«حق النسيان» أو «التستر من التاريخ» يطل على العرب من جديد

مديرة السياسة العامة في «غوغل» لـ «الشرق الأوسط»: حق النسيان لا يشمل المنطقة العربية

«حق النسيان» أو «التستر من التاريخ» يطل على العرب من جديد
TT

«حق النسيان» أو «التستر من التاريخ» يطل على العرب من جديد

«حق النسيان» أو «التستر من التاريخ» يطل على العرب من جديد

«حق النسيان the right to be forgotten» الذي أقرته المحكمة الأوروبية في مايو (أيار) 2014 ضد محركات البحث وبالأخص عملاق المعلوماتية «غوغل» بتمكين المستخدمين الأوروبيين فقط وضمن القيود القانونية بوقف منصات النشر عن إتاحة معلومات متعلقة بهم باعتبارها ضارة، أبقى الباب مواربا صوب مدى تفعيل هذا القرار بمنطقة الشرق الأوسط وخصوصا السعودية، منهيا 16 عاما على امتلاك المحرك العملاق «غوغل» لتاريخ ما يقارب 2.5 مليار مستخدم عبر العالم من خلال تطبيقاته، حيث تمر عبره 90 في المائة من عمليات البحث حتى بات أشبه ما يكون بـ«الكتاب المحفوظ».
والمفارقة بين تقديم الإنترنت خدمات جليلة للصحافيين والشركات والباحثين وبين ما وصفه البعض «التستر من التاريخ» ، أثارت مسألة «الحداثة والديمقراطية الرقمية» جدلا واسعا بين شركات خدمات الإنترنت والجمعيات الحقوقية، التي اعتبرت الخصوصية وحرية التعبير لا يجب أن يكونا «على خلاف مع بعضهما البعض قبل أن يضعهما حكم المحكمة الأوروبية على هذا النحو».
الدكتور فهد البكران المتحدث الرسمي لوزارة العدل السعودية أشار إلى أنه من المتوقع، وفي ظل حداثة الأنظمة الخاصة بالنشر ونظام مكافحة جرائم المعلوماتية إعادة النظر فيهما لتغطية وتدارك التغييرات المتسارعة في عالم الشبكة العنكبوتية.
وأكد البكران على أن النظام الحالي لجرائم المعلوماتية قد نص في إحدى مواده على تجريم عملية التشهير، إلا أن «حداثة النظام وقلة القضايا التي أحيلت للمحاكم أدت ربما إلى عدم نضج العملية القضائية وعدم إدراك المدعي لخطورة التشهير عليه وآثاره المتعددة التي ستبقى لمدة طويلة»، خلافا لما كان يتم نشره في الوسائط التقليدية التي تنتهي بنفاد العدد أو سحب الكتاب من نقاط التوزيع.
وشدد البكران على ضرورة تضمين الحكم مخاطبة جهات النشر وبالأخص محركات البحث العالمية لإزالة أي موضوع مسيء في الروابط إلكترونية، قائلا: «لا أظن أن المحكمة سترفض طلب المدعي لإزالة أي موضوع مسيء له مع تحميل (الجاني) المدعى عليه تكاليف إزالة المحتوى من جميع محركات البحث والمواقع الإلكترونية.
خدمة «حق النسيان» الرقمي الذي فرضته محكمة العدل الأوروبية على محرك البحث «غوغل» مخصصة للأوروبيين فقط كما أكدت جيس هيملي مديرة السياسة العامة في الشركة الأميركية «غوغل» لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «إن هذا القرار يعتمد في الاتحاد الأوروبي وينطبق على المستخدمين الأوروبيين فقط ولا يشمل السعوديين أو منطقة الشرق الأوسط».
وتقترح هذه الخدمة الجديدة المخصصة للأوروبيين، مسح نتائج البحث على الإنترنت المرتبطة باسم المستخدم كروابط ومعلومات ومشاركات في مواقع تواصل اجتماعي، يعتبر صاحبها بأنها «في غير محلها، غير ملائمة، أو لم تعد ذات صلة».
وبينت أنه ومنذ صدور قرار محكمة العدل الأوروبية بدأ محرك البحث «غوغل» باستقبال أعداد كبيرة من الطلبات لمستخدمين أوروبيين، مقدرة عدد ما تم استقباله من طلبات حتى اليوم 142 ألف طلب حذف روابط، شملت حذف أكثر من 490 ألف صفحة من محرك البحث «غوغل»، كاشفة عن تصدر فرنسا قائمة طلبات الحذف تلتها ألمانيا، ثم بريطانيا ، وإسبانيا وأخيرا كانت إيطاليا.
