رئيس «النور» المصري لـ «الشرق الأوسط» : «الإخوان» ينتحرون

رئيس «النور» المصري لـ «الشرق الأوسط» : «الإخوان» ينتحرون
TT

رئيس «النور» المصري لـ «الشرق الأوسط» : «الإخوان» ينتحرون

رئيس «النور» المصري لـ «الشرق الأوسط» : «الإخوان» ينتحرون

حزب النور السلفي جزء يصعب تجاهله في الخريطة السياسية في مصر، كان مفاجأة الانتخابات البرلمانية السابقة حيث حصل على 24 في المائة من مقاعد البرلمان ليشكل ثاني أكبر كتلة سياسية وقتها، كان هناك رابط بينه، وبين جماعة الإخوان، إلا أن حزب النور أخذ طريقا مختلفا بعد 30 يونيو (حزيران) أيد فيها ولا يزال خارطة الطريق الجديدة، وانتقد أسلوب الإخوان في الصدام واستخدام العنف.
يقول يونس مخيون، طبيب الأسنان، الذي يقود حزب النور في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في القاهرة بأن الإخوان «كانوا يريدون منا أن نمشي في ركابهم وتحت عباءتهم لكن نحن كانت لنا مواقف مستقلة لذلك شنوا هجوما علينا»، ويشرح موقف حزبه بعد 30 يونيو قائلا: «قررنا في تلك اللحظة المشاركة في خارطة الطريق، وعدم الاعتزال حتى لا يوضع التيار الإسلامي كله في سلة واحدة، ويجري إقصاؤنا جميعا ونوضع في نطاق صف خطاب العنف والتكفير الذي رأيناه على منصة رابعة العدوية. واخترنا أن نكون مشاركين في المشهد حتى لا يوصم كل الإسلاميين بالعنف والتكفير وننبذ من المجتمع وربما يجري إقصاؤنا بل ربما يجري استئصالنا بمباركة شعبية».
ويعد مخيون رئيس حزب النور السلفي المصري، أن جماعة الإخوان المسلمين، لن يكون لها أي مستقبل سياسي في البلاد إلا إذا أجرت مراجعات لنفسها واعتذرت للشعب عما بدر منها، والتخلي عن العنف والسب والشتم وتكفير الآخرين.
وكشف عن أنه حاول تقديم النصح للجماعة قبل 30 يونيو 2013. لكنها كانت مصممة على تحويل المعركة مع الشارع المصري إلى معركة بين الإسلاميين وغير الإسلاميين، وجلس مع الرئيس السابق محمد مرسي أكثر من ساعتين، ومع مكتب الإرشاد لكنهم رفضوا جميع الحلول.
وقال مخيون إن عدد من خرجوا للاستفتاء على الدستور هذه المرة يفوق عدد من خرجوا في جميع استحقاقات الاقتراع التي جرت بعد 25 يناير (كانون الثاني) 2011، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة تدل على حرص المصريين على الوصول لمرحلة الاستقرار وبناء المؤسسات والانتهاء سريعا من المرحلة الانتقالية، وبانتهاء الاستفتاء تكون مصر قد انتقلت إلى مرحلة «الشرعية الدستورية بإرادة الشعب»، وقال: إنه بات على الجميع التعامل مع الواقع الجديد لأن التصويت على الاستفتاء كان في الحقيقة تصويتا على خارطة الطريق أيضا بمجملها. وإلى تفاصيل الحوار.

