نهاية خطابات «الإخوان» و«السرورية» وأدواتهم في السعودية

رموزهم غائبون وحراكهم تحطّم... والمملكة تحصّن التعليم بقرارات تاريخية ومناهج جديدة

نهاية خطابات «الإخوان» و«السرورية» وأدواتهم في السعودية
TT
20

نهاية خطابات «الإخوان» و«السرورية» وأدواتهم في السعودية

نهاية خطابات «الإخوان» و«السرورية» وأدواتهم في السعودية

في الأسبوع الماضي، أصدرت هيئة كبار العلماء السعودية، وهي المؤسسة الدينية الرسمية في المملكة العربية السعودية، بياناً بلغة قوية، حذرت فيه من لبّ الإرهاب الملتصق بالدين الإسلامي، وقالت الهيئة «إن جماعة الإخوان المسلمين إرهابية ولا تمثل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين».
وتابعت «منذ تأسيس هذه الجماعة لم يظهر منها عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسنة، وإنما غايتها الوصول إلى الحكم، ومن ثم كان تاريخ هذه الجماعة مليئاً بالشرور والفتن، ومن رحمها خرجت جماعات إرهابية متطرفة عاثت في البلاد والعباد فساداً مما هو معلوم ومشاهد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم». ثم اختتمت «مما تقدم يتضح أن جماعة الإخوان جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستّر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب، فعلى الجميع الحذر من هذه الجماعة وعدم الانتماء إليها أو التعاطف معها».

25 سنة مرّت على أول عملية إرهابية استهدفت المملكة العربية السعودية، حين استهدف 4 إرهابيين موقعاً في حي العليّا بالعاصمة الرياض، يقطنه أجانب من جنسيات عدة، في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1995.
كان ذلك الحدث نقطة تحول كبرى، وكان أيضاً مبحثاً لاستقصاء الأسباب، وإن كانت القوى الأمنية قد أسرعت الخطى في القبض عليهم. ومع العلم أنه كانت ملامح تدل على أن متشرّبي الفكر الإرهابي جاءوا من رحم خطابات متطرفة وتنظيم «القاعدة» الإرهابي. في ذلك الحدث، وبعد 5 أشهر فقط، أمكن القبض على الفاعلين وهم أربعة من الشباب السعودي، تتراوح أعمارهم بين 24 و28 سنة، بُثت اعترافاتهم تلفزيونياً، وقد استقبلها السعوديون بالشعور بالمفاجأة؛ كونهم لم يشهدوا مثل ذلك من قبل، وإن كانت حادثة «جهيمان» في 1979 لا تزال ضمن المَرويات التاريخية التي ظنوا أنها طويت.
بالنسبة للشبان الأربعة، ثبت وفق التحقيقات التي أعلنت أنهم تلقوا تدريباتهم في أفغانستان، وكانت لهم علاقاتهم مع زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، وحصلوا على الأسلحة عبر التهريب من اليمن.
الأربعة المغرّر بهم، تلقوا الخطاب السائد في فترة الحرب الأفغانية، وما كان قبله من خطابات مسّت مناهج التعليم، وحين كانت أمواج الخطابات السوداء تحضر عبر مجاميع استغلت المؤسسات الدينية وكذلك التعليمية للحشد والترويج. ومن الخطاب الديني المسيس عبر شخصيات ورموز عدة، بعضهم اعتلى منابر المساجد، استقت عنفها المسلح من كتب تنظيم «الإخوان» وجناح «السرورية» الذي وجد حضوره في السعودية ليكونوا وقود نار، وفي ذلك تفاصيل أُخر.
وتبعت ذلك الحدث الإرهابي الأول، عام 1995، أحداث كان تنظيم «القاعدة» هو المتبني الأول لها، ونفذها أفراد جُنّدوا عن طريق الخطاب المؤدلج، وخاصة في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول). ومن ثم، شهدت السعودية في فترات متوالية منذ 2003 و2004 أحداثاً إرهابية مدمّرة ذهب ضحيتها عشرات الأفراد من المدنيين، علاوة على عشرات من رجال الأمن.
إلا أن قوات الأمن بدأت كتابة فصول نهاية تنظيم «القاعدة» في السعودية، وأكملت عملية إنهاء وجوده. كذلك كتب القضاء الشرعي سطوراً أخيرة في عام 2016، بعدما أدان في أحكام عدة أصبحت نهائية العشرات منهم، سواءً من عمل في الجانب العسكري، أو الجانب الإعلامي، وأيضاً القلة الذين عملوا على الجانب الشرعي أو التنظيري. وما نتج من تلك الحقبة، أنه يغلب على مختلف التيارات المتطرفة «التراتبية الثلاثية» (العسكري والشرعي والإعلامي) التي غالباً ما يتأقلم بغضها مع بعضها، بل ويشوبها خلافات عدة، ولعل في تفصيل هذه القصص والسرد. لكن الخطاب المؤدلج ظل حيّز التحولات لكل أفراد التنظيمات، رغم التساؤل: هل يوجد منبع بالإمكان تجفيفه وردمه لوقف خطابات تحاول النيل من الجسد السياسي للدولة، أو تحاول غربلة المجتمعات بأفكار مسمومة؟

