فيروس «كورونا» قد يتسبب بتدمير مجتمعات السكان الأصليين

رجل من السكان الأصليين في بوليفيا يشارك في مظاهرة واضعاً كمامة (أ.ف.ب)
رجل من السكان الأصليين في بوليفيا يشارك في مظاهرة واضعاً كمامة (أ.ف.ب)
TT

فيروس «كورونا» قد يتسبب بتدمير مجتمعات السكان الأصليين

رجل من السكان الأصليين في بوليفيا يشارك في مظاهرة واضعاً كمامة (أ.ف.ب)
رجل من السكان الأصليين في بوليفيا يشارك في مظاهرة واضعاً كمامة (أ.ف.ب)

عندما غادرت فيكتوريا تاولي كوربوز الطائرة في جنيف في فبراير (شباط)، كان من المفترض أن تكون المحطة الأولى لها في مهمة متعددة البلدان بصفتها مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الشعوب الأصلية. وبدلاً من ذلك، تعني قواعد الحجر الصحي الجديدة - التي تتغير بسرعة - أنها كانت محطتها الأخيرة، حيث تم إلغاء بقية الرحلة.
بدلاً من ذلك، طارت كوربوز إلى الفلبين للتركيز على جائحة «كورونا». وقد أدركت أن آثار الفيروس التاجي الجديد على الشعوب الأصلية «يمكن أن يمحوها من الخريطة»، وفقاً لتقرير لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».
وتميل الشعوب الأصلية في جميع أنحاء العالم إلى أن تكون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية الناشئة مقارنة بالسكان الآخرين. خلال جائحة «إتش 1 إن 1» في كندا عام 2009 على سبيل المثال، شكل السكان الكنديون الأصليون 16 في المائة من حالات الدخول إلى المستشفى، رغم أنهم يشكلون 3.4 في المائة من السكان.
ولا يمكن اعتبار فيروس «كورونا» استثناءً. في الولايات المتحدة، توفي واحد من كل ألفين و300 أميركي من السكان الأصليين، مقارنة بواحد من بين ثلاثة آلاف و600 أميركي أبيض، مما يجعلهم ثاني أكثر الفئات العرقية عرضة للخطر في البلاد بعد الأميركيين السود. وفي منتصف مايو (أيار)، تجاوزت جماعة نافاجو، التي تمتد عبر حوالي 27 ألف ميل مربع (70 ألف كيلومتر مربع) في جنوب غربي الولايات المتحدة، ولاية نيويورك لأعلى معدل إصابة بـ«كورونا» في الولايات المتحدة.
وقالت تاولي كوربوز: «لدينا عدد أقل من المستشفيات والأطباء وأجهزة التنفس الصناعي - كل ما هو ضروري للنجاة من الأزمة... لدى الشعوب الأصلية أيضاً معدلات أعلى من الظروف الموجودة مسبقاً وتغذية فقيرة تجعلنا أكثر عرضة للإصابة».
وإن مجموعات السكان الأصليين في الأمازون معرضة بشكل خاص للوفاة من الفيروس لأنها تعيش غالباً بعيداً عن المساعدة الطبية المهنية. وحتى 24 يوليو (تموز)، قتل المرض 19 ألفا و329 من السكان الأصليين يمثلون 38 جماعة على الأقل من السكان الأصليين في أمازونيا. وأُكد وجود 677 ألفا و719 إصابة أخرى، معظمها في البرازيل.
وتقول ليلى سالازار لوبيز، المديرة التنفيذية في «أمازون ووتش»، عن جماعات السكان الأصليين في الأمازون: «إنهم بالفعل يواجهون نقطة التحول للانهيار البيئي بسبب تزايد التهديدات بإزالة الغابات والحرائق والاستخراج الصناعي وتوسيع الأعمال التجارية الزراعية وتغير المناخ».
