اللبنانيون يكافحون لتأمين حد الكفاف

تراجع حركة المبيعات إلى النصف والمستهلكون يشترون «الضروري»

محاولات لرفض رفع الدعم عن القمح مع مواد أساسية (الوكالة الوطنية)
محاولات لرفض رفع الدعم عن القمح مع مواد أساسية (الوكالة الوطنية)
TT

اللبنانيون يكافحون لتأمين حد الكفاف

محاولات لرفض رفع الدعم عن القمح مع مواد أساسية (الوكالة الوطنية)
محاولات لرفض رفع الدعم عن القمح مع مواد أساسية (الوكالة الوطنية)

أصبح الشغل الشاغل لغالبية اللبنانيين تأمين حد الكفاف، بعدما أصبح أكثر من نصفهم تحت خط الفقر نتيجة أمور كثيرة أبرزها تجاوز سعر الدولار 8 آلاف ليرة لبنانية (السعر الرسمي 1500 ليرة)، وما تبعه من ارتفاعات صاروخية لأسعار كل السلع، واقتراب الحلول الحكومية من الانتهاء، وبخاصة دعم بعض السلع الضرورية والمحروقات. فالأزمة الاقتصادية التي أصابت الناس منذ نحو سنة، قوضت نشاط الحركة الاقتصادية التي ينتظرها التجار في الشهر الأخير من العام عادة، وهو موسم الميلاد ورأس السنة، حيث بدت الحركة خجولة، وسط تراجع بحركة المبيع يتخطى الـ50 في المائة عما كانت عليه في السنوات الماضية.
ومع انهيار قيمة العملة المحلية وتراجع قدرة المواطنين الشرائية، يتحدّث التجار عن حركة أسواق سيئة مقارنة مع الشهر ذاته من السنوات الماضية، إذ تراجعت بنسبة تصل إلى 50 في المائة عما كانت عليه في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي حين كانت المبيعات متدنية أصلاً، حسب ما يؤكّد رئيس جمعية تجار الأشرفية طوني عيد، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ تراجع حركة الأسواق لم يبدأ هذا العام ولكنّ الأزمة الاقتصادية ولا سيما تدهور الليرة وتدهور قدرة الناس الشرائية زادا الأمر سوءاً، موضحاً أن «أسعار السلع ارتفعت أقلّه ضعفين في وقت فقد اللبنانيون فيه قدرتهم الشرائية ووصلت نسبة التضخم إلى 365 في المائة بعد تراجع قيمة الليرة».
ويوضح عيد أنّ التجار باتوا مضطرين إلى خفض نسبة أرباحهم وذلك حتى تبقى أسعار السلع «مقبولة»، ولكن مع ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء وبينما النسبة الأكبر من اللبنانيين يتقاضون رواتبهم بالعملة الوطنية، «يبدو الأمر صعباً فلا التجّار قادرون على تحمّل المزيد من الخسائر ولا المواطن قادر على دفع ثمن السلع».
وساهمت الإجراءات المصرفية التي حجزت على أموال اللبنانيين، في تعميق الفجوة، فبات من يمتلك القدرة الشرائية عاجزاً عن توفير السيولة بيديه بغرض التسوق، حسب ما يرى رئيس جمعية تجار بربور رشيد كبي مضيفاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنّه حتى السياح الذين كانوا يأتون إلى لبنان خلال هذا الشهر ويساهمون بحركة البيع «غير موجودين هذا العام بسبب كورونا التي كانت أنهكت التجار عبر ما تسببت به من إقفالات متكرّرة وخوف الناس من التسوق خلال الأيام التي سمح للمحال بأن تفتح فيها».
وبات اللبنانيون يشترون الأساسي فقط الذي بات يعني «الطعام»، فالملابس والهدايا والألعاب باتت ثانوية أو مختصرة حتى في هذا الشهر. وبالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية وكورونا ضاعف انفجار المرفأ في 4 أغسطس (آب) معاناة أصحاب المحال التجارية ولا سيما في المنطقة القريبة من الانفجار، «فهناك عدد كبير منهم لم يعد إلى العمل حتى اللحظة أي بعد 4 أشهر، ومن عاد من المحال المتضررة عاد بأقل الممكن»، حسب ما يؤكد تجار بيروت، مشيرين إلى أن 80 في المائة من محال المناطق القريبة لم تعد إلى العمل بعد.
وأمام هذا الواقع يشير عيد إلى إقفال نحو 500 وحدة تجارية خلال عامي 2019 و2020 في منطقة الأشرفية رميل بينما يشير كبّي إلى إقفال 80 محلا من أصل 240 في منطقة بربور.
وتظهر البيانات السابقة أن المبيعات في شهر ديسمبر (كانون الأول) تناهز ربع مبيعات التجار السنوية كمعدل وسطي. وارتفعت أسعار الملابس أكثر من ثلاثة أضعاف عن العام الماضي و«الحركة ضمن الضرورة» كما تقول صاحبة محل ملابس في سوق «برج حمود»، مضيفة أنّ الحركة التي تشهدها الأسواق حالياً مرتبطة بالحاجة الشديدة أكثر منها بالعيد، فمعظم الناس تشتري ملابس الأطفال وما هو ضروري ولا سيما أنّنا على أبواب فصل الشتاء.
وفيما يخص سوق الألعاب، تراجع بشكل كبير في ظلّ ارتفاع أسعار الألعاب إلى ثلاثة أضعاف على الأقل، كما يقول صاحب محل ألعاب صغير في بيروت، مضيفاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنّ الناس تبحث عن الأرخص لذلك نشط سوق الألعاب البلاستيكية ذات جودة تصنّف أقل من متوسطة على حساب الألعاب الإلكترونية أو ألعاب العلامات التجارية.
وكانت دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (إسكوا) كشفت عن تضاعف نسبة الفقراء من سكان لبنان لتصل إلى 55 في المائة عام 2020، بعد أن كانت 28 في المائة في 2019، فضلاً عن ارتفاع نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع بـ3 أضعاف من 8 إلى 23 في المائة خلال الفترة نفسها.