تحطيم مشروع 40 سنة
في الواقع، لم تأتِ عملية حي العليّا في الرياض، عام 1995، بمحض الصدفة، بل الأكيد أنها كانت نتاج مشروع آيديولوجي، وما سبقه من أحداث وصعود رجال دين حركيين في خطابات ما سُمّي بـ«الصحوة». وهذا ما يؤكده الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي؛ إذ قال في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السعودية الأسبوع الماضي «خلال سنة واحدة، استطعنا أن نقضي على مشروع آيديولوجي صُنع على مدى 40 سنة. اليوم لم يعد التطرّف مقبولاً في المملكة، ولم يعد يظهر على السطح، بل أصبح منبوذاً ومتخفياً ومنزوياً. ومع ذلك سنستمر في مواجهة أي مظاهر وتصرفات وأفكار متطرفة. فقد أثبت السعوديون سماحتهم الحقيقية ونبذهم لهذه الأفكار التي كانت دخيلة عليهم من جهات خارجية تسترت بعباءة الدين، ولن يسمحوا أبداً بوجوده بينهم مرة أخرى».
وأوضح الأمير محمد، أن «ظاهرة التطرف كانت منتشرة بيننا. كنا وصلنا إلى مرحلة نهدف فيها، في أفضل الأحوال، إلى التعايش مع هذه الآفة؛ إذ لم يكن القضاء عليها خياراً مطروحاً من الأساس. ولا السيطرة عليها أمر وارد»، وأضاف «قدمت وعوداً في عام 2017 بالقضاء على التطرف فوراً، وبدأنا فعلياً حملة جادة لمعالجة الأسباب والتصدي للظواهر». ثم أكد الأمير محمد بن سلمان، أن «خطاب الكراهية هو الدافع الرئيسي لتجنيد المتطرفين، بما يشمل خطاب الكراهية الذي يستخدم حرية التعبير وحقوق الإنسان كمبرر»، مشيراً إلى أن «هذا الخطاب يستقطب خطاب كراهية مضاداً من المتطرفين، وهو مرفوض بطبيعة الحال».
هذا التصريح هو الأكبر لمسؤول سعودي، أضاء على النقاط الأساسية في مواجهة خطاب مؤدلج، صعّد «نجوم شباك» دينيين كانوا ذوي توجهات تضاد العلاقة التكاملية بين الدين والدولة السعودية المعروفة من تأسيسها، فبات لها اتجاه له مؤيدون تشرّبوا الفكر المضاد لوضع تيار تسرّب من خلاله أفراد وتشكلت تنظيمات.