* ما تعليقك على المرحلة الحالية بعد الاستفتاء وما حدث فيه؟
- طبعا الاستفتاء وما جرى فيه من إقبال كبير من الشعب المصري. عدد الذين خرجوا هذه المرة يفوق كل الذين خرجوا في كل الاستفتاءات التي جرت بعد ثورة 25 يناير 2011. وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على حرص المصريين على الوصول لمرحلة الاستقرار وبناء المؤسسات والانتهاء سريعا من المرحلة الانتقالية حتى لا تتميز بالارتباك والاضطراب. وأعتقد أنه بهذا الاستفتاء انتقلنا إلى مرحلة الشرعية الدستورية بإرادة الشعب، وبهذا تعد رسالة للداخل والخارج بأنه على الجميع التعامل مع الواقع الجديد، وهذه المرحلة، وأن يحترم إرادة الشعب. والتصويت لا يعد تصويتا على الاستفتاء ولكنه على خارطة الطريق أيضا بمجملها. وحقيقة أنه كان هناك من يدعي أنه كان هناك تزوير في هذه الانتخابات، لكن نحن لدينا قواعد في جميع مناطق الجمهورية وبناء عليها أقول إن عملية الاستفتاء جرت بشفافية تامة، ولم يكن هناك أي نوع من التدخل وكان عليه إقبال كبير من الناخبين، رغم أنه المعروف عن الاستفتاءات في مصر أن الإقبال يكون ضعيفا في العادة، ولكن لوحظ وجود إقبال أكبر من أي استفتاء جرى في الماضي.
* ذكر كلام عن أنه لم يكن هناك بعض الإقبال من الشباب، وأن نسبة المشاركة لم تتعد 40 في المائة؟
- لو قارنا بمن خرجوا للتصويت في دستور 2012 لا تتعدى نسبتهم نحو 17 مليونا، لكن هذه المرة خرج للتصويت نحو 20 مليونا. الأمر الثاني أن إحجام الشباب له أسبابه، وهو أن الشباب طبعا لديه أمل، بعد ثورة 25 يناير و30 يونيو، في المستقبل وأن يتغير الواقع، لكنه وجد أن أهداف الثورة الأربعة التي كان يطالب بها منذ 25 يناير، وهي عيش حرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية، لم يتحقق منها ما يريدون. وهذا من أسباب إحجام الشباب، وهناك أسباب أخرى جعلت الكثير من الناس يحجمون عن المشاركة، فالسلبيات موجودة ولو جرى تلافيها لكانت المشاركة أكبر من ذلك.
* لكن هل حقيقة أنه كان هناك إحجام من الشباب، أم أنها مجرد تكهنات؟
- كان واضحا أن مشاركة الشباب كانت ضعيفة إلى حد ما. وأنت تعلم أن الاستفتاء جرى في وجود موسم الامتحانات، وانشغال الشباب بها، وشعور الشباب عموما بشيء من الإحباط نتيجة تعذر تحقق ما كان يأمل فيه. أنت تعلم أن الشباب ظلم، طوال المرحلة السابقة، ولم يكن له مشاركة حقيقية في الحياة السياسية. وعلى العموم فإن أسباب ضعف مشاركة الشباب تحتاج لدراسة لأنه لا بد أن يكون هناك مزيد من الاهتمام بالشباب ومنحه فرصة أكبر للمشاركة في الحياة السياسية وأن يكون له دور فعلي في صنع القرار وخاصة أن الشباب كان له دور كبير في حركات التغيير، والثورة التي حدثت.
* قيل أيضا بأن قواعد حزب النور لم تساهم مساهمة فعلية في الاستفتاء؟
