الصحافة تحت مجهر السينما سلباً وإيجاباً

تناولها مخرجون معروفون في أفلام عدة

روبرت ردفورد وداستن هوفمان في «كل رجال الرئيس»
روبرت ردفورد وداستن هوفمان في «كل رجال الرئيس»
TT

الصحافة تحت مجهر السينما سلباً وإيجاباً

روبرت ردفورد وداستن هوفمان في «كل رجال الرئيس»
روبرت ردفورد وداستن هوفمان في «كل رجال الرئيس»

لعل صورة الصحافي الباحث عن الحقيقة رغم المعيقات والعقبات تنتمي إلى المفهوم الرومانسي والنموذجي للصحافة خصوصاً عندما كانت الجرائد الورقية هي السبيل الأول لتقصّي الحقائق حتى بعد منافسة التلفزيون لها في هذا المضمار.
وقبل أربع سنوات منحنا المخرج ستيفن سبيلبرغ استطلاعاً حول هذه المهمّة الصعبة في حياة المؤسسة الصحافية، وذلك في فيلم «ذا بوست». هنا تتعرّض «ذا واشنطن بوست»، في أحداث فعلية وقعت سنة 1971. إلى تجربة تبدو فريدة بمقاييس اليوم: الناشر كاي (ميريل ستريب) تواجه أحد قرارين قد يرفعان أو يهبطان بمصداقية الصحيفة ومبيعاتها. هي إما أن ترضخ لضغوط البيت الأبيض (أيام رئاسة رتشارد نيكسون) فتمنع نشر وثائق تكشف عن الخسائر الجسيمة التي تعاني منها القيادة العسكرية في الحرب الفييتنامية، أو تنبري لنشر الحقيقة على الملأ ليعرف الأميركيون حقيقة ما يدور على الأرض. رئيس التحرير بن برادلي (توم هانكس) متحمّس لنشر الوثائق التي حصل عليها (بعدما تقاعست «ذا نيويورك تايمز» عن نشرها) وهي في النهاية تتبنّى الموقف أمام أصحاب الأسهم والمصارف التي تحاول حماية مصالحها الاقتصادية مع الصحيفة.
بين طاقم الصحافيين واحد من الذين لا يشعر بهم أحد قام بتسلّم وتسليم الوثائق قبل أن تتحوّل الوثائق إلى قضية مهمّة ويجد نفسه مهمّشاً. هذا يحدث كثيراً، لكن المجابهة بين البيت الأبيض والصحافة هي ما رصده المخرج وفي باله، حسب قوله، المقارنة بين ما حدث في السبعينات وبين العلاقة بين القوّة الأولى (البيت الأبيض) والرابعة (الصحافة) في أيام دونالد ترمب.

- الأسطورة
الصحافة في السينما الناطقة موضوع كبير يعود إلى الثلاثينات. المخرج فرانك كابرا نقل إلى الشاشة سنة 1934 قصة الصحافي (كلارك غايبل) الذي يلتقي بفتاة شابة وثرية تبحث عنها عائلتها بعدما قررت الهرب. الأزمة هنا بين أن يساعدها أو يساعد مهنته.
قبل ذلك، في 1931، قام لويس مايلستون بتحقيق «الصفحة الأولى» (The Front Page) حول الصحافي الذي يجد أنه لن يستطيع التمتع باليوم الأول من شهر العسل لأن مجرماً هرب من زنزانته وعليه أن يغذّي صحيفته بأخباره. طرأ تحسين كبير على هذه القصّة عندما قام المخرج بيلي وايلدر بإعادة تحقيقها سنة 1974 من بطولة وولتر ماتاو وجاك ليمون.
المعالجة كوميدية على عكس ثاني فيلم لوايلدر حول الصحافة، وذلك في «فارس في الحفرة» حول صحافي طردته الصحيفة الكبيرة التي كان يعمل لها بسبب إدمانه الشرب ويجد عملاً في صحيفة أخرى في بلدة صغيرة. ذات يوم يصله نبأ سقوط رجل في حفرة داخل كهف ويشتم منها رائحة سبق صحافي، خصوصاً إذا ما نجح في إطالة معاناة الضحية. بذلك انتقل المخرج من كوميديا تمجّد العمل الصحافي إلى أخرى تكشف عن وجهه القبيح.
وكان المخرج جون فورد هو الذي حقق الفيلم الذي حمل ما يشبه الشعار السلبي للمهنة. ففي «الرجل الذي قتل ليبرتي فالانس» سنة 1962. يقوم مخبر صحافي في آخر الفيلم بالقول: «عندما تصبح الأسطورة حقيقة اطبع الأسطورة» (When The legend Becomes the Fact‪، ‬ Print the Legend). بذلك دلالة على أن الصحافة تفضل الأسطورة على الواقع فهي أكثر انتشاراً وتقديراً.
وجهة النظر هذه تتعلّق بشخصيات الغرب الأميركي الذين تم تضخيم بطولاتهم (وايات إيرب، بافالو بِل) أو أفعال بعضهم الشريرة (بيلي ذا كِد، جَسي جيمس الخ...) وبذلك خرجت عن الواقع وشطحت لتبدو كما لو كانت من نسيج الخيال.
من حسن الحظ أن هذا الفيلم لم يُعرف بأنه واقع الحال الذي يقترحه في النهاية. لم يؤخذ به على النحو الذي يجعله تعبيراً صادقاً عن الواقع. هذا التعبير الصادق نراه في العديد من الأفلام الأخرى التي احترمت مهنة الصحافي (أو المخبر الصحافي كما الحال أحياناً) وفي هذه الحال فإن «ذا بوست» لا يقف وحيداً بل ينضم إلى مجموعة كبيرة من الأفلام المتميّزة فناً كما على صعيد تشخيصها للصحافي والصحافة.

