لبنان يتحسّس مخاطر «زلزال» الغلاء عقب رفع الدعم

تكلفة التجهيزات والصيانة المنزلية زادت 664 %

احتجاجات لبنان ضد غلاء المعيشة في الشهر الماضي (أ.ب)
احتجاجات لبنان ضد غلاء المعيشة في الشهر الماضي (أ.ب)
TT

لبنان يتحسّس مخاطر «زلزال» الغلاء عقب رفع الدعم

احتجاجات لبنان ضد غلاء المعيشة في الشهر الماضي (أ.ب)
احتجاجات لبنان ضد غلاء المعيشة في الشهر الماضي (أ.ب)

تشي معدلات الغلاء الحادة في مجالات الإنفاق كافة غير المدعومة في الأسواق اللبنانية، بنوعية المخاطر الجسيمة التي ستلي تعذر توفر الأموال اللازمة التي يخصصها البنك المركزي لدعم تمويل السلع الاستراتيجية بسعر يوازي فقط نحو 17 في المائة من السعر الفعلي للدولار، وللسلع الغذائية بسعر يقارب 45 في المائة، وهي مطابقة مرتبطة طرداً بتواصل انخفاض سعر الليرة في سوق الصرف الموازية.
فقد أظهرت البيانات التفصيلية المجمعة لدى إدارة الإحصاء المركزي أن أسعار الأثاث والتجهيزات المنزلية والصيانة المنزلية ارتفعت بنسبة 664 في المائة على مدار سنوي في نهاية الشهر الثامن من العام الحالي. وزادت التكاليف في الفنادق والمطاعم بنسب تعدت 500 في المائة، وارتفعت أسعار الألبسة والأحذية بنسبة 413 في المائة، ورافقها ارتفاع في أسعار المواد الغذائية بنسبة 367 في المائة، وحلقت أيضا أسعار التبغ بزيادات تعدت 400 في المائة.
وتفترض الحسابات التقديرية، أن الإقدام على رفع الدعم نهائياً أو افتراض اعتماد السعر السوقي للدولار، سيحدث هزة ضخمة في الأسواق تتناسب مع هذه الارتفاعات الحادة في أسعار السلع والمواد غير المدعومة، وذلك ربطا بسعر صرف العملة وكون الاستيراد يغطي نحو 80 في المائة من احتياجات الاستهلاك المحلي، وهو ما يفسر تلقائياً حدة التضخم المحقق مع ارتفاع سعر الدولار قريبا من عتبة 9 آلاف ليرة، أي بنسبة تقارب 6 أضعاف السعر الرسمي المحدد بنحو 1515 ليرة.
ولا يزال الدعم المهدد بالإلغاء قبل نهاية العام الحالي بفعل تقلص احتياطيات البنك المركزي القابلة للاستعمال من العملات الصعبة إلى أقل من 3 مليارات دولار، يساهم بفاعلية في تأخير الوصول إلى حالة «التضخم المفرط»، إذ لم تشمل موجات الغلاء الحادة مجالات حيوية للإنفاق الأسري حتى الساعة، وفي مقدمتها السكن والنقل والاتصالات والتعليم وهو ما انعكس في كبح متوسط مؤشر الغلاء عند حدود 120 في المائة حتى نهاية أغسطس (آب) الماضي، مراكما بذلك حصيلة تناهز 230 في المائة، عند احتساب النسبة المحققة في الفترة عينها من العام الماضي. وبالفعل، فقد أشار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة صراحة إلى أنه أبلغ الحكومة عدم المس بالاحتياطي الإلزامي للبنوك بالعملة الأجنبية لأغراض الدعم، مبيناً في الاجتماع الشهري الأخير مع مجلس إدارة جمعية المصارف، «أن هذا الأمر سيتيح له الدعم لفترة شهرين أو ثلاثة للمواد الأساسية وخاصة المحروقات، والقمح، والدواء بسعر صرف 1500 ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد، وللمواد الغذائيّة بسعر صرف 3900 ليرة لبنانيّة للدولار الأميركي الواحد». وأمل «أن تنجز الحكومة مقترح البطاقات من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية للفئات الأكثر انكشافا على الأوضاع المعيشية».
وبدفع من الهواجس التي خلفتها إنذارات سلامة المتكررة بشأن وقف الدعم وتعثر الحلول السياسية، لا تزال الأسواق، بحسب تجار الجملة وأصحاب السوبر ماركت والمحلات والصيدليات، تشهد إقبالا مشهودا من المستهلكين على تخزين كل أنواع المواد المدعومة من طحين وأدوية ومواد غذائية أساسية تحسبا لرفع الدعم قريباً، بل عمد مستهلكون إلى تخزين «غالونات» من مادة البنزين رغم الخطورة الشديدة لمثل هذا التصرفات. وثمة سباق صريح أيضا بين المستهلكين والمهربين على حيازة مادة «المازوت» التي تشحّ في محطات الوقود رغم تواصل استيراد الكميات وفقا لجداول متوسطات الاستهلاك المعهودة.
وتؤكد البيانات المالية لميزانية البنك المركزي مدى خطورة النزف الحاصل في مخزون احتياطيات العملات الأجنبية لدى البنك المركزي. فوفق أحدث الإحصاءات، تراجعت قيمة الموجودات الخارجية لمصرف لبنان بنسبة 32.68في المائة، أي ما يماثل 12.29 مليار دولار في نهاية الفصل الثالث من العام الحالي مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه في الفترة عينها من العام الماضي.
وبذلك يقدر أن المبالغ التي يمكن استخدامها للدعم تتدنى عن 3 مليارات دولار، مع التحسّب للمصاريف الخارجية الملحة للدولة. ذلك أن القيمة الإجمالية للاحتياطيات تدنت إلى نحو 25.9 مليار دولار، بينها محفظة سندات دين دولية بقيمة 5 مليارات دولار. وباعتبار أن «اليوربوندز» (سندات الدين بالعملة الصعبة) معلقة الدفع كدين حكومي وهي غير قابلة للتسييل حتى إشعار آخر، يقتضي عدم احتسابها ضمن سيولة الاحتياط الذي ينخفض إلى نحو 20.9 مليار دولار، فيما حدد سلامة «الخط الأحمر» عند بلوغ الاحتياط الإلزامي لدى مصرف لبنان على الودائع بالدولار لصالح الزبائن في البنوك. وهو حاليا بحدود 17 مليار دولار لودائع محررة بالعملات الصعبة تناهز 114 مليار دولار.



