«خريطة طريق» أوروبية لإصلاحات «شاملة عاجلة» في لبنان

دعمت تشكيل حكومة جديدة و«النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية»

«خريطة طريق» أوروبية لإصلاحات «شاملة عاجلة» في لبنان
TT

«خريطة طريق» أوروبية لإصلاحات «شاملة عاجلة» في لبنان

«خريطة طريق» أوروبية لإصلاحات «شاملة عاجلة» في لبنان

بلور الاتحاد الأوروبي، مدفوعاً بمبادرة فرنسية - ألمانية، «خريطة طريق» تتضمن سلسلة مقترحات إصلاحية «شاملة عاجلة»، وأخرى آجلة لإنقاذ لبنان من الانهيار الشامل.
ويتوقع أن يصدر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، بعد اجتماعهم في بروكسل غداً (الاثنين)، لأول مرة منذ 3 سنوات، خلاصات الموقف المشترك، بناء على ورقة قدمتها ألمانيا إلى شركائها في الخريف الماضي.
وتسعى الخلاصات إلى «تحصين المبادرة الشخصية» التي قادها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل زيارته الثالثة إلى بيروت قبل نهاية العام الحالي، وسط غياب للتنسيق المباشر مع واشنطن التي لا تزال متمسكة بسياسة «ا لضغط الأقصى»، وكان آخر تعبير عنها تحذيرات مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد هيل، خلال اجتماعات المؤتمر الدولي قبل أيام، من نفوذ إيران و«حزب الله» في لبنان.
وقالت مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط» إن الخلاصات الأوروبية ترمي إلى معالجة «الأزمة العاجلة، ومنع الانهيار، بسلسلة من المقترحات، وصولاً إلى مناقشة القضايا الأخرى التي تخص نفوذ إيران و(حزب الله)». ويتوقع أن يتناول الموقف الأوروبي الجماعي جميع المسائل المطروحة، بما فيها «الانفجار المروع» الذي هز ميناء بيروت في 4 أغسطس (آب) من العام الحالي، و«حض الحكومة والسلطات اللبنانية على الوفاء بالالتزامات كافة المعنية بإجراء تحقيق يتسم بالنزاهة والحياد والشفافية من دون تأخير»، قبل التطرق إلى المؤتمر المخصص لدعم الشعب اللبناني الذي نظمته الأمم المتحدة وفرنسا في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، لـ«اعتماد أقصى قدر ممكن من الكفاءة والشفافية في وصول المساعدات الدولية، وإطار الإصلاح والإنعاش وإعادة الإعمار، تحت مظلة وتوجيهات مبادئ الشفافية والشمول والمساءلة».
وحسب المصادر الغربية، فإن الأفكار الأوروبية تتضمن دعوة الاتحاد السلطات اللبنانية إلى تنفيذ الالتزامات المعلنة في سياق مؤتمر «سيدر» في 2018، وإدخال الإصلاحات العاجلة، استناداً إلى الاتفاقيات التي جرى التوصل إليها في أعقاب انفجار بيروت، من قبل «قادة التيارات السياسية في لبنان لجسر الخلافات السياسية، دعماً للإصلاحات اللازمة».
وتتضمن «خريطة الطريق» الأوروبية تأكيد «إجراء الإصلاحات الاقتصادية والإدارية الحقيقية العميقة، بغرض استعادة حالة الاستقرار الاقتصادي، وتحسين تقديم الخدمات العامة للمواطنين، والتعامل مع مشكلة مستويات الفقر المتفاقمة، والإقلال من عدم المساواة، واستدامة الحركة المالية العامة، واستعادة مصداقية القطاع المالي، وضمان استقلال القضاء اللبناني، وضمان احترام حقوق الإنسان، واحترام سيادة القانون، ومكافحة الفساد، وتحقيق التطلعات المشروعة التي أعرب عنها الشعب اللبناني بصورة سلمية». ويربط الاتحاد الأوروبي دعمه عملية الإصلاح في لبنان بـ«التأكد من كونها ملكاً خالصاً للشعب اللبناني».
وعليه، يحث الجانب الأوروبي على استئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي «في أقرب فرصة»، ويقترح برنامجاً لذلك يتضمن «أولويات السياسة الرئيسية، مثل الاعتماد العاجل لقانون مراقبة رؤوس الأموال، وإجراء التدقيق القضائي (العدلي) السريع الشامل لبنك لبنان المركزي، مع اتخاذ التدابير الرامية إلى إرساء استقرار القطاع المصرفي»، إضافة إلى «أولوية اتخاذ تدابير الحوكمة الرئيسية، بما في ذلك التنظيم والرقابة الموثوقة لقطاع الكهرباء، وتشكيل لجنة لمكافحة الفساد، وإرساء نظام المشتريات العامة، وغير ذلك من التدابير الأخرى المعنية بضمان إجراء التغيير الملموس والشفافية والمساءلة الكاملة أمام الشعب اللبناني». وهناك تشديد على أن «تتسم عملية الإصلاح بالشمول».
وإذ يتعهد الجانب الأوروبي بمواصلة دعم حكومة تصريف الأعمال، برئاسة حسان دياب، لـ«التصرف بوتيرة أكثر سرعة وصرامة ضمن الحدود الدستورية»، يشير إلى أن «التزامات الإصلاح والتحديات التي يواجهها لبنان لا يمكن تنفيذها بالكامل إلا من خلال وجود حكومة فاعلة على رأس الأمر في البلاد». لذلك يحث على «التشكيل العاجل للحكومة الجديدة ذات المصداقية، الخاضعة للمساءلة، القادرة على تنفيذ الإصلاحات اللازمة في أسرع وقت ممكن».
وإقليمياً، يدعم الأوروبيون جهود لبنان في استقبال أكثر من مليون سوري، والمفاوضات بين لبنان وإسرائيل بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، و«إحراز التقدم السريع في هذا المسار، مع مراعاة التبعات الإيجابية الناجمة عن النتائج الناجحة لمثل هذه العملية على الجانبين، وعلى السلام والاستقرار في المنطقة»، إضافة إلى دعم «التزام لبنان بسياسات النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية كافة»، وضرورة تنفيذ كامل للقرارات (1559) و(1701) و(1757)، و«أهمية تعزيز القدرات العملياتية للجيش اللبناني».



