دولة الحوثيين.. القبضة الإيرانية في جنوب الجزيرة العربية

سيطرت لجانها الشعبية على مؤسسات الدولة بقوة السلاح

دولة الحوثيين.. القبضة الإيرانية في جنوب الجزيرة العربية
TT

دولة الحوثيين.. القبضة الإيرانية في جنوب الجزيرة العربية

دولة الحوثيين.. القبضة الإيرانية في جنوب الجزيرة العربية

تحولت جماعة الحوثيين في اليمن منذ سبتمبر (أيلول) 2014، إلى القوة الوحيدة التي تتحكم بمقاليد حكم البلاد، بعد أن كانت طوال عقد من الزمان جماعة متمردة ومطاردة من قبل الدولة التي خاضت معها 6 حروب، قتل فيها آلاف اليمنيين، وتغلغلت الحركة رويدا رويدا بعدها، إلى مؤسسات صنع القرار، مرتكزة على قوتها العسكرية وتحالفاتها السياسية مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي كان يحكم البلاد منفردا قبل 2011، فضلا عن استغلالها للسخط الشعبي ضد الحكومة السابقة بسبب الأزمات المفتعلة التي ضيقت من حياتهم المعيشية وخلفت رأيا عاما ضدها. خلال 4 أشهر فقط، حققت هذه الجماعة الشيعية المدعومة من إيران، ما لم تكن تحلم به، فقد أحكمت قبضتها على 7 مدن في شمال البلاد أهمها العاصمة صنعاء وميناء الحديدة الاستراتيجي على البحر الأحمر، حتى أصبحت بحلول نهاية العام الحالي، تمارس سلطات الدولة الأمنية والإدارية والمالية، وتحولت إلى دولة داخل الدولة، لها ممثلون ومندوبون في كل وزارة ومؤسسة حكومية ومعسكر للجيش والأمن، وكل ذلك عمل على إعادة رسم الخارطة السياسية العسكرية والاجتماعية، في بلد يعد الأفقر والأكثر فسادا على مستوى العالم.
انطلقت الرصاصة الأولى في معركة الاستحواذ على السلطة، من بلدة دماج السنية، في أقصى شمال اليمن، وخاضت الحركة الحوثية هناك مواجهات مسلحة مع مقاتلين من مركز «دار الحديث» السلفي انتهت في يناير (كانون الثاني) 2014، بطرد أبناء دماج وجميع الطلاب الذين كانوا يدرسون في المركز إثر اتفاق توصلت إليها لجنة رئاسية بين الطرفين، بعدها جاء الدور على قبيلة حاشد المشهورة، بمحافظة عمران التي كانت مسرحا لأشد المعارك قوة، وكان يقود مقاتلي حاشد أشقاء شيخ القبيلة صادق الأحمر، من أمثال حمير وحسين وهاشم، وغيرهم، لكنهم خسروا المعركة بعد أن نجح الرئيس السابق في شق صفوف قبيلة حاشد، عبر استخدام المشايخ القبليين الموالين له، حيث تخلى كثير منهم عن أولاد الأحمر الذين وجدوا أنفسهم وحيدين في ساحة المعركة، وأجبرهم ذلك على الانسحاب من خروجهم من معقل القبيلة التاريخي في منطقة «العصيمات»، كما شهدت منازل آل الأحمر حملة انتقام من قبل الحوثيين الذين اقتحموا منازل زعيم القبيلة الراحل الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، ونهبوا محتوياته، قبل أن يقوموا بتفجيره تعبيرا عن النصر وكوسيلة ترهيب ضد خصومهم الأخيرين.
لم تتوقف الحركة الحوثية عن السيطرة على معاقل قبيلة حاشد، بل أصبحت تنظر إلى الوضع من منظور القوة القادمة، واستمرت في التمدد نحو مدينة عمران البوابة الشمالية للعاصمة صنعاء، فخاضت معارك عنيفة مع اللواء 310 الذي يقوده العميد حميد القشيبي المعارض للحوثيين واستمرت 4 أشهر، وكان مبرر الحركة محاربة الفساد وتغيير قيادات محلية وعسكرية، وبحسب شهادات لقيادات عسكرية وحكومية، فقد شارك مع الحوثيين المئات من ضباط وجنود ينتمون إلى قوات الحرس الجمهوري المنحل، الموالي للرئيس السابق علي عبد الله صالح، إضافة إلى مسلحين ينتمون إلى حزب المؤتمر الشعبي العام.
وفي يوليو (تموز) سيطر الحوثيون على عمران وقتلوا العميد حميد القشيبي وقاموا بالتمثيل بجثته، ونهبوا معسكرات الجيش ومنازل قيادات عسكرية وقبلية، كما عينوا قيادات موالية لهم. كما خاضت الجماعة بالتزامن مع حرب عمران مواجهات عنيفة بمحيط العاصمة صنعاء مع قبيلة همدان ومقاتلين قبليين في منطقة بني مطر، وتمكنت ميليشيات الحوثي من السيطرة عليها بقوة السلاح ودعم مشايخ قبليين موالين للنظام السابق، الذين كانوا يمهدون الطريق أمامهم للاقتراب من صنعاء عبر اتفاقيات قبلية تسمى «الخط الأسود» وهو اتفاق يسمح لمسلحي الحوثي المرور بالمنطقة بجميع أسلحتهم وعدم قطع الطريق أمامهم.
وقد رفض زعماء قبائل هذه الاتفاقيات وخاضوا مواجهات عنيفة مع الحوثيين على مشارف صنعاء، وبسبب فارق القوة بين الطرفين لصلح الحوثيين حقق الأخير انتصاره على قبيلة همدان.
وفي كل مرة يسيطر الحوثيون على منطقة يقوم مسلحوهم بنهب منازل وممتلكات خصومهم وأغلبهم زعماء قبليون رفضوا التحالف مع الجماعة، مما جعل منازلهم هدفا للتفجير والهدم وهو أسلوب اتبعوه في كل حروبها، ويتضمن أيضا تفجير المساجد والمدارس ومركز تحفيظ القرآن الكريم التي يعتبرونها مراكز لمن يسمونهم التكفيريين وهو الوصف الذي يطلقها الحوثيون على كل من يعترض طريقهم.

