مقتل ثالث متظاهر في بغداد خلال يومين بعد مواجهات مع قوات الأمن

«الداخلية» تتحدث عن «مجاميع إجرامية»... والتيار الموالي لإيران يروّج للاحتجاجات

قوات الأمن تحاول تفريق متظاهرين في ساحة التحرير مساء أول من أمس (أ.ب)
قوات الأمن تحاول تفريق متظاهرين في ساحة التحرير مساء أول من أمس (أ.ب)
TT

مقتل ثالث متظاهر في بغداد خلال يومين بعد مواجهات مع قوات الأمن

قوات الأمن تحاول تفريق متظاهرين في ساحة التحرير مساء أول من أمس (أ.ب)
قوات الأمن تحاول تفريق متظاهرين في ساحة التحرير مساء أول من أمس (أ.ب)

توفي متظاهر أمس متأثراً بجروحه بعدما أصيب في الرأس بقنبلة غاز مسيل للدموع خلال مواجهات ليلية في «ساحة التحرير» بالعاصمة العراقية بغداد، كما أكدت مصادر طبية وأمنية، وهو ثالث متظاهر يقتل خلال يومين.
وتوفي متظاهران صباح الاثنين أيضاً متأثرين بجراحهما بعدما أصيبا بقنابل مسيلة للدموع، فيما أجج ذلك المظاهرات الدائرة في «ساحة التحرير» التي كانت مركز حركة احتجاجية غير مسبوقة في العراق انطلقت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وهؤلاء هم أوائل المتظاهرين الذين يقتلون منذ تنصيب حكومة مصطفى الكاظمي قبل أقل من 3 أشهر.
ووعد الكاظمي بالكشف عمن يقفون وراء هذا العنف، وتعهد مجدداً مساء الاثنين بالحفاظ على «الحق المشروع» في التظاهر بعد وفاة متظاهرَين. ولكن بعد ساعات، عاودت الشرطة إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق عشرات العراقيين الذين طفح بهم الكيل جراء انقطاع التيار الكهربائي في ظل موجة قيظ.
وقال طبيب لوكالة الصحافة الفرنسية: «أصيب متظاهر في رأسه وصدره بقنبلة غاز مسيل للدموع أطلقت عليه مباشرة. لقد توفي متأثراً بجروحه بعد إدخاله العناية المركزة». وقالت مصادر طبية إن 13 متظاهراً آخرين أصيبوا خلال الليل.
ويبدو التضارب واضحاً بشأن المعلومات المتعلقة بما حدث من مواجهات، خلال اليومين الأخيرين. وفيما يتهم بعض الناشطين القوات الحكومية بتعمد فتح النار على المتظاهرين، إضافة إلى إحراق معظم خيام الاعتصام في «ساحة التحرير» خلف «نصب الحرية»، تقول وزارة الداخلية إن نتائج التحقيقات الأولية التي أمر رئيس الوزراء بإجرائها «أظهرت وجود مجموعات إجرامية خطيرة» تسعى لصنع الفوضى عبر مهاجمة المتظاهرين من الداخل. وذكرت الوزارة في بيان، أمس، أن أجهزتها الأمنية «رصدت خلال الساعات المنصرمة وفي ضوء نتائج التحقيق الأولية في أحداث ليلة الأحد - الاثنين مجموعات إجرامية خطرة في ساحة التحرير تسعى لصنع الفوضى عبر ضرب المتظاهرين من الداخل وافتعال الصدامات مع الأجهزة الأمنية التي تهدف إلى حفظ أمن الساحة وحق التعبير السلمي عن الرأي». وأكدت على «توجيهات القائد العام للقوات المسلحة بعدم استخدام الرصاص الحي مع المتظاهرين لأي سبب كان، وقد صدرت توجيهات مشددة بهذا الشأن».
ولعل ما يزيد حدة الاضطراب والاستقطاب معاً في أحداث «ساحة التحرير» الأخيرة، دخول مجاميع القنوات والشخصيات «الولائية» المحسوبة على «ولاية الفقيه» الإيرانية على خط المظاهرات والترويج المتواصل لموجة جديدة من الاحتجاجات، بينما كانت تلك القنوات والشخصيات من أشد الجهات المناهضة لـ«حراك أكتوبر (تشرين الأول)» 2019، واتهمت القائمين عليه بشتى التهم والنعوت.
