وثائق جميل مردم بيك تفنّد مزاعم إسرائيلية بأنه «عميل مزدوج»

تنشر مضمون أوراق أحد رجال الاستقلال السوري... ووصف الإنجليز له بأنه «زئبقي» ومحاولة الفرنسيين قتله

TT

وثائق جميل مردم بيك تفنّد مزاعم إسرائيلية بأنه «عميل مزدوج»

نُشر في صحف إسرائيلية الشهر الماضي، مقال للكاتب الإسرائيلي مائير زامير، زعم فيه أنه عثر على وثائق في الأرشيف الفرنسي تثبت أن رئيس الوزراء السوري في عهد الاستقلال جميل مردم بك، والمعروف كأحد أهم الشخصيات الوطنية السورية، كان في الواقع «عميلاً مزدوجاً» لبريطانيا وفرنسا، وأنه أعطى لشخص يهودي من دمشق، هو إلياهو ساسون، «معلومات مهمة عن ضعف الجيوش العربية مكّنت اليهود من الانتصار في حرب 1948».
جرى تداول المقال في مواقع إلكترونية عدة دون التحقق من صحة المعلومات الواردة. ومن يعلم كيف ينجز البحث الأكاديمي الموضوعي، يُلاحظ أن «الدلائل الدامغة» التي تحدث زامير أنه اطلع عليها وأنه سينشرها في كتابه الذي لم يصدر بعد، لم تكن مسندة بعد، وأن الأسلوب العام للمقال لا يرتقي إلى مستوى مقال عن دراسة تاريخية جادة وموضوعية.
ربما لم يخطر في بال زامير، أن جميل مردم بك من الشخصيات السياسية القليلة في الوطن العربي التي احتفظت بأوراقها كافة. ترك في منزله الأخير في القاهرة ما يزيد على عشرة آلاف وثيقة حول كل الأحداث المهمة التي مرت عليه أثناء تولّيه المناصب السياسية العليا من وزير المالية، ثم وزير الخارجية، ثم رئيس الوزراء، وأخيراً وزيراً للدفاع. احتفظ بكل ورقة شخصية أو رسمية كان من المفروض أن يودعها في مركز أرشيف حكومي في سوريا، لكن بعدما شاهد الانقلابات في بلده، قرر أن يبقيها في حوزته. وبعد وفاته حرصت العائلة على حماية هذه الأوراق على أنها ملك الشعب السوري، فأوكلتني العائلة بهذه المهمة. قمت بالعمل مع مركز أرشيف مختص من أجل تنظيمها بشكل مهني، ومن ثم ترقيمها لتشكل مجموعة محفوظات ترقى إلى مستوى الأرشيف المتوفّر في البلدان المتطورة، وسوف تصبح متاحة للمؤرخين قريباً.
تتشكل هذه المجموعة من مراسلات ومحاضر اجتماعات رسمية وخطابات ومذكرات وتقارير عن رحلات رسمية وتقارير سياسية تحليلية، كان يكتبها مردم بك بخط يده من وقت لآخر حول قضية أو حدث مهم. نجد أيضاً إيصالات مالية وتعليمات بتحويلات إلى جهات مختلفة، بينها إيصال بأمر تحويل مليون ليرة سورية إلى الصندوق الخاص لدى الجامعة العربية لمساعدة عرب فلسطين عام 1947.

تعمّد الكاتب الإسرائيلي تلويث سمعة مردم بك المعروف كشخصية وطنية عربية اشتهرت بمهارتها في العلاقات الدبلوماسية ومساهمتها الاستثنائية في الكفاح من أجل تحرير الأراضي العربية من الاستعمار، وخاض معارك سياسية ضارية من أجل استعادة الاستقلال والسيادة غير المشروطة للدولة السورية، وكذلك اتصالاته وجهوده التي بذلها بلا كلل من أجل إنقاذ فلسطين.
تشير غالبية المراسلات مع ممثلي الحكومة البريطانية إلى حرص مردم بك على إقامة علاقة قوية مع بريطانيا التي كانت في ذلك الوقت الدولة العظمى عالمياً، ومع بدء الحرب العالمية الثانية كان جيشها، يحمي منطقة الشرق الأوسط برمّتها ضد الجيش الألماني وقوى المحور النازي. أما فرنسا فكانت قد فقدت سيادتها واستسلمت لألمانيا النازية، وكان قائد المقاومة الفرنسية شارل ديغول آنذاك الذي لجأ إلى لندن، ليطلق منها المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي يعيش تحت رحمة الإنجليز، ومصيره السياسي مرتبط برضاهم عليه وحمايتهم له. كانت القوات الفرنسية المتواجدة في المنطقة موضع تصارع بين حكومة ڤيشي المتعاونة مع المحتل النازي من ناحية وبعض القوى التي اختارت المقاومة إلى جانب ديغول.

- جلاء... وشكوك
بين الملفات، مجموعة الوثائق حول العلاقات مع فرنسا منذ عشرينات القرن الماضي وحتى جلاء قواتها عام 1946. جزء كبير منها يخص المفاوضات حول المعاهدة التي تم إبرامها في 1936، والتي كان من المفروض أن تنهي الانتداب الفرنسي، لكن البرلمان الفرنسي لم يصدّق عليها، إضافة إلى ملف عن العلاقات مع بريطانيا بين الثلاثينات وحتى أواخر الأربعينات. وكانت سلمى مردم بك قد نشرت كتاباً استند إلى بعض هذه الملفات. هناك أيضاً وثائق حول علاقته بالدكتور عبد الرحمن الشهبندر الذي اتُهم بـ«العمالة لصالح البريطانيين»، بينما كان يهاجم جميل مردم بك ويحرض على المعاهدة التي توصل إليها الوفد المفاوض السوري بقيادة مردم بك مع فرنسا. لا مجال للتوسّع هنا فيما جاء في الوثائق، نكتفي بالقول، إن العداء السياسي الذي نما بين الرجلين يشكل مؤشراً آخر لتبرئة مردم بك من العمالة للبريطانيين، ويحوي الملف الرواية الكاملة حول اغتيال الشهبندر، واتهام رجال الكتلة الوطنية ومن بينهم مردم بك، ثم المحاكمة التي أدت إلى تبرئتهم بالكامل.
محاضر اللقاءات مع الفرنسيين والبريطانيين مكتوبة أو مطبوعة على ورق رسمي بعضها لرئاسة الوزراء وأخرى لوزارة الخارجية. وتكشف عن العلاقة التنافسية والمحفوفة بالشكوك بين فرنسا وبريطانيا آنذاك، وتشير إلى مباحثات حول مصالح بريطانيا في المنطقة والتي كانت المعلومات حولها متناقضة؛ إذ كان رئيس الوزراء ونستون تشرشل يصرّح بأنها تقتصر على ضمان خط مواصلات آمن بين جبل طارق والمحيط الهندي، وأن خارج ذلك يبقى العرب أحراراً في تنظيم أوضاعهم الداخلية والعلاقات فيما بينهم، بينما كان بعض أعضاء البرلمان والشخصيات الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية يسعون إلى التدخل في الحياة السياسية الداخلية السورية واللبنانية خلافاً لتعليمات رئيس وزرائهم.
اتفق القادة الوطنيون على الاستعانة بالإنجليز، وعلى رأسهم مردم بك بحكم منصبه وزير خارجية ثم رئيس وزراء، من أجل التصدي للضغط الذي كانت تمارسه فرنسا آنذاك، وكان يسعى باستمرار لحشد الدعم الدولي للتخفيف من ضغوط فرنسا وإجلاء جيشها من سوريا، فهناك رسائل إلى ممثلي الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والدول العربية، بعضها بتوقيع مردم بك، وأخرى مشتركة من مردم بك وقادة لبنانيين، يحتجّون فيها على سلوك فرنسا في الوقت الذي كان قد تم الاعتراف باستقلال سوريا وأصبحت عضواً في هيئة الأمم.