جماعات إرهابية
في عام 2014، صنّفت السعودية في كيانها السياسي «الإخوان» جماعة إرهابية، وهي الجماعة التي حاولت إحداث تغيير اجتماعي بغية التأثير السياسي، لكن كل المنتجات كانت مليئة بالآلام من رجال دين اتبعوا حراكهم، أو من أخذ موجة أخرى تنبع من الآيديولوجيا الإخوانية ذاتها. والحقيقة، أن السعودية كانت بعيدة عن كل محاولات دينية مسيّسة. بل وواجهت الدولة بكيانها السياسي تلك العتبات، وحققت نجاحها، واستمر ذلك الكيان قوياً. ولعل موقف محاولات الاستقطاب الأشهر حين تصدّى الملك عبد العزيز (الملك المؤسس للكيان السعودي) في لقاء مع حسن البنا (مؤسس «الإخوان») حين طلب منه البنا فتح فرع لـ«الإخوان» في المملكة، وحينها رد الملك «كلنا إخوان ومسلمون». ومن بعدها لم تتوقف محاولات «الإخوان» تأسيس كيان لهم، لكنهم لم يجدوا موطئاً مؤسسياً، بل شكّلوا رموزاً لغايات التجنيد وفق دستورهم، وكتبهم تثبت ذلك، ومعها دلائل التاريخ.
لقد تسلل عدد من أتباع رموز من «الإخوان» إلى دول الخليج والسعودية في أواخر الخمسينات وخلال الستينات من القرن الماضي بعد مواجهة الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، ومحاولتهم اغتياله في «حادثة المنشية» (1954). وفي تلك الفترة، حاولوا إظهار ولاء مزيف، وكان حقل التعليم لهم مكان الولوج، وحقاً تمكّن كثيرون منهم من إبراز حضورهم أمام نهج وسطي سارت عليه السعودية، ثم زاد من حضورهم تسللهم إلى السعودية أيضاً مع بدء «حرب الخليج الثانية» وغزو نظام صدام حسين للكويت، وفي حينه أخذوا منهجاً تبشيرياً قائماً على نهج الحاكمية والتكفير والكراهية، قبل رحلة التحطيم لحضورهم وأدواتهم التي أحدثتها القيادة السياسية في المملكة أخيراً.
هذا، وكان مؤسس تنظيم «الإخوان» حسن البنا، قد صنّف المسلمين بناءً على موقفهم من «الإخوان»، وذكر ذلك تفصيلاً عن هذه الحركة في كتاب جيمس هيوارث دن (المخابراتي البريطاني) في كتابه «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة»، الذي أصدرته دار «جداول». إذ ذكر الكتاب، أن البنا يرى، أن «الإخوان هم الأمة الإسلامية». و«المؤمن هو عضو في الإخوان، والذي يتردد في قبول مبادئ الإخوان ينصح بمراقبة تقدم الحركة ودراسة كتاباتها وينعت بالمتردد». ولم يكن لدى البنا أن يقدم للنفعيين سوى العمل الجاد والتضحية، بينما العدو المتحامل على «الإخوان» فيُرجع أمره إلى رحمة الله وهدايته!
كتاب هيوارث دن (المؤلف قبل 70 سنة) من الكتب التي ينفيها «الإخوان» بعد كشفها كثيراً من اتجاهاتهم. ولقد عرّج الكاتب - الذي عايش حسن البنا - على مبادئه السياسية، التي منها تسميته «المرشد العام»، وكذلك على «وجوب تنظيم دروس محاضرات عن الإسلام لتعزيز قضية الإخوان». كما أشار إلى «واجب على كل فرع أن يكون له مكاتب تمثل القضية وحيث يمكن لكل الأعضاء أن يلتقوا»، كما تطرّق إلى تعريف «الإخوان المسلمين» من قبل حسن البنا ليبيّن إلى أي مدى كان يدعو إلى إعادة تجارب النبوة، فاستخدام كلمة «أمة» هو الأهم، لا «الدولة»؟

