دولة الحوثيين.. القبضة الإيرانية في جنوب الجزيرة العربية

سيطرت لجانها الشعبية على مؤسسات الدولة بقوة السلاح

دولة الحوثيين.. القبضة الإيرانية في جنوب الجزيرة العربية
TT
20

دولة الحوثيين.. القبضة الإيرانية في جنوب الجزيرة العربية

دولة الحوثيين.. القبضة الإيرانية في جنوب الجزيرة العربية

تحولت جماعة الحوثيين في اليمن منذ سبتمبر (أيلول) 2014، إلى القوة الوحيدة التي تتحكم بمقاليد حكم البلاد، بعد أن كانت طوال عقد من الزمان جماعة متمردة ومطاردة من قبل الدولة التي خاضت معها 6 حروب، قتل فيها آلاف اليمنيين، وتغلغلت الحركة رويدا رويدا بعدها، إلى مؤسسات صنع القرار، مرتكزة على قوتها العسكرية وتحالفاتها السياسية مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي كان يحكم البلاد منفردا قبل 2011، فضلا عن استغلالها للسخط الشعبي ضد الحكومة السابقة بسبب الأزمات المفتعلة التي ضيقت من حياتهم المعيشية وخلفت رأيا عاما ضدها. خلال 4 أشهر فقط، حققت هذه الجماعة الشيعية المدعومة من إيران، ما لم تكن تحلم به، فقد أحكمت قبضتها على 7 مدن في شمال البلاد أهمها العاصمة صنعاء وميناء الحديدة الاستراتيجي على البحر الأحمر، حتى أصبحت بحلول نهاية العام الحالي، تمارس سلطات الدولة الأمنية والإدارية والمالية، وتحولت إلى دولة داخل الدولة، لها ممثلون ومندوبون في كل وزارة ومؤسسة حكومية ومعسكر للجيش والأمن، وكل ذلك عمل على إعادة رسم الخارطة السياسية العسكرية والاجتماعية، في بلد يعد الأفقر والأكثر فسادا على مستوى العالم.
انطلقت الرصاصة الأولى في معركة الاستحواذ على السلطة، من بلدة دماج السنية، في أقصى شمال اليمن، وخاضت الحركة الحوثية هناك مواجهات مسلحة مع مقاتلين من مركز «دار الحديث» السلفي انتهت في يناير (كانون الثاني) 2014، بطرد أبناء دماج وجميع الطلاب الذين كانوا يدرسون في المركز إثر اتفاق توصلت إليها لجنة رئاسية بين الطرفين، بعدها جاء الدور على قبيلة حاشد المشهورة، بمحافظة عمران التي كانت مسرحا لأشد المعارك قوة، وكان يقود مقاتلي حاشد أشقاء شيخ القبيلة صادق الأحمر، من أمثال حمير وحسين وهاشم، وغيرهم، لكنهم خسروا المعركة بعد أن نجح الرئيس السابق في شق صفوف قبيلة حاشد، عبر استخدام المشايخ القبليين الموالين له، حيث تخلى كثير منهم عن أولاد الأحمر الذين وجدوا أنفسهم وحيدين في ساحة المعركة، وأجبرهم ذلك على الانسحاب من خروجهم من معقل القبيلة التاريخي في منطقة «العصيمات»، كما شهدت منازل آل الأحمر حملة انتقام من قبل الحوثيين الذين اقتحموا منازل زعيم القبيلة الراحل الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، ونهبوا محتوياته، قبل أن يقوموا بتفجيره تعبيرا عن النصر وكوسيلة ترهيب ضد خصومهم الأخيرين.
لم تتوقف الحركة الحوثية عن السيطرة على معاقل قبيلة حاشد، بل أصبحت تنظر إلى الوضع من منظور القوة القادمة، واستمرت في التمدد نحو مدينة عمران البوابة الشمالية للعاصمة صنعاء، فخاضت معارك عنيفة مع اللواء 310 الذي يقوده العميد حميد القشيبي المعارض للحوثيين واستمرت 4 أشهر، وكان مبرر الحركة محاربة الفساد وتغيير قيادات محلية وعسكرية، وبحسب شهادات لقيادات عسكرية وحكومية، فقد شارك مع الحوثيين المئات من ضباط وجنود ينتمون إلى قوات الحرس الجمهوري المنحل، الموالي للرئيس السابق علي عبد الله صالح، إضافة إلى مسلحين ينتمون إلى حزب المؤتمر الشعبي العام.
وفي يوليو (تموز) سيطر الحوثيون على عمران وقتلوا العميد حميد القشيبي وقاموا بالتمثيل بجثته، ونهبوا معسكرات الجيش ومنازل قيادات عسكرية وقبلية، كما عينوا قيادات موالية لهم. كما خاضت الجماعة بالتزامن مع حرب عمران مواجهات عنيفة بمحيط العاصمة صنعاء مع قبيلة همدان ومقاتلين قبليين في منطقة بني مطر، وتمكنت ميليشيات الحوثي من السيطرة عليها بقوة السلاح ودعم مشايخ قبليين موالين للنظام السابق، الذين كانوا يمهدون الطريق أمامهم للاقتراب من صنعاء عبر اتفاقيات قبلية تسمى «الخط الأسود» وهو اتفاق يسمح لمسلحي الحوثي المرور بالمنطقة بجميع أسلحتهم وعدم قطع الطريق أمامهم.
وقد رفض زعماء قبائل هذه الاتفاقيات وخاضوا مواجهات عنيفة مع الحوثيين على مشارف صنعاء، وبسبب فارق القوة بين الطرفين لصلح الحوثيين حقق الأخير انتصاره على قبيلة همدان.
وفي كل مرة يسيطر الحوثيون على منطقة يقوم مسلحوهم بنهب منازل وممتلكات خصومهم وأغلبهم زعماء قبليون رفضوا التحالف مع الجماعة، مما جعل منازلهم هدفا للتفجير والهدم وهو أسلوب اتبعوه في كل حروبها، ويتضمن أيضا تفجير المساجد والمدارس ومركز تحفيظ القرآن الكريم التي يعتبرونها مراكز لمن يسمونهم التكفيريين وهو الوصف الذي يطلقها الحوثيون على كل من يعترض طريقهم.