* المرحلة الثانية

* اتجهت أنظار زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، بعد عمران، صوب العاصمة صنعاء، حيث أعلن في 17 أغسطس (آب) ، عن حركة احتجاجية ضد الحكومة، وحددوا لهم 3 مطالب هي: «تغيير الحكومة، ومحاربة الفساد، وتشكيل حكومة كفاءات»، ونصبوا 8 مخيمات اعتصام لمسلحيهم الذين حاصروا صنعاء من مختلف الجهات مدججين بمختلف أنواع الأسلحة، حيث تركزت المخيمات بالقرب من معسكرات الحرس الجمهوري في مناطق الصباحة غربا، وحزيز جنوبا، والصمع شمالا، حيث كانت تتهم هذه المعسكرات بمد المخيمات بالغذاء والمؤن بتوجيهات من وزير الدفاع السابق اللواء محمد أحمد ناصر، إضافة إلى مخيمات داخل العاصمة. وأوقف الحوثيون حركة الملاحة الجوية في مطار صنعاء الدولي ومؤسسات حيوية، عبر قطع الشوارع والطرق المؤدية إليها، وبعد بضعة أسابيع اندلعت مواجهات مسلحة بين الحوثيين ووحدات الجيش في المنطقة السادسة «الفرقة أولى مدرع» استمرت 6 أيام، انتهت في يوم 21 سبتمبر، باقتحام العاصمة صنعاء والسيطرة على معسكرات الجيش ونهب أسلحتها الثقيلة والمتوسطة، فيما بقت معسكرات الجيش من قوات الحرس الجمهوري وقوات الأمن المركزي والقوات الجوية التي كانت في الأغلب موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح كما هي. وكان هدف الحوثيين في هذه الحرب رأس المستشار العسكري للرئيس هادي اللواء علي محسن الأحمر الذي يعتبرونه خصمهم، لكنه تمكن من الخروج من اليمن بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من تصفيته في معسكر الفرقة الذي تعرض لقصف عنيف من معسكرات الحرس الجمهوري في الصباحة كما يقول قادة عسكريون تمكنوا من الانسحاب من مقر الفرقة التي تقع على تبة عالية في غرب العاصمة، وسيطرت ميليشيات الحوثي على كل منازل وممتلكات الأحمر والشيخ الملياردير حميد الأحمر، إضافة إلى مقرات حزب الإصلاح، ومنازل قيادات عسكرية ومدنية ونهب محتوياتها، ممن كان لها الدور الأكبر في دعم وحماية ثورة الشباب عام 2011، واتهم مراقبون الحوثيين والرئيس السابق بقيادة ثورة مضادة، استهدفت كل خصوم صالح وممتلكاتهم، في حين أصدرت وزارتا الدفاع والداخلية توجيهات باعتبار الحوثيين أصدقاء للدولة، وأمرت وحداتها بعدم التصادم مع المسلحين الحوثيين، لتتمكن الحركة بعدها من فرض سيطرتها على مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية دون أي مقاومة. كما نشرت ما سمتها «اللجان الشعبية» في هذه المؤسسات إلى جوار الوحدات العسكرية والأمنية، ورغم توصل السلطات والحوثيين إلى توقيع اتفاقية السلم والشراكة فإنها ظلت حبرا على ورق فيما يخص الجانب الأمني، منذ الساعات الأولى للاتفاقية، إذ إنهم وبدلا من سحب مسلحيهم من صنعاء، تمددوا إلى مدن أخرى وهي:(ذمار، والحديدة، وحجة، وإب، وريمة، وأجزاء من الجوف)، وتمكنوا خلال هذه الفترة من التحكم بقرارات الدولة، التي تحولت إلى حمل وديع