«كوفيد ـ 19» يحدث صدعاً في الحكومة الإسرائيلية

وزير يستقيل ويعتبر الإغلاق «مؤامرة لمنعنا من الصلاة»

عامل صحة إسرائيلي يفحص مريضاً محتملاً بـ«كوفيد - 19» قرب القدس أمس (إ.ب.أ)
عامل صحة إسرائيلي يفحص مريضاً محتملاً بـ«كوفيد - 19» قرب القدس أمس (إ.ب.أ)
TT

«كوفيد ـ 19» يحدث صدعاً في الحكومة الإسرائيلية

عامل صحة إسرائيلي يفحص مريضاً محتملاً بـ«كوفيد - 19» قرب القدس أمس (إ.ب.أ)
عامل صحة إسرائيلي يفحص مريضاً محتملاً بـ«كوفيد - 19» قرب القدس أمس (إ.ب.أ)

استقال وزير البناء والإسكان يعقوب لتسمان من الحكومة الإسرائيلية، أمس (الأحد)، احتجاجاً على عودة سياسة الإغلاق لمكافحة الانتشار الواسع والمنفلت لفيروس «كورونا». ومع أن أوساطاً سياسية قالت إن هذه الاستقالة لا تتعلق بـ«كورونا»، وإنها جاءت بالأساس لاستباق الأحداث لأن الوزير متورط في قضية فساد، فإن مصادر في حزبه قالت إن «هذه خطوة تحذير وإنذار من الأحزاب الدينية لأنها تشعر بأن الحرب على (كورونا) تتحول إلى حرب ضد المتدينين»، ولذلك قررت أن توضح لنتنياهو بأن عليه التدخل «حتى لا يخسر إلى الأبد مستقبل التحالف بيننا وبينه».
وكانت الحكومة قد عقدت جلسة لها، بعد شلل دام 5 أسابيع لم يفلح رئيسها، بنيامين نتنياهو، من جمعها ولو مرة واحدة، نتيجة الخلاف بينه وبين وزير الأمن بيني غانتس، حول جدول أعمالها. وكان الموضوع المركزي على الطاولة، أمس، موضوع الانتشار المنفلت لفيروس «كوفيد - 19»، وضرورة فرض الإغلاق التام على البلاد، كلها وبشكل كامل لصدّ الارتفاع في الإصابات والوفيات. وكما كان متوقعاً، اختلف الوزراء فيما بينهم حول كيفية فرض الإغلاق، فوقفت وزارة الصحة مع اللجنة الوطنية لمكافحة كورونا، تطلب فرض «إغلاق وطني كامل»، وبين المعسكر المضاد الذي يعتبر هذا الإغلاق «ضربة قاضية للاقتصاد»، كما قال ووزير المالية، يسرائيل كاتس، وأيّده وزير الاقتصاد، عمير بيرتس. واعتبر قادة الأحزاب اليهودية الدينية قرار الإغلاق «مؤامرة موجهة للمتدينين اليهود، حتى لا يقيموا الصلوات في شهر الأعياد»، الذي يبدأ يوم الجمعة المقبل. ولذلك وقفوا ضد الإغلاق وأعلنوا أنهم لن يلتزموا به. وبناء عليه، اعتبره أحد الوزراء «خطة جنونية».
ووصف أحد الوزراء الأجواء في الجلسة كما في «طوشة عمومية في السوق». وبدا واضحاً أن ممثلي الطواقم المهنية يريدون الإغلاق الشامل، ويعتبرونه الحل الوحيد لمواجهة تفشي فيروس كورونا، وراحوا يطلبون أن تتغلب الحسابات المهنية والصحية على المصالح الحزبية. وقال وزير الصحة، يولي إدلشتاين، خلال الاجتماع، إنه في حال عدم المصادقة على الإغلاق الشامل المقترح، فإنه لن يقدم خططاً بديلة، وحمل الوزراء مسؤولية كاملة عن سقوط مئات وربما ألوف المصابين، وانضمامهم إلى من أصبحوا تحت التراب من موتى «كورونا». ولكن ممثلي الاقتصاد رفضوا هذا التوجه، وطالبوا بوقف هذا الهلع ودبّ الرعب في نفوس الناس وعادوا يتحدثون عن «التعايش مع كورونا»، و«عدم السماح بانهيار الاقتصاد». واحتج وزير المالية، يسرائيل كاتس، على عدم التشاور مع المسؤولين في وزارته بشأن تأثير الإغلاق على الوضع الاقتصادي، وقال إنه «لأمر غريب عدم سماحكم لخبراء وزارة المالية باستعراض تبعات الإغلاق». وقالت المديرة العامة لوزارة المالية، كيرن ترنر، إنه «ينبغي إبقاء أماكن العمل مفتوحة في القطاعين الخاص والتجاري». وأكدت أن تكلفة الإغلاق خلال الأعياد على اقتصاد البلاد ستصل إلى 18 مليار شيكل (5.2 مليار دولار) على الأقل.
من جانبه، رفض وزير التعليم الإغلاق وطلب تأجيله إلى يوم الجمعة، حتى تتمكن المدارس من استمرار التعليم في هذه الأيام. وأعلن وزير العمل والرفاه، إيتسيك شمولي، عن معارضته لإغلاق روضات وحضانات الأطفال، فيما أعلنت وزارة التربية والتعليم عن خطة لتفعيل رياض الأطفال عن بعد، ومن خلال محادثات فيديو عبر «واتساب» ورسائل صوتية وفيديوهات ترسلها المعلمات. ووقف نتنياهو بين هذه الأطراف حائراً، تارة يؤيد هذا التيار، وتارة يؤيد التيار المناقض. وقال في النهاية إن على الطرفين أن يقدما التنازلات.
يذكر أن شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، قد أصدرت تقريراً لها، أمس، حذرت فيه من أن وتيرة انتشار فيروس كورونا هي الأسرع منذ شهرين، وأن وتيرتها في الأسبوع الأخير، كانت أعلى منها بكثير من الأسبوع الماضي. وحسب التقرير، فإن قدرة المستشفيات على استقبال مرضى تقلصت بشكل كبير، وبات هناك خطر على استقرار الجهاز الصحي.
وكانت وزارة الصحة الإسرائيلية، أعلنت أمس، تسجيل 2651 إصابة جديدة بفيروس كورونا خلال 24 ساعة الأخيرة بعد إجراء 30253 اختباراً، وبلغت نسبة الاختبارات الإيجابية 8.8 في المائة. وبلغ مجمل الإصابات في إسرائيل 153217 إصابة، 15.7 في المائة منها إصابات في المجتمع العربي (فلسطينيي 48). وبلغ عدد الإصابات النشطة في إسرائيل 37490. منها 22 في المائة في المجتمع العربي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