من جهته أوضح الدكتور فايز الشهري عضو لجنة الاتصالات بمجلس الشورى أنه وبحسب نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، فإن لكل شخص يتضرر بمادة سواء أكانت بالسمعة أو التشهير أو الابتزاز الحق بمطالبة إزالة وحذف ما هو موجود على محركات البحث عبر شبكة الإنترنت، وكذلك عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، قائلا: «إن حرية النشر أمر مغاير عما يُشاهد اليوم من استدامة نشر وظهور المعلومات السيئة والتي تؤثر على علاقة الفرد بمحيطه الاجتماعي والمهني».
وبين الشهري تمكن الوكالات الأمنية الغربية بإلغاء بعض المعلومات عن بعض الأشخاص حماية لهم ولأعمالهم قائلا: «من باب أولى أن تتم مراعاة ما يتعلق بسمعة الأفراد والتشهير بهم»، موضحا أن إشكالية محاسبة تطبيقات التواصل الاجتماعي ومطالبتها بحذف ما تم نشره، أن الناشر «المرجع الأصلي» لم يعد يملك المادة لمطالبته بحذفها وإزالة الآثار بعد أن تم تداولها من قبل أعداد كبيرة.
وأكد على ضرورة إعادة النظر في تكييف مسألة النشر بعد أن أصبح التشهير ممتدا عبر الزمن من خلال المخازن الإلكترونية، منوها بأن المبدأ الشرعي هو «لا ضرر ولا ضرار» فمن حق الأفراد وكمبدأ قانوني أن يطالب بحذف وإلغاء ما هو متوفر عنه عبر محركات البحث، قائلا: «قد يرتكب الشخص في سن الشباب بعض المخالفات والحوادث الجنائية وبقاء مثل هذه المواد تؤثر في علاقاته الاجتماعية والمهنية».
وأفاد الدكتور فايز الشهري ببدء مجلس الشورى دراسة مقترحات بشأن تعديل بعض المواد في نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، والقيام بمراجعة كاملة وإضافة ما يتعلق ببعض الجرائم المستحدثة وما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي وقضية التشهير. وقال الشهري: «ليست هناك حماية كاملة لشركات تسيطر على الفضاء الإلكتروني، كما أنه ليس من حقها (بحسبه) استباحة هذا الفضاء»، مشيرا إلى أن القانون النظامي يعطي الحق لأي شخص متضرر أن يزيل الضرر قائلا: «لا بد وأن تكون شركات الإنترنت في مجال المحاسبة».
مخاوف غربية وعربية باتت تتردد أصداؤها حول مدى أحقية «تويتر» بتبادل هذه المعرفات والحسابات التي كما وصفها الشهري بـ«العبثية»، التي باتت تروج للعنف والإباحية الجنسية وكثير من الإشكالات الأمنية، محذرا أنه في حالة عدم استجابة «تويتر» للمطالب العالمية بفرض رقابة أكبر وما لم يكن هناك ضبط لمواقع التواصل الاجتماعي «فإن الخدمة حتما ستتوقف». وقال الشهري: «ما لم تدرك (تويتر) مصالحها فسيكون هناك تحرك مجتمعي بحقها فلا ينبغي أن تبقى خارج الأنظمة القانونية للدول».
وكانت قد أصدرت المحكمة الأوروبية في مايو 2014 حكما غير مسبوق، بإلزام عملاق المعلوماتية الأميركي «غوغل» احترام مبدأ «الحق في النسيان»، بحيث يحق للمستخدمين المطالبة بإلغاء روابط على صفحات محرك البحث «غوغل» تتضمن معلومات شخصية لم تعد صالحة أو ليست دقيقة، وتدمير بيانات يعتقد المستخدمون أنها مسيئة أو محرجة.
وحذت مجموعة «مايكروسوفت» المعلوماتية ذات خطى العملاق «غوغل» وبدأت بالسماح لمستخدميها الأوروبيين بطلب سحب معلومات تخصهم في محرك البحوث «بينغ» التابع لها.
وتلقت شركة «غوغل» الأميركية نماذج مختلفة من طلبات الحذف وإزالة سواء أكانت لسياسيين ورجال دين ورجال أعمال ومن بينها طلب سيدة إيطالية حذف موضوع تمت كتابته قبل 10 أعوام عن مقتل زوجها وكان اسمها مذكورا، إلا أنها رفضت بالمقابل طلبا بإزالة ورد من قبل رجل دين سابق «بريطاني» لإزالة رابطين مؤديين إلى مقالات تتناول التحقيق في اتهامات وجهت إليه بشأن الإساءة الجنسية أثناء منصبه المهني، كما رفضت طلب أحد الأشخاص من هولندا بإزالة ما يزيد عن 50 رابطا من الروابط المؤدية إلى المقالات ومشاركات المدونة التي تتناول الاحتجاج العام بشأن الاتهامات الموجهة إليه لإساءته استخدام خدمات الرعاية الاجتماعية.



الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
TT

الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»

للمرة الأولى في العراق، منذ تغيير النظام عام 2003 بواسطة الدبابة الأميركية، تتمكّن وسائل الإعلام العادية ووسائل التواصل الاجتماعي من محاصرة السلطات الثلاث في البلاد، أي التشريعية والتنفيذية والقضائية.

إذ لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن تتناول وسائل الإعلام إحدى السلطات الثلاث أو كلها مجتمعة، إلى الحد الذي دفع أحد أبرز قيادات النظام السياسي وأحد آبائه المؤسسين، وهو نوري المالكي - ثالث رئيس وزراء عراقي بعد التغيير - إلى التحذير في كلمة متلفزة من نقل كل ما يدور في أروقة هذه السلطات إلى الإعلام.

جاءت كلمة المالكي المتلفزة في خضم تفجر تبعات تضارب المصالح والسياسات وتراكم حالات الفساد التي وصلت إلى ما بات يُوصف في وسائل الإعلام بـ«سرقة القرن».

وسعى المالكي في كلمته، إلى دغدغة مشاعر الجماهير، وبالذات، جماهير الأحزاب السياسية التي هي في الوقت نفسها مادتها في الانتخابات. لكن، في حين يعترف المالكي بأنه ليس هناك شيء يهدد الدولة مثل «اضطراب العلاقة بين السلطات الثلاث»، حذّر من حصول سوء تفاهم، وقال بضرورة أن «تسير الأمور وفق الاتصالات والتفاهمات بينها حتى تستقر العملية السياسية». كذلك نبّه في الوقت نفسه إلى ضرورة منع نقل اختلال العلاقة واضطرابها والمشاكل المترتبة عليها إلى «وسائل الإعلام».

تخمة إعلامية

غير أن العراق اليوم حافل بوسائل الإعلام المختلفة والمتعددة، كون غالبية الأحزاب والقوى السياسية باتت تملك وسائل إعلامها الخاصة بها (من صحف وفضائيات وإذاعات بل حتى وكالات). وبالتالي، فإن «الحرب» التي تشنّها وسائل الإعلام ضد هذا الطرف أو ذاك من داخل الطبقة السياسية، وإن كانت تبقى محصورة في نطاق التنافس والابتزاز أحياناً عبر التهديد بالكشف عن ملفّات معينة، تكمن خطورتها أحياناً في أنها تخرج عن السيطرة وتتحول إلى أزمة تهدّد النظام السياسي بكامله.

أيضاً، يرى العراقيون أن المكسب الوحيد الذي حصلوا عليه بعد عام 2003 هو الديمقراطية، وهذا على الرغم من أن حرية التعبير المنصوص عليها في الدستور لم تُنظّم بقانون حتى الآن. فواقع الحال أن وسائل الإعلام، سواءً كانت «ميديا» أو «سوشيال ميديا»، لعبت خلال الفترة الأخيرة دوراً مهماً على صعيد الكشف والمحاسبة ومحاصرة السلطات في عديد من الملفات والقضايا، التي باتت ساحتها وسائل الإعلام، لتتحوّل من ثمّ إلى قضايا رأي عام.