- «عمالة» مزعومة
أما عن «عمالة مردم بك للفرنسيين»، فإن الأدلة التي يزعم زامير أنه وجدها في الأرشيف الفرنسي في لبنان تناقضه أحداث لا مجال للتأويل حولها. بعد أن كانت فرنسا قد وعدت بالاعتراف باستقلال سوريا كدولة ذات سيادة كاملة في 1941، ثم أصبحت الجمهورية السورية (اسم الدولة آنذاك) عضواً في هيئة الأمم المتحدة، أخذت فرنسا تتراجع عن التزامها وحاولت ممارسة ضغوطات على المسؤولين السوريين من أجل إبقاء القوات العسكرية الخاصة تحت قيادة فرنسية بينما كان مردم بك - بصفته وزيراً للدفاع في 1945 - يرفضها رفضاً قاطعاً، ويتهم الفرنسيين بالسعي إلى حرمان سوريا من جيش وطني والفرض عليها أن تكتفي بمجرد قوات درك وحرس حدود، ويطالب بإنهاء الدور العسكري الفرنسي ونقل قيادة القوات الخاصة لتصبح بأمرة السوريين. وقاومت فرنسا مساعي بريطانيا التي كانت تحظى بتأييد الولايات المتحدة، لحل القضية السورية - اللبنانية كما يطمح الشعبان ودون تقديم امتيازات للفرنسيين.
كيف لمردم بك أن يكون عميلاً للفرنسيين بينما يكتب ديغول في مذكراته، أنه كان على قناعة بأن البريطانيين يتآمرون مع القادة السوريين لطرد فرنسا من سوريا؟ لقد تحول مردم بك إلى عدو لدود للفرنسيين إلى درجة أن المندوب السامي الفرنسي الجنرال بيني تحدث عن فقدان الأمل منه ومن باقي القادة الوطنيين السوريين، وضرورة التخلص منهم باستبدالهم برجال تعاونوا مع فرنسا في الماضي.
من سوء حظ مردم بك، أنه وجد هو وزملاؤه الوطنيون أنفسهم وحيدين في مواجهة النمردة الفرنسية. في محضر جلسة مع مسؤولين بريطانيين بتاريخ 14 فبراير (شباط) 1945 استنكروا الضغوط والتهديدات التي كانت تمارسها فرنسا، ووعدوا مردم بك بأن بريطانيا ستستخدم نفوذها لضمان أن تجري المفاوضات مع الفرنسيين بشكل نزيه ودون ضغوط تمارسها فرنسا، لكن سرعان ما تراجعت بريطانيا قائلة في وثيقة أخرى، إن فرنسا عادت لتصبح دولة مستقلة ذات سيادة كاملة بعد تحريرها في 1944، وإنه يصعب على بريطانيا الضغط عليها، وبالتالي على القادة السوريين أن يجدوا سبل الاتفاق معها.
لم يكن للبريطانيين رغبة في مساعدة السوريين على تحقيق الاستقلال من دون ثمن، ألا وهو التبعية لهم عن طريق ضم سوريا إلى المملكة الهاشمية، وهذا ما وصفه مردم بك بـ«النفاق والغدر البريطاني».

- رجل «زئبقي»
بدأ البريطانيون يعبّرون عن انزعاجهم من مردم بك الذي لقبوه بوزير الخارجية «الزئبقي»، ثم غضبوا منه بشكل كامل حيال ما اعتبروه موقفاً متشدداً من الفرنسيين، وكان فقدان الثقة بينه وبين الإنجليز متبادلاً. وتشير وثائق عديدة في الخارجية البريطانية إلى أن البريطانيين سعوا في مناسبات عدة إلى تجاوز مردم بك والتوجه مباشرة إلى رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء.
بلغت حدة الخلاف بين القادة السوريين وفرنسا ذروتها في 1945، وأدت إلى قيام فرنسا بعدوان عسكري همجي؛ إذ قصف الطيران الفرنسي المباني الرسمية في دمشق ومنها البرلمان، واستهدف وزارة الخارجية تحديداً في محاولة لقتل مردم بك بعدما ألقى خطاباً متشدداً في البرلمان هاجم فيه الفرنسيين وهدد البريطانيين بفضح وثائق تشير إلى ضغوط مارسوها على القادة السوريين ليقبلوا بالشروط الفرنسية.
أي عميل هذا الذي يهاجم ويهدد علناً الدول العظمى، وكيف له ألا يخشى من أن يفضحوا عميلهم بدورهم؟ ولو كان مردم بك «عميلاً مزدوجاً»، فأين هي الخدمات التي قدمها إلى الفرنسيين أو البريطانيين أو الصهاينة الذين أعجبوا في البداية بدماثته ومهاراته الدبلوماسية، لكن سرعان ما غضبوا منه واعتبروه عدواً لدوداً حينما بدأ يستخدم مواهبه السياسية لمحاربة مصالحهم؟
وعن موقف مردم بك من مشروع إقامة «سوريا الكبرى» بقيادة هاشمية، تكشف أوراق مردم بك عن أنه حينما حاول السفير الأردني في دمشق عبد المنعم الرفاعي حشد دعم شعبي في سوريا للمشروع استدعاه مردم بك ليوبّخه وطلب منه إيقاف هذه البروباغاندا على الفور. وتؤكد الوثائق البريطانية هذه الرواية. فكيف يكون مردم بك متواطئاً من البريطانيين من أجل إنشاء «سوريا الكبرى» تحت الحكم الهاشمي؟
في محضر جلسة مع الجنرال سبيرز عام 1943 يؤكد مردم بك أن مصالح بريطانيا لا تتعارض مع مصالح العرب، وأن العرب يرغبون في أن تبقى بريطانيا حليفة لهم، بل الحليف الطبيعي. لكنه يضيف «لا شيء يعكّر صفو العلاقات بين الجهتين إلا فلسطين». وكان رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل قد بدأ يعبّر علناً في ذلك الوقت عن دعمه لقيام دولة يهودية وعن مشاعره المعادية للعرب.
نجد ضمن أوراق مردم بك حزمة من المراسلات الرسمية الموجهة إلى الحكومة البريطانية عن طريق السفارة السورية في لندن ورسائل إلى أعضاء في البرلمان البريطاني محسوبين من أصدقاء سوريا يناشدهم فيها الضغط على فرنسا كي تحترم ما تعهدت به للسوريين أمام بريطانيا بخصوص استقلال سوريا غير المشروط. وكان يطلب من الإنجليز أن يتواجدوا مع السوريين والفرنسيين أثناء مفاوضاتهم كي يضمنوا التزام الفرنسيين بإنهاء دورهم في قيادة القوات الخاصة ونقلها إلى قادة عسكريين سوريين.
كما تشمل الأوراق رسالة من وزير الخارجية الأميركي إلى الزعماء السوريين يؤكد فيها دعم بلاده نقل قيادة القوات العسكرية الخاصة التي تقودها فرنسا لتصبح جيشاً بقيادة سوريا.