لم يعد هناك صمت على «السرورية»
من ناحية ثانية، تحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إبان زيارته للولايات المتحدة في مارس (آذار) من 2018 مع مجلة «تايم» الأميركية المرموقة، فوصف أتباع «السرورية» بأنهم «الأكثر تطرفاً في الشرق الأوسط... وهم أعلى درجة من جماعة الإخوان المسلمين»، وأردف أن «السروريين مجرمون بموجب قوانيننا، وستجري محاكمتهم متى توافرت الأدلة الكافية ضدهم».
هذه مواجهة سعودية هي ذاتها التي كانت مع رموز «الإخوان»، لكن بطريقة أقوى.
وجدت «الحركة السرورية» استقطاباً في المجتمع السعودي سابقاً، بعدما جاء بها إلى السعودية، رجل الدين السوري محمد سرور بن نايف زين العابدين، ومزجت بين السلفية - لإرضاء التوجه الرسمي للدولة في السعودية - وبين فكر «الإخوان» القائم على تسييس الدين. وللعلم، فإن رجال «الصحوة» في معظمهم داخل المملكة ينتمون إلى هذه الحركة. وعلى الأثر، مع نشوء تيار «الصحوة» المستغلّ موجة «السرورية»، وجد «الإخوان» فرصتهم الذهبية. وبالفعل، جعلوا «السرورية» بمثابة «حصان طروادة» لهم؛ بهدف إبعاد الأعين عن نشاطاتهم واستغلال السلفية مظهراً وعباءة؛ تمهيداً للتمكن من المؤسسات الرسمية، مع الإشارة إلى أن ذلك تزامن مع صعود الثورة الإسلامية (الخمينية) الإيرانية.
ولاحقاً، وجدت دول ترعى «الإخوان» في السرورية منجم ذهب، فاستمالتهم وعززت «نجوميتهم» مبرزة إياهم في منابر إعلامية، أطلوا منها يقدمون الفتاوى وهم خارج المؤسسة الدينية الرسمية، ويأخذون في تقديم خطاب يدخل نسيج المجتمع. وبعد الانتفاضات العربية، اتجه معظم الرموز إلى تركيا، وكانت أساليب تجييشهم مولّد انجذاب إلى بلاد الثورات.
السعودية، من جهتها، أنهت «السرورية»، وهناك من عاد منهم وظهر تلفزيونياً ليتبرأ. في حين قال الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ، وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي، عبر موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي «الإخوان اللامسلمون يمارسون الإرهاب المروّع ضد كل من يحذر من خطرهم أو يكشف منهجهم ويعريه». وأضاف «أخطر وأشر فصائلهم السرورية، وهم يشكلون حكومة عميقة في البلاد التي تبتلى بهم، وينتشرون في مفاصل الدول ويقمعون، بل يدمرون كل من يفضحهم أو يتعرض لهم، سلاحهم الكذب والتزوير والغدر والتخفي وعدم مخافة الله».

تحصين التعليم السعودي
لقد حرص «الإخوان» - ومعهم «السرورية» - على اختراق السعودية. بيد أن جهدهم تحطم، وانكشفت التوجهات التي حاولوا ممارستها، ومعها كل خططهم. ومع سقوط حكمهم في مصر، أصبحت الأرضية التي حاولوا البناء عليها من خلال التعليم، وتحويلها من المعرفية إلى الحركية في السعودية سراباً، بفعل قرارات وإصلاح في المنظومة التعليمية. وخلال العامين الماضيين، أعلنت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض أنها لن تجدد لبعض المتعاقدين السعوديين وغير السعوديين ممن هم متأثرون بالأفكار الإخوانية والداعشية وغيرها. كذلك، صدر قرار من وزير التعليم عام 2016، بسحب نحو 80 كتاباً من مكتبات ومراكز مصادر التعلم في المدارس، من بينها كتاب «الوصايا العشر» لحسن البنا، وكتاب «شبهات حول الإسلام» و«في ظلال القرآن» لسيد قطب.
وأيضاً، كانت من القرارات، قرار وزير التعليم الحالي حمد آل الشيخ، إبعاد المعلمين الذين انتهجوا مخالفات فكرية، وجاء القرار على لسان وزير التعليم نفسه الذي منح مديري التعليم حق «الإبعاد الفوري للعاملين في المدارس ممن لديهم مخالفات فكرية وتكليفهم بأعمال إدارية خارج المدارس بصفة مؤقتة لحين البت في القضية».


مقالات ذات صلة

حرب أميركا ـــ الصين التجارية... بين «واقعية» بكين و«طموح» ترمب

حصاد الأسبوع 
الرئيس الأميركي دونالد ترمب جعل حربه الاقتصادية ضد الصين استراتيجية لواشنطن (رويترز)

حرب أميركا ـــ الصين التجارية... بين «واقعية» بكين و«طموح» ترمب

في إطار الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، يمكن ملاحظة وجود تصعيد تدريجي ومتبادل في الرسوم الجمركية بين البلدين. هذا التصعيد يعكس اتجاهات السياسة الاقتصادية التي تعتمدها الدولتان، حيث تتمثل الولايات المتحدة في دور المبادر في فرض الرسوم الجمركية، بينما تتبع الصين استراتيجية الردّ المتدرج. في البداية، بدأت الولايات المتحدة بزيادة الرسوم الجمركية بشكل حاد وسريع من 10% في فبراير (شباط) الماضي إلى 145% في 10 أبريل (نيسان) الجاري، وهو ما يعكس رغبة الإدارة الأميركية الحالية في ممارسة ضغط اقتصادي كبير على الصين. في المقابل، قامت الصين، في البداية، بالرد بنسب أقل (10% و15% جزئياً) غير أنها رفعت النسبة بشكل تدريجي حتى وصلت إلى 125% بحلول 11 أبريل، ما يبرز توجهاً أكثر حذراً من جانبها في التعامل مع التصعيد.