الحوثيون يعلنون هجوماً ضد إسرائيل ويزعمون إسقاط مسيرة أميركية

زعيم الحوثيين دعا أتباعه إلى الاحتشاد بأكبر قدر ممكن عقب فوز ترمب بمنصب الرئيس الأميركي (أ.ف.ب)
زعيم الحوثيين دعا أتباعه إلى الاحتشاد بأكبر قدر ممكن عقب فوز ترمب بمنصب الرئيس الأميركي (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يعلنون هجوماً ضد إسرائيل ويزعمون إسقاط مسيرة أميركية

زعيم الحوثيين دعا أتباعه إلى الاحتشاد بأكبر قدر ممكن عقب فوز ترمب بمنصب الرئيس الأميركي (أ.ف.ب)
زعيم الحوثيين دعا أتباعه إلى الاحتشاد بأكبر قدر ممكن عقب فوز ترمب بمنصب الرئيس الأميركي (أ.ف.ب)

بعد نحو 10 أيام من الهدوء وتراجع الهجمات الحوثية ضد السفن، تبنّت الجماعة المدعومة من إيران قصف قاعدة إسرائيلية في منطقة النقب، الجمعة، وزعمت إسقاط مسيرة أميركية من طراز «إم كيو 9»، بالتزامن مع إقرارها تلقي غارتين غربيتين استهدفتا موقعاً في جنوب محافظة الحديدة الساحلية.

وجاءت هذه التطورات بعد يومين فقط من فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية؛ حيث تتصاعد مخاوف الجماعة الحوثية من أن تكون إدارته أكثر صرامة فيما يتعلّق بالتصدي لتهديداتها للملاحة الدولية وتصعيدها الإقليمي.

صاروخ زعمت الجماعة الحوثية أنه «فرط صوتي» أطلقته باتجاه إسرائيل (إعلام حوثي)

وتهاجم الجماعة منذ أكثر من عام السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا في البحرين الأحمر والعربي، كما تطلق الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، وأخيراً مساندة «حزب الله» اللبناني.

وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، يحيى سريع، في بيان، إن قوات جماعته نفّذت عملية عسكرية استهدفت قاعدة «نيفاتيم» الجوية الإسرائيلية في منطقة النقب بصاروخ باليستي فرط صوتي من نوع «فلسطين 2»، وإذ ادّعى المتحدث الحوثي أن الصاروخ أصاب هدفه، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراضه دون الحديث عن أي أضرار.

وتوعّد المتحدث العسكري الحوثي بأن جماعته ستواصل ما تسميه «إسناد فلسطين ولبنان»، من خلال مهاجمة السفن وإطلاق الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل، زاعماً أن هذه العمليات لن تتوقف إلا بتوقف الحرب على قطاع غزة ولبنان.

حريق ضخم في ميناء الحديدة اليمني إثر ضربات إسرائيلية استهدفت خزانات الوقود (أرشيفية - أ.ف.ب)

وكان آخر هجوم تبنّته الجماعة الحوثية ضد إسرائيل في 28 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي، حينها، أن طائرة مسيّرة أُطلقت من اليمن عبرت أجواء مدينة عسقلان قبل أن تسقط في منطقة مفتوحة.