* المرحلة الثانية

* اتجهت أنظار زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، بعد عمران، صوب العاصمة صنعاء، حيث أعلن في 17 أغسطس (آب) ، عن حركة احتجاجية ضد الحكومة، وحددوا لهم 3 مطالب هي: «تغيير الحكومة، ومحاربة الفساد، وتشكيل حكومة كفاءات»، ونصبوا 8 مخيمات اعتصام لمسلحيهم الذين حاصروا صنعاء من مختلف الجهات مدججين بمختلف أنواع الأسلحة، حيث تركزت المخيمات بالقرب من معسكرات الحرس الجمهوري في مناطق الصباحة غربا، وحزيز جنوبا، والصمع شمالا، حيث كانت تتهم هذه المعسكرات بمد المخيمات بالغذاء والمؤن بتوجيهات من وزير الدفاع السابق اللواء محمد أحمد ناصر، إضافة إلى مخيمات داخل العاصمة. وأوقف الحوثيون حركة الملاحة الجوية في مطار صنعاء الدولي ومؤسسات حيوية، عبر قطع الشوارع والطرق المؤدية إليها، وبعد بضعة أسابيع اندلعت مواجهات مسلحة بين الحوثيين ووحدات الجيش في المنطقة السادسة «الفرقة أولى مدرع» استمرت 6 أيام، انتهت في يوم 21 سبتمبر، باقتحام العاصمة صنعاء والسيطرة على معسكرات الجيش ونهب أسلحتها الثقيلة والمتوسطة، فيما بقت معسكرات الجيش من قوات الحرس الجمهوري وقوات الأمن المركزي والقوات الجوية التي كانت في الأغلب موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح كما هي. وكان هدف الحوثيين في هذه الحرب رأس المستشار العسكري للرئيس هادي اللواء علي محسن الأحمر الذي يعتبرونه خصمهم، لكنه تمكن من الخروج من اليمن بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من تصفيته في معسكر الفرقة الذي تعرض لقصف عنيف من معسكرات الحرس الجمهوري في الصباحة كما يقول قادة عسكريون تمكنوا من الانسحاب من مقر الفرقة التي تقع على تبة عالية في غرب العاصمة، وسيطرت ميليشيات الحوثي على كل منازل وممتلكات الأحمر والشيخ الملياردير حميد الأحمر، إضافة إلى مقرات حزب الإصلاح، ومنازل قيادات عسكرية ومدنية ونهب محتوياتها، ممن كان لها الدور الأكبر في دعم وحماية ثورة الشباب عام 2011، واتهم مراقبون الحوثيين والرئيس السابق بقيادة ثورة مضادة، استهدفت كل خصوم صالح وممتلكاتهم، في حين أصدرت وزارتا الدفاع والداخلية توجيهات باعتبار الحوثيين أصدقاء للدولة، وأمرت وحداتها بعدم التصادم مع المسلحين الحوثيين، لتتمكن الحركة بعدها من فرض سيطرتها على مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية دون أي مقاومة. كما نشرت ما سمتها «اللجان الشعبية» في هذه المؤسسات إلى جوار الوحدات العسكرية والأمنية، ورغم توصل السلطات والحوثيين إلى توقيع اتفاقية السلم والشراكة فإنها ظلت حبرا على ورق فيما يخص الجانب الأمني، منذ الساعات الأولى للاتفاقية، إذ إنهم وبدلا من سحب مسلحيهم من صنعاء، تمددوا إلى مدن أخرى وهي:(ذمار، والحديدة، وحجة، وإب، وريمة، وأجزاء من الجوف)، وتمكنوا خلال هذه الفترة من التحكم بقرارات الدولة، التي تحولت إلى حمل وديع أمامهم، حيث كانت الحركة تعتمد على الموالين لها في مؤسسات الدولة لتبرر لمسلحيها دخول المؤسسات السيادية والحكومية مثل وزارة الدفاع ووحداتها العسكرية، ووزارة الداخلية والأمن المركزي، ويشير كثير من المراقبين إلى أن الحركة الحوثية لم يكن بمقدورها السيطرة على هذه المؤسسات لولا التنسيق مع أتباع النظام السابق الذين تضرروا من ثورة 2011، خصوصا القيادات العسكرية التي كان لها الدور الأكبر في دخول الحوثيين صنعاء عبر التنسيق الأمني المباشر بينهما، ويؤكدون أن أغلب الذين يسيطرون على مؤسسات الدولة هم جنود من قوات الحرس الجمهوري ومن أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه علي عبد الله صالح.
نموذج «حزب الله»
تظهر التركيبة التنظيمية لجماعة الحوثيين تشابهها مع «حزب الله»، من حيث القوة العسكرية والمشاركة السياسية وبسط النفوذ، بل إن زعيمها عبد الملك الحوثي دائما ما يظهر في خطابات متلفزة تبثها قناتهم «المسيرة» التي تبث من بيروت، شبيها بحسن نصر الله من ناحية الخطاب العاطفي والاتهامات التي يطلقونها على خصومهم، والقضايا العامة المرتبطة بأميركا وإسرائيل وهي نفس السياسة التي تسير عليها إيران، التي تقف خلف الحوثيين و«حزب الله»، فخلال الفترة التي تم رصدها عن الحركة الحوثية منذ سيطرتها على محافظة صعدة نهاية الحرب السادسة مع الدولة 2010، وحتى سيطرتها على العاصمة صنعاء 2014، فإنها قامت بإنشاء دول مصغرة في معقلها بصعدة المحاذية للمملكة العربية السعودية، من ناحية معسكرات خاصة بها، ومكاتب بديلة عن الحكومة لإدارة الشؤون العامة للمواطنين، ولديها أقسام كثيرة في بنيتها التنظيمية والعسكرية، فهناك المجلس السياسي، وهو المعني بإدارة الحركة سياسيا، والقوة العسكرية التي يقودها شقيق زعيم الجماعة عبد الخالق الحوثي الذي أدرجه مجلس الأمن الدولي ضمن العقوبات الدولية إلى جانب القائد الميداني للجماعة عبد الله الحاكم.
ورغم سيطرتها على كل المكاتب التنفيذية للدولة في المناطق التي تسيطر عليها، لكنها تفضل ألا تحكم باسمها، ساعدها في ذلك ضعف المؤسسات الحكومية وانتشار الفساد المالي والإداري، الذي تراكم خلال 3 عقود من حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ويؤكد محللون مختصون في شؤون الحركة الحوثية أن إيران تمكنت من نقل نموذج «حزب الله» إلى اليمن عبر سنوات كثيرة، قامت فيها بتدريب وتأهيل المئات من مسلحي الحوثي في لبنان، إضافة إلى إرسالها خبراء عسكريين من الحزب ومن الحرس الإيراني، لتدريب عناصر الحركة وتزويدهم بالأسلحة الحديثة المتطورة كما حدث في العملية المشهورة للسفينة «جيهان1» التي أوقفتها السلطات وتمكنت الحركة فيما بعد من إطلاق سراح طاقم السفينة الإيرانيين وإغلاق ملفها، كما أن إيران هي الدولة الوحيدة التي رحبت بسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، واعتبرت ذلك امتدادا للثورة الخمينية في إيران.

