داخل مجلس الأمن «سيّس» هذه الجائحة، وجعل الاستجابة لنداء الأمين العام أعقد مما نتوقع.
* ماذا عن دول النزاعات؟
- لم تستجب أي من الدول. لكن الجائحة فرضت نفسها على المقاتلين. لاحظت أنه في ليبيا، بعد مرحلة من الإنكار لدى الطرفين في خطوة الجائحة، أن الإصابات التي بدأت تقع بالمقاتلين من الطرفين في الحرب أدت إلى قرار إلى الوقف التدريجي للنار، ثم في اجتماع «5+5» في جنيف، جرى تكريسه. الجائحة ساعدت ولا شك. لو دفع المقاتلون هذه الحرب فستصبح مجزرة حقيقية. إن لم تُقتل برصاصة خصمك، فستقتل بفيروس رفيقك. أنت بين خيارين: رصاصة من الطرف الآخر أو فيروس من حليف قربك. الجائحة خففت من حدة القتال، لكن لم يؤدّ ذلك إلى استجابة فورية أو كاملة لنداء الأمين العام.
* ماذا عن مستقبل مؤسسات الأمم المتحدة بعد الجائحة؟
- كانت الجائحة تحدياً كبيراً، لكن التحدي الأكبر في السنوات المقبلة. هناك مؤسسات في الأمم المتحدة، سيُطلب منها أكثر بكثير مما كان يطلب منها سابقاً. لديك «برنامج الغذاء العالمي» ويحتاج إلى مليارات لإطعام الفقراء في العالم. هناك برنامج اللاجئين، ولديه موازنة لمعالجة مشكلة ملايين اللاجئين. لديك مثل «منظمة الصحة العالمية» التي لها دور أساسي. وهناك «يونيسيف» ولديها دور أساسي. هذه الموازنات التي هي بعشرات المليارات الدولارات، من أين تأتي؟ تأتي اسمياً من كل دول العالم، لكن في الواقع معظم الموازنات تأتي من الدول الغربية. الآن، نحن أمام تحد كبير: إذا كانت هذه الدول الثرية، خصوصاً الغربية، في حاجة إلى الأموال لتمويل التراجع الاقتصادي الذي ضربها والبطالة الهائلة ومعالجة الجائحة من لقاحات وأدوية ومستشفيات، هل ستقدم عشرات المليارات الإضافية المطلوبة لمعالجة الآثار الوخيمة في الدول الفقيرة؟
* ماذا ستظن؟
- كان «برنامج النظام العالمي» بحاجة إلى عشرة مليارات سابقاً، إلى كم سيحتاج بعدما دخل 200 مليون شخص إلى مستوى الفقر؟ هل هناك دول ستقدم ذلك؟ أعتقد أن الدول الثرية ستحتاج إلى مالها لحاجتها الذاتية، والدول النفطية؛ فإن أسعار النفط انخفضت، وستبقى منخفضة لفترة طويلة. لن تكون الدول قادرة على تمويل مؤسسات الأمم المتحدة وحاجاتها. هذا تحدّ كبير أمام الأمم المتحدة.
* سياسياً. ماذا عن العلاقة بين الدول العظمى؟
- العلاقة بين الدول العظمى سيئة. آمل أن تكون العلاقة مع إدارة بايدن أحسن. دور مجلس الأمن معدوم تماماً في الأزمات العالمية مثل ناغورنو قره باخ، وما حصل بين الصين والهند. هناك عدد من النزاعات دور الأمم المتحدة هامشي إلى حد الانعدام، كما هو في سوريا أو في عملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. هذه حالة كلاسيكية كي يكون للأمم المتحدة دور أساسي، لكن الدور الأساسي كان للولايات المتحدة، والأمم المتحدة كانت مراقباً. هناك تراجع في دور الأمم المتحدة في مجال الأمن والسلم العالميين بسبب الخلافات المستعرة بين الدول الكبرى.
* لكن هناك أزمات أخرى، مثل المناخ والفقر والجائحة...
- هنا، التحدي. هل ستتمكن من التعويض عن تهميشها في مجال الأمن والسلم في مجال الأمن الإنساني والإنمائي. هذا سنراه حسب العطاءات التي ستقدمها الدول الكبرى.

تفاؤل في ليبيا

* ظهرت مؤشرات في ليبيا إلى أنها على مسار جديد. ما قراءتك للوضع هناك؟
- في ليبيا، هناك حالة فريدة حيث الأمم المتحدة في عجلة القيادة في عملية التسوية. هناك دول تتطلع لأن تلعب هذا الدور، لكن بعثة الأمم المتحدة تمكنت من أن تبقي لنفسها دور الريادة رغم التحديات الكبيرة. أنا فخور، وأقول ذلك دون أي تردد، بما تمكّنا من القيام في السنتين الماضيتين، في ظروف في غاية الصعوبة. جمعنا تحت سقف واحد الرئيسين عبد الفتاح السيسي ورجب طيب إردوغان، ورتبنا «مؤتمر برلين»، في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي. كل الدول المعنية بالشأن الليبي تعهّدت بأمور مهمة، وتركت تنفيذها لليبيين، بدعم قرار دولي تمكنا بصعوبة فائقة من الحصول عليه، هو القرار «2510».
* ماذا عن التنفيذ؟
- عندما جاء وقت التنفيذ، حصلت أمور غير مناسبة؛ هناك مَن سعى لحرف تنفيذ قرار «مؤتمر برلين»، لأنه سيؤثر على وضعه «النهبوي»، ويعيد النظر في وضع الناس الذين استولوا على ثروات ليبيا. حصل تقاتل حول طرابلس، وحصلت الجائحة، ما أعاق تنقّلنا وجمعنا لليبيين. بعد مرور أشهر، بدأت في الصيف الماضي عملية تدريجية لتنفيذ مقررات «قمة برلين» على المسارات الثلاثة التي لي الفخر بأني أطلقتُها في مطلع العام. كان للفريق الذي عمل إلى جانبي، والذي بقي يعمل بقيادة نائبتي سيتفاني ويليامز، رغم العارض الصحي الذي تعرضت له شخصياً، بقي العمل على تنفيذ «خطة برلين». هل هذا التنفيذ بالوتيرة التي أريدها؟ لا. هل يمكن عودة التقاتل؟ نعم. هل يمكن إعادة التدخل الخارجي كما كان قبل «قمة برلين»؟ نعم. هل خرج المرتزقة كما أردنا؟ لا. هل فُتحت كل الطرقات؟ لا.
* ما الأمور الإيجابية؟
- إذا قارنت وضع ليبيا بما كان قبل أشهر، فالوضع أفضل. عادت الطائرات بين المدن. فُتحت طرقات. نازحون عادوا لمناطقهم. لأول مرة هناك اجتماع لمجلس إدارة المصرف المركزي بعد ثلاث سنوات. هناك حوار سياسي بدأ في تونس وانتقل افتراضياً. هناك مؤشرات عدة تشير إلى أمر واحد.
* وهو؟
- هناك وعي أفضل بين الليبيين. محاولات السيطرة العسكرية حصلت وفشلت. هناك ضرورة لتفاهم سياسي. ثانياً، أي تفاهم سياسي يمر عبر الأمم المتحدة أفضل من أي اتفاق سياسي، لأن الأمم المتحدة ليست لديها أهداف نفطية أو صناعية أو تجارية، بينما الدول قد تكون هذه الأهداف. الأمم المتحدة تهتم بالليبيين، وليست فقط بخيرات ليبيا. ثالثاً، هناك وعي عند الدول المتدخلة بأنه ليست هناك دولة واحدة قادرة على السيطرة الكاملة. عليها أن تقبل بحصة من النفوذ وليس كل النفوذ.
إذن، هناك مؤشرات لا تزال ضعيفة على المسارات الثلاثة؛ أننا نذهب باتجاه بالصحيح في ليبيا. سيأخذ الأمر وقتاً من الزمن في الأشهر المقبلة. رغم كل العراقيل، أنا متفائل بأننا ذاهبون بالاتجاه الصحيح لإخراج ليبيا من الأزمة التي أدخلت نفسها فيها.