- الوكالة اليهودية
أما عن دور جميل مردم بك في الملف الفلسطيني، فكان مثل غيره من الشخصيات الوطنية العربية يعي أن المشروع الصهيوني أصبح له دعم من الدول العظمى كافة، بل أصبح موضع توافق دولي، وأنه لن يصلح التعامل معه على أنه محض اعتداء على أرض عربية يمكن مقاومته بالسلاح وبسالة المقاتلين العرب فراحوا يبذلوا جهود دبلوماسية جبارة لمحاولة استدراك الخطر وأجروا مباحثات مكثفة في العقد ما بين 1936 و1946 مع كبار المسؤولين من الوكالة اليهودية، وكل من يستطيع التأثير فيهم من بريطانيين وأميركيين؛ سعياً لإنقاذ الأراضي العربية من المشروع الصهيوني. كان جميل مردم بك من بين هؤلاء وكان يؤمن بأنه يتوجب بذل أقصى الجهود في المجال الدبلوماسي من أجل تجنّب العرب حرباً قد تعود عليهم بنتائج كارثية.
لم يستمتع الوطنيون السوريون طويلاً بالاعتراف الدولي بسيادة الدولة السورية الفتية وقبولها عضواً في الأمم المتحدة إلا ووجدوا أنفسهم أمام خطة تقسيم فلسطين إلى دولتين عام 1947، والتي رفضوها مثلما رفضتها الغالبية الساحقة من القادة والشعوب العرب، وتلتها حرب وهزيمة للعرب، ثم اعتراف الأمم المتحدة بإسرائيل فور إعلانها عن استقلالها عام 1948.
يشير الدكتور نيل كابلان، وهو مؤرخ كندي من جامعة مونتريال مختص في الصراع العربي - الإسرائيلي، مستنداً إلى الأرشيف الإسرائيلي في كتابه حول الدبلوماسية الفاشلة في الصراعات إلى محاولات عديدة قامت بها شخصيات أغلبها من العرب، غير الفلسطينيين، والبريطانيين للوساطة بين عرب فلسطين والصهاينة. ويذكر من بين الأسماء التي عثر عليها في الأرشيف البريطاني والإسرائيلي جميل مردم بك وعبد الرحمن الشهبندر، واللبنانيين رياض الصلح وأميل إدّة، والمصري إسماعيل صدقي والبريطاني الشهير الكولونيل لورنس، كلها محاولات لإيجاد حل مقبول بين اليهود وعرب فلسطين من خلال عشرات اللقاءات التي دوّنها مردم بك بالكامل في أوراقه الرسمية. وحول هذه المساعي الحميدة كتب إلياهو ساسون، أن مردم بك، «تحول في أعين الصهاينة من متفهّم لضرورة إيجاد حل سلمي إلى اعتباره من أشرس أعداء الصهاينة».
كتب كابلان عن جميل مردم بك، أنه «في فترة الثلاثينات سعى أحد العملاء الصهاينة إلى ابتزاز مردم بك من خلال محاولة استغلال خوفه من النفوذ اليهودي لدى الحكومة الفرنسية (حيث كان البرلمان الفرنسي يناقش المعاهدة الثنائية للمصادقة عليها)؛ وذلك من أجل كسب دعم مردم بك في كبح النشاطات المناصرة للفلسطينيين من قبل بعض الشخصيات القيادية السورية... لكن مردم بك لم يتجاوب مع هذه المحاولات، بينما تعاون زعماء لبنانيون بشكل فعال في دعم جهود الصهاينة للحد من نشاطات المفتي حج أمين الحسيني وأتباعه».
يقول بعض المراقبين العقلاء بأنه لا يجوز الحكم على مرحلة تاريخية بأعين وذهنية مرحلة أخرى، وهذا فيه شيء من الصحة. لكن عمل المؤرخ الجاد هو تحديداً البحث في مجموعات عديدة من الأرشيف لاستيعاب كل معطيات الحقبة التاريخية التي يدرسها وفهم الظرف الذي قاد شخصيات تاريخية إلى القيام بخطوات معيّنة واتخاذ قرارات بشؤون حساسة، وهذا جهد يستغرق سنوات طويلة.
يعلم الباحثون في تاريخ فلسطين أن المؤرخين الإسرائيليين قاموا بنشر كتب عديدة حول تاريخ الحركة الصهيونية وظروف إنشاء الدولة اليهودية مستندين إلى أرشيف تحفظه المؤسسات الإسرائيلية. بعضهم عمل بصدق وكشف عن خطة طرد الفلسطينيين من بلادهم بينما كانت الحكومات الإسرائيلية المتتالية تنفيها، وبعضهم تحول إلى نجوم بفضل كتاباته، لكن البعض الآخر عمل بنوايا خبيثة فالمدعى زامير معروف لدى المؤرخين المحترمين، ومنهم مؤرخ فرنسي عريق ألف مجلدات عن هذه الحقبة التاريخية ومطّلع على الأرشيف الفرنسي بأكمله، بأن زامير مؤرخ يفتقد للمصداقية، وأنه معروف بمحاولاته السابقة لتزييف المعلومات، وأنه يجيّر كل ما يطّلع عليه ليحوله إلى روايات استخباراتية وحكايات عن العمالة. وبهذا يسعى إلى إثبات السردية الإسرائيلية القائلة، إن القادة العرب، وخاصة كبار الشخصيات الوطنية، كانوا في الواقع لا يعارضون قيام الدولة اليهودية ومعنيين بمصالحهم وطموحاتهم الشخصية، وقد باعوا قضية عرب فلسطين منذ ذلك الزمن.
- باحثة أكاديمية سورية