​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
TT

​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)

يتكبد المزارعون اليمنيون خسائر كبيرة بسبب موجة الصقيع التي تشهدها البلاد بفعل الموجة الباردة التي تمر بها منطقة شبه الجزيرة العربية تزامناً مع عبور منخفض جوي قطبي، فيما يحذر خبراء الأرصاد من اشتدادها خلال الأيام المقبلة، ومضاعفة تأثيراتها على السكان والمحاصيل الزراعية.

واشتكى مئات المزارعين اليمنيين في مختلف المحافظات، خصوصاً في المرتفعات الغربية والوسطى من تضرر محاصيلهم بسبب الصقيع، وتلف المزروعات والثمار، ما تسبب في خسائر كبيرة لحقت بهم، في ظل شحة الموارد وانعدام وسائل مواجهة الموجة، مع اتباعهم طرقاً متعددة لمحاولة تدفئة مزارعهم خلال الليالي التي يُتوقع فيها زيادة تأثيرات البرد.

وشهد عدد من المحافظات تشكّل طبقات رقيقة من الثلج الناتجة عن تجمد قطرات الندى، خصوصاً فوق المزروعات والثمار، وقال مزارعون إن ذلك الثلج، رغم هشاشته وسرعة ذوبانه، فإنه أسهم في إتلاف أجزاء وكميات من محاصيلهم.

وذكر مزارعون في محافظة البيضاء (270 كيلومتراً جنوب شرقي صنعاء) أن موجة الصقيع فاجأتهم في عدد من الليالي وأتلفت مزروعاتهم من الخضراوات، ما دفعهم إلى محاولات بيع ما تبقى منها قبل اكتمال نضوجها، أو تقديمها علفاً للمواشي.

خضراوات في محافظة عمران أصابها التلف قبل اكتمال نضجها (فيسبوك)

وفي مديرية السدة التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، اشتكى مزارعو البطاطس من تلف الثمار خلال الأيام الماضية، بينما كانوا ينتظرون اكتمال نضوجها للبدء في تسويقها ونقلها إلى منافذ البيع.

ويعتزم غالبية المزارعين التوقف عن الزراعة خلال الأسابيع المقبلة حتى تنتهي موجة الصقيع، مشيرين إلى أن تأثير الموجة يكون أشد على المزروعات في بداية نموها، بينما يمكن للمزروعات التي نمت بشكل كافٍ أن تنجو وتكمل نموها، إلا أنها لن تصل إلى مستوى عالٍ من الجودة.

أسبوع من الخطر

في غضون ذلك حذّر مركز الإنذار المبكر في محافظة حضرموت السكان من موجة برد شديدة، وتشكّل الصقيع على مناطق الداخل، خلال الأيام المقبلة، داعياً إلى اتخاذ أقصى التدابير، واتباع الإرشادات الصحية للوقاية من ضربات البرد القارس، واستخدام وسائل التدفئة الآمنة مع رعاية كبار السن والأطفال من تأثيراتها.