وتابعت: «الآن، أحدث الوباء أزمة أخرى... ومع مرور كل يوم، يصبح خطر الإبادة العرقية أكثر واقعية».
*استجابة البقاء
مجتمعات السكان الأصليين تقاوم، وقالت تاولي كوربوز: «إنني مندهشة لرؤية الطرق التي يحاول عبرها السكان الأصليون تقديم الدعم، حيث لم تفعل الحكومات ذلك... إنهم يوفرون معدات الوقاية الشخصية ويصنعون أقنعة الحماية الخاصة بهم، ويضمنون توفر المعلومات حول (كورونا) باللغات المحلية، ويقومون بتوزيع المواد الغذائية والحاجات الأخرى».
وفي الولايات المتحدة، قامت جماعة نافاجو، مثل العديد من الجماعات القبلية الأخرى، بإغلاق حدودها وتنفيذ حظر التجول. ويقول رئيس نافاجو جوناثان نيز: «لقد أجرينا فحوصات (كورونا) لعدد من الأشخاص أكثر من أي ولاية في الولايات المتحدة - حتى في العديد من البلدان الأخرى».
من جهتها، تقول هندو عمر إبراهيم، منسقة جمعية «بيول وومن وأوتشثونوس بيبول أوف تشاد»، إن مجتمعات الشعوب الأصلية في أفريقيا معرضة لـ(كوفيد - 19) بسبب نظام الرعاية الصحية الهش والصرف الصحي الصعب. ولكن قد يؤدي التباعد الاجتماعي والإغلاق إلى مشاكل أخرى، حيث يحتاج الناس إلى الذهاب إلى السوق لشراء وبيع منتجاتهم.
وتقول إبراهيم: «إذا لم يفعلوا، فلن يكون لديهم أي طعام في اليوم... إن زراعتنا معرضة بالفعل بسبب آثار تغير المناخ والآن هذه الأزمة تضيف الفقر إلى الفقر».
وثمة تحد إضافي يتمثل في التواصل مع عمليات الإغلاق وإنفاذها داخل مجتمعات الشعوب الأصلية. في أستراليا، الحظر على «الرحلات غير الضرورية» في نيو ساوث ويلز يعني غرامة تصل إلى 11 ألف دولار أسترالي (6000 جنيه إسترليني) والسجن للأفراد الذين ينتهكون الحظر. قد يجد السكان الأستراليون الأصليون، الذين يقل دخل الفرد لديهم بنسبة 33 في المائة عن المجموعات العرقية الأخرى، أنه من الصعب دفع هذه الغرامات. قد تعني مواقعهم النائية أيضاً أنهم أقل إلماماً بسياسات الوباء.
ويمكن للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية حماية أنفسهم بشكل أفضل من الفيروس عندما يكون لديهم حقوق معترف بها قانوناً في أراضيهم، وتقول تاولي كوربوز: «يمكنهم فرض عمليات الإغلاق بشكل أفضل وإدارة الموارد التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة».
* خطر على كبار السن
ومن العوامل الأخرى التي ترهق الشعوب الأصلية في كل مكان هي الخطر على كبار السن.
ويقول نيمونت نينكيمو، رئيس المجلس التنسيقي للجنسية الوورانية في الإكوادور - باستازا: «يتمتع كبار السن لدينا بالخبرة في مجال الأدوية النباتية والشفاء الشاماني، ولكن لم يتم نقل جميع معارفهم إلى الأجيال الشابة».
ولأن معرفتهم تنتقل من خلال تقاليدهم الشفوية وثقافتهم، فإذا مات كبار السن قبل أن تتاح لهم الفرصة لتدريس ما يعرفونه، يمكن أن تضيع هذه المعلومات إلى الأبد.


