عاد أسرى «طالبان» الذين أفرجت عنهم الحكومة الأفغانية بمقتضى صفقة توسطت فيها الولايات المتحدة بهدف إنهاء حرب استمرت نحو 20 عاماً إلى ساحة المعركة كقادة ومقاتلين، في انتهاك مباشر للتعهدات التي قطعها المتمردون للبيت الأبيض.
وأظهرت تحقيقات سرية حصلت عليها مجلة «فورين بوليسي» أن غالبية سجناء «طالبان» المفرج عنهم بموجب اتفاق وقّع عليه قادة المتمردين والولايات المتحدة، قد عادوا مجدداً لحمل السلاح لمحاربة القوات الأفغانية ومواصلة «جهادهم» للإطاحة بالحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة واستبدال إمارة إسلامية بها. وفي بحث غير منشور أُعد لكي يقدم إلى «مشروع السلام الأفغاني» بجامعة «كوينز» في بلفاست بآيرلندا الشمالية، أفاد الخبيران في شأن «طالبان»، مايكل سمبل وفيليكس كوهن، بأن أسرى «طالبان» السابقين قد عادوا «للمشاركة في القتال، ولقي بعضهم حتفه، فيما وقع البعض الآخر في الأسر. وهناك حالة واحدة لأسير تورط في اغتيالات انتقامية» بعد خروجه من الأسر.
وكشف البحث أن 68% من 108 أسرى سابقين في «طالبان» شملهم البحث قد «أعيد دمجهم بالفعل في (طالبان) واستأنفوا أدواراً نشطة في الصراع، أو انخرطوا في جماعات (طالبان) بنيّة استئناف القتال، أو يحتلون مناصب عسكرية أو سياسية ترتبط بشكل أساسي بجهود (طالبان) الحربية»، حسب سمبل وكوهن.
ووجد الباحثان أن «عدداً من الأسرى السابقين قد احتلوا مناصب قيادية منذ إطلاق سراحهم»، وأن «سجينين سابقين عادا لتولي ذات المناصب العسكرية السابقة، حيث تولى الأشقاء أو الأبناء المنصب مؤقتاً، فيما شغل عدد منهم بالفعل مناصب رسمية داخل إدارة الظل التابعة لحركة (طالبان). وانتشر حالياً تعيين الأسرى السابقين ليتولوا مسؤولية القوات العسكرية وكذلك الإشراف على الشؤون المدنية على مستوى المقاطعات». وقد أعربت نسبة 8% أخرى من الأسرى الذين جرت مقابلتهم عن رغبتهم في العودة إلى ساحة القتال، لكنهم «اصطدموا بمعارضة من عائلاتهم»، غالبيتها من الزوجات. وهناك 27 آخرون، بنسبة 24%، «رفضوا الانضمام مجدداً إلى القتال بشكل قاطع» لأسباب مختلفة ترجع أساساً إلى رغبتهم في العودة إلى الحياة المدنية. وقال مسؤول أفغاني كبير، طلب عدم الكشف عن هويته، إن نتائج التقرير «تتفق مع ما لاحظناه».
وجاءت التحقيقات لتؤكد الشكوك بشأن وعود «طالبان» بالحد من العنف والنأي برجالها عن ساحة المعركة بمجرد إطلاق سراحهم من السجون والامتثال لشروط أخرى في اتفاقهم مع الولايات المتحدة، بما في ذلك التخلي عن العلاقات مع تنظيم «القاعدة». ويشك منتقدو الصفقة في أن «طالبان» مهتمة فقط بالعودة إلى السلطة التي من شأنها أن تسهل هدفهم النهائي المتمثل في تشكيل حكومة إسلامية جنباً إلى جنب مع «القاعدة». وجاء الكشف عن خداع «طالبان» في وقت أكد فيه مسؤول أمني أفغاني إطلاق سراح جميع الأسرى من الجانبين. وقال إن وفداً حكومياً أفغانياً يستعد لمغادرة قطر، الجمعة، بعد اجتماع سري للتحضير لمحادثات مباشرة مع قيادة «طالبان» التي تحتفظ بمكتب سياسي في قطر. وكانت الولايات المتحدة قد وقّعت اتفاقاً ثنائياً في 29 فبراير (شباط) مع «طالبان» وافقت بموجبه واشنطن على سحب القوات من أفغانستان وإنهاء ما يقرب من 20 عاماً من الحرب في أعقاب اعتداءات «القاعدة» التي جرت في 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وفي المقابل وافق المتمردون على الانسحاب من أفغانستان وقطع العلاقات مع «القاعدة» ووقف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان.
واعتُبر تبادل الأسرى مقدمةً لمحادثات مباشرة بين الحكومة الأفغانية و«طالبان». ويستعد الجانبان لتشكيل الوفود، ويقول مسؤولون أفغان إن المحادثات قد تبدأ في غضون أسابيع. ويسير سحب القوات الأميركية بسرعة كبيرة، وتقول مصادر عسكرية إن الانسحاب قد يكتمل قبل الموعد النهائي. لكنّ «طالبان» لم تقطع علاقاتها مع «القاعدة»، ويقول بعض الخبراء إن الجماعتين أصبحتا أكثر صلة بعد اتفاق الدوحة. ولم تترك الصفقة التي توسط فيها مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب، زلماي خليل زاد، قضية المخدرات التي توفر ما يقرب من 500 مليون دولار سنوياً من تمويل «طالبان»، كما أنها لم تُلزم باكستان، التي تستضيف المتمردين وتساعد في تمويلهم، بالحد من دعمها. الجدير بالذكر أن الحكومة الأفغانية لم تشترك في المفاوضات. ووصف خليل زاد الإفراج عن الأسرى بأنها عملية بناء ثقة بين الحكومة الأفغانية وعدوها، ووعد قادة «طالبان» بأن سجناءهم المفرج عنهم لن يعودوا إلى ساحة القتال وأنهم سيعودون إلى منازلهم «بسلام»، براتب نقدي تقدمه حكومة قطر، التي تستضيف المكتب السياسي للمتمردين، وكذلك من خزائن «طالبان».
عودة أسرى «طالبان» إلى ساحة القتال في تحدٍّ لاتفاق السلام
عدد من عناصر الحركة احتلوا مناصب قيادية منذ إطلاق سراحهم
عودة أسرى «طالبان» إلى ساحة القتال في تحدٍّ لاتفاق السلام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة