بوادر عزل جديد على أبواب أوروبا

توقعات بارتفاع إصابات «كورونا» مع عودة المصطافين وإعادة فتح المدارس

عاملا صحة يلتقطان أنفاسهما بعد يوم من فحوصات «كورونا» في روما الجمعة (إ.ب.أ)
عاملا صحة يلتقطان أنفاسهما بعد يوم من فحوصات «كورونا» في روما الجمعة (إ.ب.أ)
TT

بوادر عزل جديد على أبواب أوروبا

عاملا صحة يلتقطان أنفاسهما بعد يوم من فحوصات «كورونا» في روما الجمعة (إ.ب.أ)
عاملا صحة يلتقطان أنفاسهما بعد يوم من فحوصات «كورونا» في روما الجمعة (إ.ب.أ)

عاد الخوف يستقر في أوصال الاتحاد الأوروبي من الاضطرار مجدداً لفرض تدابير العزل التام، بعد اتساع موجة الارتفاع المطرد في عدد الإصابات الجديدة التي تحطم كل يوم رقماً قياسيا جديداً في معظم بلدان الاتحاد التي تستعد لأسوأ السيناريوهات رغم التطمينات والتأكيدات التي تصدر عن المسؤولين بأن الوباء «تحت السيطرة»، وأن المنظومات الصحية جاهزة لمواجهة موجة جديدة.
مصادر منظمة الصحة العالمية تقول إن البيانات السريرية الواردة إليها عن المصابين الذين يخضعون للعلاج منذ منتصف الشهر الماضي ترسخ الاستنتاج بأن الشحنة الفيروسية للوباء قد تضاءلت وتراجعت خطورته مقارنة بالأشهر الأولى من انتشاره. وإذ تشير المنظمة إلى أن الانخفاض الملحوظ في نسبة الوفيات من العدد الإجمالي للإصابات مرده إلى أسباب عدة، منها تطور العلاج وتحسن جهوزية المستشفيات وتدني المتوسط العمري للمصابين، تشدد على ضرورة الانضباط في السلوك العام والتقيد بتدابير الوقاية خلال فترة التعايش مع الفيروس التي قد تمتد حتى أواسط العام المقبل.
وكانت المنظمة الدولية قد حذرت من الانجرار وراء نظرية الموجة الثانية للفيروس، الذي لا توجد أي أدلة على أنه موسمي، ودعت الأجهزة الصحية والسلطات إلى مقاربة تدابير المكافحة والاحتواء انطلاقاً من أن «كوفيد - 19» هو، على غرار الفيروسات الأخرى مثل «إيبولا» ومتلازمة نقص المناعة المكتسب «إيدز»، قيد السريان الدائم إلى أن يوجد علاج نهائي له أو لقاح ضده.
المفوضية الأوروبية من جهتها تكثف جهودها لإبقاء تدابير الوقاية والاحتواء ضمن دائرة التنسيق بين الدول الأعضاء، لكنها تخشى أن تكون المواقف المعلنة للحكومات والتصريحات الرسمية الصادرة عن المسؤولين تمهيداً لقرارات وشيكة وإجراءات تكسر وحدة الصف، وتعيد أوروبا إلى المشهد الفوضوي الذي ساد حركة التنقل خلال فترة الذروة لانتشار الوباء.
المؤشر الأول الذي جاء ليؤكد مخاوف المفوضية صدر عن حكومة «الابن الضال» فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر، الذي قرر إغلاق حدود بلاده اعتباراً من الثلاثاء المقبل، فيما لا يستبعد أن تحذو حذوه دول أخرى في الأيام القليلة المقبلة.
وما يزيد من مخاوف المفوضية أن التوقعات القاتمة حول أرقام الإصابات اعتباراً من منتصف الأسبوع المقبل بعد نهاية العطلة الصيفية وعودة المسافرين من الخارج، تشير إلى ارتفاع في الأرقام قد يتجاوز فترة الذروة خلال الأشهر الأولى لانتشار الوباء. وكانت الأرقام الأخيرة للإصابات اليومية الجديدة في فرنسا وألمانيا قد دفعت بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى رفع نبرة التحذيرات وتشديد تدابير الوقاية والعقوبات على المخالفين، وترك الباب مفتوحاً أمام إجراءات أكثر صرامة مثل العزل الجزئي، أو حتى العزل التام الذي قال ماكرون إنه لم يعد يستبعده.
