100 يوم على انفجار مرفأ بيروت وأهالي الضحايا أسرى الانتظار

مرفأ بيروت المدمر لا يزال على حاله والمتضررون وأهالي الضحايا بانتظار الحقيقة (إ.ب.أ)
مرفأ بيروت المدمر لا يزال على حاله والمتضررون وأهالي الضحايا بانتظار الحقيقة (إ.ب.أ)
TT

100 يوم على انفجار مرفأ بيروت وأهالي الضحايا أسرى الانتظار

مرفأ بيروت المدمر لا يزال على حاله والمتضررون وأهالي الضحايا بانتظار الحقيقة (إ.ب.أ)
مرفأ بيروت المدمر لا يزال على حاله والمتضررون وأهالي الضحايا بانتظار الحقيقة (إ.ب.أ)

لم يتبدل مشهد الدمار الذي خلفه انفجار مرفأ بيروت، رغم مرور 100 يوم على الحدث الذي غير وجه العاصمة اللبنانية، وأوقع 200 قتيل وأكثر من خمسة آلاف جريح، وجعل آلاف العائلات من دون مأوى، لكن معاناة أهالي الضحايا والمصابين والمشردين، لا تقف عند الأضرار الخسائر البشرية والمادية فحسب، بل تنسحب على واقع بطء التحقيق الذي لم يرض الأهالي حتى الآن، خصوصاً مع تلاشي الرهان على تشكيل لجنة تحقيق دولية، تمتلك صلاحيات واسعة لكشف حقيقة الانفجار وأسبابه والمسؤولين عنه.
أمام هذه الصورة التشاؤمية للمتضررين، قدمت المراجع القضائية المسؤولة عن الملف مقاربة مختلفة، إذ شددت على أن المحقق العدلي القاضي فادي صوان اجتاز أكثر من نصف الطريق، واقترب من تحديد المسؤولين عن الانفجار. وأوضح مصدر قضائي بارز لـ«الشرق الأوسط» أن صوان «اتخذ قرارات مهمة وصعبة جداً، أفضت إلى توقيف 25 شخصاً أبرزهم مدير عام الجمارك اللبنانية بدري ضاهر، والمدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي، ورئيس مرفأ بيروت المهندس حسن قريطم، ومدير عام النقل البري والبحري عبد الحفيظ القيسي، ومسؤول أمن المرفأ العميد في مخابرات الجيش طوني سلوم، إضافة إلى كبار الموظفين في المرفأ، كما استمع إلى إفادات 53 شاهداً بينهم وزراء الأشغال العامة والمال والعدل الحاليون والسابقون، ورؤساء الأجهزة الأمنية في لبنان الحاليون والسابقون».
وأوضح المصدر القضائي أن «التحقيق سلك مسارين، الأول يتعلق بالتقصير الذي تسبب بإدخال نترات الأمونيوم إلى العنبر رقم 12 في المرفأ، وكيفية إبقاء هذه المواد الخطرة في حرم المرفأ لسبع سنوات، والمسار الثاني يتعلق بتحديد أسباب الانفجار، وهل هو نتيجة التقصير والخطأ، أم أنه نتيجة عمل أمني وإرهابي مدبر»، مشيراً إلى أن «الجانب الفني أوكل إلى الخبراء الأجانب، الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين، تحديد كيفية وقوع الانفجار».
وقال إن «مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي (إف بي آي) وضع تقريره الذي يحدد حجم المواد المتفجرة المقدرة بـ552 طناً من أصل 2750 طناً كانت مخزنة في العنبر رقم 12. والتي خلفت دماراً على مسافة شعاعية بطول 16 كلم، وتوزعت أضرارها بين التدميرية والجسيمة والمتوسطة والخفيفة، وبدا التقرير الأميركي ميالاً إلى استبعاد العمل الإرهابي».
ويعول القضاء اللبناني على مضمون تقرير الخبراء الفرنسيين الذي لم يتسلمه حتى الآن.
ولفت المصدر القضائي إلى أن التقرير الفرنسي «سيكون مفصلياً لجهة تحديد أسباب الانفجار، كون خبراء المتفجرات الفرنسيين عملوا لوقت أطول، وتولوا عملية مسح شاملة لأرض مرفأ بيروت والمباني والمنشآت المدمرة وللبحر، ورفعوا العينات التي يفترض أن تجزم بما إذا حصل استهداف خارجي أو أن المرفأ يحتوي على صواريخ أو أسلحة وذخائر، أو أن قنبلة وضعت في العنبر وأدت إلى تفجير نترات الأمونيوم».
نقيب المحامين في بيروت ملحم خلف الذي تقدم بدعاوى قضائية بالوكالة عن 664 متضرراً، عبر عن خشيته من تدخلات في عمل القضاء تبعد التهمة عن المسؤولين الكبار في الدولة. واعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنها «فرصة للقضاء لاستعادة ثقته بذاته، واستعادة ثقة الناس به، وأن يتحرر من أي ضغوط في هذه القضية». وأضاف: «لن نقبل ألا يذهب القضاء بالمسؤولية أفقياً وعمودياً، لأننا لسنا أمام جريمة واحدة، بل أمام جرائم نتج عنها 200 ضحية وسبعة مفقودين وأكثر من خمسة آلاف جريح، المئات منهم بترت أعضاؤهم، عدا عن وجود 300 ألف متضرر و30 ألف مواطن باتوا خارج منازلهم}،
وأضاف أن {بوابة لبنان إلى الخارج (مرفأ بيروت) باتت مدمرة بالكامل». وتابع: «لن نقبل بإعفاء المسؤولين الكبار من تبعات جريمة المرفأ، وعلى القضاء إقامة العدالة، فإما أن تتحقق العدالة أو يسقط لبنان». وفي رفض مسبق لأي اتهام بالتقاعس أو البطء، أكدت مصادر مقربة من المحقق العدلي القاضي فادي صوان لـ«الشرق الأوسط» أن الأخير «لن يتوانى عن اتخاذ أي قرار يخدم التحقيق ويوصل إلى الحقيقة»، لافتة إلى أنه «أبلغ لجنة أهالي الضحايا أن دماء أبنائهم أمانة في عنقه ولن يسمح بأي تدخلات تفرمل التحقيق». وقالت المصادر: «لا يمكن في هذه المرحلة كشف المعلومات التي لدى المحقق العدلي لأن التحقيق يرتدي طابع السرية التامة، لكن الشعب اللبناني سيعرف الحقيقة مع صدور القرار الاتهامي».
ويعكف القاضي صوان على وضع مسودة قراره الاتهامي، بانتظار تسلمه تقرير الخبراء الفرنسيين. وفي هذا الإطار دعاه نقيب المحامين إلى «تفعيل صلاحياته التي لا يحدها أي اعتبار»، مطالباً النيابة العامة التمييزية بـ«توسيع دائرة الادعاءات تجاه هيئة استثمار مرفأ بيروت، وكل الوزراء الذين تعاقبوا على المسؤولية منذ إدخال نترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت». وذكر بأنه «لا يمكن إدخال مادة نترات الأمونيوم بنسبة أزوت تتجاوز الـ34.7 إلا بقرار من مجلس الوزراء». وكشف أن نقابة المحامين «تقدمت بـ664 شكوى بالوكالة عن أهالي الضحايا والمتضررين، سجلت لدى المحقق العدلي ونحن بصدد متابعتها».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».