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ منهياً جولته الآسيوية الأخيرة وبجواره ملك كمبوديا نورودم سيهاميني في مطار العاصمة الكمبودية بنوم بنه (أ.ب)

دعوة للتعقُّل تجنباً لحرب بلا منتصر

تُشكّل العلاقات الصينية ـ الأميركية اليوم أكبر اختبار لقدرة العالم على التعايش في ظل التحولات الجذرية في موازين القوى. ولا أحد ينكر أن التنافس موجود.

حصاد الأسبوع رياك مشار

رياك مشار... سياسي مخضرم لعب دوراً حيوياً في تاريخ جنوب السودان

مجدداً يبرز اسم رياك مشار، السياسي المخضرم والمثير للجدل، وسط مخاوف من أن تدخل دولة جنوب السودان نفق حرب أهلية أخرى، قبل أن تتعافى من تداعيات سابقتها، التي انتهت عام 2018. مشار، الذي يشغل منصب نائب الرئيس، وُضع أخيراً تحت الإقامة الجبرية، ما يمثل أحدث منعطف في علاقته المضطربة مع رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت. وما يجدر ذكره أن مشار لعب دوراً بارزاً في تاريخ السودان منذ منتصف الثمانينات، ولطالما كان نشاطه في حروب جنوب السودان من أجل الاستقلال عن السودان مثيراً للجدل، وحمل الرجل ألقاباً عدة، بدت متعارضة في بعض الأحيان، من «زعيم تمرد» إلى «أمير حرب» إلى «رجل سلام».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع زمّور (آ ف ب)

إبعاد لوبن... هل تتحوّل المتاعب القضائية منفعةً سياسية؟

أثارت إدانة مارين لوبن، زعيمة رئيسة حزب «التجمّع الوطني» اليميني المتطرف، في قضية الوظائف الوهمية، اضطراباً كبيراً في المشهد السياسي الفرنسي بين مؤيد لقرار العدالة الفرنسية ومعارض لها. وأيضاً فتحت باب النقاش حول مستقبل أقوى قوى اليمين المتطرف وزعيمته التاريخية التي ستمنع - ما لم تتمكن من إلغائه بقرار قضائي جديد - من تقديم ترشّحها لأي منصب سياسي لمدة خمس سنوات؛ وهو ما يعني القضاء على طموحها في خلافة الرئيس إيمانويل ماكرون في 2027. أضف إلى ذلك أن هذا الإبعاد قد يعني أيضاً إضعاف هيمنة «آل لوبن»، الذين سيطروا على المناصب الريادية في ثاني أهم تشكيل سياسي فرنسي منذ أسسه جان ماري لوبن (والد مارين) عام 1972، والاحتمال الآخر هو أن تتحول المتاعب القضائية حجّة مثالية للعب دور «الشهيد السياسي» وحشد التأييد والفوز بالانتخابات. وللعلم، بيّنت دراسة أخيرة لاستطلاع الرأي من معهد «إيلاب» أن لوبن تبقى الأوفر حظاً في الفوز بالجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المقبلة.

حصاد الأسبوع ترمب وقائمة التعرفة الجمركية المفروضة على دول العالم (غيتي)

فوضى الأسواق تمهد لنظام عالمي ينهي حقبة منظمة التجارة «المعادية»

لا يمكن رد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب «المفاجئ» تأجيل فرض الرسوم الجمركية على غالبية الدول لمدة 90 يوماً، إلى نجاح مناشداتها فقط. ثم إنه لا يمكن اعتبار

إيلي يوسف (واشنطن)

حرب أميركا ـــ الصين التجارية... بين «واقعية» بكين و«طموح» ترمب


الرئيس الأميركي دونالد ترمب جعل حربه الاقتصادية ضد الصين استراتيجية لواشنطن (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب جعل حربه الاقتصادية ضد الصين استراتيجية لواشنطن (رويترز)
TT
20