تركيا تعلق آمالاً على «صداقة» ترمب لحل الملفات العالقة

ترمب يستقبل إردوغان بالبيت الأبيض للمرة الأولى منذ 6 سنوات في 25 سبتمبر الماضي (الرئاسة التركية)
ترمب يستقبل إردوغان بالبيت الأبيض للمرة الأولى منذ 6 سنوات في 25 سبتمبر الماضي (الرئاسة التركية)
TT

تركيا تعلق آمالاً على «صداقة» ترمب لحل الملفات العالقة

ترمب يستقبل إردوغان بالبيت الأبيض للمرة الأولى منذ 6 سنوات في 25 سبتمبر الماضي (الرئاسة التركية)
ترمب يستقبل إردوغان بالبيت الأبيض للمرة الأولى منذ 6 سنوات في 25 سبتمبر الماضي (الرئاسة التركية)

تبرز العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة بوصفها واحدةً من أكثر العلاقات تعقيداً وتقلباً. فعلى الرغم من التحالف في إطار حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فإن البلدين يحرصان على إدارة هذه العلاقة وتسييرها من منظور براغماتي قائم على المصالح.

وبشكل عام، تشعر أنقرة بالارتياح مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بعد مضي عام من ولايته الثانية، التي شهدت ما يشبه «المراجعات» في كثير من القضايا الشائكة والملفات الحرجة المزمنة في العلاقات بين البلدين.

يعود ذلك إلى التصريحات المتكررة لترمب عن صداقته مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، و«إعجابه بذكائه» في كثير من القضايا، وفي مقدمتها تغيير النظام في سوريا.

هناك فرق جوهري ملحوظ بين إدارة ترمب وإدارة سلفه جو بايدن؛ إذ لا يبدي الأول أي حساسية تجاه أوجه القصور في الديمقراطية في تركيا، بعكس بايدن، الذي وصل إلى حد وصف إردوغان بـ«الديكتاتور»، وامتنع عن استضافته في البيت الأبيض على مدى 4 سنوات.

براغماتية ونهج حذر

لفتت إلى ذلك أستاذة العلوم السياسية التركية، دنيز تانسي، عادَّة أن الطرفين «يحاولان إيجاد أرضية مشتركة أوثق، وأن الولايات المتحدة تتصرف ببراغماتية في هذه المرحلة».

نأت واشنطن بنفسها عن اعتقال رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو والاحتجاجات التي أعقبته (حزب الشعب الجمهوري - إكس)

وقدَّم مدير مركز الاقتصاد والسياسة الخارجية التركي، سنان أولغن، اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أبرز منافسي إردوغان على حكم تركيا، منذ 19 مارس (آذار) الماضي، وإحالته إلى المحاكمة بشبهات فساد وإغراقه بكثير من القضايا، وتجاهل الاحتجاجات الشعبية على ذلك من جانب واشنطن، مثالاً واضحاً على التغاضي عن وضع الديمقراطية في تركيا.

وقال: «إن هذا فرق كبير عن الفترة السابقة، على الأقل نرى أن النهج على أعلى المستويات أصبح أكثر إيجابية... التفاؤل الحذر هو الإطار الذي وضعته قنصل تركيا العام السابقة في لوس أنجليس، غولرو غيزر، للعلاقات التركية - الأميركية في ولاية ترمب الثانية، لافتة إلى أن العلاقات وصلت إلى أدنى مستوياتها خلال فترة بايدن، وأن الديمقراطية، والتحول الديمقراطي، ليسا ضمن أجندة ترمب السياسية، وأنها غائبة حتى في بلاده، ومن الصعب حصر هذا الأمر في علاقته بتركيا أو غيرها من الدول».

كانت قضية اعتقال طالبة الدكتوراه التركية، روميسا أوزتورك، في الولايات المتحدة في 25 مارس بتهمة المشاركة في أنشطة لدعم حركة «حماس» الفلسطينية، وامتناع أنقرة عن مناقشة القضية علناً، مثالاً ثانياً على محاولة تجنب الإضرار بالديناميكية الإيجابية التي بدأت مع ترمب في ولايته الثانية.

مراجعة الملفات العالقة

وعد ترمب بحل قضية حصول تركيا على مقاتلات «إف - 16»، والعودة إلى برنامج إنتاج وتطوير مقاتلات «إف - 35»، الذي أُخرجت منه في أواخر ولايته الأولى بعد حصولها على منظومة الدفاع الجوي الروسية «إس - 400»، صيف عام 2019، وقيامه في ديسمبر (كانون الأول) 2020 بفرض عقوبات على قطاع الصناعات الدفاعية التركي بموجب قانون مكافحة خصوم تركيا بالعقوبات (كاتسا).

فرض ترمب في 2020 عقوبات على تركيا بموجب قانون «كاتسا» (موقع الصناعات العسكرية التركية)

ومؤخراً، قال السفير الأميركي لدى تركيا المبعوث الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، إنه سيتم حل الملفات الخلافية في العلاقات مع تركيا خلال فترة تتراوح بين 3 و4 أشهر، لكنه أبقى مسألة رفع عقوبات «كاتسا» وعودة تركيا إلى برنامج «إف - 35» رهن التخلص من منظومة «إس - 400»، وهو أمر شبه مستحيل بالنسبة لتركيا؛ بسبب شروط الصفقة الموقَّعة مع روسيا عام 2017.

وفجَّرت زيارة إردوغان الأولى للبيت الأبيض، منذ 6 سنوات، التي أجراها في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي، انتقادات حادة من جانب المعارضة التركية؛ بسبب تصريحات أدلى بها براك عشية لقاء ترمب وإردوغان، قال فيها إن الأزمات التي ظلت عالقة لسنوات في العلاقات التركية - الأميركية، مثل حصول تركيا على منظومة «إس - 400» ومقاتلات «إف - 35» و«إف - 16»، تجب معالجتها من منظور «الشرعية»، وإن ترمب قال إنه سئم هذا، قائلاً: «فلنتخذ خطوةً جريئةً في علاقاتنا ونمنحه (إردوغان) ما يحتاج إليه».

السفير الأميركي لدى تركيا توماس برّاك (أ.ب)

وأضاف أنه عندما سأل ترمب عمّا يحتاج إليه إردوغان، أجاب بأنها «الشرعية»، وأن إردوغان شخص ذكي للغاية، والمسألة ليست الحدود مع سوريا (في إشارة إلى قلق تركيا من وجود مقاتلين أكراد على حدودها الجنوبية تدعمهم واشنطن)، أو منظومة «إس - 400»، أو طائرات «إف - 16»، المسألة هي الشرعية.