«مقترح مصري» يحرّك «هدنة غزة»

رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
TT

«مقترح مصري» يحرّك «هدنة غزة»

رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)

حديث إسرائيلي عن «مقترح مصري» تحت النقاش لإبرام اتفاق هدنة في قطاع غزة، يأتي بعد تأكيد القاهرة وجود «أفكار مصرية» في هذا الصدد، واشتراط إسرائيل «رداً إيجابياً من (حماس)» لدراسته، الخميس، في اجتماع يترأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

تلك الأفكار، التي لم تكشف القاهرة عن تفاصيلها، تأتي في «ظل ظروف مناسبة لإبرام اتفاق وشيك»، وفق ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، مع ضغوط من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لإطلاق سراح الرهائن قبل وصوله للبيت الأبيض، كاشفين عن أن «حماس» تطالب منذ طرح هذه الأفكار قبل أسابيع أن يكون هناك ضامن من واشنطن والأمم المتحدة حتى لا تتراجع حكومة نتنياهو بعد تسلم الأسرى وتواصل حربها مجدداً.

وكشفت هيئة البث الإسرائيلية، الأربعاء، عن أن «إسرائيل تنتظر رد حركة حماس على المقترح المصري لوقف الحرب على غزة»، لافتة إلى أن «(الكابينت) سيجتمع الخميس في حال كان رد (حماس) إيجابياً، وذلك لإقرار إرسال وفد المفاوضات الإسرائيلي إلى القاهرة».

فلسطيني نازح يحمل كيس طحين تسلمه من «الأونروا» في خان يونس بجنوب غزة الثلاثاء (رويترز)

ووفق الهيئة فإن «المقترح المصري يتضمن وقفاً تدريجياً للحرب في غزة وانسحاباً تدريجياً وفتح معبر رفح البري (المعطل منذ سيطرة إسرائيل على جانبه الفلسطيني في مايو/أيار الماضي) وأيضاً عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة».

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأربعاء، خلال حديث إلى جنود في قاعدة جوية بوسط إسرائيل إنه «بسبب الضغوط العسكرية المتزايدة على (حماس)، هناك فرصة حقيقية هذه المرة لأن نتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن».

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أكد، الأربعاء، استمرار جهود بلاده من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. وقال عبد العاطي، في مقابلة مع قناة «القاهرة الإخبارية»: «نعمل بشكل جاد ومستمر لسرعة التوصل لوقف فوري لإطلاق النار في غزة»، مضيفاً: «نأمل تحكيم العقل ونؤكد أن غطرسة القوة لن تحقق الأمن لإسرائيل».

وأشار إلى أن بلاده تعمل مع قطر وأميركا للتوصل إلى اتفاق سريعاً.

يأتي الكلام الإسرائيلي غداة مشاورات في القاهرة جمعت حركتي «فتح» و«حماس» بشأن التوصل لاتفاق تشكيل لجنة لإدارة غزة دون نتائج رسمية بعد.