- هذا الكلام غير صحيح بالمرة. قواعد حزب النور ممثلة في الشعب كله. قواعد حزب النور ليست الملتحين والمنقبات فقط. ولكن نحن معنا قطاع كبير جدا متعاطف معنا، ويعمل معنا، ويثق فينا، وعهدوا فينا أننا لا نقدم إلا الخير للبلاد، بدليل أننا في انتخابات مجلس النواب السابق حصلنا على نحو من ثمانية إلى عشرة ملايين صوت، معظمهم لم يكونوا من الملتحين أو المنقبات. يضاف إلى ذلك أننا الحزب الوحيد الذي تحرك على مستوى الجمهورية ولم يقم بمثل هذا التحرك أي حزب أو حركة، ورأينا تجاوبا كبيرا وحماسا من الناس وكان في هذه المؤتمرات إقبال شديد حضرها أعضاء الحزب ومن غير أعضائه، ولعبت دورا كبيرا في إقناع الناس بالدستور الجديد، وكان لها أثر إيجابي واسع من خلال الرد على استفسارات الناس بشأن الدستور، خاصة ما يتعلق بمواد الهوية والشريعة، لأن الكثير من الناس ينظرون إلى حزب النور على أساس أن قضيته الرئيسية هي قضية الهوية والشريعة، وعندما يقول إن هذا الدستور حافظ على الهوية الإسلامية وعلى الشريعة الإسلامية فإنهم يأخذون كلامه بثقة. نحن تحركنا في جميع المحافظات، وعقدنا عددا ضخما من المؤتمرات. وقمنا بلصق الكثير من الملصقات الترويجية للدستور، وتوزيع نسخ من الدستور، والمنشورات الشارحة له بأعداد ضخمة. وفي أيام الانتخابات حدثت مشكلة كبيرة تسببت في إحجام عدد كبير من المشاركة في الاقتراع، وذلك حين حدث خطأ في توزيع اللجان. في السابق كان عدد اللجان 13 ألف لجنة، وفي الاستفتاء الأخير زاد العدد إلى 30 ألف لجنة، وعن توزيع أسماء الناخبين على تلك اللجان لم يراع التوزيع الجغرافي أو مناطق سكنهم، وفوجئ الكثير من الناس أن مقار التصويت التي توجد فيها أسماؤهم تبعد عن مقر سكنهم بمسافات كبيرة. والأسرة الواحدة المكونة من خمسة أفراد أصبح اسم كل واحد منهم في لجنة مختلفة عن الأخرى. ولذلك نحن ركزنا كحزب، منذ اليوم الأول للاستفتاء على توفير وسائل المواصلات.. آلاف السيارات الخاصة وسيارات الأجرة لنقل الناس من بيوتهم إلى مقار الاقتراع الخاصة بهم، لتسهيل المهمة. وكذلك خصصنا من أعضائنا مرشدين لإرشاد الناس عن لجانهم بواسطة الكومبيوتر المحمول أمام كل لجنة تقريبا. وفي اليوم الثاني خصصنا سيارات تطوف بمكبرات الصوت تدعو الناس للذهاب للجان. ولم يقم أي حزب آخر بمثل هذا الدور أو هذا النشاط عل مستوى الجمهورية.
* لوحظ أيضا أنه كان لكم تحالف سابق مع جماعة الإخوان ومع حزبها «الحرية والعدالة» لكن في الفترة الماضية تصاعد الخلاف بشكل علني، وأصبح هناك ما يشبه القطيعة. كيف تطور هذا، وهل أصبح هذا موقفا نهائيا؟
- أولا لم يكن بيننا وبين الإخوان تحالف. نحن كونا حزب النور بعد ثورة 25 يناير، وهم كونوا حزب الحرية والعدالة، وخضنا الانتخابات في ذلك الوقت كمتنافسين وكانت المعركة شديدة وشرسة بيننا وبينهم. هم كانوا يستخدمون في الدعاية المشروع وغير المشروع.. كل الوسائل كانوا يستخدمونها ضدنا بل إنه لو حصلت إعادة بين أي مرشح من حزب النور ومرشح آخر كانوا يتحالفون مع المرشح الآخر ضد مرشح حزب النور لإسقاطه. لم يكن بيننا وبينهم تحالف على الإطلاق. ولكن حين أصبحنا في مجلس الشعب فنحن كحزب نور نعمل من أجل مصلحة البلاد، وأصبحنا في مكان واحد، وكانت آراؤنا مستقلة، وأحيانا كانت مواقفنا تتفق مع حزب الحرية والعدالة والإخوان، وأحيانا تختلف معهم بناء على المصلحة. ولنا مواقف كثيرة. وكان واضحا اختلاف أسلوب العمل بيننا وبينهم منذ دخولنا العمل السياسي ومجلس النواب. وهذه كانت نقطة فاصلة بيننا وبينهم، لأننا كنا نرفض الاستحواذ ونرفض إقصاء الآخرين. مبدأنا مشاركة الجميع خاصة بعد الثورة، ومنهجهم كان مختلفا عنا تماما وهو منهج الإقصاء وحب الاستحواذ على المشهد، وهذا كان واضحا في تعاملنا