- نماذج إيجابية
يحضرنا أولاً فيلم أورسن وَلز «المواطن كين» (1941) الذي تناول سيرة ذاتية لشخصية إعلامية مارست النشر الصحافي ثم ماتت في ظرف غامض وعلى لسانها كلمة أكثر غموضاً هي Rosebud. بذلك لا يكتفي الفيلم بالحديث عن صعود وهبوط شخصية صحافية (تم بناؤها باستيحاء شخصية الناشر الفعلي ويليام راندولف هيرست) بل بذل صحافي واحد (ويليام ألاند) لمعرفة سر هذه الكلمة.
القضية الأساسية لفيلم وَلز تتوقّف عند محطات كثيرة، لكن تلك التي في «كل رجال الرئيس» (All the President‪’‬s Men) الذي حققه آلان ج. باكولا سنة 1976 تترجم حرفياً حياة صحافيين فعليين (من الواشنطن بوست أيضاً) هما بوب وودوورد (روبرت ردفورد) وكارل برنستين (داستن هوفمان) اللذان تسببا في الكشف عن فضيحة ووترغيت. الفيلم مثير في رصف أجوائه وأحداثه وتقديم واجهة مضيئة للعمل الصحافي الذي تحلق فيه خدمة الحقيقة فوق أي اعتبار آخر.
هذا التحليق ورد في فيلم أسبق للمخرج الفذ باكولا عنوانه «ذا بارالاكس فيو» (1974) الذي قام على حكاية خيالية: هناك حكومة ظل أميركية تقتل شهوداً وقضاة على نحو منظّم. صحافي صغير (وورن بيتي) يكتشف الوضع ويحاول فك الطلاسم مخاطراً بحياته هو الآخر… وفي سبيل الحقيقة وليس الأسطورة.
المسألة ليست بالضرورة سياسية عند المخرج ديفيد فينشر في فيلم «زودياك» (2007) بل محاولة الكشف عن قاتل مسلسل عرف باسم «قاتل زودياك» وعبث بأرواح الناس في مدينة سان فرانسيسكو. هناك تعاون نموذجي بين الصحافي (روبرت داوني جونيور) وبين البوليس (مارك روفالو وجيك جيلنهال) كما إلمام كبير بمجريات العمل وإبقاء على جو من الألغاز شبيه بذلك الذي حرص عليه باكولا في «كل رجال الرئيس».
والكشف عن الجرائم منوال شبه دائم في السينما يقوم به إما رجال العدالة أو التحريين الخاصين الآتين عبر بوابة الأدب البوليسي أو الصحافيين. والبوابة الأخيرة تحفل بالأمثلة لكن هناك، من بينها فيلم مُعين حمل فكرة لطيفة (وتنفيذاً جيداً) عنوانه «صفحة فضائحية” (Scandal Sheet). هو فيلم منسي لمخرج (منسي أيضاً) اسم فِل كارلسون يكتشف فيها الصحافي الماهر (جون ديريك) بأن رئيس تحرير الصحيفة التي يعمل لها (برودريك كروفورد) هو القاتل الذي يبحث عنه.
طبعاً، وعلى مستوى آخر لا يجب أن ننسى فيلمين إيطاليين لهما دور في رسم معالم الصحافي من ناحية وجدانية مختلفة تماماً عن كل ما سبق هنا من نماذج هما «لا دولتشي فيتا» لفديريكو فيلليني (1960) و«المهنة: مخبر» لمايكل أنجلو أنطونيوني (1975).
في الأول رغبة صحافي فضائح ومجتمع اسمه مارشيللو روبيني (قام به جيداً مارشيللو ماستروياني) التحوّل إلى صحافي مسؤول وجاد. يجد أن ما نشأ عليه قرّبه من النجاح وصانعي القرار، لكنه يدرك رغبته الحقيقية ويجد أن عليه أن يعرف كيف ينجز مثل هذه الخطوة التي يريد الإقدام عليها.
الثاني لا يقل عن هذا الطرح تعقيداً: جاك نيكلسون يستغل فرصة تاريخية للتخلي عن هوّيته كصحافي والتحوّل إلى شخصية أخرى. في صحراء قاحلة يكتشف جثة رجل يشبهه فيستبدل هويته به غير مدرك أن الرجل تاجر سلاح وأنه الآن بات مُطارداً من قِبل من ارتبط بهم. فيلم أنطونيوني ليس للتشويق مطلقاً، بل كناية عن قصّة رجل لم يستطع طمر ماضيه ولا تحقيق النقلة إلى مصير مختلف.