أمامهم، حيث كانت الحركة تعتمد على الموالين لها في مؤسسات الدولة لتبرر لمسلحيها دخول المؤسسات السيادية والحكومية مثل وزارة الدفاع ووحداتها العسكرية، ووزارة الداخلية والأمن المركزي، ويشير كثير من المراقبين إلى أن الحركة الحوثية لم يكن بمقدورها السيطرة على هذه المؤسسات لولا التنسيق مع أتباع النظام السابق الذين تضرروا من ثورة 2011، خصوصا القيادات العسكرية التي كان لها الدور الأكبر في دخول الحوثيين صنعاء عبر التنسيق الأمني المباشر بينهما، ويؤكدون أن أغلب الذين يسيطرون على مؤسسات الدولة هم جنود من قوات الحرس الجمهوري ومن أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه علي عبد الله صالح.
نموذج «حزب الله»
تظهر التركيبة التنظيمية لجماعة الحوثيين تشابهها مع «حزب الله»، من حيث القوة العسكرية والمشاركة السياسية وبسط النفوذ، بل إن زعيمها عبد الملك الحوثي دائما ما يظهر في خطابات متلفزة تبثها قناتهم «المسيرة» التي تبث من بيروت، شبيها بحسن نصر الله من ناحية الخطاب العاطفي والاتهامات التي يطلقونها على خصومهم، والقضايا العامة المرتبطة بأميركا وإسرائيل وهي نفس السياسة التي تسير عليها إيران، التي تقف خلف الحوثيين و«حزب الله»، فخلال الفترة التي تم رصدها عن الحركة الحوثية منذ سيطرتها على محافظة صعدة نهاية الحرب السادسة مع الدولة 2010، وحتى سيطرتها على العاصمة صنعاء 2014، فإنها قامت بإنشاء دول مصغرة في معقلها بصعدة المحاذية للمملكة العربية السعودية، من ناحية معسكرات خاصة بها، ومكاتب بديلة عن الحكومة لإدارة الشؤون العامة للمواطنين، ولديها أقسام كثيرة في بنيتها التنظيمية والعسكرية، فهناك المجلس السياسي، وهو المعني بإدارة الحركة سياسيا، والقوة العسكرية التي يقودها شقيق زعيم الجماعة عبد الخالق الحوثي الذي أدرجه مجلس الأمن الدولي ضمن العقوبات الدولية إلى جانب القائد الميداني للجماعة عبد الله الحاكم.
ورغم سيطرتها على كل المكاتب التنفيذية للدولة في المناطق التي تسيطر عليها، لكنها تفضل ألا تحكم باسمها، ساعدها في ذلك ضعف المؤسسات الحكومية وانتشار الفساد المالي والإداري، الذي تراكم خلال 3 عقود من حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ويؤكد محللون مختصون في شؤون الحركة الحوثية أن إيران تمكنت من نقل نموذج «حزب الله» إلى اليمن عبر سنوات كثيرة، قامت فيها بتدريب وتأهيل المئات من مسلحي الحوثي في لبنان، إضافة إلى إرسالها خبراء عسكريين من الحزب ومن الحرس الإيراني، لتدريب عناصر الحركة وتزويدهم بالأسلحة الحديثة المتطورة كما حدث في العملية المشهورة للسفينة «جيهان1» التي أوقفتها السلطات وتمكنت الحركة فيما بعد من إطلاق سراح طاقم السفينة الإيرانيين وإغلاق ملفها، كما أن إيران هي الدولة الوحيدة التي رحبت بسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، واعتبرت ذلك امتدادا للثورة الخمينية في إيران.