وخلال الأشهر الماضية تبنّت الجماعة إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو (تموز) الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة؛ وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكررت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

12 مسيّرة تجسسية

زعم المتحدث العسكري الحوثي، في البيان الذي ألقاه خلال حشد في صنعاء، أن الدفاعات الجوية التابعة للجماعة أسقطت، فجر الجمعة، «طائرة أميركية من نوع (إم كيو 9) في أثناء تنفيذها مهام عدائية في أجواء محافظة الجوف».

وحسب مزاعم الجماعة، تُعدّ هذه الطائرة المسيرة الـ12 التي تمكّنت من إسقاطها منذ بدأت تصعيدها البحري ضد السفن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

المتحدث العسكري باسم الحوثيين يردّد «الصرخة الخمينية» خلال حشد في صنعاء (أ.ف.ب)

وتحدّثت وكالة «أسوشييتد برس» عما وصفه شهود، الجمعة، بأنه سقوط مسيّرة في أحدث إسقاط محتمل لمسيرّة تجسس أميركية. وأوردت أن الجيش الأميركي على علم بشأن مقاطع الفيديو المتداولة عبر الإنترنت التي تُظهر ما بدا أنها طائرة مشتعلة تسقط من السماء والحطام المحترق في منطقة، وصفها من هم وراء الكاميرا بأنها منطقة في محافظة الجوف اليمنية.

وحسب الوكالة، قال الجيش الأميركي إنه يحقّق في الحادث، رافضاً الإدلاء بمزيد من التفاصيل، وذكرت أنه «لم يتضح على الفور طراز الطائرة التي أُسقطت في الفيديو الليلي منخفض الجودة».

غارتان في الحديدة

في سياق الضربات الغربية التي تقودها واشنطن لإضعاف قدرة الجماعة الحوثية على مهاجمة السفن، اعترفت وسائل الجماعة بتلقي غارتين، الجمعة، على موقع في جنوب محافظة الحديدة.

وحسب ما أوردته قناة «المسيرة» الذراع الإعلامية للجماعة، استهدفت الغارتان اللتان وصفتهما بـ«الأميركية - البريطانية» مديرية التحيتا الواقعة في جنوب محافظة الحديدة التي تتخذ منها الجماعة منطلقاً رئيسياً لشن الهجمات البحرية ضد السفن.

قاذفة شبحية أميركية من طراز «بي 2» مضادة للتحصينات (أ.ب)

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تبنّت الجماعة الحوثية قصف أكثر من 200 سفينة، وأدت الهجمات في البحر الأحمر إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، وإصابة آخرين في هجوم رابع ضد سفينة ليبيرية.

يُشار إلى أن الجماعة أقرت بتلقي أكثر من 770 غارة غربية، بدءاً من 12 يناير (كانون الثاني) الماضي؛ سعياً من واشنطن التي تقود تحالف «حارس الازدهار»، إلى تحجيم قدرات الجماعة الهجومية.

وكانت واشنطن لجأت إلى استخدام القاذفات الشبحية لأول مرة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في استهداف المواقع المحصنة للجماعة الحوثية في صنعاء وصعدة، في رسالة استعراضية فُهمت على أنها موجهة إلى إيران بالدرجة الأولى.

وتقول الحكومة اليمنية، إن الضربات الغربية ضد الجماعة الحوثية غير مجدية، وإن الحل الأنجع هو دعم القوات الشرعية لاستعادة الحديدة وموانيها، وصولاً إلى إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة العاصمة المختطفة صنعاء.

صورة طوربيد بحري وزّعها الحوثيون زاعمين أنه بات ضمن أسلحتهم الجديدة (إكس)

ويتهم مراقبون يمنيون الجماعة الحوثية بأنها وجدت في الحرب الإسرائيلية على غزة فرصة للهروب من استحقاقات السلام مع الحكومة اليمنية؛ إذ كان الطرفان وافقا أواخر العام الماضي على خريطة سلام توسطت فيها السعودية وعمان، قبل أن تنخرط الجماعة في هجماتها ضد السفن وتعلن انحيازها إلى المحور الإيراني.

وتترقّب الجماعة، ومعها حلفاء المحور الإيراني، بحذر شديد ما ستؤول إليه الأمور مع عودة ترمب إلى سدة الرئاسة الأميركية؛ إذ يتوقع المراقبون اليمنيون أن تكون إدارته أكثر صرامة في التعامل مع ملف إيران والجماعات الموالية لها، وفي مقدمتها الجماعة الحوثية.

وحاول زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، في خطبته الأسبوعية، الخميس، التهوين من أهمية فوز ترمب بالرئاسة الأميركية، كما حاول أن يطمئن أتباعه بأن الجماعة قادرة على المواجهة، وأنها لن تتراجع عن هجماتها مهما كان حجم المخاطر المرتقبة في عهد ترمب.