«الحرس» الإيراني يبدأ مناورات «هجومية» قبالة مضيق هرمز

صواريخ دمرت مجسم حاملة طائرات... والبحرية الأميركية وصفت السلوك بـ«المتهور» و«غير المسؤول»

قوارب سريعة لـ«الحرس الثوري» تحاصر مجسماً إيرانياً يحاكي حاملة طائرات أميركية قبل تدميره في مياه الخليج أمس (أ.ف.ب)
قوارب سريعة لـ«الحرس الثوري» تحاصر مجسماً إيرانياً يحاكي حاملة طائرات أميركية قبل تدميره في مياه الخليج أمس (أ.ف.ب)
TT

«الحرس» الإيراني يبدأ مناورات «هجومية» قبالة مضيق هرمز

قوارب سريعة لـ«الحرس الثوري» تحاصر مجسماً إيرانياً يحاكي حاملة طائرات أميركية قبل تدميره في مياه الخليج أمس (أ.ف.ب)
قوارب سريعة لـ«الحرس الثوري» تحاصر مجسماً إيرانياً يحاكي حاملة طائرات أميركية قبل تدميره في مياه الخليج أمس (أ.ف.ب)

في تصعيد إقليمي جديد، بدأت قوات «الحرس الثوري»، الموازية لـ«الجيش» الإيراني، مناورات «هجومية» تستغرق يومين في مياه الخليج العربي قبالة مضيق هرمز، شملت مهاجمة مجسم لحاملة طائرات بصواريخ، وانتقدت البحرية الأميركية السلوك «المتهور وغير المسؤول»، مؤكدة في الوقت ذاته أن المناورات لم تعرقل حركة الملاحة في المنطقة الاستراتيجية.
وشاركت في المناورات الممتدة قبالة مضيق هرمز في داخل مياه الخليج العربي، وحدات الطائرات المسيّرة والصواريخ والبحرية والرادار التابعة للقوتين البحرية والصاروخية التابعتين لـ«الحرس الثوري»، وفق ما ذكرت وكالة «تسنيم»؛ المنبر الإعلامي لجهاز «الحرس الثوري».
وأشارت وسائل إعلام «الحرس» الإيراني إلى تدريبات هجومية على مدى يومين، ضد الصواريخ الباليستية و«كروز» ومواجهة حاملات الطائرات وإطلاق النار من الهواء والبحر والشواطئ. وأظهرت تسجيلات مصورة للمناورات بثها التلفزيون الرسمي القوات الجوية والبحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» وهي تستعد لشن هجوم قبالة الساحل في جنوب غربي البلاد.
وظهرت قوارب سريعة وهي تبحر ضمن تشكيل محدد قبل أن تطلق القوات البرية قذائف مدفعية، بينما جرى إطلاق صاروخ من مروحية. وأظهرت اللقطات نموذجاً لحاملة الطائرات الأميركية من فئة «نيميتز» بوجود صفوف من مجسمات طائرات مقاتلة على جانبي مدرج الهبوط، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وأطلق صاروخ آخر مضاد للسفن، باسم «نصر1» من مروحية خلّف دخاناً قبل أن يصطدم على ما يبدو بطرف السفينة الحربية الزائفة. وشوهد بعد ذلك عناصر القوات المسلحة وهم يهبطون على سطحها قبل أن يحيط بها نحو 10 قوارب سريعة. ونهاية الأسبوع الماضي، دخلت الحاملة «نيميتز» مياه الشرق الأوسط، آتية من المحيط الهندي، ومن المرجح أن تحل محل «يو إس إس دوايت دي آيزنهاور» في خليج عمان. ولكن من غير الواضح متى أو ما إذا كانت «نيميتز» ستمر عبر مضيق هرمز.
وأظهرت صور نشرتها وكالة «تسنيم»، استخدام صواريخ باليستية متوسطة المدى من طراز «فاتح110» وأشارت إلى تجريب رؤوس حربية جديدة، تشبه رؤوساً مستخدمة في صاروخ «ذوالفقار» البالغ مداه 700 كلم. ولمحت الوكالة إلى احتمال إطلاق الصواريخ باتجاه أهداف بحرية وجزر في الخليج دون أن تحدد موقعها.
وكانت المناورات متوقعة بعدما أظهرت صور التقطها قمر «ماكسار تكنولوجيز» سحب حاملة طائرات وهمية باتجاه مضيق هرمز. وهي المناورات الثانية من هذا النوع بعد مناورات جرت في فبراير (شباط) 2015، بينما كانت مفاوضات الاتفاق النووي تقترب من الأمتار الأخيرة.
ونقل «سباه نيوز»؛ الموقع الرسمي لـ«الحرس الثوري»، عن نائب قائد «الحرس» للعمليات، عباس نيلفروشان، أن قواته تستخدم «أسلحة ومعدات مباغتة مثل صواريخ باليستية بعيدة المدى قادرة على ضرب أهداف عائمة بعيدة المدى للمعتدين» خلال التدريبات. وكان لافتاً أن مواقع «الحرس الثوري» حاولت استعراض ترسانة ما تملك تلك القوات ضد أهداف بحرية.