الحل في لبنان

* ماذا عن لبنان؟ هناك تقارير عن فقر وهجرة ولا حكومة، وهناك كلام عن انتهاء لـ«اتفاق الطائف». كيف تقرأ الوضع عموماً؟
- دعني أقُل: انتهى التطبيق الواقعي لـ«اتفاق الطائف». هناك تطبيق ما له جوانب مؤسساتية، مثل بناء «الترويكا» وجوانب مذهبية، مثل إضعاف بعض الفئات وتقوية أطراف أخرى. هذا التطبيق لـ«الطائف»، أصبح وراءنا. هل الحاجة لتطبيق آخر للاتفاق أكثر أمانة لروحه أم الحاجة إلى شيء بديل من «الطائف»؟ أؤيد الفكرة الأولى. أعتقد أن «اتفاق الطائف»، في روحه، أنهى حرباً أهلية قضت على 170 ألف لبناني. لن أتخلى عنه بسهولة وخفة. لكن كنت أعتبر التطبيق الواقعي للاتفاق تحريفاً، لدرجة أنه قتل روح «الطائف» في حقيقة الأمر. إذا سألتني عن الخيارين: بين تطبيق أكثر أمانة لنص «الطائف» وأن تُضمن بعض التعديل في نصوصه، أو البحث عن شيء بديل خالص. أنا مع الحل الأول وليس الثاني.
* نُقِل عنك قولك «انتفاضة لبنان» كشفت عورة قادة الطوائف... كيف؟
- الموضوع الأساسي أن الطبقة الأساسية واستطلاعات الرأي تشير إلى ذلك، فقدت كثيراً من شعبيتها وقاعدتها. فاجأت اللبنانيين بمدى استخفافها بهم. الانهيار المصرفي وأن يجد المرء وقد فقد مدخرات عمره في الداخل والخارج ولم يعد قادراً على تعليم أولاده صدم. وصدم مرة أخرى بانفجار مرفأ بيروت. ذهب الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون وتجول في بيروت، ولا يستطيع سياسي لبناني الذهاب إلى مطعم دون أن يُطرد منه. الطبقة السياسية وعت مدى كراهية الناس لها. استطلاعات الرأي التي لا تُنشر تشير إلى ذلك أيضاً.
* وتشكيل الحكومة؟
- كان يمكن للحكومة أن تتألف قبل انتهاء هذه المقابلة بيننا، لولا أمران: الأول، هو الهبوط المريع في شعبية معظم قادة البلاد، الأمر الذي يجعلهم يحاولون استغلال عملية تأليف الحكومة لتعزيز شعبيتهم المتراجعة وسط بيئاتهم المذهبية والطائفية بدلاً من الإسراع في التفاهم كما تقتضيه مصلحة البلاد المأساوية. الثاني، معرفة هؤلاء القادة أنه فور تأليف الحكومة فستتعرض هذه لمطالبات وضغوط دولية لاتخاذ قرارات تقشفية غير شعبية، والقيام بإصلاحات بنيوية في المالية العامة وفي النظام المصرفي موجعة أيضاً، خصوصاً أنها لن تتم إلا إذا سبقها كشف تفصيلي حول الوضع الحقيقي لمالية الدولة وحسابات المصرف المركزي ولأحوال البنوك الستين في البلاد، وهي إضاءة مجهرية يتخوف منها سياسيون عديدون لأسباب لا تحتاج لتفصيل. من هنا التهرب أمام إلحاح ماكرون، وحالة الإنكار بالنسبة للحاجة لتفاهم سريع مع «صندوق النقد الدولي» والتمهّل في تأليف حكومة كان من المفترض أن تتألف فور استقالة حكومة دياب في أغسطس (آب) الماضي، بعد انفجار المرفأ المروع.
خوفي هو التالي: أن توسع حالة الفقر واللاجئين السوريين والفلسطينيين من جهة، وتوسع حالة الفقر والحاجة من جهة ثانية، سيجعل الناس أكثر اعتماداً على زعمائهم الطائفيين، لأنهم سيكونون في حاجة لمن يعينهم. إنني خائف من أن تؤدي الأزمة إلى إعادة تعويم الطبقة السياسية، من خلال قيام هذه الطبقة بإعالة المعوزين الذين فقدوا كل شيء ووضعوا جانباً غضبهم على الطبقة السياسية للحفاظ على الحد الأدنى من معيشتهم.