مقالات ذات صلة

صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )

تانيا صالح تُغنّي للأطفال وترسم لُبنانَهم الأحلى

باكتمال الألبوم واستعداد الفنانة لنشره بين الأطفال تشعر بالاستراحة (صور تانيا صالح)
باكتمال الألبوم واستعداد الفنانة لنشره بين الأطفال تشعر بالاستراحة (صور تانيا صالح)
TT

تانيا صالح تُغنّي للأطفال وترسم لُبنانَهم الأحلى

باكتمال الألبوم واستعداد الفنانة لنشره بين الأطفال تشعر بالاستراحة (صور تانيا صالح)
باكتمال الألبوم واستعداد الفنانة لنشره بين الأطفال تشعر بالاستراحة (صور تانيا صالح)

أمَّنت الإقامة في باريس للفنانة اللبنانية تانيا صالح «راحة بال» تُحرِّض على العطاء. تُصرُّ على المزدوجَين «...» لدى وصف الحالة، فـ«اللبناني» و«راحة البال» بمعناها الكلّي، نقيضان. تحطّ على أراضي بلادها لتُطلق ألبومها الجديد الموجَّه إلى الأطفال. موعد التوقيع الأول؛ الجمعة 6 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. والأحد (8 منه) تخصّصه لاستضافة أولاد للغناء والرسم. تريد من الفنّ أن يُهدّئ أنين أطفال الصدمة ويرأف بالبراءة المشلَّعة.

تريد من الفنّ أن يُهدّئ أنين أطفال الصدمة ويرأف بالبراءة المشلَّعة (صور تانيا صالح)

وطَّد كونها أُماً علاقتها بأوجاع الطفولة تحت النار؛ من فلسطين إلى لبنان. تُخبر «الشرق الأوسط» أنها اعتادت اختراع الأغنيات من أجل أن ينام أطفالها وهم يستدعون إلى مخيّلاتهم حلاوة الحلم. لطالما تمنّت الغناء للصغار، تشبُّعاً بأمومتها وإحساسها بالرغبة في مَنْح صوتها لمَن تُركوا في البرد واشتهوا دفء الأحضان. تقول: «أصبح الأمر مُلحّاً منذ تعرُّض أطفال غزة لاستباحة العصر. لمحتُ في عيون أهاليهم عدم القدرة على فعل شيء. منذ توحُّش الحرب هناك، وتمدُّد وحشيتها إلى لبنان، شعرتُ بأنّ المسألة طارئة. عليَّ أداء دوري. لن تنفع ذرائع من نوع (غداً سأبدأ)».

غلاف الألبوم المؤلَّف من 11 أغنية (صور تانيا صالح)

وفَّر الحبُّ القديم لأغنية الطفل، عليها، الكتابةَ من الصفر. ما في الألبوم، المؤلَّف من 11 أغنية، كُتب من قبل، أو على الأقل حَضَرت فكرته. تُكمل: «لملمتُ المجموع، فشكَّل ألبوماً. وكنتُ قد أنقذتُ بعض أموالي خشية أنْ تتطاير في المهبّ، كما هي الأقدار اللبنانية، فأمّنتُ الإنتاج. عملتُ على رسومه ودخلتُ الاستوديو مع الموسيقيين. بدل الـ(CD)؛ وقد لا يصل إلى أطفال في خيامهم وآخرين في الشوارع، فضَّلتُ دفتر التلوين وفي خلفيته رمز استجابة سريعة يخوّلهم مسحه الاستماع المجاني إلى الأغنيات ومشاهدتها مرسومة، فتنتشل خيالاتهم من الأيام الصعبة».

تُخطّط تانيا صالح لجولة في بعلبك وجنوب لبنان؛ «إنْ لم تحدُث مفاجآت تُبدِّل الخطط». وتشمل الجولة مناطق حيث الأغنية قد لا يطولها الأولاد، والرسوم ليست أولوية أمام جوع المعدة. تقول: «أتطلّع إلى الأطفال فأرى تلك السنّ التي تستحقّ الأفضل. لا تهمّ الجنسية ولا الانتماءات الأخرى. أريد لموسيقاي ورسومي الوصول إلى اللبناني وغيره. على هذا المستوى من العطف، لا فارق بين أصناف الألم. ليس للأطفال ذنب. ضآلة مدّهم بالعِلم والموسيقى والرسوم، تُوجِّه مساراتهم نحو احتمالات مُظلمة. الطفل اللبناني، كما السوري والفلسطيني، جدير بالحياة».