مقالات ذات صلة

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)
سينما بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

يأتي فيلم «سعود وينه؟» بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي.

«الشرق الأوسط» (جدة)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
TT

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

نظراً للزخم العالمي الذي يحظى به مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة، اختارت «استديوهات كتارا»، ومقرها الدوحة، أن تكشف خلاله الستار عن أول فيلم روائي قطري طويل تستعد لإنتاجه، وهو «سعود وينه؟»، وذلك في مؤتمر صحافي ضمن الدورة الرابعة من المهرجان، مبينة أن هذا العمل «يشكل فصلاً جديداً في تاريخ السينما القطرية».

ويأتي هذا الفيلم بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي، كما تدور أحداثه حول خدعة سحرية تخرج عن السيطرة عندما يحاول شقيقان إعادة تنفيذها بعد سنوات من تعلمها من والدهما، وهذا الفيلم من إخراج محمد الإبراهيم، وبطولة كل من: مشعل الدوسري، وعبد العزيز الدوراني، وسعد النعيمي.

قصة مؤسس «صخر»

كما أعلنت «استديوهات كتارا» عن أحدث مشاريعها السينمائية الأخرى، كأول عرض رسمي لأعمالها القادمة، أولها «صخر»، وهو فيلم سيرة ذاتية، يقدم قصة ملهمة عن الشخصية العربية الاستثنائية الراحل الكويتي محمد الشارخ، وهو مبتكر حواسيب «صخر» التي تركت بصمة واضحة في عالم التكنولوجيا، باعتبارها أول أجهزة تتيح استخدام اللغة العربية، وأفصح فريق الفيلم أن هذا العمل ستتم معالجته سينمائياً ليحمل كماً مكثفاً من الدراما والتشويق.

«ساري وأميرة»

والفيلم الثالث هو الروائي الطويل «ساري وأميرة»، وهو عمل فنتازي يتناول الحب والمثابرة، يتم تصويره في صحراء قطر، وتدور أحداثه حول حياة قُطّاع الطرق «ساري وأميرة» أثناء بحثهما عن كنز أسطوري في وادي «سخيمة» الخيالي، في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجهان الوحوش الخرافية ويتعاملان مع علاقتهما المعقدة، وهو فيلم من بطولة: العراقي أليكس علوم، والبحرينية حلا ترك، والنجم السعودي عبد المحسن النمر.

رحلة إنسانية

يضاف لذلك، الفيلم الوثائقي «Anne Everlasting» الذي يستكشف عمق الروابط الإنسانية، ويقدم رؤى حول التجارب البشرية المشتركة؛ إذ تدور قصته حول المسنّة آن لوريمور التي تقرر مع بلوغها عامها الـ89، أن تتسلق جبل كليمنجارو وتستعيد لقبها كأكبر شخص يتسلق الجبل، ويروي هذا الفيلم الوثائقي رحلة صمودها والتحديات التي واجهتها في حياتها.

وخلال المؤتمر الصحافي، أكد حسين فخري الرئيس التنفيذي التجاري والمنتج التنفيذي بـ«استديوهات كتارا»، الالتزام بتقديم محتوى ذي تأثير عالمي، قائلاً: «ملتزمون بتحفيز الإبداع العربي وتعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب، هذه المشاريع هي خطوة مهمة نحو تقديم قصص تنبض بالحياة وتصل إلى جمهور عالمي، ونحن فخورون بعرض أعمالنا لأول مرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ مما يعكس رؤيتنا في تشكيل مستقبل المحتوى العربي في المنطقة».