* كرسي هادي

* بعد أن أحكمت الحركة الحوثية قبضتها على مؤسسات الدولة، بنهاية شهر ديسمبر (كانون الأول)، دخلت الحركة في معركة جديدة مع مؤسسة الرئاسة التي ينظر إليها على أنها آخر مراكز الدولة التي لا تزال تحفظ ما تبقى منها، فقد شن زعيم الحركة عبد الملك الحوثي انتقادات لاذعة ضد الرئيس الانتقالي هادي ونجله، واتهمه بأنه «مظلة للفاسدين»، وهدد «بأنهم لن يتغاضوا عن ذلك إلى ما لا نهاية»، ليعلن بعدها المستشار السياسي لهادي الدكتور عبد الكريم الارياني هجوما عنيفا ضد الحوثيين، وقال الارياني في حوار صحافي إن «ما يقوم به الحوثيون يهدم الدولة ولا يبنيها»، مضيفا: أنهم «حركة تسعى لتحقيق أهدافها بالوسائل العسكرية، خارج نطاق النظام والقانون»، وعد الوضع الذي تعيشه اليمن بالوضع الشاذ، الذي تتحكم فيه حركة سياسية غير مدنية ولا يحكمها القانون، بمؤسسات وهياكل الدولة، وحول مبررات قيادة الحركة الحوثية في حربها على المناطق القبلية بزعم محاربة «القاعدة»، اتهم الارياني الحركة بالمساعدة في زيادة أعداد المنضمين إلى تنظيم القاعدة، وقال: إن «الدولة ومؤسساتها هي المخولة بهذا الدور، ما عمله أنصار الله زاد من عدد المنضمين إلى (القاعدة) ولم ينقصهم».
وكلام الارياني في هذا الوقت له وزن كبير ودلالة عميقة، فالرجل يعتبر رجل دولة، وهو من أهم السياسيين المخضرمين في البلد، وسبق أن تقلد عشرات المناصب الحكومية من أهمها وزارة الخارجية، ورئاسة الحكومة في فترة نظام صالح، إضافة إلى أنه من مؤسسي حزب المؤتمر الشعبي العام وشغل فيه منصب النائب الثاني لرئيس الحزب، وتمكن جناح صالح قبل شهرين من إزاحته من المنصب بسبب معارضته لصالح وموقفه الرافض للتحالف مع الحوثيين.