انتقادات من المعارضة

على خلفية هذه التصريحات، اتهم زعيم المعارضة التركية، رئيس حزب «الشعب الجمهوري» إردوغان بأنه «حوَّل تركيا من حليف استراتيجي لأميركا إلى عميل ثري يملأ جيوب ترمب بشراء 225 طائرة (بوينغ)، وتوقيع صفقة الغاز المسال وخفض الرسوم الجمركية على البضائع الأميركية، وتوقيع اتفاقية للطاقة النووية للأغراض المدنية دون الحصول على أي مقابل، إلا البحث عن شرعية في غياب حكم ديمقراطي في تركيا».

ترمب وإردوغان شهدا توقيع اتفاقية في مجال الطاقة النووية لأغراض مدنية 25 سبتمبر 2025 (الرئاسة التركية)

بدوره، عدّ رئيس حزب «النصر» القومي المعارض، أوميت أوزداغ، تصريح برّاك حول «الشرعية» إهانةً للأمة التركية، ولإردوغان، ورأى أن إشارة ترمب بإصبعه إلى إردوغان خلال لقائهما بالبيت الأبيض، قائلاً: «هذا الرجل يعرف الانتخابات المزورة أكثر من أي شخص آخر»، لم تكن من قبيل الصدفة وإنما لإثارة الجدل في تركيا وعلى الصعيد الدولي.

وانتقد أوزداغ تذكير ترمب مرة أخرى بقضية اعتقال القس الأميركي، أندرو برونسون، التي تسبب في أزمة دبلوماسية بين الولايات المتحدة وتركيا عام 2018، خلال ولايته الأولى، عادّاً أنه انعدام للياقة الدبلوماسية؛ لأن الرأي العام التركي والعالمي يعلم أن قضية برونسون طُرحت مع رسالة مهينة لإردوغان من جانب ترمب.

جانب من مباحثات إردوغان وترمب بالبيت الأبيض في 25 سبتمبر 2025 (الرئاسة التركية)

وطالب رئيس حزب «الوطن» التركي ذو التوجه اليساري، دوغو برينتشيك، بطرد برّاك من أنقرة.

حاول براك إصلاح الأمر قائلاً، في تصريحات لوسائل إعلام تركية، لاحقاً، إن رئيسنا (ترمب) يثمّن عالياً جهود تركيا سواء لمصلحة أميركا أو في إطار «ناتو»، وإنه «يضع في مفهوم الشرعية معنى الاحترام».

بدوره، عدّ إردوغان موقف المعارضة تعبيراً عن «خيبة الأمل» ودليلاً على النجاح الكبير للزيارة.

ملفات دولية وإقليمية

على الرغم مما يبدو أنه حراك فعال على خط العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وتنسيق في كثير من الملفات الدولية والإقليمية، مثل الحرب الروسية - الأوكرانية، والأمن الأوروبي، والطاقة والقضايا المتعلقة بـ«ناتو»، إلى جانب الإشادة الأميركية بالدور التركي في سوريا، والتنسيق الفعال بشأن سوريا ومكافحة الإرهاب، يبدو أن الملفات الأساسية، وفي مقدمتها الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب (الكردية) التي تقود «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) لا تزال تراوح مكانها، بدافع من غياب الثقة المتبادلة حسب رؤية الخبراء، رغم التصريحات التي تشير إلى توجه أميركي لتحسين الوضع في الولاية الثانية لترمب عنها في الولاية الأولى.

تدريب مشترك بين القوات الأميركية و«قسد» في شمال شرقي سوريا (أرشيفية - أ.ف.ب)

في الملف السوري، أحد أهم الملفات الإقليمية التي شهدت تنسيقاً أميركياً - تركياً ملحوظاً في العام الأول من ولاية ترمب الثانية، دعت «وثيقة مشروع 2025»، التي تمثل جزءاً من رؤية ترمب للسياسة الخارجية في الشرق الأوسط، إلى إعادة التفكير في السياسة الأميركية تجاه الأكراد في المنطقة، عادة أن دعمهم قد يهدد المصالح الأميركية والإقليمية ويتعارض مع علاقتها بالحلفاء، مثل تركيا.

ولفتت الأكاديمية التركية، دنيز تانسي، إلى سعي ترمب وإدارته لمنع الصدام بين تركيا وإسرائيل في سوريا، وهو ما انعكس خلال لقاء ترمب ونتنياهو بالبيت الأبيض؛ إذ طالبه بحل مشكلاته مع تركيا، مبدياً استعداده للعمل على ذلك بحكم الصداقة التي تربطه بإردوغان.

إردوغان شارك باجتماع حول غزة دعا إليه ترمب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025 (الرئاسة التركية)

أما على صعيد القضية الفلسطينية، فإن رؤية ترمب للدور التركي قائمة على تقدير التأثير الفعال لتركيا على «حماس» لصالح إسرائيل، لكنه لم يتمكن حتى الآن من كسر حدة موقف نتنياهو ورفضه مشاركة تركيا في قوة دولية مزمع نشرها في غزة، للسبب ذاته، وهو علاقة تركيا بـ«حماس»، ويشكل ذلك نقطة أخرى لاختبار تغير وجه العلاقات التركية - الأميركية في ظل ترمب.

في التحليل النهائي، تظل العلاقات التركية - الأميركية معقدة ومرهونة بالتفاهمات والصفقات البراغماتية في إطار تعاون تكتيكي في مجالات مثل الأمن والاقتصاد والتجارة ومكافحة الإرهاب، لكنها ستبقى فاقدة للشراكة الاستراتيجية الراسخة؛ بسبب التباينات في الرؤى حول القضايا الإقليمية.


مصر وترمب... تحالف استراتيجي على وقع اضطرابات إقليمية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
TT

مصر وترمب... تحالف استراتيجي على وقع اضطرابات إقليمية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)

بعد أشهر من التكهنات بشأن مستقبل العلاقات المصرية - الأميركية، وسط حديث متكرر عن بوادر «توتر وأزمة» بين القاهرة وواشنطن على خلفية تبني الرئيس دونالد ترمب مقترحاً لـ«تهجير» سكان غزة، الذي رفضه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وما تبع ذلك من تداعيات، جاء لقاء الرئيسين في شرم الشيخ وتوقيعهما اتفاق سلام بشأن غزة ليؤكد استمرار التحالف الاستراتيجي بين البلدين على وقع الاضطرابات الإقليمية.

وبينما شهدت بداية العام الأول من ولاية ترمب حديثاً إعلامياً عن إلغاء السيسي خطط زيارة لواشنطن، ينتهي العام بتكهنات عن اقتراب تنفيذ تلك الزيارة، رد الرئيس الأميركي عليها بقوله: «السيسي صديق لي، وسأكون سعيداً بلقائه أيضاً».

