«العدول»... أساس الشعر وشرطه

مفهومه ودلالته في كتاب صدر حديثاً عن «المجلة العربية» السعودية

«العدول»... أساس الشعر وشرطه
TT
20

«العدول»... أساس الشعر وشرطه

«العدول»... أساس الشعر وشرطه

كتاب الناقد الدكتور سعيد بكور «مفهوم العدول»، الصادر حديثاً عن «المجلة العربية» بالرياض، له قيمة نقدية وأدبية جديرة بالاهتمام والمتابعة، فهو يسلط الضوء على مفهوم «العدول» ووظيفته وقوته الاصطلاحية، كما يتناول أهميته بصفته أساس الشعر وشرطه، ويناقش العلاقة الجدلية بين قانونية اللغة ومطلب الدلالة، والعلاقة بين الأصل والفرع، ويتطرق بعد ذلك إلى دواعي العدول وضوابطه، كما حضوره في التراث مفهوماً وتطبيقاً.
ويعرض المؤلف لمفهوم العدول، فيرى أنه الميل والصرف والحياد والانحراف عن الجادة، وفي الاصطلاح يقصد بالعدول مجاوزة السنن المألوفة بين الناس في محاوراتهم وضروب معاملاتهم لتحقيق سمة جمالية في القول تمتع القارئ السامع، وبها يصير نصاً أدبياً، فالعدول انحراف عن الأصل والقياس، ونزوع إلى التعبير الخارج عن المألوف، وهو بذلك خرق وانتهاك وإضفاء للسمت الجمالي على التعبير، عملاً بقاعدة المعاني تتلعب بالألفاظ.
ويتبين لدى المؤلف أن العدول يشكل الشرط الأساسي الضروري لكل شعر، ولا يوجد شعر يخلو منه، ولا وجود له خارج الشعر، فبه تتحقق شعرية الشعر، وعن طريقه يتعالى عن الخطابية والنثرية والجفاف ليصير كلاماً عالي الطبقة، بعيداً عن الابتذال، فاعلاً في النفوس فعل السحر، سواء في تركيبه أو تصويره أو إيقاعه.
ويرى أن أشمل وظيفة يطلع بها العدول هي خلق الدهشة والغرابة التي تمنحه أفضلية على التعبير العادي الذي لا يحقق مفاجأة تذكر، وينجم هذا الأثر في حقيقته عن سلوك طريقة لم يعهدها المتلقي أو لم يتوقعها، كما أن الأمر يتعلق بنفسية الإنسان المتلقي الذي يأنس للغريب.
والعدول من صيغة إلى صيغة أخرى يكون لدواعٍ إبداعية يقتضيها المعنى، وتستدعيها حركة المشاعر، ويفرضه مأزق الدلالة، فيجد الشاعر نفسه مدفوعاً لاستثمار الترخيص البلاغي المناسب للسياق والمقام، فيعدل إلى الصيغة التي يراها تمتلك القدرات الكافية على حمل المعنى، ويدع الأخرى التي فقدت قدرتها التأثيرية الأدائية، أو غير القادرة على حمل المعنى بالطريقة الأمثل، أو غير المناسبة للسياق الخاص، ولم يعد بمقدورها أداء المعنى بالشكل المطلوب، وتحقيق القيمة الجمالية والدلالية.
إن لجوء الشاعر إلى العدول ما هو إلا مسعى إبداعي جمالي ودلالي في الأساس، ذلك أن السعي وراء تحقيق الغاية الفنية والمعاني الإضافية هو الذي يحدو بالشاعر إلى سلوك طريق العدول.
والشعر يكتسب صفة التأثير الجمالي من كمية العدول المتوفرة فيه، فكلما ارتفع منسوب العدول كان تأثيره أقوى وأبلغ، وهكذا يمكن التمييز في العدول بين درجات ومراتب ومستويات، يُعمل الشعراء قدراتهم ومواهبهم في الارتقاء بها إلى المستوى الأعلى، وفي سعيهم هذا يحصل بينهم التفاوت في استثمار إمكانات العدول الجمالية، والإتيان بالشكل المبهر المحدث للذة والإعجاب.
ويتناول المؤلف بعض المصطلحات المرتبطة بالحقل الدلالي للعدول، نذكر منها: «الصرف» الذي استخدمه ابن القيم هو والعدول بمعنى واحد، هو «صرف الكلام أو العدول به عن جهة إلى جهة، سعياً وراء تحقيق غايات فنية، والتماساً لمعانٍ إضافية لا يتوصل إليها إلا عن طريق العدول». وإلى جانب الصرف، أكثر القدماء من إيراد مصطلح «الالتفات» الذي ارتبط أكثر بتغيير الضمائر في الخطاب تلويناً للتعبير وتطرية للسامع، وهنالك مصطلح «المجاز» الذي يقع في الجهة المقابلة للحقيقة، ومصطلح «التبديل»، وأيضاً «الاختيار»، وغيرها من المصطلحات التي تدخل ضمن دائرة الحقل الدلالي، كما مر آنفاً.
ويفرق المؤلف بين العدول والانزياح، فيرى أن الانزياح يفتقر لأهم ميزة تتوفر في العدول، وهي النية والقصد، لأن العدول اختيار متعمد مدروس بعناية وتروٍ، أما الانزياح فإن اتساع مفهومه وتعدد أوجهه يجعل بعض أنواعه جمالياً، وبعضها الآخر ليس كذلك.
ويختتم المؤلف كتابه الحالي بالقول: «تتعدد أوجه العدول وأجناسه مستفيدة من طواعية اللغة، ومؤدية ما في نفس المتكلم من حاجات، متجاوزة انحصار التراكيب فيما قرر سلفاً من أساليب فاقدة للتأثير الجمالي».