حرب أميركا ـــ الصين التجارية... بين «واقعية» بكين و«طموح» ترمب


الرئيس الأميركي دونالد ترمب جعل حربه الاقتصادية ضد الصين استراتيجية لواشنطن (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب جعل حربه الاقتصادية ضد الصين استراتيجية لواشنطن (رويترز)

ثمة فوارق جوهرية بين استراتيجيات الولايات المتحدة والصين في الرسائل السياسية-الاقتصادية المتبادلة بين البلدين العملاقين. فواشنطن، من خلال تصعيد الرسوم بسرعة وبشدة، تظهر قوتها الاقتصادية وتستخدم التصعيد أداة ضغط سياسي واقتصادي، معتمدة على واقع الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عالمية. بالمقابل، اختارت بكين نهجاً تدريجياً وأكثر تحفظاً، في البداية، ربما لتفادي التصعيد المباشر مع واشنطن ولتجنب الدخول في حرب تجارية شاملة قد تؤثر على الاقتصاد العالمي.

ولكن، مع مرور الوقت، رفع الجانب الصيني ردوده تدريجياً لتصل إلى مستوى قريب من حجم إجراءات الجانب الأميركي، ما يشير إلى رد بالمثل لكن محسوب، مع إظهار حرص على التوازن وتحاشي الانجرار نحو تصعيد كامل.

التفاوت الزمني

أيضاً، يكشف الفارق بين تواريخ التصعيد بين الطرفين عن مدى تفاعل كل طرف مع الآخر وردّه على تحركاته. فالتفاوت الزمني بين التصعيدات يعكس استراتيجية قائمة على مراقبة مستمرة وحسابات دقيقة من الجانبين، حيث يعكس كل تصعيد رد فعل مدروسا، وليس ردة فعل عشوائية. وبالتالي، كل طرف يراقب الآخر ويأخذ في اعتباره تحرّكاته قبل اتخاذ قراراته، ما يعكس تنسيقاً ضمنياً بين القرارات المتخذة.

«التحكم» و«الهيبة»

من خلال هذا التصعيد المتبادل، يظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب وكأنه يبعث برسالة واضحة مضمونها «نحن نتحكّم بالسوق العالمي، وسنضغط بقوة».

إنه موقف يعكس صورة قوة الولايات المتحدة كداعم رئيس في الاقتصاد العالمي، ويؤكد أنها مستعدة للمضي بالضغط على الصين إلى أن تمتثل الأخيرة لمطالبها. وفي الجهة المقابلة، تسعى بكين من خلال الردّ المتدرّج إلى إرسال رسالة معاكسة مضمونها «نحن نرد بالمثل لكن بحكمة وتدرّج، ولسنا منفعلين». وهذا الموقف يعكس «توازناً» حذراً في الردود الصينية، ويعزّز من صورتها كدولة قوية اقتصادياً تستطيع اتخاذ قرارات مدروسة... بعيداً عن الانفعال وردود الفعل العاطفية.

أسلوب الرئيس الصيني ... و«الكتاب الأبيض»

في هذا السياق، يعود موقف الرئيس الصيني شي جينبينغ ليشكّل الإطار العام لفهم هذا السلوك؛ فالرئيس شدد مراراً على أن التعاون هو الخيار الصحيح الوحيد بين البلدين، وأن الصين لا تسعى إلى الهيمنة أو المواجهة، بل إلى حوار قائم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. غير أن هذا الانفتاح الصيني لا يعني قبولاً بالضغط أو الإملاءات، كما يوضح «الكتاب الأبيض» الصيني، الذي أكد أن بكين «لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات الترهيب الاقتصادي»، وإن كانت في الوقت ذاته تفضل استخدام أدوات محسوبة ومدروسة.

في التاسع من أبريل (نيسان) 2025، أصدر مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني «الكتاب الأبيض» الذي حمل عنوان «موقف الصين بشأن بعض القضايا المتعلقة بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة».

لم يكن الكتاب مجرّد وثيقة حكومية عابرة، بل جاء مرافعةً استراتيجيةً شاملة، مدعومة بالأرقام والحقائق، وتكشف عن موقف بكين من العلاقة الاقتصادية الأكثر حساسية في عالم اليوم: علاقتها مع واشنطن.

