سنوات السينما: خلي بالك من زوزو

سعاد حسني في «خلي بالك من زوزو»
سعاد حسني في «خلي بالك من زوزو»
TT

سنوات السينما: خلي بالك من زوزو

سعاد حسني في «خلي بالك من زوزو»
سعاد حسني في «خلي بالك من زوزو»

خلي بالك من زوزو (1972)
(جيد)
هناك الكثير مما يثيره هذا الفيلم من طروحات وشؤون.
في الواجهة هو فيلم غنائي - عاطفي مع كل العناصر التي يتطلبها الفيلم الاستعراضي الهادف إلى متعة المشاهدة البصرية وتحريك دوافع الإعجاب بكل ما تتكوّن منه الصورة الماثلة من حركة الممثل وحركة الكاميرا وحركة القصّة المعروضة داخل المشهد والفيلم بأسره.
هو أيضاً فيلم للمخرج المتمرّس في سينما العواطف والاستعراضات حسن الإمام. وهذا وحده يضع الناقد على قارعة الطريق. الناقد الجاد الذي لم يوافق يوماً على سينما حسن الإمام لكونها تشمل غالباً أفلاماً لا تستدعي التفكير ولا البحث في أركان المجتمع ولا ما يكفي من خلفيات الشخصيات وأزماتها، ضم، وسيضم، هذا الفيلم إلى عتاد مخرجه من تلك الأعمال الجماهيرية الناجحة. نقاد آخرون (بعضهم جاد أيضاً) سيعتبر أن النجاح الجماهيري هو بصمة لا يُستهان بشأنها وأن الفيلم، من ناحيته، ليس من الأعمال الرخيصة التي يمكن تجاهلها.
وهو بالتأكيد ليس من الأعمال التي يمكن تجاهلها كتاريخ وكإنتاج أو كعلامة فارقة في سينما حسن الإمام. على توليفته المعتادة وانشغال المخرج بالعرض وليس بالعمق، أدّى الفيلم مساهمات فعّالة لجميع من شارك فيه وللسينما المصرية في تلك الفترة الذهبية من حياتها التي أفلت بعد ذلك حال دخول الشركات غير المحترفة والرغبة في الإثراء السريع حتى ولو كان صغيراً.
سعاد حسني في الواجهة طبعاً لتلعب دور الفتاة التي تعيش مع أمها (تحية كاريوكا). هي مثقفة وطالبة محبوبة وناجحة في كليّة الآداب وأمها راقصة بالملاهي. هل تستطيع الابنة النجيبة أن تحافظ على سر والدتها خشية أن تخسر سمعتها بين زملائها أم سيكتشف الجميع حقيقتها؟ وماذا سيحدث حينذاك؟
الكتابة لصلاح جاهين تأتي على ذكر أن على الطالبة أن تحل هذه المشكلة بشجاعة. الرقص ليس عيباً وشغل أمها هو الذي مكّنها من الدراسة والنجاح.
حسن الإمام يجعل هذا النص أقرب إلى هوايته في استعراض النوازع العاطفية والعمل عليها من البحث في العلاقة على المستوى الاجتماعي. بالتالي، لكل مشكلة حل جاهز يكمن في أن الثراء سيتدخل لإنقاذ الوضع والفتاة الطيبة ستنتصر على المعيقات والجميع سيشعر بالسعادة مشاركاً الطالبة تجاوزها المشكلة المُثارة معجبين بانطلاقتها في درب الغناء لكي تبرهن على أن الفن الاستعراضي وما يصاحبه من رقص وغناء ليس عيباً.
هي رسالة دائمة في أفلام المخرج (منذ «بنات الليل» سنة 1955 أو قبله) والحلول جاهزة لمعالجات في حد ذاتها ساذجة.
خذ مثلاً اللقاء الذي يتم بين فتى المستقبل سعيد (حسين فهمي) وبين الطالبة المتحوّلة إلى مهنة أمها (سعاد حسني) الذي يتحوّل لحب طاهر وكبير تعيقه المسائل الطبقية (الأب الثري الذي يرفض زواج ابنه براقصة).
هذه الملاحظات النقدية لا علاقة لها بحقيقة القفزة المهنية الرائعة التي حققتها سعاد حسني في هذا الفيلم، ولا بالمركز الكبير الذي حظي به المخرج بحيث صار لزاماً على الجميع احترام مكانته كمخرج شبّاك أول لم ينافسه في ذلك سوى قلّة (بينهم حسين كمال في «أبي فوق الشجرة» سنة 1969.
ملخّص «خلي بالك من زوزو» لم يكن جديداً بالنسبة لأفلام الإمام، ولم يكن جديداً بالنسبة لأفلام جماهيرية سابقة من هوليوود إلى بوليوود مروراً بالسينما المصرية. تبويب الفيلم ومهارة حركته ومعرفته بكيفية التعامل مع الجمهور الكبير ونجومية سعاد حسني صنعت له المرتبة التي ما زال يحفل بها حتى اليوم.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.