طفلة يمنية بمحافظة تعز تساعد عائلتها في أعمال الزراعة (فيسبوك)

ونبّه المركز المزارعين لضرورة اتباع إرشادات السلامة لحماية محاصيلهم من آثار تشكل الصقيع المتوقع تحديداً على المرتفعات والأرياف الجبلية في مختلف المحافظات.

وخصّ بتحذيراته الصيادين والمسافرين بحراً من اضطراب الأمواج، واشتداد الرياح في مجرى المياه الإقليمية وخليج عدن وحول أرخبيل سقطرى في المحيط الهندي، وسائقي المركبات في الطرق الطويلة من الغبار وانتشار العوالق الترابية نتيجة هبوب رياح نشطة السرعة، وانخفاض مستوى الرؤية الأفقية.

وطالب المركز باتخاذ الاحتياطات لتجنيب مرضى الصدر والجهاز التنفسي مخاطر التعرض للغبار خاصة في المناطق المفتوحة والصحراوية.

وتتضاعف خسائر المزارعين في شمال اليمن بسبب الجبايات التي تفرضها الجماعة الحوثية عليهم، فعلى الرغم من تلف محاصيلهم بسبب الصقيع، فإن الجماعة لم تعفهم من دفع المبالغ المقررة عليهم، خصوصاً أنها - كما يقولون - لجأت إلى فرض إتاوات على محاصيلهم قبل تسويقها وبيعها.

طبقة من الثلج تغطي خيمة نصبها مزارع يمني لحماية مزروعاته من الصقيع (إكس)

ومن جهتهم، حذّر عدد من خبراء الأرصاد من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من موجة برد شديدة تستمر حتى مطلع الأسبوع المقبل، على مختلف المناطق والمحافظات، بما فيها الصحارى، وتصل فيها درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، مع احتمالات كبيرة لإتلاف مختلف المزروعات والمحاصيل.

صقيع وجراد

وتؤثر موجات الصقيع على أسعار الخضراوات والفواكه بسبب تراجع الإنتاج وارتفاع تكلفته، وإلى جانب ذلك تقل جودة عدد من المنتجات.

وأوضح خبير أرصاد في مركز الأرصاد الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية أن كتلة هوائية قطبية بدأت، أخيراً، التقدم باتجاه المناطق الشمالية والصحراوية، مع هبوب الرياح الشمالية الجافة، متوقعاً أن تسهم في إثارة ونقل كميات كبيرة من الغبار يمتد تأثيرها إلى خارج البلاد.

يمني في محافظة ذمار يتجول على دراجته ملتحفاً بطانية (فيسبوك)

ووفق الخبير الذي طلب التحفظ على بياناته، بسبب مخاوفه من أي عقوبات توقعها الجماعة الحوثية عليه بسبب حديثه لوسائل إعلام غير تابعة لها، فمن المحتمل أن تكون هذه الكتلة الهوائية القطبية هي الأشد على البلاد منذ سنوات طويلة، وأن تمتد حتى السبت، مع وصول تأثيراتها إلى كامل المحافظات.

وبيّن أن التعرض للهواء خلال هذه الفترة قد يتسبب في كثير من المخاطر على الأفراد خصوصاً الأطفال وكبار السن، في حين سيتعرض كثير من المزروعات للتلف، خصوصاً في المرتفعات والسهول المفتوحة، مع احتمالية أن تنخفض هذه المخاطر على المزارع في الأودية والمناطق المحاطة بالمرتفعات.

ووفقاً للخبراء الزراعيين، فإن الصقيع يتسبب في تجمد العصارة النباتية في أوراق النباتات وسيقانها الطرية، وبمجرد شروق الشمس، وتغيّر درجات الحرارة، تتشقق مواضع التجمد أو تذبل، تبعاً لعوامل أخرى.

تحذيرات أممية من عودة الجراد إلى اليمن خلال الأسابيع المقبلة (الأمم المتحدة)

وطبقاً لعدد من الخبراء استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، فإن تأثيرات الصقيع تختلف بحسب تعرض المزارع للرياح الباردة، إلا أن تعرض المزروعات للرياح الباردة في المرتفعات لا يختلف كثيراً عن وقوع نظيرتها في الأودية والسهول تحت تأثير الهواء الساكن شديد البرودة.

وفي سياق آخر، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) تحذيراً من غزو الجراد في اليمن، بعد انتشار مجموعات قليلة منه على سواحل عدة دول مطلة على البحر الأحمر، بما فيها السواحل اليمنية.

وتوقعت المنظمة في تقرير لها أن تزداد أعداد الجراد وتتكاثر في اليمن خلال فصل الشتاء، وأن تتجه الأسراب إلى سواحل البحر الأحمر للتكاثر، ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد الجراد في المنطقة، بما يشمل اليمن.

ويعدّ الجراد من أكثر التهديدات التي تواجهها الزراعة في اليمن، ويخشى أن يؤثر وصول أسرابه إلى البلاد على الأمن الغذائي.