وحمل فوز ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية، نهاية العام الماضي، آمالاً مصرية بتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، عبَّر عنها السيسي، في منشور لتهنئة ترمب عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس»، قال فيه: «نتطلع لأن نصل معاً لإحلال السلام، والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليميَّين، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية».

لكن طَرْحَ ترمب خطة لـ«تطهير غزة»، وتهجير سكانها إلى مصر والأردن، ألقى بظلاله على العلاقات بين البلدين، لا سيما مع إعلان القاهرة رفضها القاطع للتهجير، وحشدها دعماً دولياً لرفض الطرح الأميركي مع إعلانها مخططاً بديل لإعمار غزة، واستضافتها قمةً طارئةً بهذا الشأن في مارس (آذار) الماضي.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي في البيت الأبيض (أرشيفية - رويترز)

القليل المعلن

ويرى ديفيد باتر، الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس»، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن الجانب اللافت في العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، على مدار العام الماضي، هو «انخفاض مستوى الجوانب العلنية»، فباستثناء «عرض ترمب» في شرم الشيخ، «لم يكن هناك كثير مما جرى، على الملأ».

في حين وصف عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية المصري، مدير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة «كارنيغي»، العام الأول من ولاية ترمب الثانية، بأنه كان «عاماً صعباً فيما يتعلق بالعلاقات المصرية - الأميركية»، مشيراً في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إلى أن «العام بدأ بحديث عن التهجير و(ريفييرا الشرق الأوسط)، لكن مصر بجهودها الدبلوماسية استطاعت تحويل المسار، لتحمل خطة ترمب للسلام إشارة إلى رفض التهجير، وحديث عن مسار أمني وسياسي لغزة، ومسار سياسي للقضية الفلسطينية كلها، وإن كان غير واضح».

وقال حمزاوي: «بدأ العام من نقطة صعبة، هي تطور طبيعي لموقف بايدن المتخاذل في غزة، حيث بدأ الحديث التهجير فعلياً في عهد بايدن، لكن بعد نحو عام من الجهد المصري السياسي والدبلوماسي وصلت الأمور لمعكوس البدايات، حيث أصبح التهجير غير مطروح على أجندة واشنطن، وإن ظل خطراً قائماً لا يمكن تجاهله».

تاريخياً «شكّلت مصر دولةً محوريةً بالنسبة للأمن القومي الأميركي، استناداً إلى موقعها الجغرافي، وثقلها الديمغرافي، ودورها الدبلوماسي»، بحسب تقرير نشرته أخيراً وحدة أبحاث الكونغرس الأميركي.

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة بمدينة شرم الشيخ المصرية في أكتوبر 2025 (أرشيفية - أ.ف.ب)

غزة... العقدة الأبرز

كان لحرب غزة دور في تشكيل العلاقات المصرية - الأميركية خلال العام الأول من ولاية ترمب، ودعمت واشنطن جهود الوساطة المصرية - القطرية لإيقاف الحرب. ووجَّه وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الشكر للقاهرة بعد نجاحها في إقرار هدنة بين إسرائيل وحركة «حماس» في يناير (كانون الثاني) الماضي. لكن مع استئناف القتال مرة أخرى «وُضعت مصر في مواقف دبلوماسية معقّدة إزاء كلٍّ من الولايات المتحدة وإسرائيل؛ فبينما رفضت دعوة ترمب لإعادة توطين سكان غزة، فإن خطتها لإعادة إعمار غزة لم تحظَ بقبول من الولايات المتحدة أو إسرائيل. وتعرَّضت القاهرة لانتقادات من ترمب إثر امتناعها عن الانضمام إلى واشنطن في تنفيذ أعمال عسكرية ضد جماعة (الحوثي) اليمنية»، بحسب وحدة أبحاث الكونغرس.

وأوضح الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس» أن «العلاقات المصرية مع إدارة ترمب شهدت توتراً على خلفية ملف غزة؛ حيث ألغى السيسي خططاً لزيارة واشنطن في مطلع العام، عقب إعلان ترمب عن (ريفييرا الشرق الأوسط)، ليقتصر التواصل بين الجانبين على الحد الأدنى».

لكن باتر يشير إلى أن «زيارة ترمب لشرم الشيخ وتوقيع (اتفاق غزة) والاحتفاء بنجاح خطته، كانت فرصة لإعادة ضبط العلاقات بين القاهرة وواشنطن»، لافتاً إلى أنه بالنسبة للوضع في غزة فإن «مصر أصبحت لاعباً رئيسياً لا غنى عنه لإدارة ترمب ولإنجاح خطته».

وقال حمزاوي: «إن غزة كانت الملف الأبرز في العام الأول لإدارة ترمب، ومنحت مصر فرصةً لاستعادة قراءة صانع القرار الأميركي والأوروبي لدورها وسيطاً رئيسياً لحل الصراع وتفعيل وتنفيذ الاتفاق، والانطلاق لمسارات سياسية»، لافتاً إلى أن «القاهرة استطاعت وضع رؤيتها للحل على الطاولة، فبدلاً من تعاقب المسارَين الأمني والسياسي في الطرح الأميركي، أصبح هناك توافق على توازي المسارات، وكذلك الأمر تحول من الحديث عن نزع السلاح إلى قبول فكرة حصر السلاح».

وطوال العام عوّلت مصر على ترمب لإنهاء الحرب في غزة، عبر بيانات وتصريحات رسمية عدة، ودخلت واشنطن بالفعل على خط الوساطة. وحثَّ السيسي نظيره الأميركي، في كلمة متلفزة في يوليو (تموز) الماضي على بذل الجهد لوقف الحرب بوصفه «قادراً على ذلك».

وتعد «مصر دولة لا غنى عنها في خطوات الاستجابة الدولية لحرب غزة، وإن ظلت شريكاً صعباً للولايات المتحدة وإسرائيل»، وفق ما كتبه الباحثان الأميركيان دانيال بيمان وجون ألترمان، في مقال مشترك نشرته «فورين بوليسي». وأوضح بيمان وألترمان أن «الحرب في غزة أعادت تسليط الأضواء الدبلوماسية تدريجياً على مصر، ومنحتها أوراق ضغط قوية».

بدورها، ترى سارة كيرة، مديرة المركز الأوروبي الشمال أفريقي للأبحاث، أن «وتيرة العلاقات المصرية - الأميركية في ظل إدارة ترمب في ولايته الثانية تختلف عن الأولى»، موضحة في مقابلة مع «الشرق الأوسط» أن «ولاية ترمب الأولى شهدت توافقاً بين البلدين في ملفات عدة، وكانت هناك حفاوة من ترمب شخصياً بمصر وإدارتها للملفات المختلفة، لا سيما مكافحة الإرهاب، على عكس الولاية الثانية التي شهدت تباينات في المواقف».