* كرسي هادي

* بعد أن أحكمت الحركة الحوثية قبضتها على مؤسسات الدولة، بنهاية شهر ديسمبر (كانون الأول)، دخلت الحركة في معركة جديدة مع مؤسسة الرئاسة التي ينظر إليها على أنها آخر مراكز الدولة التي لا تزال تحفظ ما تبقى منها، فقد شن زعيم الحركة عبد الملك الحوثي انتقادات لاذعة ضد الرئيس الانتقالي هادي ونجله، واتهمه بأنه «مظلة للفاسدين»، وهدد «بأنهم لن يتغاضوا عن ذلك إلى ما لا نهاية»، ليعلن بعدها المستشار السياسي لهادي الدكتور عبد الكريم الارياني هجوما عنيفا ضد الحوثيين، وقال الارياني في حوار صحافي إن «ما يقوم به الحوثيون يهدم الدولة ولا يبنيها»، مضيفا: أنهم «حركة تسعى لتحقيق أهدافها بالوسائل العسكرية، خارج نطاق النظام والقانون»، وعد الوضع الذي تعيشه اليمن بالوضع الشاذ، الذي تتحكم فيه حركة سياسية غير مدنية ولا يحكمها القانون، بمؤسسات وهياكل الدولة، وحول مبررات قيادة الحركة الحوثية في حربها على المناطق القبلية بزعم محاربة «القاعدة»، اتهم الارياني الحركة بالمساعدة في زيادة أعداد المنضمين إلى تنظيم القاعدة، وقال: إن «الدولة ومؤسساتها هي المخولة بهذا الدور، ما عمله أنصار الله زاد من عدد المنضمين إلى (القاعدة) ولم ينقصهم».
وكلام الارياني في هذا الوقت له وزن كبير ودلالة عميقة، فالرجل يعتبر رجل دولة، وهو من أهم السياسيين المخضرمين في البلد، وسبق أن تقلد عشرات المناصب الحكومية من أهمها وزارة الخارجية، ورئاسة الحكومة في فترة نظام صالح، إضافة إلى أنه من مؤسسي حزب المؤتمر الشعبي العام وشغل فيه منصب النائب الثاني لرئيس الحزب، وتمكن جناح صالح قبل شهرين من إزاحته من المنصب بسبب معارضته لصالح وموقفه الرافض للتحالف مع الحوثيين.