«النهبوقراطية»

* بماذا تشعر عندما تسمع أن العراق الذي يعوم على الثروة غير قادر على دفع رواتب موظفين؟
- أشعر بأمرين: أولاً، كم كان عدد الموظفين في العراق عند سقوط صدام حسين؟ أقل من مليون. ما هو عددهم الآن بعد 20 سنة من سقوط صدام؟ نحو أربعة ملايين. ماذا يعني ذلك؟ سلوك القيادات السياسية العراقية التي جاءت بعد سقوط صدام كان سلوكاً غير مسؤول. كل طرف وضع محازبيه في الدولة، ولا يحصلون على الرواتب ليبقوا على ولائهم لهم. هذا حصل أيضاً في ليبيا. كل الليبيين عندهم راتب. ليس هناك شخص غير موظّف. حتى في تونس. بعد الثورة، جرى توظيف كثيرين بحاجة ودون حاجة. أنت تثقل القطاع العام بطريقة «خنفشارية». زيادة عدد الموظفين لإسكاتهم وكسب ولائهم. مالية الدول لن تتمكن من القيام بأي شيء سوى دفع المرتبات في أحسن الأحوال. حتى هذا قد لا تتمكن منه. إذن، هناك شيء أساسي يجب معالجته في طريقة الحكم في بلادنا العربية وطريقة التوظيف في القطاع العام. هذا موضوع خاص.
ثانياً، هناك موضوع «النهبوقراطية». هناك تركيز على النزاعات السياسية. إسلام سياسي وغير إسلام سياسي. حكم عسكري وحكم مدني. حكم ديمقراطي وحكم تسلطي. لكن ماذا عن المالية العامة؟ أين تذهب الأموال. قلت للأمين العام ولمجلس الأمن الدولي، إنه على الأمم المتحدة أن تتحول إلى جهاز مراقبة الإنفاق في هذه الدول. في بعض دولنا العربية، الإنفاق قائم على النهب. تعبير فساد يزعجني. في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا هناك فساد. نحن لسنا في مرحلة الفساد، بل في مرحلة النهب. الاستعمال المفضوح والمكشوف للسلطة السياسية لنهب ميزانية الدولة. هذا حصل في لبنان وفي العراق وفي ليبيا ودول كثيرة.
* هل لاحظت هذا في ليبيا؟
- طبعاً. عندما كان يأتي الموضوع المالي أو النفطي، تظهر تحالفات لا علاقة لها بالتحالفات السياسية. أكتشف أنه بموضوع النفط والمنشآت العامة والكهرباء، هناك تحالف يناقض تماماً التحالف السياسي. الشيء ذاته في العراق ولبنان ودول أخرى. هذا يعني أننا نلهي الناس بالقضايا الشعبوية والآيديولوجية، لكن هناك أناساً لم ينسوا أن المال هو أولوية، وهم متخصصون بذلك، وبتكديس الناس متلهيةً ببعضها. هؤلاء لا يهمهم إذا كانت البلاد في حالة سلم أو حالة حرب، لأن لديهم طرقاً للنهب في حالات السلم، وطرقاً للنهب في حالات الحرب. بالتالي، لا يفرق معهم الموضوع الأمني والسياسي والحريات، لأن النهب ممكن في حالات الحرب، بل ربما أكثر في حالات التقاتل والحرب أكثر من حالات السلم. لذلك، هم غير متعجلين على إنهاء النزاعات. هذا أسميه «النهبوقراطية»، الذي هو نظام شائع بأفريقيا وشاع مؤخراً بطريقة مرضية في دول عربية.
 


مقالات ذات صلة

دراسة مصرية تثبت قدرة أدوية الالتهاب الكبدي على الحد من وفيات «كوفيد - 19»

صحتك فيروس «كورونا» تسبب في وفيات بالملايين حول العالم (رويترز)

دراسة مصرية تثبت قدرة أدوية الالتهاب الكبدي على الحد من وفيات «كوفيد - 19»

كشفت دراسة طبية مصرية عن نجاح دواء يستخدم في علاج مرضى فيروس (التهاب الكبدي الوبائي سي) في الحد من مضاعفات الإصابة بفيروس «كوفيد - 19» المعروف بـ«كورونا»

نصري عصمت (لندن)
أوروبا سجّلت بريطانيا أحد أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بجائحة كورونا في أوروبا إذ حصد «كوفيد - 19» أرواح نحو 226 ألف شخص (رويترز)

أكثر من 14 مليار دولار تكلفة الاحتيال المتعلق بـ«كوفيد - 19» في بريطانيا

بلغت تكلفة الاحتيال المتعلق ببرامج الدعم الحكومي خلال جائحة كوفيد - 19 في بريطانيا 10.9 مليار جنيه إسترليني (14.42 مليار دولار).

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق امرأة ترتدي الكمامة خلال فترة انتشار الجائحة في كندا (رويترز)

كيف أثّر وباء «كوفيد» على مرحلة البلوغ لدى الفتيات؟

تسبب الإغلاق الذي فُرض بعد انتشار جائحة «كوفيد - 19» في توقف شبه تام للحياة، وشهد مئات الملايين من الأشخاص تغيُّرات جذرية في أنماط حياتهم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك طفلة تتلقى جرعة من لقاح «موديرنا» لفيروس «كورونا» بصيدلية سكيباك في شوينكسفيل - بنسلفانيا (رويترز)

تقرير أميركي: وفاة 10 أطفال بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا»

قال مارتي ماكاري، مفوض إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية، اليوم (السبت)، إن البيانات أظهرت وفاة 10 أطفال؛ بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل في المكسيك يتلقى جرعة من لقاح الحصبة (رويترز)

لقاحات شائعة تمنع الأمراض المزمنة وبعض أنواع السرطان... تعرّف عليها

لا تقتصر فوائد اللقاحات على حمايتك من أمراض معدية محددة أو تخفيف حدة الأعراض عند الإصابة بالمرض، بل يمكنها أيضاً الوقاية من الأمراض المزمنة الشائعة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

دمشق و«قسد» تُسارعان لإنقاذ اتفاق الدمج قبل انقضاء المهلة

مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
TT

دمشق و«قسد» تُسارعان لإنقاذ اتفاق الدمج قبل انقضاء المهلة

مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)

قال أشخاص مشاركون في محادثات لدمج القوات الكردية مع الدولة السورية، أو مطلعون عليها، إن المسؤولين السوريين والأكراد والأميركيين يسعون جاهدين لإظهار تقدم في اتفاق متعثر قبل المهلة المحددة بنهاية العام.

وذكرت المصادر السورية والكردية والغربية التي تحدّثت إلى «رويترز» أن المناقشات تسارعت في الأيام القليلة الماضية، على الرغم من تزايد الإحباط بسبب التأخيرات، وحذّر بعضهم من أن تحقيق انفراجة كبيرة أمر غير مرجح.