معهم منذ البداية. وبعد ذلك وحين وجدنا أن هناك إخفاقات في الفترة الرئاسية لمحمد مرسي، وأن هذه الإخفاقات أدت إلى نوع من الاستقطاب في الشارع ونوع من المعارضة، وبدأت تتزايد، شعرنا بأن هناك خطرا، وتقدمنا نحن، حزب النور، بمبادرة لاقت قبول جميع القوى السياسية ما عدا الإخوان المسلمين والدكتور مرسي. ولو استجاب لها الدكتور مرسي في وقتها لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. وكانت هذه المبادرة منذ عام. وأثناء عرضنا لهذه المبادرة شنوا علينا هجوما حادا واتهمونا بالخيانة وشق الصف الإسلامي وسلطوا علينا بعض القنوات (التلفزيونية) التي يطلق عليها «قنوات إسلامية» وصفحات «فيس بوك» واتهمونا بأننا تحالفنا مع جبهة الإنقاذ ومع الليبراليين، وهذا الكلام كان غير صحيح بالمرة. فمنذ هذه اللحظة كانوا يريدون أن نسير في ركابهم وتحت عباءتهم لكن نحن كانت لنا مواقف مستقلة لذلك بدأوا شن الهجوم علينا، ثم بدأ الأمر يتطور، وانتقلت المعارضة من المعارضة باللغة السياسية إلى المعارضة في الشارع عن طريق «(حركة) تمرد». وحينما نزلت تمرد إلى الشارع وجدت تجاوبا كبيرا من الناس لأنهم كانوا في تذمر من سياسة الإخوان وسياسة الاستحواذ ومحاولة السيطرة على مفاصل الدولة. وأنا جلست مع الدكتور مرسي نحو ساعتين ونصف الساعة، ونصحته وأرشدته إلى الخطر وعرضت عليه حلولا، لكن لم نجد أي نوع من الاستجابة على الإطلاق، حتى وصل الموضوع في نهايته إلى يوم 30 يونيو وطلبنا الجلوس مع مكتب الإرشاد وطلبنا منهم أيضا أن يقدموا حلولا، كما قدمنا نحن أيضا لهم بعض الحلول، لكنهم رفضوا الاستجابة أو الإنصات تماما، وبدلا من أن يقدموا الحلول، اختاروا خيارا آخر وهو بدل حل الأزمة تجاوز الأزمة عن طريق حشود جماهيرية ضد حشود جماهيرية. ووجه الإخوان دعوة لنا لتنظيم مظاهرة مليونية يوم 21 يونيو تكون في مقابل مليونية يوم 30 يونيو، بيد أننا رفضنا ذلك رفضا تاما، وقلنا لا يجب توظيف الدين في صراع سياسي أو أن نصف الصراع على أنه صراع ديني بين إسلاميين وغير إسلاميين، لأن هذا غير صحيح، وهذا استخدام للدين في غير محله، وسيؤدي لصراع، وأنه سيجعلنا كتيار إسلامي نخسر الشعب المصري كله، لأن الشعب الذي سيخرج في 30 يونيو ليسوا ضد الإسلام ولا ضد الدين ولا ضد الشريعة، ولا ضد المشروع الإسلامي، لأن الناس لم تر مشروعا إسلاميا أصلا طوال هذه السنة. ولم تر أي ملامح للمشروع الإسلامي. فلماذا تريدون تحويل الصراع إلى صراع إسلامي. لقد رفضنا هذا المبدأ، ورفضنا الخروج في مليونية رابعة (العدوية)، فبدأوا يهاجموننا ويقولون: إننا خذلنا الشريعة والإسلام وبدأوا يصورون الأمر كأنه ضد الدين وضد الإسلام. ورأينا أن هذه متاجرة بالدين لا تجوز أبدا. وبدأوا يصدرون على المنصة شخصيات ممن لهم تاريخ في العنف. وبدأت الخطابات التكفيرية والعنف وكأننا مقبلون على حرب. وما توقعناه حدث، وبدأت تحدث انشقاقات في الشعب المصري، وبدا كأننا مقبلون على حرب أهلية، وبدأت الأمور تتصاعد كلما اقتربنا من 30 يونيو، وبدأت بوادر الصراع والقتل حتى وصلنا ليوم 30 يونيو وخرج الناس بالملايين ورأيناهم بأعيننا في كل القرى والنجوع والشوارع والمدن. والموقف تغير تماما. وأصدرنا مبادرة بأن يجري الدكتور مرسي انتخابات رئاسية مبكرة بيد أنه