* سيناريوهات مفتوحة

* تعددت السيناريوهات الخاصة بمستقبل اليمن التي ترتبط بما يحدث على الصعيد الإقليمي كما يشير المراقبون، فأبواب الصراع من أجل السلطة في اليمن مفتوحة، إضافة إلى ما تسبب في أعمال العنف في اليمن خلال هذا العام من تصاعد عمليات الانتقام بين الأطراف المتحاربة سواء كانت سياسية أو قبلية، لذا فهناك توقعات بأن تشهد الفترة المقبلة عمليات عنف دامية وظهور جماعات مناهضة للحوثيين، تنفذ عمليات انتقامية ضدهم، فالمجتمع القبلي الذي يمثل أكثر من 70 في المائة من المجتمع، لن يبقى صامتا تجاه ما تعرض له من حروب وتفجيرات، خصوصا وأن ملف الثأر لا يزال مفتوحا فيما بين القبائل نفسها.
وينفي الحوثيون من جانبهم سيطرتهم على الدولة ويقولون، إن «ما تقوم به لجانهم الشعبية للحفاظ على مؤسسات الدولة الأمنية»، ويقول محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم جماعة أنصار الله (الحوثيين) لـ«الشرق الأوسط»: إن «اللجان الشعبية تقوم بدور وطني وأخلاقي ومسؤول، تجاه انهيار المؤسسات الأمنية التي فككتها أيادي الفساد والإجرام بسبب استخدامها في الحروب الداخلية والأجهزة الأمنية». مضيفا: أن «هذه المؤسسات تحتاج إلى إسناد شعبي حتى تستطيع القيام بمهامها المطلوبة منها شعبيا بعد ثورة 21 سبتمبر»، وأكد عبد السلام أن هذه اللجان ليست بديلا عن الدولة، عندما تكون دولة الشراكة والمواطنة العادلة، مشيرا إلى أن «عقيدة اللجان الشعبية القتالية هي حماية الشعب لا الاستقواء عليه تحت رغبة قوى النفوذ والفساد». وحول موعد انسحاب هذه اللجان من شوارع العاصمة ومدن البلاد أوضح ناطق الحوثيين أن «اتفاق السلم والشراكة واضح ولا يجوز تنفيذه بشكل مجزأ وإنما حزمه واحدة في إطار الإصلاحات الاقتصادية ومكافحة الفساد»، وحول الأسلحة التي تم الاستحواذ عليها من معسكرات الجيش، اعتبر عبد السلام هذه القضايا تناولتها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة، وقال: «عندما يكون هناك نيات صادقه لإصلاح الوضع المختل في البلاد لن يكون هناك مشكلة في بحث كل شيء»، واستدرك «سندافع عن أنفسنا تجاه أي عدوان أو مخاطر تستهدف الشعب اليمني».
وعن المرجعية التي تخضع لها اللجان الشعبية لفت الناطق باسم الحوثيين إلى أن «اللجان الشعبية تعبر عن إرادة الثورة الشعبية وحارسة لها ومحافظة على الوضع الأمني من الفشل خاصة وهناك أطراف تتربص باليمن واليمنيين شرا وهي تعبر عن رغبة الشعب الذي خرج في الثورة الشعبية من أجل تحقيق مكاسب الشعب ومكافحة الفساد».
من جانبه يوضح رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث عبد السلام محمد الهبيط أن استراتيجية الجماعات المسلحة هي الوصول إلى صناعة القرار والسيطرة على الأرض والنفوذ، من خلال أدوات عسكرية مسلحة كما هو الحال مع حركة الحوثيين، ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: إن «الحوثيون بدءوا استخدام العنف في شكل مقاومة للظلم، كما يقولون لكنهم كانوا في