* سيناريوهات مفتوحة

* تعددت السيناريوهات الخاصة بمستقبل اليمن التي ترتبط بما يحدث على الصعيد الإقليمي كما يشير المراقبون، فأبواب الصراع من أجل السلطة في اليمن مفتوحة، إضافة إلى ما تسبب في أعمال العنف في اليمن خلال هذا العام من تصاعد عمليات الانتقام بين الأطراف المتحاربة سواء كانت سياسية أو قبلية، لذا فهناك توقعات بأن تشهد الفترة المقبلة عمليات عنف دامية وظهور جماعات مناهضة للحوثيين، تنفذ عمليات انتقامية ضدهم، فالمجتمع القبلي الذي يمثل أكثر من 70 في المائة من المجتمع، لن يبقى صامتا تجاه ما تعرض له من حروب وتفجيرات، خصوصا وأن ملف الثأر لا يزال مفتوحا فيما بين القبائل نفسها.
وينفي الحوثيون من جانبهم سيطرتهم على الدولة ويقولون، إن «ما تقوم به لجانهم الشعبية للحفاظ على مؤسسات الدولة الأمنية»، ويقول محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم جماعة أنصار الله (الحوثيين) لـ«الشرق الأوسط»: إن «اللجان الشعبية تقوم بدور وطني وأخلاقي ومسؤول، تجاه انهيار المؤسسات الأمنية التي فككتها أيادي الفساد والإجرام بسبب استخدامها في الحروب الداخلية والأجهزة الأمنية». مضيفا: أن «هذه المؤسسات تحتاج إلى إسناد شعبي حتى تستطيع القيام بمهامها المطلوبة منها شعبيا بعد ثورة 21 سبتمبر»، وأكد عبد السلام أن هذه اللجان ليست بديلا عن الدولة، عندما تكون دولة الشراكة والمواطنة العادلة، مشيرا إلى أن «عقيدة اللجان الشعبية القتالية هي حماية الشعب لا الاستقواء عليه تحت رغبة قوى النفوذ والفساد». وحول موعد انسحاب هذه اللجان من شوارع العاصمة ومدن البلاد أوضح ناطق الحوثيين أن «اتفاق السلم والشراكة واضح ولا يجوز تنفيذه بشكل مجزأ وإنما حزمه واحدة في إطار الإصلاحات الاقتصادية ومكافحة الفساد»، وحول الأسلحة التي تم الاستحواذ عليها من معسكرات الجيش، اعتبر عبد السلام هذه القضايا تناولتها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة، وقال: «عندما يكون هناك نيات صادقه لإصلاح الوضع المختل في البلاد لن يكون هناك مشكلة في بحث كل شيء»، واستدرك «سندافع عن أنفسنا تجاه أي عدوان أو مخاطر تستهدف الشعب اليمني».
وعن المرجعية التي تخضع لها اللجان الشعبية لفت الناطق باسم الحوثيين إلى أن «اللجان الشعبية تعبر عن إرادة الثورة الشعبية وحارسة لها ومحافظة على الوضع الأمني من الفشل خاصة وهناك أطراف تتربص باليمن واليمنيين شرا وهي تعبر عن رغبة الشعب الذي خرج في الثورة الشعبية من أجل تحقيق مكاسب الشعب ومكافحة الفساد».
من جانبه يوضح رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث عبد السلام محمد الهبيط أن استراتيجية الجماعات المسلحة هي الوصول إلى صناعة القرار والسيطرة على الأرض والنفوذ، من خلال أدوات عسكرية مسلحة كما هو الحال مع حركة الحوثيين، ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: إن «الحوثيون بدءوا استخدام العنف في شكل مقاومة للظلم، كما يقولون لكنهم كانوا في الحقيقة يبنون قوة عسكرية موازية للدولة في