وكان ناطق بلسان المفوضية الأوروبية قد أعلن أمس عن توقيع الاتفاق النهائي مع شركة «آسترازينيكا» التي تنتج اللقاح التجريبي الذي يجري تطويره في جامعة أكسفورد البريطانية، في إطار مشروع يعتبر الأكثر تقدماً حتى الآن حسب خبراء منظمة الصحة العالمية. وينص الاتفاق على تزويد الاتحاد الأوروبي بحوالي 400 مليون جرعة من اللقاح، توزع على البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حسب عدد السكان، وينتظر أن يبدأ توزيع الجرعات الأولى على الطواقم الصحية قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) المقبل. ورغم النتائج الأولية الواعدة لهذا اللقاح، ما زالت سلامته وفعاليته موضع الاختبار.
وتجدر الإشارة إلى أن دولاً مثل إيطاليا وفنلندا والدنمارك والنمسا تفرض حالياً تدابير الحجر الصحي على الوافدين من بعض البلدان الأوروبية، مثل إسبانيا والبرتغال ومالطا ودول البلقان، وأن دولاً أخرى توصي مواطنيها بتحاشي السفر إلى هذه البلدان إلا في حالات الضرورة القصوى. وتقول أوساط علمية إن الاختبار المفصلي الذي سيتوقف عليه قرار العودة إلى العزل التام هي العودة إلى المدارس التي تبدأ مطلع الشهر المقبل بصورة تدريجية في بلدان الاتحاد، والتي ستتزامن مع الارتفاع المرتقب في عدد الإصابات بعد نهاية العطلة.
وكانت المستشارة الألمانية التي توقعت أشهراً عسيرة مع تفاقم الوضع الوبائي، قد حضت مواطنيها على التقيد الصارم بتدابير الوقاية «للحيلولة دون ارتفاع الإصابات بعد العودة إلى المكاتب والمنازل والمدارس»، وقالت إن «الأولوية هي أن لا يكون الأطفال هم الخاسرون في معركتنا ضد الجائحة». وتواجه خطة الحكومة الألمانية لمكافحة الوباء معارضة شديدة من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي دعت أمس السبت إلى مظاهرة أخرى في العاصمة برلين ضد تدابير الوقاية والتباعد الاجتماعي، بعد أن ألغى القضاء قرار الحكومة بمنعها.
وعلى الجبهة الإيطالية، بدأت الأمور تتجه أيضاً نحو الخروج عن السيطرة بعد ظهور بؤر كثيفة لانتشار الوباء في ميلانو وجزيرة سردينيا، حيث يتولى الدفاع المدني مهام مراقبة خروج السياح العائدين إلى أماكن إقامتهم والبحث عن مئات الإصابات المحتملة لمن كانوا يترددون على مواقع البؤر الوبائية، ويتعذر تحديد هوياتهم وأماكن إقامتهم بسبب معلومات شخصية غير صحيحة. وبعد تكليف القوات المسلحة تجهيز المدارس بالمقاعد الإضافية اللازمة والدعم اللوجيستي لاستئناف النشاط الدراسي، عادت إلى أذهان الإيطاليين المشاهد المأساوية لشاحنات الجيش التي كانت تنقل رفات الضحايا منتصف مارس (آذار) الماضي إلى مقابر بعيدة بعد أن ضاقت بهم مدافن مدينة بيرغامو التي كانت البؤرة الرئيسية لانتشار الوباء في الشمال الإيطالي، والتي فاق عدد ضحاياها بسبب «كوفيد - 19» عدد سكانها الذين سقطوا إبان الحرب العالمية.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».