الحقيقة يبنون قوة عسكرية موازية للدولة في شمال البلاد، بمحافظة صعدة، على مرأى ومسمع من النظام السابق الذي ساعد الحركة في التمدد في فراغاته التي كانت بعيدة عن التنمية والاستقرار». ولفت إلى أن «الحركة الحوثية عملت على التدرج في إقامة التحالفات مع البيئة المحيطة بها، بداية باستغلال المظلومين من الفئة الفقيرة ثم التحالف مع الحالة الاجتماعية مثل زعماء القبائل والشخصيات الاجتماعية، التي كانت معارضة للدولة، وانتقلت الحركة في عام 2011، إلى التحالف مع طيف واسع من التيارات الساخطة من النظام السابق، ونجحت في بناء تحالفات سياسية».
ويشير رئيس مركز أبعاد إلى أن الأحزاب والمجتمع الدولي والإقليمي، فشلوا في تمدين الحوثيين عبر إدخالهم في العملية السياسية عبر مؤتمر الحوار الوطني في وقت رفضت الحركة التخلي عن سلاحها وهو ما عزز من تمددها وتقوية بنيتها العسكرية والسياسية، وبذلك تمكن الحوثيون من تحقيق الهدف السياسي من خلال الحوار الوطني، وتحقيق الهدف العسكري عبر التحالف مع علي عبد الله صالح وهو ما مكنه من السيطرة على العاصمة صنعاء وبسط نفوذه داخل مؤسسات الدولة، يرى الهبيط أن الحركة لا ترتكز على بنية مؤسسية، وإنما على قرارات شخصية، ولهذا فهي تكون سهلة الاختراق لتحريكها وتحقيق أهداف جهات أخرى.
وحول رفضها المشاركة في الحكومة وإدارة المؤسسات بشكل مباشر، يقول رئيس مركز أبعاد: إن «طبيعة الحركات المسلحة تكون فاشلة في إدارة الحكم، فهم لن يقدروا على إدارة دولة، لأنهم يريدون أن يمارسوا مهام الدولة الإيجابي، ويحملون السلبيات للآخرين، وبالتالي فهي حركة تقوم على الفساد المالي ونهب السلاح». ولفت إلى أن الحوثيين يراهنون على الوقت والوضع غير المستقر لابتلاع الدولة. وحول التحالف بين الحوثيين والنظام السابق يوضح الهبيط أن الخلافات السياسية تحولت إلى صراع عسكري بالوكالة، فصالح وحزب المؤتمر يريد العودة للسلطة عن طريق الحوثي و«القاعدة» وعن طريق نشر الفوضى والأزمات، وهذا وضع خطير جدا على مستقبل البلد.
أما مستقبل اليمن في ظل الوضع القائم فإن الفوضى هو السيناريو الأقرب لما يحدث، وبحسب عبد السلام الهبيط فإن «أفق السلام الدائم بعيد المنال، لكن يمكن تجاوز ذلك في حالة واحدة وهو أن تقبل الحركة الحوثية تمدين نفسها وتدعم السلام وتحل الميليشيات المسلحة وهذا أمر مستحيل»، متوقعا أن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من الجماعة المسلحة المضادة للحوثيين ومزيدا من العنف، وتشكيل جماعات انتقامية، تكون قريبة من الواقع الاجتماعي وبفكر أيدلوجي، مناهض للحوثيين وهذا سيدخلنا في حرب أهلية وطائفية كما حصل في العراق وسوريا، ويستدرك الهبيط «وهناك سيناريو آخر وهو أن يفرض المجتمع الدولي بالقوة السيطرة على قراراته، ودعم العملية السياسية الانتقالية، لكن للأسف المجتمع الدولي يتعامل مع اليمن بتساهل غريب، خصوصا أنه ترك الحركة تسيطر على العاصمة صنعاء وكان قادرا على إيقافها بعد سقوط معسكرات عمران».

الحركة الحوثية في سطور



حرب أميركا ـــ الصين التجارية... بين «واقعية» بكين و«طموح» ترمب


الرئيس الأميركي دونالد ترمب جعل حربه الاقتصادية ضد الصين استراتيجية لواشنطن (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب جعل حربه الاقتصادية ضد الصين استراتيجية لواشنطن (رويترز)
TT
20

حرب أميركا ـــ الصين التجارية... بين «واقعية» بكين و«طموح» ترمب


الرئيس الأميركي دونالد ترمب جعل حربه الاقتصادية ضد الصين استراتيجية لواشنطن (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب جعل حربه الاقتصادية ضد الصين استراتيجية لواشنطن (رويترز)

ثمة فوارق جوهرية بين استراتيجيات الولايات المتحدة والصين في الرسائل السياسية-الاقتصادية المتبادلة بين البلدين العملاقين. فواشنطن، من خلال تصعيد الرسوم بسرعة وبشدة، تظهر قوتها الاقتصادية وتستخدم التصعيد أداة ضغط سياسي واقتصادي، معتمدة على واقع الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عالمية. بالمقابل، اختارت بكين نهجاً تدريجياً وأكثر تحفظاً، في البداية، ربما لتفادي التصعيد المباشر مع واشنطن ولتجنب الدخول في حرب تجارية شاملة قد تؤثر على الاقتصاد العالمي.

ولكن، مع مرور الوقت، رفع الجانب الصيني ردوده تدريجياً لتصل إلى مستوى قريب من حجم إجراءات الجانب الأميركي، ما يشير إلى رد بالمثل لكن محسوب، مع إظهار حرص على التوازن وتحاشي الانجرار نحو تصعيد كامل.

التفاوت الزمني

أيضاً، يكشف الفارق بين تواريخ التصعيد بين الطرفين عن مدى تفاعل كل طرف مع الآخر وردّه على تحركاته. فالتفاوت الزمني بين التصعيدات يعكس استراتيجية قائمة على مراقبة مستمرة وحسابات دقيقة من الجانبين، حيث يعكس كل تصعيد رد فعل مدروسا، وليس ردة فعل عشوائية. وبالتالي، كل طرف يراقب الآخر ويأخذ في اعتباره تحرّكاته قبل اتخاذ قراراته، ما يعكس تنسيقاً ضمنياً بين القرارات المتخذة.

«التحكم» و«الهيبة»

من خلال هذا التصعيد المتبادل، يظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب وكأنه يبعث برسالة واضحة مضمونها «نحن نتحكّم بالسوق العالمي، وسنضغط بقوة».

إنه موقف يعكس صورة قوة الولايات المتحدة كداعم رئيس في الاقتصاد العالمي، ويؤكد أنها مستعدة للمضي بالضغط على الصين إلى أن تمتثل الأخيرة لمطالبها. وفي الجهة المقابلة، تسعى بكين من خلال الردّ المتدرّج إلى إرسال رسالة معاكسة مضمونها «نحن نرد بالمثل لكن بحكمة وتدرّج، ولسنا منفعلين». وهذا الموقف يعكس «توازناً» حذراً في الردود الصينية، ويعزّز من صورتها كدولة قوية اقتصادياً تستطيع اتخاذ قرارات مدروسة... بعيداً عن الانفعال وردود الفعل العاطفية.

أسلوب الرئيس الصيني ... و«الكتاب الأبيض»

في هذا السياق، يعود موقف الرئيس الصيني شي جينبينغ ليشكّل الإطار العام لفهم هذا السلوك؛ فالرئيس شدد مراراً على أن التعاون هو الخيار الصحيح الوحيد بين البلدين، وأن الصين لا تسعى إلى الهيمنة أو المواجهة، بل إلى حوار قائم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. غير أن هذا الانفتاح الصيني لا يعني قبولاً بالضغط أو الإملاءات، كما يوضح «الكتاب الأبيض» الصيني، الذي أكد أن بكين «لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات الترهيب الاقتصادي»، وإن كانت في الوقت ذاته تفضل استخدام أدوات محسوبة ومدروسة.