إطلاق «الخط الأول» و«الخط السعودي» الجامعين بين الإلهام وروح الابتكار

وزارة الثقافة السعودية أكدت أن المشروع يمثل تتويجاً لجهود بحثية موسعة (الشرق الأوسط)
وزارة الثقافة السعودية أكدت أن المشروع يمثل تتويجاً لجهود بحثية موسعة (الشرق الأوسط)
TT
20

إطلاق «الخط الأول» و«الخط السعودي» الجامعين بين الإلهام وروح الابتكار

وزارة الثقافة السعودية أكدت أن المشروع يمثل تتويجاً لجهود بحثية موسعة (الشرق الأوسط)
وزارة الثقافة السعودية أكدت أن المشروع يمثل تتويجاً لجهود بحثية موسعة (الشرق الأوسط)

أطلقت وزارة الثقافة السعودية، الأربعاء، خطين طباعيين جديدين تحت مسمى «الخط الأول» و«الخط السعودي»، استندت في تطويرهما وترقيمهما إلى المصادر الأصيلة في الثقافة العربية والمتمثّلة في النقوش، والمصاحف، وصممتهما بفرادة تعكس جماليات الخطوط العربية، التي تُعد المملكة حاضنة تاريخية لها.

ويدمج الخطان بين العناصر التقليدية مع مبادئ التصميم المعاصر، استناداً إلى دراسة علمية دقيقة للنقوش الصخرية القديمة، والمصاحف الإسلامية المبكرة، مما يحلل قواعد الكتابة والبنية الجمالية للحرف العربي كما ظهر في القرن الأول الهجري، ما مكن الباحثين والمصممين من صياغة قواعد كتابية جديدة تمثل هذا التراث العريق في قالب معاصر ومرقمن.

وأشار الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة السعودي، إلى أن إطلاق «الخط الأول» و«الخط السعودي»، يُعدّ تكريماً للإرث الثقافي والفني الغني الذي تزخر به المملكة، وقال: «يُشكّل كل من هذين الخطين جسراً يصل بين الماضي والحاضر من خلال دمج العناصر التقليدية مع مبادئ التصميم المعاصرة، ويجمع هذا المزيج المتناغم بين تكريم إرث المملكة، وإلهام روح الابتكار».

وأضاف الأمير بدر بن عبد الله عبر حسابه الشخصي على منصة «إكس»: «يعكس الخط الأول والخط السعودي جماليات الخطوط العربية من عمقها الحضاري والثقافي للمملكة العربية السعودية».

يعد الخط السعودي ترجمة معاصرة لهوية المملكة وثقافتها (وزارة الثقافة)
يعد الخط السعودي ترجمة معاصرة لهوية المملكة وثقافتها (وزارة الثقافة)

ويعكس «الخط الأول» روح الخط العربي في بداياته الأولى، محافظاً على طابعه الأصلي المستمد من النقوش القرآنية، مع التركيز على الليونة وسهولة الاستخدام، بينما يُجسد «الخط السعودي» توجهاً عصرياً يحمل اسم المملكة، ليكون نموذجاً مرناً يلبي الاحتياجات الوطنية والتطبيقات الحديثة.