ما قدّمته الصين في هذا الكتاب ليس دفاعاً بقدر ما هو دعوة إلى «الفهم الواقعي». ذلك أن العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة - وفق بكين - ليست «لعبة صفرية»، بل منظومة تكامل معقّدة، قائمة على المنفعة المتبادلة والنتائج المُربحة للطرفين. وترى جهات قريبة من بكين أن هذا المنطلق يغيب عن بعض دوائر صنع القرار في العاصمة الأميركية، التي ما زالت تعاني من تبعات «ذهول ما بعد الهيمنة»، وتُصرّ على قراءة الحاضر بعدسات الماضي الإمبراطوري.

من التعاون إلى التوتر... أرقام لا تكذب

تبدأ القيادة الصينية في «كتابها الأبيض» بتشخيص للعلاقات الاقتصادية الثنائية، فتشير إلى أن هذه العلاقة «لم تُبْنَ في فراغ، بل هي نتاج تطور طبيعي استجابت فيه قوانين السوق والمنطق الاقتصادي لحاجات كل من البلدين».

فمنذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1979، ارتفع حجم التجارة الثنائية من أقل من 2.5 مليار دولار أميركي إلى نحو 688.3 مليار دولار في عام 2024.

هذا النمو المذهل ما كان ليتحقّق لولا التكامل العميق في الموارد، ورأس المال، والتكنولوجيا، واليد العاملة، والأسواق بين البلدين. إذ أصبحت الصين سوقاً رئيسة للمنتجات الزراعية الأميركية مثل فول الصويا إلى القطن ووصولاً للغاز والأجهزة الطبية. وفي المقابل، استفاد المستهلك الأميركي من المنتجات الصينية ذات الجودة العالية والتكلفة المعقولة، ما خفّض تكاليف المعيشة ورفع مستوى القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والدنيا.

من الزاوية الصينية، لم يكن الفائض التجاري هدفاً مقصوداً، بل نتيجة طبيعية لتركيبة الاقتصاد العالمي، وللخيار الأميركي بالتركيز على الصناعات ذات القيمة المضافة العالية والاعتماد على الاستيراد من الصين في قطاعات التصنيع. ثم إن تقييم هذا الفائض باستخدام منهجية «القيمة المضافة» يغيّر الصورة جذرياً، إذ إن القيمة التي تحصل عليها الصين من العديد من صادراتها لا تمثل سوى جزء بسيط من القيمة النهائية للسلع.

واشنطن والتناقض البنيوي: عن العجز والتضليل

على الرغم من هذه الحقائق، تصرّ بعض الجهات السياسية والاقتصادية - اليمينية، بالذات - في واشنطن على تصوير العلاقات الاقتصادية مع الصين على أنها سبب رئيس للعجز التجاري الأميركي، مُتناسية العوامل البنيوية التي تعاني منها منظومتها الصناعية، بما في ذلك ارتفاع التكاليف الداخلية، ونقل الصناعات إلى الخارج، والتركيز على قطاع الخدمات على حساب الصناعة التحويلية.

الإحصاءات التي أوردها «الكتاب الأبيض» تشير إلى أن الولايات المتحدة تحقق فوائض كبيرة في تجارة الخدمات مع الصين بلغت 26.57 مليار دولار في عام 2023، كما أن الشركات الأميركية في الصين تحقق أرباحاً ضخمة، إذ بلغ حجم مبيعاتها في السوق الصينية عام 2022 نحو 490.52 مليار دولار أميركي، بفارق يزيد على 400 مليار دولار عن مبيعات الشركات الصينية في الولايات المتحدة.

بلغة الأرقام، يتّضح أن المكاسب المتبادلة أكثر توازناً مما يحاول بعض الساسة الأميركيين تصويره. وإذا ما جرى احتساب المبيعات والخدمات وتدفقات الاستثمار بشكل مشترك، فإن العلاقات الصينية ـ الأميركية تبدو بعيدة كل البعد عن «الرواية الأحادية» التي تتكلّم عن «استغلال» أو «سرقة» اقتصادية.

الحرب التجارية ... سلاح ذو حدّين

في الحقيقة، لطالما استخدمت واشنطن التعريفات الجمركية سلاح ضغط اقتصادي، وفرضت منذ عام 2018 رسوماً جمركية أحادية الجانب على مئات المليارات من الدولارات من السلع الصينية. ومع أن هذه الإجراءات فُرضت تحت شعار «حماية الصناعة الوطنية»، فإن الواقع أثبت عكس ذلك.

