الراعي يدعو إلى مداهمة مخازن السلاح «غير الشرعي»

تنامي التباعد مع «حزب الله» ولا اتصالات معلنة منذ طرحه ملف الحياد

الراعي ملقياً عظة الأحد (الوكالة الوطنية)
الراعي ملقياً عظة الأحد (الوكالة الوطنية)
TT

الراعي يدعو إلى مداهمة مخازن السلاح «غير الشرعي»

الراعي ملقياً عظة الأحد (الوكالة الوطنية)
الراعي ملقياً عظة الأحد (الوكالة الوطنية)

صعّد البطريرك الماروني بشارة الراعي، أمس (الأحد)، من حدة مواقفه تجاه سلاح «حزب الله» من غير أن يسميه، بدعوته السلطات اللبنانية إلى «دهم كل مخابئ السلاح والمتفجرات ومخازنه المنتشرة من غير وجه شرعي بين الأحياء السكنية» في لبنان، وسط تنامي التباعد بين «بكركي» (المقرّ البطريركي) و«الحزب»، وفي غياب أي اتصالات معلنة بين الطرفين، على الأقل منذ دعوة الراعي إلى حياد لبنان في الشهر الماضي.
ويعدّ «حزب الله» الفريق الأبرز الذي يحتفظ بترسانة كبيرة من السلاح يستخدمها في الصراع مع إسرائيل. وينظر بعض الأطراف اللبنانية إلى ملف السلاح على أنه ملف إشكالي، وعقدت طاولات حوار منذ عام 2006 بهدف التوصل إلى استراتيجية دفاعية لردّ الاعتداءات الإسرائيلية، لكنها لم تسفر عن أي تطور بهذا الصدد. وأنتجت النقاشات حول حصرية السلاح توتراً سياسياً بين الحزب وأطراف سياسية لبنانية تدعو إلى حصرية امتلاك السلاح بيد الجيش اللبناني.
وللمرة الأولى منذ وصوله إلى سدة البطريركية المارونية، فتح الراعي ملف مداهمة مخازن الأسلحة؛ إذ قال في عظته أمس إن «أوجاع ودموع ضحايا الانفجار، هي صرخة تصل إلى كل صاحب مسؤولية في قطاعه، وبخاصة إلى السلطة اللبنانية لتعتبر كارثة مرفأ بيروت بمثابة جرس إنذار، فتبادر إلى دهم كل مخابئ السلاح والمتفجرات ومخازنه المنتشرة من غير وجه شرعي بين الأحياء السكنية في المدن والبلدات والقرى».
وقال الراعي إن «بعض المناطق اللبنانية تحولت حقول متفجرات لا نعلم متى تنفجر ومن سيفجرها»، عادّاً أن «وجود هذه المخابئ يشكل تهديداً جدياً وخطيراً لحياة المواطنين التي ليست ملكاً لأي شخص أو فئة أو حزب أو منظمة». وقال: «حان الوقت لأن تسحب هذه الأسلحة والمتفجرات من الأيدي، لكي يشعر المواطنون أنهم بأمان، على الأقل، في بيوتهم».
ووسط صمت الحزب عن دعوة الراعي، وقبلها ما ورد في «مذكرة الحياد الناشط» التي أعلنها في الأسبوع الماضي، لجهة المطالبة بـ«تعزيز الدولة اللبنانية لتكون دولة قويّة عسكرياَ وبجيشها ومؤسساتها وقانونها وعدالتها ووحدتها الداخليّة، لكي تضمن أمنها الداخلي من جهة، وتدافع عن نفسها بوجه أي اعتداء بري أو بحري أو جوّي يأتيها، سواء من إسرائيل أو من غيرها من جهة أخرى»، يتحدث كثيرون عن تصعيد من جهة «بكركي» تجاه الحزب.