تعود إلى لبنان لتُطلق ألبومها الجديد الموجَّه للأطفال (صور تانيا صالح)

باكتمال الألبوم واستعداد الفنانة لنشره بين الأطفال، تشعر أنها تستريح: «الآن أدّيتُ دوري». الفعل الفنّي هنا، تُحرّكه مشهديات الذاكرة. تتساءل: «كم حرباً أمضينا وكم منزلاً استعرنا لننجو؟». ترى أولاداً يعيشون ما عاشت، فيتضاعف إحساس الأسى. تذكُر أنها كانت في نحو سنتها العشرين حين توقّفت معارك الحرب الأهلية، بعد أُلفة مريرة مع أصوات الرصاص والقذائف منذ سنّ السادسة. أصابها هدوء «اليوم التالي» بوجع: «آلمني أنني لستُ أتخبَّط بالأصوات الرهيبة! لقد اعتدْتُها. أصبحتُ كمَن يُدمن مخدِّراً. تطلَّب الأمر وقتاً لاستعادة إيقاعي الطبيعي. اليوم أتساءل: ماذا عن هؤلاء الأطفال؛ في غزة وفي لبنان، القابعين تحت النار... مَن يرمِّم ما تهشَّم؟».

تريد الموسيقى والرسوم الوصول إلى الجميع (صور تانيا صالح)

سهَّلت إقامُتها الباريسية ولادةَ الألبوم المُحتفَى به في «دار المنى» بمنطقة البترون الساحلية، الجمعة والأحد، بالتعاون مع شباب «مسرح تحفة»، وهم خلف نشاطات تُبهج المكان وزواره. تقول إنّ المسافة الفاصلة عن الوطن تُعمِّق حبَّه والشعور بالمسؤولية حياله. فمَن يحترق قد يغضب ويعتب. لذا؛ تحلَّت بشيء من «راحة البال» المحرِّضة على الإبداع، فصقلت ما كتبت، ورسمت، وسجَّلت الموسيقى؛ وإنْ أمضت الليالي تُشاهد الأخبار العاجلة وهي تفِد من أرضها النازفة.

في الألبوم المُسمَّى «لعب ولاد زغار»، تغنّي لزوال «الوحش الكبير»، مُختَزِل الحروب ومآسيها. إنها حكاية طفل يشاء التخلُّص من الحرب ليكون له وطن أحلى. تقول: «أريد للأطفال أن يعلموا ماذا تعني الحروب، عوض التعتيم عليها. في طفولتي، لم يُجب أحد عن أسئلتي. لم يُخبروني شيئاً. قالوا لي أنْ أُبقي ما أراه سراً، فلا أخبره للمسلِّح إنْ طرق بابنا. هنا أفعل العكس. أُخبر الأولاد بأنّ الحروب تتطلّب شجاعة لإنهائها من دون خضوع. وأُخبرهم أنّ الأرض تستحق التمسُّك بها».

وتُعلِّم الصغار الأبجدية العربية على ألحان مألوفة، فيسهُل تقبُّل لغتهم والتغنّي بها. وفي الألبوم، حكاية عن الزراعة وأخرى عن النوم، وثالثة عن اختراع طفل فكرة الإضاءة من عمق خيمته المُظلمة. تقول إنّ الأخيرة «حقيقية؛ وقد شاهدتُ عبر (تيك توك) طفلاً من غزة يُفكّر في كيفية دحض العتمة لاستدعاء النور، فألهمني الكتابة. هذه بطولة».

من القصص، تبرُز «الشختورة» (المركب)، فتروي تانيا صالح تاريخ لبنان بسلاسة الكلمة والصورة. تشاء من هذه الحديقة أن يدوم العطر: «الألبوم ليس لتحقيق ثروة، وربما ليس لاكتساح أرقام المشاهدة. إنه شعوري بتأدية الدور. أغنياته حُرّة من زمانها. لم أعدّها لليوم فقط. أريدها على نسق (هالصيصان شو حلوين)؛ لكلّ الأيام».