لم يستجب، والإخوان لم يستجيبوا، وأصبحت البلد في حالة شلل كامل، وكان الدكتور مرسي، في الحقيقة، وفي الواقع، ليس رئيسا لمصر، لأن كل الأجهزة تخلت عنه ومعظم الشعب خرج إلى الشوارع. أصبحنا في واقع جديد وهو لم يستجب. وفي يوم 30 يونيو دعونا كحزب النور، وأنا دعوت شخصيا لحضور جلسة حوار وطني مع الفريق أول عبد الفتاح السيسي في القاهرة، وكانت الدعوة موجهة أيضا لحزب الحرية والعدالة والأزهر والكنيسة والشباب وكذلك جبهة الإنقاذ وممثلين عن القضاء، وعندما سألت عن الهدف من هذه الجلسة قيل إنه حوار وطني مصغر. أرسلت الأمين العام للحزب، لأنه تعذر علي الوصول لأن الطرق كانت مقطوعة، فذهب، وأبلغ أن الموضوع قد انتهى وأن مرسي، صفحة طويت. وكان مرسي قد جرى عزله. نحن حين ذهبنا وجدنا واقعا جديدا فرض نفسه، وأن مرسي عزل، ونحن كحزب النور إما أن نشارك في خريطة الطريق أو أن نعتزل. فنحن قررنا في هذه اللحظة المشاركة وإلا نعتزل حتى لا يوضع التيار الإسلامي كله في سلة واحدة، ويجري إقصاؤنا جميعا، ونوضع في نطاق صف خطاب العنف والتكفير الذي رأيناه على منصة رابعة العدوية. واخترنا أن نكون مشاركين في المشهد حتى لا يوصم كل الإسلاميين بالعنف والتكفير وننبذ من المجتمع وربما يجري إقصاؤنا بل ربما يتم استئصالنا بمباركة شعبية.
* خلال الأشهر الأخيرة كنتم دائما تدينون العنف والاحتراب الأهلي، وهذا لا يزال موقفكم حتى الآن، لكن بالنسبة إلى الخطوات المقبلة بعد إقرار الدستور، حيث إن هناك استحقاقات هل أنتم مع الانتخابات البرلمانية أولا أم الانتخابات الرئاسية؟
- موقفنا واضح. إننا نلتزم بما جاء في الإعلان الدستوري وخارطة الطريق حتى تكون هناك مصداقية في الشارع. وطبعا كل خيار له سلبياته وله إيجابياته ولكننا رأينا أن الانتخابات البرلمانية أولا بحيث إن الرئيس المقبل يأتي في وجود مجلس تشريعي هو الذي يتولى سلطة التشريع. وحاليا نعد أن هناك رئيسا موجودا، لكن يوجد فراغ تشريعي فعلا، ورأينا أن تكون الانتخابات البرلمانية أولا، لكن إذا جرى غير ذلك، فنحن لا نفرض رأينا على الآخرين. وبالنسبة لنظام الانتخابات، رؤيتنا أن يكون مختلطا بين القائمة والنظام الفردي وهذا هو الأنسب لتقوية الأحزاب بحيث نرتقي أيضا بمستوى الناخبين ويعتادون على أن يكون الاختيار على أساس المنهج والرؤى والبرامج وليس على أساس الأشخاص.
* لكن واقع المجتمع المصري يقول إن الناخب ما زال حتى الآن لا يفهم مسألة القائمة جيدا؟
- لو كان للواقع خطأ، فنحن لا نكرسه، وإنما نحاول أن نصلحه. نحن نتحدث عن نظام نرسم به خارطة لعشرات السنين. المشكلة لدينا في المجتمع المصري هي مشكلة القبلية والعصبية وكذلك مشكلة استخدام المال من رجال الأعمال. هذه مشكلة كبيرة تفرز مجلس نواب يضم نوابا غير أكفاء، ولا يعبرون عن الشعب المصري تعبيرا جيدا. ورأس المال سيلعب دورا، وكذلك العصبية والقبلية. نحن نريد أن تكون هناك قوائم تضم ناسا متخصصين وكفاءات. وليكن نظام الانتخابات نصفه قوائم ونصفه بالنظام الفردي. بالفردي نكون قد حققنا رغبة الناس في اختيار من يعرفون، وبالقوائم باعتبار أنها تضم كفاءات ويعتاد الناس على الاختيار على أساس البرامج والرؤى وليس على أساس الأشخاص. هذه وجهة نظرنا ونرى أنها الأصلح في الوقت الحالي إن شاء الله.