هذه الخلافات في المواقف برزت في أبريل (نيسان) مع حديث ترمب عن «مرور مجاني لسفن بلاده التجارية والعسكرية في قناة السويس المصرية»، مقابل ما تبذله واشنطن من إجراءات لحماية الممر الملاحي.

إيجابية رغم التباين

تباين المواقف بشأن غزة لم يمنع من إشارات إيجابية في ملفات أخرى، ففي بداية العام قرَّرت وزارة الخارجية الأميركية تجميد التمويل الجديد لجميع برامج المساعدات الأميركية في مختلف أنحاء العالم، باستثناء برامج الغذاء الإنسانية، والمساعدات العسكرية لإسرائيل ومصر.

كما لم تدرج واشنطن مصر ضمن قائمة حظر السفر التي أصدرتها في يونيو (حزيران) الماضي، وبرَّر ترمب ذلك بأن «مصر دولة نتعامل معها من كثب. الأمور لديهم تحت السيطرة». واستُثنيت مصر أيضاً من زيادة رسوم الجمارك الأميركية. في وقت أكدت فيه مصر مراراً على «عمق ومتانة» العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن.

وأشارت كيرة إلى أن «مصر ضغطت بكل ما أوتيت من قوة لتحقيق السلام وإيقاف الحرب على قطاع غزة، ونجحت في إقناع الجانب الأميركي برؤيتها حتى وصلت لتوقيع اتفاق سلام في شرم الشيخ». وقالت: «تعاملت الدولة المصرية ببراغماتية وذكاء، واستطاعت بفهمها لطبيعة شخصية ترمب وللمصالح الأميركية إقناع واشنطن برؤيتها».

وبينما يتعثر الوصول للمرحلة الثانية من اتفاق غزة، لا تزال مصر تعوّل على ترمب لإنجاح خطته، وتتواصل القاهرة مع واشنطن في هذا الشأن، كما تعمل معها على الإعداد لمؤتمر تمويل إعادة إعمار القطاع، الذي لا يبدو حتى الآن أن إدارة ترمب أعطته الزخم الكافي.

ولا يقتصر الحوار المصري - الأميركي على غزة، بل يمتد إلى عدد آخر من الملفات الإقليمية مثل ليبيا والسودان ولبنان وإيران، إضافة إلى الملفات المرتبطة بالأمن المائي، وعلى رأسها «سد النهضة» الإثيوبي الذي تخشى مصر أن يضر بحصتها من مياه النيل.

«سد النهضة» الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

سد النهضة

في منتصف يونيو الماضي، أثار ترمب جدلاً في مصر بحديثه عبر منصته «تروث سوشيال» بأنَّ الولايات المتحدة «موَّلت بشكل غبي سد النهضة، الذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق، وأثار أزمةً دبلوماسيةً حادةً مع مصر». وفي أغسطس (آب) الماضي، أعلن «البيت الأبيض» قائمة نجاحات ترمب في إخماد حروب بالعالم، تضمَّنت اتفاقية مزعومة بين مصر وإثيوبيا بشأن «سد النهضة». وكرَّر ترمب مراراً حديثاً عن جهود إدارته في «حل أزمة السد الإثيوبي»، لكن هذا الحديث لم يترجم حتى الآن إلى جهود على الأرض.

وأشار حمزاوي إلى أن «هناك فرصة لتلعب واشنطن دور الوسيط لحل أزمة سد النهضة، والعودة للاتفاق الذي تمَّ في نهاية فترة ترمب الأولى». لكن تشارلز دن، الباحث في «المركز العربي واشنطن دي سي»، كتب في تقرير نُشر أخيراً، يقول: «إن موقف ترمب من السد الإثيوبي قد يمنح قدراً من الرضا للقاهرة، لكنه قد يفضي في الوقت نفسه إلى نتائج غير محمودة، في ظل عدم تبني واشنطن دور الوسيط في هذا الملف حتى الآن».

وكانت واشنطن قد استضافت جولة مفاوضات خلال ولاية ترمب الأولى عام 2020 بمشاركة البنك الدولي، بين مصر وإثيوبيا والسودان، لكنها لم تصل إلى اتفاق نهائي؛ بسبب رفض الجانب الإثيوبي التوقيع على مشروع الاتفاق.

قوات أميركية محمولة جواً خلال تدريبات النجم الساطع في مصر في سبتمبر 2025 (القيادة المركزية الأميركية)

علاقات عسكرية مستمرة

على صعيد العلاقات العسكرية، واصل التعاون بين الجانبين مساره المعتاد. ومنذ عام 1946، قدَّمت الولايات المتحدة لمصر نحو 90 مليار دولار من المساعدات، مع زيادة كبيرة في المساعدات العسكرية والاقتصادية بعد عام 1979، بحسب وحدة أبحاث الكونغرس، التي أشارت إلى أن الإدارات الأميركية المتعاقبة تبرِّر ذلك بوصفه «استثماراً في الاستقرار الإقليمي».

وعلى مدى أكثر من عقد، وضع الكونغرس شروطاً متعلقة بحقوق الإنسان على جزء من المساعدات الموجَّهة لمصر. وخلال الأعوام المالية من 2020 إلى 2023، حجبت إدارة بايدن والكونغرس نحو 750 مليون دولار من التمويل العسكري لمصر، لكن الملحق الفني الأخير الذي قدَّمه ترمب لموازنة عام 2026، تضمّن طلباً بقيمة 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية لمصر، دون أي مشروطية، وفق وحدة أبحاث الكونغرس.

وهنا قال حمزاوي: «الإدارة الأميركية أبعد ما تكون عن وضع مشروطية على مصر، فالعلاقات بين البلدين مبنية على المصالح بين قوة كبرى، وأخرى وسيطة مؤثرة بإيجابية».

بالفعل، منذ حرب غزة، سرَّعت إدارتا بايدن وترمب وتيرة مبيعات الأسلحة الأميركية إلى مصر بشكل ملحوظ، وأخطرت وزارة الخارجية الكونغرس بمبيعات عسكرية لمصر بقيمة إجمالية بلغت 7.3 مليار دولار، بحسب وحدة أبحاث الكونغرس. وفي يوليو الماضي أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) موافقة وزارة الخارجية، على صفقة بيع لمنظومة صواريخ متقدمة للدفاع الجوي إلى مصر، بقيمة تقدر بنحو 4.67 مليار دولار. كما استضافت مصر في سبتمبر (أيلول) الماضي مناورات «النجم الساطع».