وتبرز في التوجهات التصميمية للخط الأول، روح الخط في النقوش القديمة بالجزيرة العربية في القرن الأول الهجري، وروعي فيها وضوح الخط، والعلامات الجمالية، كما اعتمد في بنائه على النمط اليابس، ومحاكاة الرسم الأصلي في النقوش.

يعكس «الخط الأول» روح الخط العربي في بداياته الأولى (وزارة الثقافة)
يعكس «الخط الأول» روح الخط العربي في بداياته الأولى (وزارة الثقافة)

بينما استُلهم تصميم الخط السعودي من هوية وثقافة المملكة، مع مراعاة القواعد الكتابية والأصول الفنية المستخدمة في الخط الأول وتطبيقها بطريقة معاصرة تُترجم ما وصلت إليه المملكة من نهضة ثقافية في ظلِ قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء.

وأكدت وزارة الثقافة أن المشروع يمثل تتويجاً لجهود بحثية موسعة شملت زيارات ميدانية، واستخلاص وتحليل النصوص، وتطوير النماذج الأولية، وإعادة رسم الخط، وتكوين القواعد الكتابية، وتطوير القواعد الجمالية، والنسب للحروف. إضافة إلى تطوير التطبيقات وأساليب الخط، ثم المراجعة والتقييم النهائي، ليخرج المشروع بمجموعة من المخرجات، من أبرزها تطوير الخط العربي بهويته الأولى، وترقيمه عبر تطبيقات الخط المؤصل، ورسم هذا الخط، ووضع قواعد فنية وجمالية له، مع وضع أبجدية فنية تعليمية لأصول الخط، وقواعده البسيطة، ورقمنته، وتوفيره بناءً على أفضل الممارسات.

يحاكي «الخط الأول» الأشكال الأصلية لأقدم النقوش في الجزيرة العربية (وزارة الثقافة)
يحاكي «الخط الأول» الأشكال الأصلية لأقدم النقوش في الجزيرة العربية (وزارة الثقافة)

ويأتي هذا الإنجاز ضمن سلسلة مبادرات أطلقتها الوزارة لتعزيز مكانة الخط العربي، ومنها «عام الخط العربي 2021 - 2022»، وإنشاء مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي في المدينة المنورة، فضلاً عن إدراج الخط العربي ضمن قائمة اليونيسكو للتراث الثقافي غير المادي بالتعاون مع 15 دولة عربية.

ونشأ الخط العربي من الجزيرة العربية، مهد الحضارات الإنسانية العريقة، وموطن الخطوط والنقوش التاريخية، وقد مرّ بمراحل متعددة متأثراً بالأوضاع الثقافية والسياسية في المنطقة العربية، وأخذ بالانتشار مع انتقال العرب أثناء التوسّع الإسلامي، مُتِّخذاً أساليبَ وطرقاً متنوعة في الكتابة، وهو ما جعل وزارة الثقافة تعمل على إطلاق نوعين جديدين من الخطوط باسم «الخط الأول» و«الخط السعودي» ليعكسا العمق التاريخي للسعودية التي تُعدّ مهد الحضارات الإنسانية العريقة، وموطناً للخطوط والنقوش المختلفة التي تنوعت ما بين المسند والنبطي والثمودي، وغيرها.

ويأتي إطلاق وزارة الثقافة للخط الأول والخط السعودي من منطلق إيمانها بأهمية الخط العربي، ودوره في تشكيل الهوية الثقافية الوطنية، بوصفه الوعاء الفني الإبداعي الذي احتوى الثقافة العربية عبر تاريخها الطويل، حيث يسعى المشروع إلى تعزيز حضور الخطوط العربية بهويتها الأولى في التطبيقات المعاصرة، تحقيقاً لمستهدفات الاستراتيجية الثقافية الوطنية، ومستهدفات «رؤية السعودية 2030» في جوانبها الثقافية، خصوصاً ما يتعلق بالعناية باللغة العربية، وتنمية الإسهام السعودي في الثقافة والفنون.