«مثاقفات»: المدينة في مرايا المثاقفة الشعرية

غلاف المجلة
غلاف المجلة
TT

«مثاقفات»: المدينة في مرايا المثاقفة الشعرية

غلاف المجلة
غلاف المجلة

صدر العدد الثاني من مجلة «مثاقفات» التي يصدرها الشاعر الجزائري أزراج عمر، وترأس تحريرها فتيحة بشيخ.
المجلة فصلية تصدر من بريطانيا، وتعنى بالثقافات العالمية.
وضم العدد ترجمة عن الإنجليزية لمقال بعنوان «خلوة تامة في قرية نرويجية» ترجمه د. خميسي بوغرارة. ونشرت الشاعرة العراقية دنيا ميخائيل ثلاث قصائد مترجمة للشاعر الأميركي إدوارد هيرش، وترجم أزراج عمر مقتطفات من سيرة ذاتية - فلسفية للفيلسوف جان فرانسوا ليوتار بعنوان «في عام 1950 كنت في الجزائر فهل سجل هذا نهاية شيء ما وبداية شيء آخر؟». يقول ليوتار في هذه السيرة: «عندما كان عمري إحدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة، دعنا نقول في السن الذي كان مفترضاً أن أكون فيه بالغاً بما فيه الكفاية وقادراً أن أبرمج حياتي، كانت أفكاري بخصوص ما أردت أن أكونه قد أصابها التذبذب. أردت أن أكون إما راهباً (دومنيكياً على وجه الخصوص) أو رساماً أو مؤرخاً». ومن حوارات العدد، حاور الصحافي الجزائري بوعلام رمضاني، جاك لانغ وزير الثقافة والتربية الفرنسي السابق، ومدير معهد العالم العربي. جاء الحوار بعنوان «اللغة العربية حضارة والحمقى يربطون بينها وبين الإرهاب»، وتطرق فيه لانغ إلى علاقته مع الرئيس الفرنسي السابق ميتران، وإنجازات معهد العالم العربي، والدولة والثقافة، ومفهوم المثقف، وجائحة «كورونا»، التي «ما تزال تثبت دور الدولة في دعم الثقافة»، على حد تعبير لانغ.
وترجم الشاعر صلاح فائق، مقالاً لهربرت ريد عن «أحوال الشعراء والفنانين في الأنظمة الشمولية... مصير لوركا وماياكوفسكي». ويقول فيه: «إن الحضارات العقائدية التي اقتحمت العالم أخيراً بمبادئها وبنائها تنفي كل القيم التي يستطيع الشاعر أن يحيا ضمنها ومن أجلها. لا تتحدى الرأسمالية الشعر جوهرياً، بل تعامله بإهمال وقسوة وغير عقلانية، ولكن في روسيا وإيطاليا وألمانيا، كما في إسبانيا الفاشية، يكون هناك إهمال ولا اهتمام، بل قمع وتعذيب للشعراء أدى إلى الإعدام أو الانتحار».
ونقرأ في «مثاقفات» أيضاً دراسة للدكتور حاتم الصكر عن «المدينة في مرايا المثاقفة الشعرية»، ومقالاً ترجمه د. يوسف بغول لريموند تاليس بعنوان «الخطيئة الأولى هي تصور الزمان كنوع من الفضاء»، كما ترجم ميلاد فايزة مقالة لتشارلي كراب بعنوان «تأملات في الماركسية الهرطقية لهنري لوفيفر».
ومن مواضيع العدد الأخرى، «أن تكون في بيتك هو أن تكون نفسك» لأغاثا زيلينسكي، ترجمة فتيحة بشيخ عن الفرنسية، و«الجماليات، المعنى، الشكل» لأندري يولس، ترجمة د. عبد الحميد بورايو عن الفرنسية، و«المثاقفة كمصدر للقوة الناعمة... الترجمة للآخر نموذجاً» للدكتور حاتم الجوهري، و«نحن نبكي لأننا بحاجة للآخرين» لماندي أوكلندر، ترجمة مهدي العموري، و«لا وجود للمرأة» ليونيل بايلي، ترجمة د. ليسا بيرغ، و«اكتشاف الفائض السلوكي وصعود البداوة الرقمية» لفادي أبو ديب، كذلك نقرأ حواراً مع روجيه نبعة أجراه للمجلة حسين جواد قبيسي.



اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».