وقالت كيرة: «العلاقات بين مصر وواشنطن تسير وفقاً لاعتبارات المصالح»، مؤكدة أن «القاهرة استطاعت تقديم نفسها لاعباً أساسياً في الإقليم». بينما أكد حمزاوي أن «مصر في مكان مركزي في تفكير الولايات المتحدة للشرق الأوسط، حيث تحتاج واشنطن إلى طيف من الحلفاء، ومصر في موقع القلب منه».


عام في السودان... حرب شرعيات ومصالح وخطوط نفوذ

السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
TT

عام في السودان... حرب شرعيات ومصالح وخطوط نفوذ

السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)

خفتت آمال السودانيين في نهاية قريبة للحرب والمأساة الإنسانية التي يعيشونها منذ 15 أبريل (نيسان) 2023، ومنذ اللحظة التي انطلقت فيها الرصاصة الأولى، ثم تزايد تشاؤمهم بأن المشهد يزداد قتامة مع تعثر المبادرات الإقليمية والدولية.

لكن تدخل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وطلبه من الرئيس الأميركي دونالد ترمب «التدخل» بكامل ثقله الرئاسي، أعاد بريق الأمل، وقفز دور السعودية إلى قلب حديث الناس، وفتح نافذة جديدة تراهن على ثقل قادر على كسر الجمود.

وخلال زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة أخيراً، طلب ولي العهد من الرئيس الأميركي التدخل للمساعدة في وقف الحرب، وفق تصريحات أدلى بها ترمب خلال المنتدى الأميركي – السعودي للأعمال في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكشف ترمب وقتها أن ولي العهد طلب منه التدخل لوقف حرب السودان، بقوله: «سمو الأمير يريد مني القيام بشيء حاسم يتعلق بالسودان»، وأضاف: «بالفعل بدأنا العمل بشأن السودان قبل نصف ساعة، وسيكون لنا دور قوي في إنهاء النزاع هناك».

الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً في قصر اليمامة بالرياض رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان (واس)

عندما يتكلم الناس

في الخرطوم التي دمرتها الحرب، نظر مواطنون للتحرك السعودي بوصفه استجابة «متوقعة من الأشقاء»، يقول أحمد موسى، إن «ما فعله ولي العهد السعودي أمر متوقع من المملكة، كدولة شقيقة».

وفي الفاشر التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، لم تخفِ حواء إبراهيم تأثير الحرب في كلماتها، قبل أن تربط الأمل بأي خطوة توقف النزيف: «الحرب قضت على الأخضر واليابس، وتضررنا منها كثيراً».

أما في الأبيض، عاصمة شمال كردفان المحاصرة، حيث يعيش السكان على حافة القلق من تمدد القتال، فيختصر عيسى عبد الله المزاج العام بقوله: «تأثرت كل البيوت بالحرب، لذلك نحن نرحب بتدخل الأشقاء».

ومن نيالا التي يتخذ منها تحالف «تأسيس» عاصمة موازية، يقول ف. جبريل إن السكان «يأملون أن تجتث الحرب من جذورها، وأن تصل إليهم المساعدات الإنسانية، وأن يعود النازحون إلى ديارهم».

ولا يطلب السودانيون حلاً مفروضاً من الخارج، بقدر ما يريدون وسيطاً «نزيهاً» يعيد الأطراف إلى طاولة الحوار، ويمنع استخدام المسارات السياسية لشراء الوقت، ويعتقدون أن السعودية هي ذلك الوسيط.

شاحنة محمّلة بممتلكات شخصية لعائلات نازحة تنتظر مغادرة نقطة حدودية في مقاطعة الرنك بجنوب السودان (أرشيفية - أ.ف.ب)

إشارات تراجع

على المستوى الرسمي، لم تسر الاستجابة على خط واحد، ففي 19 نوفمبر 2025، وبمجرد إعلان ترمب عن طلب ولي العهد، رحّب رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان بالخطوة، وكتب في تغريدة على «إكس»: «شكراً سمو الأمير محمد بن سلمان، شكراً الرئيس ترمب».

ورحّبت حكومة البرهان بالجهود السعودية والأميركية، وأبدت استعدادها «للانخراط الجاد لتحقيق السلام». لكنها تحفظت على وساطة «المجموعة الرباعية» التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، وأبدت تفضيلاً للوساطة السعودية.

«صفقة عسكرية»

ورحب التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك بالجهود السعودية، واعتبرها «خطوة إيجابية قد تفتح مساراً جديداً»، بيد أنه اشترط ألا يكون الحل حصراً بين العسكريين، وأن يشارك المدنيون في أي تسوية شاملة قادمة.

من جهته، عبر تحالف السودان التأسيسي - اختصاراً «تأسيس» - الموالي لـ«قوات الدعم السريع»، عن تأييده للتحرك السعودي، واعتبره تأكيداً على حرص المملكة على منع انهيار السودان.

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم «الأفاد» للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

هل تنجح المبادرة؟

يراهن السودانيون على تحويل الجهود السعودية - الأميركية من «إشارة سياسية» إلى مسار دبلوماسي كامل يتضمن «ضغطاً يفضي إلى وقف إطلاق نار، وترتيبات إنسانية تفتح الممرات وتخفف المعاناة، ثم عملية سياسية لا تعيد إنتاج الأزمة»، وفق المحامي حاتم إلياس لـ«الشرق الأوسط».

وقال إلياس لـ«الشرق الأوسط»، إن «التحدي الأكبر يبقى في تعقيد الحرب نفسها: صراع على الشرعية، وانقسام مجتمعي، ومؤسسات ضعيفة، وتضارب مصالح أطراف متعددة».

ورغم هذه التعقيدات، فإن المزاج الشعبي من بورتسودان إلى الخرطوم إلى الفاشر والأبيض ونيالا، يبدو واضحاً، حسب الصحافي المقيم في باريس محمد الأسباط، في أن «هناك تعلقاً بالأمل الهش بتوقف البنادق وفتح باب نحو سلام طال انتظاره».

وبعد تراجع آمال السودانيين في حل قريب، عادت الروح المتفائلة مرة أخرى، إثر زيارة رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان للرياض 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي للمملكة، والاجتماع الرفيع الذي عقده معه ولي العهد.

وبدا أن مجرد عقد هذا الاجتماع في الرياض، فتح بوابة جديدة للأمل بوقف الحرب وإنهاء المأساة الإنسانية، وكأن واقع الحال يقول: «تضع السعودية ملف وقف الحرب في السودان على رأس أولوياتها».

ويأمل السودانيون الذين أنهكتهم الحرب وأزهقت أرواح العديد منهم، وأهلكت ضرعهم وزرعهم، وشردتهم في بقاع الدنيا، لاجئين ونازحين، العودة إلى بلادهم وبيوتهم، وحياتهم التي يفتقدونها، فهل تثمر المبادرات سلاماً مستداماً هذه المرة؟