من جهته، قال قائد «الحرس الثوري» اللواء حسين سلامي للتلفزيون الرسمي إن «ما جرى عرضه اليوم (أمس) في هذه التدريبات، على مستوى القوات الجوية والبحرية، كان كله هجومياً». وتأتي المناورات بعد مؤشرات متزايدة على استمرار التوتر بين الجانبين، على ضوء مساع أميركية لتمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على طهران منذ سنوات، والذي من المقرر أن ينتهي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وقال سلامي إن «تطوير معداتنا وأسلحتنا يتوافق مع التهديد الحقيقي ومعرفة نقاط الضعف والقوة لدى العدو» وأضاف: «المناورات تجري بهدف ضمان حماية قوية لمصالح الشعب الإيراني». وتابع: «سياستنا ستكون دفاعية، مما يعني أننا لن نغزو أي بلد منذ البداية، لكننا هجوميون في العمليات والتكتيكات».
وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن المناورات في الممر المائي الذي يمر عبره ما بين 20 و30 في المائة من النفط العالمي، تهدف إلى تهديد الولايات المتحدة على وقع توتر متزايد بين طهران وواشنطن. وأضافت أنها «تؤكد على التهديد المستمر للصراع العسكري بين إيران والولايات المتحدة. بعد الصيف الماضي حصلت سلسلة من الحوادث التي تستهدف ناقلات النفط في المنطقة». وقالت ريبيكا ريباريتش، المتحدثة باسم «الأسطول الخامس» الأميركي في بيان: «نحن على علم بتدريبات إيرانية على مهاجمة مجسم سفينة مماثلة لحاملة طائرات»، مضيفة: «نرى دائماً هذا النوع من السلوك المتهور وغير المسؤول». وتابعت: «هذه التدريبات لم تعطّل عمليات التحالف في المنطقة، ولم يكن لها أي أثر على التجارة في مضيق هرمز والمياه المحيطة به».
وتقود البحرية الأميركية منذ العام الماضي ائتلافاً بحرياً دولياً يقوم بدوريات في الشرق الأوسط لحماية أمن الملاحة، بعد سلسلة هجمات تعرضت لها ناقلات وسفن تجارية في الخليج العربي وخليج عمان. وتطالب إيران بخروج القوات الأميركية من المنطقة، لكن البحرية الأميركية تؤكد أن المضيق ممر مائي دولي حاسم للشحن البحري وإمدادات الطاقة.
وقالت ريباريتش لوكالة «أسوشييتد برس»: «تجري البحرية الأميركية تدريبات دفاعية مع شركائنا لتعزيز الأمن البحري لدعم حرية الملاحة، بينما تجري إيران تمارين هجومية، في محاولة للترهيب». وقبل أيام من المناورات، اتهمت طهران مقاتلتين أميركيتين باعتراض طائرة ركاب إيرانية في فوق الأراضي السورية. وتضاربت الروايات الإيرانية بعدما نشر المجلس الأعلى للأمن القومي رواية أخرى اتهم فيها المقاتلتين بالاقتراب من الطائرة على دفعتين؛ فوق أجواء قاعدة التنف، وفي الشريط الحدود اللبناني - السوري بينما كانت تستعد للهبوط في بيروت. ونفي الجيش الأميركي الرواية الإيرانية.
وارتفع منسوب التوتر بين إيران والولايات المتحدة منذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 2018، انسحاب بلاده الأحادي من الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى.
وكان الطرفان على وشك الانخراط في حرب مرتين منذ تصنيف قوات «الحرس الثوري» على قائمة المنظمات الإرهابية في أبريل (نيسان) 2018، ووقعت واحدة من آخر المواجهات في منتصف أبريل، عندما اتهمت الولايات المتحدة «الحرس الثوري» باستخدام قوارب سريعة لمضايقة سفنها الحربية في الخليج. وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، قتلت غارة أميركية بطائرة «درون» العقل المدبر لعمليات «الحرس الثوري» خارج الحدود الإيرانية، قاسم سليماني، في بغداد، وردّت طهران بإطلاق صواريخ باليستية استهدفت القوات الأميركية في العراق.