وحقاً، تفيد دراسة لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي إلى أن أكثر من 90 % من تكاليف هذه الرسوم انتقلت فعلياً إلى المستهلكين الأميركيين. كذلك فإن هذه الإجراءات لم تساهم في تقليص العجز التجاري الإجمالي، ولم تُعِد الحيوية للصناعة الأميركية. بل على العكس، أدّت إلى ارتفاع أسعار السلع، وتباطؤ النمو، وإضعاف القدرة الشرائية للمواطن الأميركي.

بل، من المفارقات أن هذه الحرب التجارية تزامنت مع احتجاجات في الداخل الأميركي، لا سيما من القطاعات الزراعية والصناعية المتضرّرة، التي خسرت أسواقها في الصين بسبب سياسات التصعيد. ولقد أظهرت بيانات السوق تراجع التوقعات بشأن النمو الاقتصادي الأميركي على خلفية هذه السياسات.

الصين: لا صدام ... ولا تهديد

من جهة ثانية، جاء في «الكتاب الأبيض» أيضاً أن «الصين لا تسعى إلى حرب تجارية، لكنها في ذات الوقت لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما تعتبره ترهيباً اقتصادياً». وبالنسبة لبكين، فإن التعاون هو الخيار الأول، لكن الرد بالمثل خيار دائم إذا اقتضت الحاجة.

وهنا تؤكد بكين أن الحل الأمثل هو «الحوار المتكافئ، واحترام المصالح الأساسية لكل طرف»، لا سيما أن العالم لم يعُد ساحة للابتزاز، بل غدا شبكة معقدة من المصالح. وعليه فالانفصال القسري لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر للطرفين، وربما للنظام الاقتصادي الدولي بأسره.

ووفق جهات مقرّبة من بكين، فبين أكثر ما يلفت النظر في الموقف الصيني، ليس فقط إصرار بكين على «الحقائق الاقتصادية»، بل أيضاً محاولتها معالجة جذور الخلل في نظرة واشنطن للصين.

وحسب هذه الجهات، فإن نسبة عالية من الساسة الأميركيين ووسائل الإعلام التابعة لهم، لا تزال تنظر إلى الصين من خلال «عدسة الحرب الباردة»، فإما أن تكون الصين «شريكاً طيعاً» أو «عدواً مطلوباً تحجيمه». لكن الحقيقة التي تتجاهلها هذه الرؤية هي أن الصين المعاصرة ليست دولة تُدار وفق نص مكتوب في واشنطن، بل أمة عمرها خمسة آلاف سنة، سلكت طريقاً تنموياً خاصاً بها، قائماً على الواقعية، والإصلاح التدريجي، والتفاعل العميق مع العولمة. وهذا بالضبط ما عبّر عنه بوضوح كبير الدبلوماسيين الصينيين يانغ جيه تشي خلال قمة ألاسكا الشهيرة حين قال: «واشنطن لا تملك المؤهلات اللازمة للتكلّم إلى الصين من موقع قوة».

الهيمنة تُفقد البوصلة

أخيراً، يقول مقربّون من بكين إنه من خلال تتبع سياسات واشنطن، يظهر أن الأزمة الأعمق ليست في التجارة أو التوازن الاقتصادي، بل في نمط التفكير السائد في واشنطن. وحسب هؤلاء «هناك تيار سياسي أميركي لا يستطيع تقبّل فكرة عالم متعدّد الأقطاب، قارئاً في صعود الصين تهديداً لامتيازات استمرت لعقود، لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية».

بالتالي - والكلام لا يزال للمقربين من بكين - «هذا النمط من التفكير جعل بعض السياسيين في واشنطن كمن يحاول قيادة قطار فائق السرعة بمحرك عربة تجرها الخيول. فهم يصرّون على استخدام معايير القرن التاسع عشر لفهم تفاعلات القرن الحادي والعشرين، ويحاولون لعب أدوار متناقضة في الوقت نفسه: الحكم واللاعب والمُشرّع». لطالما استخدمت واشنطن التعريفات الجمركية سلاح ضغط اقتصادي على الصين