وقال 5 من المصادر إن الحكومة السورية الانتقالية أرسلت مقترحاً إلى «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد وتُسيطر على شمال شرقي البلاد.

وأضاف أحد المسؤولين السوريين ومسؤول غربي و3 مسؤولين أكراد أن دمشق عبّرت في الاقتراح عن انفتاحها، على أن تُعيد «قوات سوريا الديمقراطية» تنظيم مقاتليها، وعددهم نحو 50 ألف مقاتل، في 3 فرق رئيسية وألوية أصغر، ما دامت ستتنازل عن بعض سلاسل القيادة، وتفتح أراضيها لوحدات الجيش السوري الأخرى.

ولم يتضح ما إذا كانت الفكرة ستمضي قدماً أم لا، وقللت عدة مصادر من احتمالات التوصل إلى اتفاق شامل في اللحظات الأخيرة، قائلة إن هناك حاجة إلى مزيد من المحادثات.

الشرع مصافحاً عبدي عقب توقيع اتفاق اندماج «قسد» في الجيش السوري في 10 مارس الماضي (إ.ب.أ)

ومع ذلك، قال مسؤول بـ«قوات سوريا الديمقراطية»: «نحن أقرب إلى اتفاق أكثر من أي وقت مضى».

وذكر مسؤول غربي ثانٍ أن أي إعلان في الأيام المقبلة سيكون هدفه جزئياً «حفظ ماء الوجه»، وتمديد المهلة والحفاظ على الاستقرار في دولة لا تزال هشّة بعد عام من سقوط الرئيس السابق بشار الأسد.

وذكرت معظم المصادر أنه من المتوقع ألا يرقى أي شيء، تفرزه هذه المساعي، إلى مستوى الاندماج الكامل لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في الجيش ومؤسسات الدولة الأخرى بحلول نهاية العام، وهو المنصوص عليه في اتفاق تاريخي بين الجانبين في 10 مارس (آذار).

ويُهدد الفشل في رأب الصدع الأعمق المتبقي في سوريا بإشعال صدام مسلح قد يعرقل خروجها من حرب استمرت 14 عاماً، وربما يستدرج تركيا المجاورة التي تُهدد بالتدخل ضد المقاتلين الأكراد الذين تعدّهم إرهابيين.

ويتبادل الجانبان الاتهامات بالمماطلة والتصرف بسوء نية، فـ«قوات سوريا الديمقراطية» لا ترغب في التخلّي عن الحكم الذاتي الذي فازت به بوصفها الحليف الرئيسي للولايات المتحدة خلال الحرب، التي سيطرت بعدها على سجون تنظيم «داعش» وموارد النفط الغنية.

وقالت عدة مصادر إن الولايات المتحدة، التي تدعم الرئيس السوري أحمد الشرع، وتحث على دعم عالمي لحكومته الانتقالية، نقلت رسائل بين «قوات سوريا الديمقراطية» ودمشق وسهّلت المحادثات، وحثت على التوصل إلى اتفاق.

تركيا: صبرنا ينفد

ومنذ أن فشلت جولة كبيرة من المحادثات بين الجانبين في الصيف، تصاعدت الاحتكاكات، بما في ذلك المناوشات المتكررة على طول عدد من خطوط المواجهة في الشمال.

وسيطرت «قوات سوريا الديمقراطية» على جزء كبير من شمال شرقي سوريا، حيث يوجد معظم إنتاج البلاد من النفط والقمح، وذلك بعد هزيمة مسلحي «داعش» في 2019.

وقالت «قوات سوريا الديمقراطية» إنها تنهي عقوداً من القمع ضد الأقلية الكردية، لكن الاستياء من حكمها تنامى بين السكان الذين يغلب عليهم العرب، بما في ذلك الاستياء من التجنيد الإجباري للشباب.

وقال مسؤول سوري إن الموعد النهائي للاندماج في نهاية العام ثابت، ولا يمكن تمديده إلا «بخطوات لا رجعة فيها» من «قوات سوريا الديمقراطية».

وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، اليوم، إن تركيا لا تريد اللجوء إلى الوسائل العسكرية، لكنه حذّر من أن الصبر على «قوات سوريا الديمقراطية» «ينفد».

عناصر من «قسد» في شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وقلل المسؤولون الأكراد من أهمية المهلة، وقالوا إنهم ملتزمون بالمحادثات من أجل تحقيق الاندماج العادل.

وقال سيهانوك ديبو، وهو مسؤول في «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا»، إن «الضمانة الأكثر موثوقية لاستمرار صلاحية الاتفاق تكمن في مضمونه، لا في الإطار الزمني»، مشيراً إلى أن الأمر قد يستغرق حتى منتصف 2026 لمعالجة جميع النقاط الواردة في الاتفاق.

وكانت «قوات سوريا الديمقراطية» قد طرحت في أكتوبر (تشرين الأول) فكرة إعادة تنظيم نفسها في 3 فرق جغرافية بالإضافة إلى الألوية. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا التنازل، الوارد في الاقتراح الذي قدمته دمشق في الأيام القليلة الماضية، سيكون كافياً لإقناعها بالتخلي عن السيطرة على الأراضي.

وقال عبد الكريم عمر، ممثل «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا»، التي يقودها الأكراد في دمشق، إن الاقتراح الذي لم يُعلن عنه يتضمن «تفاصيل لوجيستية وإدارية قد تسبب خلافاً وتؤدي إلى تأخير».

وصرح مسؤول سوري كبير لـ«رويترز» بأن الرد السوري «يتسم بالمرونة لتسهيل التوصل إلى توافق من أجل تنفيذ اتفاق مارس».


وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه

وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه
TT

وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه

وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه

بعد ساعات من إعلان وزارة الخارجية المصرية إطلاق «الكتاب الأبيض» بشأن مبدأ الاتزان الاستراتيجي في الدبلوماسية المصرية، حاورت «الشرق الأوسط» وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي، في مكتبه بالعاصمة الإدارية الجديدة، حول عدد من الملفات التي تضطلع فيها القاهرة بأدوار تتراوح ما بين الوساطة والشراكة والحوار والاتصالات الدبلوماسية.