القضاء الفرنسي يقرر الإفراج عن السجين اللبناني الأشهر في العالم

جورج إبراهيم عبد الله أثناء محاكمته بتهمة التواطؤ في جريمة قتل الدبلوماسيين الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمانتوف  في محكمة ليون، وسط شرق فرنسا، في 3 يوليو 1986 (أ.ف.ب)
جورج إبراهيم عبد الله أثناء محاكمته بتهمة التواطؤ في جريمة قتل الدبلوماسيين الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمانتوف في محكمة ليون، وسط شرق فرنسا، في 3 يوليو 1986 (أ.ف.ب)
TT

القضاء الفرنسي يقرر الإفراج عن السجين اللبناني الأشهر في العالم

جورج إبراهيم عبد الله أثناء محاكمته بتهمة التواطؤ في جريمة قتل الدبلوماسيين الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمانتوف  في محكمة ليون، وسط شرق فرنسا، في 3 يوليو 1986 (أ.ف.ب)
جورج إبراهيم عبد الله أثناء محاكمته بتهمة التواطؤ في جريمة قتل الدبلوماسيين الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمانتوف في محكمة ليون، وسط شرق فرنسا، في 3 يوليو 1986 (أ.ف.ب)

يوم 24 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1984، دخل رجلٌ يحمل الجنسية الجزائرية إلى مقر الشرطة في مدينة ليون، طالباً الحماية من عناصر المخابرات الإسرائيلية (الموساد) الذين يقتفون أثره، إلا أن جهاز المخابرات الداخلية الفرنسي نجح في كشف هويته الحقيقية، وعلم بسرعة أن الشخص الساعي للحماية، الذي يتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة، ليس سوى «عبد الكريم سعدي»، وهو الاسم الحركي لجورج إبراهيم عبد الله. وتبين لاحقاً، كما ذكّرت بذلك صحيفة «لو فيغارو»، أن جورج إبراهيم عبد الله كان يمتلك جوازات سفر مالطية ومغربية ويمنية، إضافة لجواز السفر الجزائري، وأيضاً اللبناني.

لم تتأخر محاكمة اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، البالغ من العمر اليوم 73 عاماً، الذي قبل القضاء الفرنسي الجمعة إطلاق سراحه بعد 40 عاماً أمضاها في السجن. والغريب أنه حُوكم مرتين: الأولى في عام 1986، بتهمة التآمر الجنائي وحيازة أسلحة ومتفجرات، وقضت المحكمة بسجنه لمدة أربع سنوات. لكنه، في العام التالي، حُوكم مرة ثانية من قبل محكمة الجنايات الخاصة في باريس بتهمة التواطؤ في اغتيال دبلوماسيين اثنين في عام 1982، هما الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمنتوف، ومحاولة اغتيال القنصل العام الأميركي روبرت هوم في مدينة ستراسبورغ، وآخر في عام 1984. وثابر جورج إبراهيم عبد الله على إنكار التهم الموجهة إليه، مشدداً على أنه «ليس سوى مناضل عربي». وفي المحاكمة الثانية، التي جرت في عام 1987، وبالنظر للضغوط التي انصبت على فرنسا من جانب الولايات المتحدة الأميركية ومن إسرائيل، صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد. اللافت أن الادعاء العام طلب سجنه لعشر سنوات، إلا أن قضاة محكمة الجنايات الخاصة لم يأخذوا بما طلبه الادعاء وقضوا بالسجن المؤبد.