من ناحية ثانية، على الرغم من امتلاك معظم القوى السياسية وسائل إعلامها الخاصة، فإن صراع الأقطاب السياسيين بشأن الملفات المطروحة وتصادمها وتناقضها، يجعل من الحرب الناجمة عن ذلك عرضة للتشظي السريع. وبالتالي، تتحوّل إلى مادة؛ إما يسخر منها الجمهور وإما يتفاعل معها بطرق في الغالب سلبية. ومعلومٌ أن القوى السياسية بدأت منذ الآن «اللعب على وتر» الشعبوية لاستثارة الجمهور العاطفي تمهيداً للانتخابات المبكرة. إذ إن قضايا، مثل قانون العفو العام، سرعان ما تتحول إلى مادة للسخرية والتهجّم على عديد من القيادات السنّية. والأمر نفسه ينطبق على محاولات تعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي تتبنّاه قوى شيعية فاعلة، في محاولة منها لاستمالة أعلى نسبة من الجمهور الشيعي... الذي يعيش انقساماً بيّناً داخل المكون الشيعي.

ذكاء اصطناعي بالمقلوب

على صعيد آخر، تنشط وسائل الإعلام ووسائطه المختلفة، بما في ذلك ما يُسمى «الجيوش الإلكترونية». وهذه في الغالب اختصاص الأحزاب والقوى السياسية في متابعة الأحداث، وبخاصة قضايا الفساد، كونها المادة الأكثر إثارة عاطفية للجمهور العراقي.

إلا أن التحوّل الأخطر اليوم هو دخول الذكاء الاصطناعي على الخط. ففي حين يسعى كثير من الدول إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بكل ما هو إيجابي، فطبقاً لما جرى تداوله أخيراً في العراق على نطاق واسع، تسريبات صوتية تخصّ رئيس «هيئة النزاهة» حيدر حنون، وتتهمه بتلقي رشى لقاء تسهيلات معينة في «الهيئة».

الجديد في الأمر أن وسائل الإعلام حاولت اللعب على وتيرة ما قيل إن هذه التسريبات ليست حقيقية بل هي عملية مفبركة من خلال الذكاء الاصطناعي. ولكن بصرف النظر، عما إذا كانت التسريبات حقيقية أم لا - خصوصاً أن القضاء الذي يحقّق بالأمر لم يقل كلمته بعد - فإن الأحكام في الغالب بدأت تصدر من خلال التناول المكثّف لمثل هذه القضايا عبر وسائل الإعلام. وطبعاً، بقدر ما يؤثّر مثل هذا الضغط الإعلامي الواسع في تغيير وجهات نظر الناس، والتأثير فيهم، فإنه في النهاية يؤدي إلى مزيد من الإرباك وزيادة الغموض بين ما هو صحيح وما هو مفبرك.

تضارب الآراء هذا لا يعني أن قضية التسريب هي الأولى من نوعها في العراق، لكن الناس، في مطلق الأحوال، صاروا يشكّكون في التوقيت والسبب وراء نشر أمور كهذه أمام الجميع وتحت متناول وسائل الإعلام... كي تنتج منها ظاهرة خطيرة قد تُشعل الأجواء أو تغيّر النظام. وعلى الرغم من أن أزمات من هذا العيار قد تكون مدوّية وفاضحة للنظام السياسي، فإنها حتماً ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ذلك أنه سبق أن انتشرت تسريبات صوتية لنوري المالكي، نفسه، قبل سنتين، وأحدثت ضجة كبيرة في الأوساط العراقية، لكن الأزمة سرعان ما انتهت من دون ترك أثر سياسي خطير يُذكر.

طبيعة النظام وأزمات الإعلام

في النهاية، يقول مراقبون إن طبيعة النظام السياسي في العراق أصبحت جزءاً من عملية «صنع الأزمة الإعلامية» والتلاعب عليها... سواءً كانت عبر التنافس بين القوى السياسية أو عبر التسقيط والابتزاز وفضح الآخرين. كذلك بات المواطن العراقي يفهم جيداً طريقة التلاعب والابتزاز في صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية. والحال، أن الخبر في العراق قد يمتد صداه إلى ثلاثة أيام فقط وبعدها ينتهي، والسبب أن المواطن اعتاد على أزمات سياسية بين القوى والأحزاب... على هذا المستوى أو حتى أعلى. وأيضاً، فإن وسائل «السوشيال ميديا» ساعدت في تسطيح الأزمات السياسية الخطيرة في العراق، إما عبر التهكّم بجعلها مادة للسخرية والتنمّر الاجتماعي، وإما عبر التذمّر والامتعاض الذي يؤدي إلى رفض كامل للواقع السياسي.