في التاسع من أبريل (نيسان) 2025، أصدر مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني «الكتاب الأبيض» الذي حمل عنوان «موقف الصين بشأن بعض القضايا المتعلقة بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة».

لم يكن الكتاب مجرّد وثيقة حكومية عابرة، بل جاء مرافعةً استراتيجيةً شاملة، مدعومة بالأرقام والحقائق، وتكشف عن موقف بكين من العلاقة الاقتصادية الأكثر حساسية في عالم اليوم: علاقتها مع واشنطن.

ما قدّمته الصين في هذا الكتاب ليس دفاعاً بقدر ما هو دعوة إلى «الفهم الواقعي». ذلك أن العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة - وفق بكين - ليست «لعبة صفرية»، بل منظومة تكامل معقّدة، قائمة على المنفعة المتبادلة والنتائج المُربحة للطرفين. وترى جهات قريبة من بكين أن هذا المنطلق يغيب عن بعض دوائر صنع القرار في العاصمة الأميركية، التي ما زالت تعاني من تبعات «ذهول ما بعد الهيمنة»، وتُصرّ على قراءة الحاضر بعدسات الماضي الإمبراطوري.

من التعاون إلى التوتر... أرقام لا تكذب

تبدأ القيادة الصينية في «كتابها الأبيض» بتشخيص للعلاقات الاقتصادية الثنائية، فتشير إلى أن هذه العلاقة «لم تُبْنَ في فراغ، بل هي نتاج تطور طبيعي استجابت فيه قوانين السوق والمنطق الاقتصادي لحاجات كل من البلدين».

فمنذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1979، ارتفع حجم التجارة الثنائية من أقل من 2.5 مليار دولار أميركي إلى نحو 688.3 مليار دولار في عام 2024.

هذا النمو المذهل ما كان ليتحقّق لولا التكامل العميق في الموارد، ورأس المال، والتكنولوجيا، واليد العاملة، والأسواق بين البلدين. إذ أصبحت الصين سوقاً رئيسة للمنتجات الزراعية الأميركية مثل فول الصويا إلى القطن ووصولاً للغاز والأجهزة الطبية. وفي المقابل، استفاد المستهلك الأميركي من المنتجات الصينية ذات الجودة العالية والتكلفة المعقولة، ما خفّض تكاليف المعيشة ورفع مستوى القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والدنيا.

من الزاوية الصينية، لم يكن الفائض التجاري هدفاً مقصوداً، بل نتيجة طبيعية لتركيبة الاقتصاد العالمي، وللخيار الأميركي بالتركيز على الصناعات ذات القيمة المضافة العالية والاعتماد على الاستيراد من الصين في قطاعات التصنيع. ثم إن تقييم هذا الفائض باستخدام منهجية «القيمة المضافة» يغيّر الصورة جذرياً، إذ إن القيمة التي تحصل عليها الصين من العديد من صادراتها لا تمثل سوى جزء بسيط من القيمة النهائية للسلع.

واشنطن والتناقض البنيوي: عن العجز والتضليل

على الرغم من هذه الحقائق، تصرّ بعض الجهات السياسية والاقتصادية - اليمينية، بالذات - في واشنطن على تصوير العلاقات الاقتصادية مع الصين على أنها سبب رئيس للعجز التجاري الأميركي، مُتناسية العوامل البنيوية التي تعاني منها منظومتها الصناعية، بما في ذلك ارتفاع التكاليف الداخلية، ونقل الصناعات إلى الخارج، والتركيز على قطاع الخدمات على حساب الصناعة التحويلية.

الإحصاءات التي أوردها «الكتاب الأبيض» تشير إلى أن الولايات المتحدة تحقق فوائض كبيرة في تجارة الخدمات مع الصين بلغت 26.57 مليار دولار في عام 2023، كما أن الشركات الأميركية في الصين تحقق أرباحاً ضخمة، إذ بلغ حجم مبيعاتها في السوق الصينية عام 2022 نحو 490.52 مليار دولار أميركي، بفارق يزيد على 400 مليار دولار عن مبيعات الشركات الصينية في الولايات المتحدة.

بلغة الأرقام، يتّضح أن المكاسب المتبادلة أكثر توازناً مما يحاول بعض الساسة الأميركيين تصويره. وإذا ما جرى احتساب المبيعات والخدمات وتدفقات الاستثمار بشكل مشترك، فإن العلاقات الصينية ـ الأميركية تبدو بعيدة كل البعد عن «الرواية الأحادية» التي تتكلّم عن «استغلال» أو «سرقة» اقتصادية.