شمال البلاد، بمحافظة صعدة، على مرأى ومسمع من النظام السابق الذي ساعد الحركة في التمدد في فراغاته التي كانت بعيدة عن التنمية والاستقرار». ولفت إلى أن «الحركة الحوثية عملت على التدرج في إقامة التحالفات مع البيئة المحيطة بها، بداية باستغلال المظلومين من الفئة الفقيرة ثم التحالف مع الحالة الاجتماعية مثل زعماء القبائل والشخصيات الاجتماعية، التي كانت معارضة للدولة، وانتقلت الحركة في عام 2011، إلى التحالف مع طيف واسع من التيارات الساخطة من النظام السابق، ونجحت في بناء تحالفات سياسية».
ويشير رئيس مركز أبعاد إلى أن الأحزاب والمجتمع الدولي والإقليمي، فشلوا في تمدين الحوثيين عبر إدخالهم في العملية السياسية عبر مؤتمر الحوار الوطني في وقت رفضت الحركة التخلي عن سلاحها وهو ما عزز من تمددها وتقوية بنيتها العسكرية والسياسية، وبذلك تمكن الحوثيون من تحقيق الهدف السياسي من خلال الحوار الوطني، وتحقيق الهدف العسكري عبر التحالف مع علي عبد الله صالح وهو ما مكنه من السيطرة على العاصمة صنعاء وبسط نفوذه داخل مؤسسات الدولة، يرى الهبيط أن الحركة لا ترتكز على بنية مؤسسية، وإنما على قرارات شخصية، ولهذا فهي تكون سهلة الاختراق لتحريكها وتحقيق أهداف جهات أخرى.
وحول رفضها المشاركة في الحكومة وإدارة المؤسسات بشكل مباشر، يقول رئيس مركز أبعاد: إن «طبيعة الحركات المسلحة تكون فاشلة في إدارة الحكم، فهم لن يقدروا على إدارة دولة، لأنهم يريدون أن يمارسوا مهام الدولة الإيجابي، ويحملون السلبيات للآخرين، وبالتالي فهي حركة تقوم على الفساد المالي ونهب السلاح». ولفت إلى أن الحوثيين يراهنون على الوقت والوضع غير المستقر لابتلاع الدولة. وحول التحالف بين الحوثيين والنظام السابق يوضح الهبيط أن الخلافات السياسية تحولت إلى صراع عسكري بالوكالة، فصالح وحزب المؤتمر يريد العودة للسلطة عن طريق الحوثي و«القاعدة» وعن طريق نشر الفوضى والأزمات، وهذا وضع خطير جدا على مستقبل البلد.
أما مستقبل اليمن في ظل الوضع القائم فإن الفوضى هو السيناريو الأقرب لما يحدث، وبحسب عبد السلام الهبيط فإن «أفق السلام الدائم بعيد المنال، لكن يمكن تجاوز ذلك في حالة واحدة وهو أن تقبل الحركة الحوثية تمدين نفسها وتدعم السلام وتحل الميليشيات المسلحة وهذا أمر مستحيل»، متوقعا أن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من الجماعة المسلحة المضادة للحوثيين ومزيدا من العنف، وتشكيل جماعات انتقامية، تكون قريبة من الواقع الاجتماعي وبفكر أيدلوجي، مناهض للحوثيين وهذا سيدخلنا في حرب أهلية وطائفية كما حصل في العراق وسوريا، ويستدرك الهبيط «وهناك سيناريو آخر وهو أن يفرض المجتمع الدولي بالقوة السيطرة على قراراته، ودعم العملية السياسية الانتقالية، لكن للأسف المجتمع الدولي يتعامل مع اليمن بتساهل غريب، خصوصا أنه ترك الحركة تسيطر على العاصمة صنعاء وكان قادرا على إيقافها بعد سقوط معسكرات عمران».

الحركة الحوثية في سطور



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».