في حديثه أكد عبد العاطي «تميز» العلاقات المصرية - السعودية، معلناً التحضير للاجتماع الأول لـ«مجلس التنسيق الأعلى المصري - السعودي»، بحضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والرئيس عبد الفتاح السيسي. وأشار وزير الخارجية المصري إلى التنسيق مع الرياض في ملفات إقليمية عدة، بينها غزة وأمن البحر الأحمر، مؤكداً أن القاهرة والرياض هما جناحا الأمتين العربية والإسلامية ودونهما لن يصلح حالهما.

وحمَّل عبد العاطي إسرائيل مسؤولية تعثر الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وقال إن «الاتصالات مستمرة مع الجانب الأميركي لنقل الرؤية المصرية بشأن الكيانات الانتقالية، وعلى رأسها مجلس السلام وقوة الاستقرار»، مشدداً على موقف القاهرة بأن تكون قوة الاستقرار «قوة حفظ سلام لا فرض سلام». وتحدث عن حصر السلاح في غزة لا نزعه.

كما نفى عبد العاطي الاتهامات الموجهة لبلاده بلعب دور ميداني في السودان، مؤكداً دعم مصر للدولة ومؤسساتها، وعلى رأسها الجيش السوداني، وهو «ما لا يمكن مساواته مع أي ميليشيا أو أي إطار غير خارج الدولة»، على حد تعبيره.

وأشار وزير الخارجية إلى تطور العلاقات مع تركيا، مؤكداً أن «بناء الشراكات لا يعني التوافق في كل الملفات بنسبة 100 في المائة». كما جدد التأكيد على أن البحر الأحمر للدول المشاطئة، وشدَّد على حق بلاده في الدفاع عن أمنها المائي بعد وصول المفاوضات مع إثيوبيا إلى «طريق مسدود».

وبدا لافتاً تقاطع الاتصالات الأميركية - المصرية في ملفات عدة، من بينها غزة والسودان و«سد النهضة»، في إشارة واضحة إلى حوار وصفه عبد العاطي بـ«الإيجابي» بين القاهرة وواشنطن. وفيما يلي نص الحوار:

 

* نبدأ بملف غزة، رغم الجهود المبذولة لتنفيذ «خطة ترمب»، لماذا يتعذر الوصول للمرحلة الثانية من الاتفاق؟

- الأمر مرتبط بالتعاون والالتزام من الجانب الإسرائيلي بخطة الرئيس ترمب، وهي خطة واضحة تم تنفيذ المرحلة الأولى منها بالكامل باستثناء جثة وحيدة يتم البحث عنها وسط آلاف الأطنان من الركام والمتفجرات التي خلفها العدوان الإسرائيلي على غزة. نحن نعوّل على الدور الأميركي وقيادة ترمب للعمل على إنفاذ الخطة والانتقال إلى المرحلة الثانية، ورغم كل الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة يومياً، لا بد أن نعيد التأكيد على ضرورة تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار والمضي قدماً في تنفيذ المرحلة الثانية بكل استحقاقاتها، بما في ذلك إعادة الانتشار والانسحاب الإسرائيلي من داخل قطاع غزة، ووفقاً للخطة، ولما تضمنه أيضاً قرار مجلس الأمن 2803، ونرمز حالياً إلى الكيانات الانتقالية المؤقتة التي تم النص عليها في قرار مجلس الأمن، سواء ما يتعلق بمجلس السلام أو قوة الاستقرار الدولية أو اللجنة الإدارية الفلسطينية. نحن جاهزون، ولا بد من الضغط في اتجاه الدخول في المرحلة الثانية والعمل على تنفيذها.

 

* بمناسبة الحديث عن الكيانات الانتقالية، ما آخر تطورات تشكيل «مجلس السلام العالمي»؟

- نحن على تواصل مستمر مع الجانب الأميركي، لا سيما أن الولايات المتحدة معنية بشكل كامل بوضع خطة ترمب موضع التنفيذ على أرض الواقع. الاتصالات مستمرة مع الجانب الأميركي على كل المستويات، السياسي والأمني والاستخباراتي؛ بهدف تذليل أي مشاكل موجودة. ومصر بصفتها دولة عربية وإسلامية وواحدة من الدول الثماني التي اجتمعت بالرئيس الأميركي في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة لأمم المتحدة ودعمت رؤيته، لديها تصور يتوافق مع الرؤية العربية والإسلامية، خاصة فيما يتعلق بهذه الأطر الانتقالية المؤقتة، ونحن نتفاعل ونتحاور مع الجانب الأميركي بشكل إيجابي.

نحن ننقل رؤيتنا بأن «مجلس السلام» مهم للغاية ولا بد من تدشينه، ولا بد من أن تتركز صلاحياته في تعبئة وحشد الموارد المالية الخاصة بتنمية غزة وإعادة إعمارها والتعافي المبكر، وأيضاً مراقبة صرف أموال إعادة الإعمار، وإذا كان هناك صندوق سيتم تدشينه من جانب البنك الدولي لهذا الغرض فلا بد أن يكون تحت رعاية هذا المجلس وإشرافه.

 

* ما آخر تطورات تشكيل «قوة الاستقرار»، وهل ستضم قوات من مصر ودول عربية؟

- نحن في حوار جدي وإيجابي مع الجانب الأميركي؛ لأن هذه القوة لا بد أن يكون طبيعتها حفظ السلام وليس فرض السلام، وهناك بون شاسع بين الاثنين. حفظ السلام يعني التركيز على مراقبة مدى التزام طرفي الاتفاق بوقف إطلاق النار، إضافة إلى المساعدة في تشغيل المعابر، أما فرض القانون أو إقرار النظام العام الداخلي فهذه صلاحيات أصيلة للشرطة الفلسطينية التي يتعين نشرها داخل قطاع غزة، وإلى جانب ذلك تؤكد مصر ضرورة تشكيل اللجنة غير الفصائلية، اللجنة «التكنوقراط»؛ لتتولى إدارة الأمور الحياتية في القطاع. ومصر قدمت قائمة من 15 اسماً هناك توافق بين الفصائل عليها.

 

* هل سيكون هناك مشاركة مصرية أو عربية في القوة الدولية؟

- بالتأكيد مصر تدعم تشكيل القوى الدولية، وهناك أطر مختلفة لتقديم الدعم اللوجستي والفني لهذه القوة. وبالتأكيد نحن منخرطون في أعمال القيادة والسيطرة، ومصر موجودة في «اللجنة المدنية العسكرية» في كريات غات بجنوب إسرائيل، والتي تم تشكيلها لمتابعة تنفيذ اتفاق شرم الشيخ.