الحرب التجارية ... سلاح ذو حدّين

في الحقيقة، لطالما استخدمت واشنطن التعريفات الجمركية سلاح ضغط اقتصادي، وفرضت منذ عام 2018 رسوماً جمركية أحادية الجانب على مئات المليارات من الدولارات من السلع الصينية. ومع أن هذه الإجراءات فُرضت تحت شعار «حماية الصناعة الوطنية»، فإن الواقع أثبت عكس ذلك.

وحقاً، تفيد دراسة لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي إلى أن أكثر من 90 % من تكاليف هذه الرسوم انتقلت فعلياً إلى المستهلكين الأميركيين. كذلك فإن هذه الإجراءات لم تساهم في تقليص العجز التجاري الإجمالي، ولم تُعِد الحيوية للصناعة الأميركية. بل على العكس، أدّت إلى ارتفاع أسعار السلع، وتباطؤ النمو، وإضعاف القدرة الشرائية للمواطن الأميركي.

بل، من المفارقات أن هذه الحرب التجارية تزامنت مع احتجاجات في الداخل الأميركي، لا سيما من القطاعات الزراعية والصناعية المتضرّرة، التي خسرت أسواقها في الصين بسبب سياسات التصعيد. ولقد أظهرت بيانات السوق تراجع التوقعات بشأن النمو الاقتصادي الأميركي على خلفية هذه السياسات.

الصين: لا صدام ... ولا تهديد

من جهة ثانية، جاء في «الكتاب الأبيض» أيضاً أن «الصين لا تسعى إلى حرب تجارية، لكنها في ذات الوقت لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما تعتبره ترهيباً اقتصادياً». وبالنسبة لبكين، فإن التعاون هو الخيار الأول، لكن الرد بالمثل خيار دائم إذا اقتضت الحاجة.

وهنا تؤكد بكين أن الحل الأمثل هو «الحوار المتكافئ، واحترام المصالح الأساسية لكل طرف»، لا سيما أن العالم لم يعُد ساحة للابتزاز، بل غدا شبكة معقدة من المصالح. وعليه فالانفصال القسري لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر للطرفين، وربما للنظام الاقتصادي الدولي بأسره.

ووفق جهات مقرّبة من بكين، فبين أكثر ما يلفت النظر في الموقف الصيني، ليس فقط إصرار بكين على «الحقائق الاقتصادية»، بل أيضاً محاولتها معالجة جذور الخلل في نظرة واشنطن للصين.

وحسب هذه الجهات، فإن نسبة عالية من الساسة الأميركيين ووسائل الإعلام التابعة لهم، لا تزال تنظر إلى الصين من خلال «عدسة الحرب الباردة»، فإما أن تكون الصين «شريكاً طيعاً» أو «عدواً مطلوباً تحجيمه». لكن الحقيقة التي تتجاهلها هذه الرؤية هي أن الصين المعاصرة ليست دولة تُدار وفق نص مكتوب في واشنطن، بل أمة عمرها خمسة آلاف سنة، سلكت طريقاً تنموياً خاصاً بها، قائماً على الواقعية، والإصلاح التدريجي، والتفاعل العميق مع العولمة. وهذا بالضبط ما عبّر عنه بوضوح كبير الدبلوماسيين الصينيين يانغ جيه تشي خلال قمة ألاسكا الشهيرة حين قال: «واشنطن لا تملك المؤهلات اللازمة للتكلّم إلى الصين من موقع قوة».

الهيمنة تُفقد البوصلة

أخيراً، يقول مقربّون من بكين إنه من خلال تتبع سياسات واشنطن، يظهر أن الأزمة الأعمق ليست في التجارة أو التوازن الاقتصادي، بل في نمط التفكير السائد في واشنطن. وحسب هؤلاء «هناك تيار سياسي أميركي لا يستطيع تقبّل فكرة عالم متعدّد الأقطاب، قارئاً في صعود الصين تهديداً لامتيازات استمرت لعقود، لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية».

بالتالي - والكلام لا يزال للمقربين من بكين - «هذا النمط من التفكير جعل بعض السياسيين في واشنطن كمن يحاول قيادة قطار فائق السرعة بمحرك عربة تجرها الخيول. فهم يصرّون على استخدام معايير القرن التاسع عشر لفهم تفاعلات القرن الحادي والعشرين، ويحاولون لعب أدوار متناقضة في الوقت نفسه: الحكم واللاعب والمُشرّع». لطالما استخدمت واشنطن التعريفات الجمركية سلاح ضغط اقتصادي على الصين