لكن مصادر مارونية مطلعة على موقف «بكركي»، تنفي أن يكون هناك توجه لدى «بكركي» لكسر العلاقة مع الحزب، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن البطريرك الراعي «لا ينهي العلاقة مع أحد، ويهمه التواصل مع جميع المكونات ضمن ثوابت احترام السيادة والاستقلال والدولة التي تنظم شؤون البلاد وتعدّ المرجعية الأولى والأخيرة لكل اللبنانيين». وقالت المصادر إن ما يقوله الراعي «هو صرخة يطلقها في سبيل تحسين الوضع الداخلي بالنظر إلى الظروف المتوترة في لبنان والمنطقة». وإذ لم تنف المصادر أن هناك «اختلافاً على ملف السلاح»، أضافت: «إننا وصلنا إلى مرحلة دقيقة تمسّ بمصير لبنان». وأوضحت أن ملف السلاح «إشكالي، لكنه يتخطى التركيبة اللبنانية»، مضيفة: «في ظل التطورات في المنطقة، والتبدل في التوازنات الدولية، يريد البطريرك أن نسحب الذرائع التي يمثلها ملف السلاح، وتحييد أنفسنا حفاظاً على الكيان والصيغة»، مشددة على أنه «عندما شعر أن لبنان بات بخطر، وبعد المشاورات التي قام بها، بدأ بإطلاق الصرخات».
ويتعاطى «الحزب» مع ملف سلاحه بحساسية مطلقة، ويعدّه ضرورة للمواجهة مع إسرائيل، ويواظب على القول إنه سلاح دفاعي «لرد الاعتداءات الإسرائيلية». وكان الحزب رفض في وقت سابق في الشهر الماضي مقترحات أميركية لتعديل ولاية قوات حفظ السلام الدولية العاملة في جنوب لبنان «يونيفيل» تتيح لها تفتيش منازل المدنيين في الجنوب. ومن شأن الطرح البطريركي أن يضفي توتراً على علاقة الطرفين، حسبما يقدّر سياسيون.
لكن المصادر المارونية المطلعة على موقف «بكركي»، أكدت أن البطريرك «لا يتعاطى السياسة»، وعليه؛ «لا يمكن أن يحدث موقفه فراقاً مع (حزب الله)، كون (بكركي) تعدّ الحزب مكوناً أساسياً في التركيبة اللبنانية، أما ضغطها فهو يشبه ضغط الأب على ابنه، وفي المقابل لطالما أبقى (الحزب) رابطاً مع (بكركي)»، مشددة على أن «أبواب (بكركي) مفتوحة على الدوام للجميع». ولم تنفِ المصادر أنه لم تُسجل اتصالات مباشرة أو غير مباشرة بين الطرفين منذ طرح الراعي موضوع الحياد في الشهر الماضي على الأقل. وقالت إن الحوار حول هذا الملف «يعود للمؤسسات اللبنانية الرسمية مثل رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة، وإذا احتاجت تفاهمات جانبية تنخرط فيها (بكركي)، فذلك سيكون متاحاً بالتأكيد».
في غضون ذلك، استغرب رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن في تصريح، «الزج السياسي بمواقف البطريرك الراعي الكنسية»، وقال: «من المستغرب أن يلجأ البعض إلى تفسير مواقف (بكركي) الوطنية المنزهة عن أي غرضية سياسية باجتهادات بعيدة عن حقيقتها». وأكد أن «دور (بكركي) محوري على الصعيد الوطني، وهمها ترميم التصدع الداخلي الذي وصل إلى حافة الهاوية، وكاد ينزلق إلى مهب الصراعات الإقليمية بين معسكرين يتعاركان في ساحات اللهيب المشتعل في الدول المجاورة». وقال: «في الوقت الذي تتزاحم فيه القوى السياسية على اقتسام ما هو مقسم داخلياً، يبرز دور الراعي على كل الأصعدة كصمام أمان وطني لتعطيل ما يفرق في لقاءاته مع كل الأفرقاء بوضوح وحزم، لأن مصير الوطن على المحك».
ورد على مهاجمي الراعي، قائلاً إن «بكركي» «التي كانت حصناً حصيناً لاحتضان كل مكونات الوطن، لا يمكن أن تحيد، تحت أي ظرف، عن مسلماتها التاريخية»، مضيفاً: «كفى اتجاراً بهذا الموقع وما تبثه إشاعات وأضاليل بعيدة كل البعد عن الوجدان الذي يتحكم في مواقف الراعي».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.