 

* هناك حديث عن نزع سلاح حركة «حماس»، فهل يمكن أن توافق الحركة على ذلك؟

- خطة ترمب تتحدث عن حصر السلاح وتسليمه وليس نزع السلاح. وهذه أمور سيتم التفاهم بشأنها بين الفصائل الفلسطينية. وأعتقد أن هناك إمكانية في إطار التفاهم بين الفصائل للوصول إلى صيغة تتضمن تسليم الأسلحة بشكل متدرج في الإطار الفلسطيني - الفلسطيني.

 

* قدمت مصر خطة لإعادة إعمار غزة. وأعلنت استعدادها لاستضافة مؤتمر لتمويل إعادة الإعمار، فإلى أين وصلت الجهود؟

- هناك تنسيق كامل مع الجانب الأميركي على المستوى السياسي، وتحدثت مؤخراً مع وزير الخارجية ماركو روبيو وأيضاً مع جارد كوشنير. هناك حوار ممتد ننقل فيه رؤيتنا بشأن مكان وتوقيت عقد المؤتمر والاستفادة من الزخم الحالي.

 

* هل في موعد قريب؟

- حتى الآن لم يتم تحديد موعد، لكننا ننخرط في حوار مع الجانب الأميركي لتحديده.

 

* السعودية كانت من الدول الرئيسية الداعمة للحراك السياسي من أجل وقف الحرب في غزة والاعتراف بالدولة الفلسطينية، فكيف تقيّم العلاقات السعودية - المصرية؟ وكيف تصف دور المملكة إزاء الملفات الإقليمية المهمة؟

- علاقات المصرية والسعودية علاقات متميزة للغاية، وهي علاقات أبدية بين بلدين وشعبين شقيقين. وبالتأكيد مصر والمملكة هما جناحا الأمتين العربية والإسلامية، ولن ينصلح حالهما إلا بالتنسيق الكامل والتعاون الكامل بين جناحي الأمة.

هناك تنسيق على كل المستويات بين مصر والمملكة في ضوء توجيهات عليا من الرئيس السيسي وولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ للارتقاء بهذه العلاقات في كل المستويات الاقتصادية والتجارية والاستثماريّة، وفي مجالات الطاقة والمجالات القنصلية أيضاً.

التنسيق على المستوى السياسي في أبهى وأفضل حالاته. وقريباً سيتم عقد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق الأعلى.

 

* متى يُتوقَع عقد الاجتماع؟

- يجري الآن الاختيار من بين مواعيد مختلفة، ونأمل أن يُعقَد في الربع الأول من العام المقبل.

 

* إلى أين وصلت الجهود المصرية لوقف الصراع في السودان؟

- الجهود المصرية مستمرة، ولا يمكن أن تتوقف على الإطلاق؛ لأن السودان هي الفناء الخلفي لمصر لذلك فالاتصالات المصرية مستمرة بشكل يومي على كل المستويات، سواء مع مجلس السيادة أو الحكومة أو الجيش السوداني، من منطلق الحرص المصري على الحفاظ على المؤسسات الوطنية، وفي مقدمتها الجيش الوطني، فضلاً عن الحفاظ على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه.

أما على مستوى الرباعية الدولية، فمصر في انخراط وتواصل مستمرين مع السعودية والإمارات والولايات المتحدة لبحث سبل وقف هذه الحرب المروعة، وتتواصل مصر مع الأمم المتحدة لحشد وتعبئة الموارد الإنسانية وفتح الممرات الإنسانية وإقامة ملاذات آمنة. كما ننسق أيضاً مع بريطانيا وقطر، وكلتاهما أبدت رغبة في الإسهام والمشاركة جنباً إلى جنب مع الرباعية الدولية. ولن نهدأ إلا بالتوصل إلى هدنة ووقف إطلاق نار بما يمهد إلى إقامة أو تدشين عملية سياسية شاملة لا تقصي أحداً. فما يحدث في السودان أمر يدمي القلوب ولا يمكن السماح أو القبول باستمراره.

 

* هل هذه الهدنة ممكنة في ظل استمرار النزاع واتهامات بدعم أطرافه؟

- هدف هذه الهدنة هو بالتأكيد تهيئة الظروف نحو وقف دائم لإطلاق النار بما يؤسس للعملية السياسية، نحن نسعى لهذا بما يحقق مصلحة السودان، ولا يمكن ولا نقبل بتقسيم السودان، أو نقبل بوضع مؤسسة الدولة السودانية على قدم المساواة مع أي كيانات موازية نرفضها تماماً ولا يمكننا أن نعترف بها.

 

* تُتَهم القاهرة عادة بأن لها دوراً ميدانياً فيما يخص الحرب السودانية، فهل هذا صحيح؟

- هذه أكاذيب. مصر لا تنخرط إلا في إطار وقف وخفض التصعيد. وموقف مصر واضح ومعلن، وهو مع الحلول السياسية والدبلوماسية؛ لأنه ببساطة شديدة لا يوجد حل عسكري للأزمة في السودان.

 

* تدعم مصر مؤسسات الدولة السودانية، فهل يتسبب موقف القاهرة الواضح إزاء طرفي الحرب في إرباك علاقاتها الإقليمية؟

- هناك طرف يمثل الدولة الوطنية ومؤسساتها ولا يمكن مساواته مع أي ميليشيا أو أي إطار غير خارج الدولة، وبالتالي فالحفاظ على الدولة ومؤسساتها وفي قلبها الجيش الوطني مسألة مهمة جداً ومفروغ منها.

 

* ألا يربك ذلك علاقات مصر الإقليمية؟

- لا، على الإطلاق.

 

* لا يمكن إغفال الوضع في ليبيا، فما موقف مصر من استمرار الأزمة؟

- الوضع في ليبيا يثير القلق، ولا يمكن أن نقبل بتكريس الانقسام الحالي بين الشرق والغرب، ولا بد من العمل على توحيد مؤسسات الدولة، وفي القلب منها الجيش الوطني والمؤسسات الأمنية؛ بهدف تهيئة الظروف نحو إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بالتزامن. نحن نسعى لتحقيق ذلك، وكان هناك حوار مطول مع مبعوث الرئيس ترمب إلى أفريقيا مسعد بولس، أكّدنا خلاله على أنه لا مخرج للوضع في ليبيا سوى من خلال التحضير لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

 

* المشير خليفة حفتر التقى الرئيس السيسي أخيراً بالقاهرة، وكان هناك حديث عن ملف ترسيم الحدود البحرية، وسبق لمصر أن أبدت اعتراضاً على اتفاقيات تركية - ليبية في هذا المجال، فما الخطوات التي تتخذها مصر في هذا الملف؟

- نعم، نحن لا نعترف بمذكرة التفاهم الموقَّعة بين الجانب التركي والحكومة «غير الشرعية» حكومة السراج آنذاك في الغرب، وأبلغنا مجلس الأمن والأمم المتحدة بهذا الموقف، ولدينا حوار مع الجانب الليبي حول الأمر الذي يعدّ مسألة ثنائية تخص البلدين.