وكان عبد العاطي قد قال، الاثنين، إن «مصر ستستمر في العمل بلا هوادة من أجل تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين»، مؤكداً أنه «بخلاف استضافة حركتي (فتح) و(حماس) لبحث التوصل لتفاهمات بشأن إدارة غزة، فالجهد المصري لم يتوقف للحظة في الاتصالات للتوصل إلى صفقة، وهناك رؤى مطروحة بشأن الرهائن والأسرى».

عبد العاطي أشار إلى أن «هناك أفكاراً مصرية تتحدث القاهرة بشأنها مع الأشقاء العرب حول وقف إطلاق النار، وما يُسمى (اليوم التالي)»، مشدداً على «العمل من أجل فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني» الذي احتلته إسرائيل في مايو الماضي، وكثيراً ما عبّر نتنياهو عن رفضه الانسحاب منه مع محور فيلادلفيا أيضاً طيلة الأشهر الماضية.

وكان ترمب قد حذر، الاثنين، وعبر منصته «تروث سوشيال»، بأنه «سيتم دفع ثمن باهظ في الشرق الأوسط» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة قبل أن يقسم اليمين رئيساً في 20 يناير (كانون الثاني) 2025.

دخان يتصاعد بعد ضربة إسرائيلية على ضاحية صبرا في مدينة غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

وأفاد موقع «أكسيوس» الأميركي بأن مايك والتز، مستشار الأمن القومي الذي اختاره ترمب، سيقابل وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمير، الأربعاء، لمناقشة صفقة بشأن قطاع غزة.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور عبد المهدي مطاوع أن «المقترح المصري، حسبما نُشر في وسائل الإعلام، يبدأ بهدنة قصيرة تجمع خلالها (حماس) معلومات كاملة عن الأسرى الأحياء والموتى ثم تبدأ بعدها هدنة بين 42 و60 يوماً، لتبادل الأسرى الأحياء وكبار السن، ثم يليها حديث عن تفاصيل إنهاء الحرب وترتيبات اليوم التالي الذي لن تكون (حماس) جزءاً من الحكم فيه»، مضيفاً: «وهذا يفسر جهود مصر بالتوازي لإنهاء تشكيل لجنة إدارة القطاع».

وبرأي مطاوع، فإن ذلك المقترح المصري المستوحى من هدنة لبنان التي تمت الأسبوع الماضي مع إسرائيل أخذ «دفعة إيجابية بعد تصريح ترمب الذي يبدو أنه يريد الوصول للسلطة والهدنة موجودة على الأقل».

هذه التطورات يراها الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية اللواء سمير فرج تحفز على إبرام هدنة وشيكة، لكن ليس بالضرورة حدوثها قبل وصول ترمب، كاشفاً عن «وجود مقترح مصري عُرض من فترة قريبة، و(حماس) طلبت تعهداً من أميركا والأمم المتحدة بعدم عودة إسرائيل للحرب بعد تسلم الرهائن، والأخيرة رفضت»، معقباً: « لكن هذا لا ينفي أن مصر ستواصل تحركاتها بلا توقف حتى التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن في أقرب وقت ممكن».

ويؤكد الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أحمد فؤاد أنور أن «هناك مقترحاً مصرياً ويسير بإيجابية، لكن يحتاج إلى وقت لإنضاجه»، معتقداً أن «تصريح ترمب غرضه الضغط والتأكيد على أنه موجود بالمشهد مستغلاً التقدم الموجود في المفاوضات التي تدور في الكواليس لينسب له الفضل ويحقق مكاسب قبل دخوله البيت الأبيض».

ويرى أن إلحاح وسائل الإعلام الإسرائيلية على التسريبات باستمرار عن الهدنة «يعد محاولة لدغدغة مشاعر الإسرائيليين والإيحاء بأن حكومة نتنياهو متجاوبة لتخفيف الضغط عليه»، مرجحاً أن «حديث تلك الوسائل عن انتظار إسرائيل رد (حماس) محاولة لرمي الكرة في ملعبها استغلالاً لجهود القاهرة التي تبحث تشكيل لجنة لإدارة غزة».

ويرى أنور أن الهدنة وإن بدت تدار في الكواليس فلن تستطيع حسم صفقة في 48 ساعة، ولكن تحتاج إلى وقت، معتقداً أن نتنياهو ليس من مصلحته هذه المرة تعطيل المفاوضات، خاصة أن حليفه ترمب يريد إنجازها قبل وصوله للسلطة، مستدركاً: «لكن قد يماطل من أجل نيل مكاسب أكثر».