صحيح أن غالبية الاحتجاجات التي خرجت في محافظات وسط وجنوب العراق، مطلبية وتركز على الخدمات الأساسية، خصوصاً المتعلقة بتوفير الطاقة الكهربائية، إلا إن التحولات الحادة التي طرأت على موقف الجماعات الولائية من المظاهرات تعزز من فرضية أن تلك الجماعات، وبحسب عدد غير قليل من المراقبين، أخذت مؤخراً تسعى للاستثمار في حالة الغليان الشعبي للتأثير على حكومة الكاظمي وإظهار عجزها في معالجة قطاع الخدمات الذي يعاني التردي منذ سنوات طويلة. وقد أشار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى ذلك في كلمة وجهها إلى المواطنين العراقيين أول من أمس، حين قال: «أشعر بألم شديد وأنا أرى شعبي وأهلي وهم يعانون من حرٍّ لاهب، بسبب الخراب وسوء الإدارة في الكهرباء، كنت أتمنى لو كان بيدي حلّ سحري، ولكن مع الأسف، سنوات طويلة من التخريب والفساد وسوء الإدارة، لا حلّ لها في ليلة وضحاها». وأضاف: «ليس من العدل والإنصاف أن نطلب من حكومة عمرها الفعلي شهران، أن تدفع فاتورة النهب والسلب الذي ارتكبته جماعات وحكومات سابقة». ويتابع العراقيون هذه الأيام القنوات وغالبية المنصات الإعلامية المحسوبة على التيار الموالي لإيران في العراق وهي تخصص ساعات طويلة من التغطيات الإعلامية للمظاهرات الاحتجاجية في مسعى واضح لإحراج حكومة الكاظمي.
ويؤكد ناشط في «ساحة التحرير» ببغداد على أن «الساحة اليوم تعج بصنوف الجماعات الموالية للجماعات والفصائل المسلحة». ويضيف الناشط، الذي يفضل عدم الإشارة إلى اسمه، أن «الاحتكاكات الأخيرة في (ساحة التحرير) تسببت بها جماعات موالية للفصائل المسلحة تسعى لاستفزاز القوات الأمنية وتدفعها إلى ردود فعل عنيفة تؤدي إلى وقوع ضحايا بين المتظاهرين، وهذا ما حدث بالضبط، والهدف من ذلك هو القول: إن حكومة الكاظمي لا تختلف عن حكومة سلفه عادل عبد المهدي بالنسبة لقمع المحتجين». ويضيف أن «كثيراً من شباب (انتفاضة تشرين) أعلنوا انسحابهم من (ساحة التحرير) مؤخراً بعد اختلاط الأمور في الساحة ودخول جماعات مؤيدة للفصائل المسلحة».
على أن التشكيك الذي يحيط بمواقف بعض الجماعات الموجودة في «ساحة التحرير» وعلاقتها ببعض الفصائل المسلحة، لا يقلل من حجم الغضب الشعبي المتنامي نتيجة تراجع الخدمات، ولا يقلل أيضاً من الضغوط الهائلة التي تتعرض لها حكومة الكاظمي في أكثر من اتجاه، مما يدفع بمستشاري الكاظمي إلى تأكيد جديتهم في ملاحقة قتلة المتظاهرين. وفي هذا الاتجاه، أكد هشام داود، مستشار رئيس الوزراء، أمس، أن «اللجنة المكلفة التحقيق ستعلن للشعب ما حصل في (التحرير)، من كان خلف ذلك، وهل حصل فلتان وهناك من أعطى أوامر بإطلاق النار؟». وأشار إلى أن «التظاهرات منذ بعض الوقت تغيرت طبيعتها، هناك كثير من الجماعات تحاول أن تغيرها وتستثمرها بشكل مختلف، وقد حذر الكاظمي من اللعب بالنار».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.