 

* هل هناك حوار أيضاً مع الجانب التركي في هذا الإطار؟

نعم، هناك حوار عام ومشاورات على المستوى الوزاري وغير الوزاري، يتم خلالها تناول الأوضاع في ليبيا والعمل على تجاوز أي نقاط قد تكون خلافية. ومواقف مصر واضحة ومعلنة وسبق الحديث عنها في أنقرة وفي كل أنحاء العالم. والقاهرة تؤكد دائماً على ضرورة خروج القوات الأجنبية من ليبيا وتفكيك الميليشيات، وأن ترسيم الحدود البحرية مسألة ثنائية بين مصر وشقيقتها ليبيا.

 

* شهدت العلاقات المصرية - التركية تطورات في الآونة الأخيرة، فكيف يمضي مسار التقارب بين البلدين؟

- تمضي العلاقات بشكل جيد جداً ونعدّ حاليا للاجتماع الثاني لمجلس التنسيق الاستراتيجي المقرر عقده العام المقبل في القاهرة وبحضور الرئيس التركي رجب طيب إردوغان؛ كون الاجتماع الأول كان في أنقرة.

 

* هناك تباينات بين مواقف مصر وتركيا إزاء بعض الملفات الإقليمية، فكيف توازن مصر بين علاقاتها مع تركيا في ظل هذه التباينات؟

- هناك تنسيق مشترك، ونحن نبني شراكات، وليس معنى ذلك التوافق في كل الملفات بنسبة 100 في المائة؛ فهذا أمر يستعصي حتى ما بين الأشقاء. وبالتالي، نحن نبني على نقاط الاتفاق الموجودة ونحاول التوصل إلى تفاهمات حول النقاط العالقة.

 

* دعمت مصر الصومال وأكدت مراراً حرصها على استقرار منطقة القرن الأفريقي، لكن أحياناً ينظر لأي تحركات مصرية بأنها تستهدف الضغط على إثيوبيا؟ لماذا؟

- هذه أكاذيب وأوهام ولا علاقة لها بالواقع، مصر علاقتها بالصومال تمتد إلى آلاف السنين، وبالتالي نحن معنيون باستقراره. ولذلك؛ ستشارك مصر في بعثة حفظ السلام بناءً على طلب من الاتحاد الأفريقي ومن الحكومة الصومالية، وبهدف واحد هو تمكين الحكومة الصومالية من فرض سيطرتها ومكافحة الإرهاب.

 

* تدعم مصر الصومال ودول القرن الأفريقي، فما خطة مصر لأداء دورها إزاء الأمن في البحر الأحمر؟ ومع من تتعاون؟

- نحن معنيون أيضاً بقضية الاستقرار في القرن الأفريقي وأيضاً حوكمة البحر الأحمر، وننسق بشكل كامل مع السعودية والدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر، وهناك توافق كامل بأن حوكمة هذه المنطقة، خليج عدن والبحر الأحمر، يخص الدول المشاطئة فقط ولا دخل لأي دولة أخرى، ولن نسمح بأي نفاذ بحري لأي أغراض عسكرية لأي دولة غير مشاطئة.

 

* يقودنا الحديث عن مساعي الدول غير المشاطئة للوجود على البحر الأحمر، إلى إثيوبيا وملف سد النهضة، فما خطة مصر للتعامل مع هذا الملف؟

- الموقف مصري واضح تماماً، وسبق أن أعلنا أن المسار التفاوضي وصل إلى طريق مسدود ولا مجال لاستئنافه حالياً؛ لأنه ليس ما يبرر ذلك بعد استنزاف 13 سنة في مفاوضات عبثية بسبب سوء النية من الطرف الآخر. ومصر تحتفظ لنفسها بحق الدفاع الشرعي عن النفس المكفول في ميثاق الأمم المتحدة إذا حدث ضرر لأمنها المائي.

 

* ما المسارات الأخرى بعد إيقاف المفاوضات؟ وفي ظل وجود السد كأمر واقع؟

- مصر تتابع الوضع على الأرض، وإذا حدث ضرر لأمنها المائي سيكون هناك رد فعل.

 

* هل تطمح مصر لوساطة أميركية في هذا الملف؟

- هناك حديث مع الجانب الأميركي ومع أطراف أخرى، لكن لن تحدث أي انفراجة في هذا الملف ما لم يعي الجانب الإثيوبي أن نهر النيل نهر عابر للحدود، ومن ثم فهو لا يخضع لسيادة إثيوبيا. والمجاري المائية العابرة للحدود مثل نهر النيل تخضع لقواعد القانون الدولي، خاصة فيما يتعلق بمبادئ الإخطار المسبق وعدم إحداث أي ضرر بالدول التي يمر بها النهر.

 

* كيف تنظر مصر إلى التطورات الأخيرة في سوريا؟ وهل لا تزال لدى القاهرة تحفظات إزاء الإدارة السورية الجديدة؟

- مصر يعنيها بشكل مبدئي وبشكل شديد الأهمية الاستقرار والخير لسوريا والشعب السوري، ونحن ندعم الشعب السوري بكل قوة وندين إدانة كاملة أي انتهاكات للسيادة السورية من جانب إسرائيل. وأنا على اتصال مع وزير الخارجية السوري وكنت قد التقيته مؤخراً في الدوحة. وإذا كانت هناك أي نصائح نقدمها، فإن ذلك من باب الأخوة والحرص على أمن سوريا واستقرارها ومساعدتها ودعمها في استرداد أراضيها المحتلة، والعمل على كف الجانب الإسرائيلي عن التدخل في شؤون سوريا.

نحن نتحدث عن أهمية الانفتاح لكل مكونات المجتمع السوري وعدم إعطاء الذرائع لأي دولة خارجية أن تنصّب نفسها داعمة لأي أقلية كما تحاول إسرائيل أن تفعل، ومن ثم نقول إن الدولة والحكومة السورية هي المعنية بشكل أساسي بتقديم كل الدعم والحماية والتواصل مع كل أطياف الشعب السوري.