وليس من المؤكد تماماً أن القرار الصادر عن محكمة تطبيق الأحكام التي وافقت على طلب الإفراج عن جورج إبراهيم عبد الله والسماح له بمغادرة الأراضي الفرنسية في السادس من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، سيتحقق. والسبب في ذلك أن الادعاء سارع إلى تأكيد أنه سيتقدم باستئناف على قرار المحكمة المذكورة الإفراج عن عبد الله شرط أن يغادر الأراضي الفرنسية وألا يعود إليها مطلقاً. وجاءت موافقة المحكمة هذه المرة بعد رفض لعشر محاولات سابقة. والمرة الوحيدة التي كاد يخرج فيها عبد الله من سجن «لانميزان» الواقع في منطقة جبال البيرينيه الفاصلة بين فرنسا وإسبانيا، وعلى بعد 120 كلم من مدينة تولوز، إلى الحرية كانت في عام 2013، حيث وافق القضاء المختص وقتها على الإفراج عنه شرط أن يصدر عن وزارة الداخلية وقتها التي كان يشغلها الاشتراكي مانويل فالس قرار بطرده من الأراضي الفرنسية. والحال أن هذا القرار لم يصدر ولم تعرف وقتها حيثياته، ولكن المرجح أن الضغوط المشتركة الأمريكية والإسرائيلية حالت دون ذلك. والمعروف عن فالس قربه من إسرائيل.

ويعد جورج إبراهيم عبد الله أحد أقدم السجناء السياسيين في العالم. والمعروف أنه ساهم في تأسيس وقيادة الفصائل الثورية اللبنانية المسلحة، وكان مناضلاً نشطاً لصالح القضية الفلسطينية ومتبنياً للأفكار الماركسية.

وبعد مرور عدة سنوات على سجنه، خصوصاً منذ أن أصبح له الحق في الخروج من السجن منذ 25 عاماً، ورفض القضاء الثابت الإفراج عنه، حظي بدعم محلي وخارجي. وكانت كلمة الكاتبة الفرنسية الحائزة على جائزة «نوبل» آني أرنو مدوية حين أعلنت أن جورج إبراهيم عبد الله «ضحية قضاء الدولة الفرنسية الذي هو عار فرنسا». الجديد في قرار المحكمة، الجمعة أنها لم تطلب، كما في عام 2013، صدور قرار طرد من وزارة الداخلية. لكن بالمقابل، يشاع أن فرنسا حصلت من لبنان على تعهدات مكتوبة من الحكومة اللبنانية تفيد بأن عودته إلى لبنان «لا يفترض أن تفضي إلى اهتزازات للنظام العام». وترجمة ذلك، وفق صحيفة «لو فيغارو»، أنه لا يفترض أن يستقبل جورج إبراهيم عبد الله، في حال إتمام عودته استقبال الأبطال.

وفي السنوات الأخيرة، سعت الحكومات اللبنانية المتعاقبة، خصوصاً في عهد الرئيس السابق ميشال عون، للإفراج عن عبد الله، لا بل إن وزيرة العدل ماري كلود نجم زارته في سجنه في عام 2022.

من جانبه، رحب محامي عبد الله، جان لوي شالانسيه، بقرار المحكمة، معتبراً أنه «انتصار قضائي وسياسي». بدوره قال توم مارتن، المتحدث باسم تجمع «فلسطين سوف تنتصر» لوكالة الصحافة الفرنسية، إن قرار محكمة تنفيذ الأحكام «خبر جيد بالطبع، لكنه مجرد خطوة أولى، لأن المدعي العام استأنف للتو»، مضيفاً: «يجب أن تشجعنا هذه الأخبار السارة على تطوير وتوسيع وتكثيف حملة الدعم التي لن تنتهي حتى يصبح جورج إبراهيم عبد الله حراً طليقاً في بلده لبنان».