أيضاً قضية المقاتلين الأجانب لا بد من التعامل معها، وكذلك قضية الإرهاب فلا يجب أن تكون سوريا قاعدة لتهديد أي دولة من دول المنطقة.

 

* قدمت مصر مبادرة إزاء لبنان؟ فما آخر تطورات الجهود المصرية؟

- نبذل جهوداً مكثفة، وكثيرة للغاية على كل المستويات مع كل الأطراف الدولية والإقليمية المعنية، وأجريت اتصالات مكثفة مع إسرائيل وإيران والولايات المتحدة لتجنيب لبنان ويلات أي تدخلات أو أي عمليات عسكرية تمس بمقدرات الشعب. ونحن نثمّن كل الخطوات التي اتخذها الجيش اللبناني وكل الإنجازات التي تحققت في منطقة جنوب الليطاني فيما يتعلق بفرض سيادة الدولة وسيطرتها، كما نثمن تأكيد الحكومة اللبنانية التزامها باتفاق وقف العدائيات الموقَّع العام الماضي وتنفيذه في كل ربوع لبنان وليس فقط في منطقة جنوب الليطاني. ومصر لا تدخر وسعاً لدعم لبنان وشعبها وقيادتها.


حراك أميركي - يمني لتعزيز الشراكة واحتواء خلافات الشرعية

العليمي استقبل في الرياض السفير الأميركي ستيفن فاغن (سبأ)
العليمي استقبل في الرياض السفير الأميركي ستيفن فاغن (سبأ)
TT

حراك أميركي - يمني لتعزيز الشراكة واحتواء خلافات الشرعية

العليمي استقبل في الرياض السفير الأميركي ستيفن فاغن (سبأ)
العليمي استقبل في الرياض السفير الأميركي ستيفن فاغن (سبأ)

أظهرت سلسلة لقاءات واتصالات أجراها سفير الولايات المتحدة لدى اليمن ستيفن فاغن، مع رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي اليمني، اتجاهاً أميركياً نحو تثبيت الشراكة السياسية والأمنية مع الحكومة اليمنية واحتواء الخلافات داخل معسكر الشرعية، في مرحلة تتسم بتعقيد المشهد المحلي، وازدياد التحديات الإقليمية المرتبطة بالأمن والاستقرار في اليمن.

وشملت هذه التحركات لقاءً جمع السفير فاغن برئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، أعقبه لقاء آخر مع عضو المجلس الشيخ عثمان مجلي، إلى جانب اتصال مرئي مع عضو المجلس اللواء سلطان العرادة، في سياق مشاورات تناولت مسار العلاقات الثنائية، والتطورات السياسية والعسكرية، والملفات ذات الأولوية، وفي مقدمها مكافحة الإرهاب، والتعامل مع تهديدات الحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق ما رشح عن هذه اللقاءات، فقد تركزت المباحثات مع رئيس مجلس القيادة على مستوى الشراكة اليمنية - الأميركية، والدور الذي تضطلع به واشنطن في دعم الدولة اليمنية، سواء على الصعيد السياسي في المحافل الدولية، أو في ملف مكافحة الإرهاب، وردع شبكات تهريب السلاح والتمويل المرتبطة بإيران. كما برز ملف الإصلاحات الحكومية كأحد محاور النقاش، في ظل الحاجة إلى دعم دولي مستمر يخفف من الضغوط الاقتصادية والإنسانية.

في هذا السياق، جرى التطرق إلى المستجدات في المحافظات الشرقية، وما رافقها من إجراءات أحادية، والجهود الإقليمية التي تقودها السعودية، والإمارات، لاحتواء التوتر، وإعادة تطبيع الأوضاع، بما يحافظ على التوافق داخل إطار الشرعية، ويمنع انعكاس الخلافات الداخلية على وحدة القرار الأمني والعسكري.

القيادة اليمنية شددت خلال هذه المشاورات على أهمية الالتزام بالمرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض، بوصفها الإطار الناظم للشراكة السياسية، محذرةً من أن أي تجاوز لهذه المرجعيات قد يخلق فراغات تستغلها الجماعة الحوثية والتنظيمات الإرهابية، بما يفاقم التحديات الأمنية.

مقاربة أوسع

في اتصال مرئي أجراه السفير الأميركي ستيفن فاغن، مع عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني سلطان العرادة، برزت مقاربة أوسع لطبيعة المرحلة التي يمر بها اليمن، بوصفها مرحلة مركَّبة تتداخل فيها الأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية.

وأكد العرادة أن مواجهة هذه التحديات تتطلب موقفاً دولياً أكثر صرامة، ودعماً عملياً يمكّن الحكومة من استعادة مؤسسات الدولة، وتجفيف مصادر تمويل الميليشيات، ومنع تقويض الجهود الأممية. وفق ما أورده الإعلام الرسمي.

التحذير من تداعيات التساهل الدولي مع الممارسات الحوثية شكّل نقطة تقاطع في هذه النقاشات، إذ اعتُبر هذا التساهل عاملاً مشجعاً على استمرار التصعيد، وعرقلة مساعي السلام، وخلق بيئة غير مستقرة تؤثر على الأمن اليمني والإقليمي، وعلى خطوط الملاحة الدولية.

السفير الأميركي مجتمعاً مع عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عثمان مجلي (سبأ)

أما لقاء السفير الأميركي مع عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عثمان مجلي، فقد ركّز على أبعاد التهديد الإيراني في اليمن، ودور طهران في دعم القدرات العسكرية للحوثيين، وما يمثله ذلك من خطر على الداخل اليمني، ودول الجوار، والأمن البحري في البحرين الأحمر والعربي.

كما جرى تأكيد دور تحالف دعم الشرعية في الحفاظ على السلم الاجتماعي في المناطق المحررة، ودعم مؤسسات الدولة، والبنك المركزي، لاستكمال الإصلاحات الاقتصادية.

وحسبما أورد الإعلام الرسمي اليمني، أعاد السفير الأميركي تأكيد ثوابت موقف بلاده الداعم لوحدة اليمن، وسلامة أراضيه، ووحدة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، والتزام واشنطن بالشراكة في مكافحة الإرهاب، والتخفيف من المعاناة الإنسانية، وتعزيز فرص الاستقرار والتنمية.