* وبالنسبة للانتخابات المقبلة، هل بدأتم استعداداتكم لها؟
- نعم.. نحن لدينا مجمع انتخابي مركزي ولدينا مجمع انتخابي في كل محافظة. وكنا قد بدأنا فعلا حين أعلن الدكتور مرسي عن إجراء انتخابات لكن القضاء الإداري ألغى قراره. وبدأنا فعلا في البحث عن مرشحين واختيارهم وكذلك تقييم المرشحين السابقين بحيث نرى من يصلح لإعادة ترشحه أو استبعاده. ونحن نعمل على قدم وساق لكننا متوقفون حتى نرى النظام كيف سيكون النظام الانتخابي، فردي أم بالقائمة، لأن التحرك والاختيار سيختلف وفقا للنظام الانتخابي، وبرسم خارطة الترشح على مستوى الجمهورية.
* يبدو المزاج العام أو الاتجاه العام في البلاد حاليا أن تكون الانتخابات الرئاسية أولا، وهناك اتجاه قوي أيضا لترشيح الفريق أول السيسي، للرئاسة، فما موقفكم في هذا الصدد؟
- أولا، نحن أوضحنا كحزب موقفنا من ترشيح الفريق أول عبد الفتاح السيسي مفاده أننا لن نبدي رأينا في مرشح الرئاسة إلا بعد غلق باب الترشح. لأننا لا نعلم هل الفريق أول السيسي سيترشح أم لا؟ ما زال الأمر لم يحسم. الأمر الثاني، هو أننا عندما نقيم شخصا بمفرده فربما نقول إنه لا يصلح، لكن حين نقارنه مع الآخرين ربما يكون أصلح واحد فيهم. ولذلك لن نحسم موقفنا إلا بعد غلق باب الترشح، وبعدها نفاضل بين المرشحين، ونعلن موقفنا إن شاء الله.
* يقال: إن مصر تحتاج خلال الفترة المقبلة إلى شخص قوي؟
- هذا أمر له سلبيات وله إيجابيات. ولا نريد أن نتعلق دائما بأشخاص أو بشخص، ونعتقد أنه سيكون «سوبر مان (رجل خارق)»، وأنه يستطيع أن يحقق كل شيء لأنه ربما يأتي ذلك بنتيجة عكسية. مصر بها مشاكل كثيرة ومشاكل صعبة والناس ستنتظر من هذا الشخص الذي سيعلقون عليه كل الآمال، أن يحقق كل شيء. وقد يعجز عن ذلك ولا يستطيع لظروف متعددة أن يحقق للناس كل شيء، وهذا ربما يأتي بنتيجة عكسية. لا نريد أن نتعلق بأشخاص، ولكن نريد أن نرسخ لدولة المؤسسات، وأي رئيس يأتي نحن نتعامل معه ونقف وراءه لإنجاحه طالما جاء بإرادة شعبية. هذه القضية تحتاج إلى دراسة وليس الأمر مسلما به على الإطلاق.
* يؤخذ الانطباع عن حزب النور، سواء من خلال عمله في البرلمان أو بشكل عام، أن اهتمامه ينصب على المواد المتعلقة بالشريعة. والمصريون في معظمهم مؤمنون، والمشاكل المصرية تتعلق بأمور كثيرة كالاقتصاد والسياسة وما إلى ذلك. هل لديكم برامج عملية لمثل هذه القضايا؟
- هذا كلام غير صحيح بالمرة، حتى حين كنا في عهد الرئيس (الأسبق) حسني مبارك، أي عندما كنا في الدعوة، كان لنا دور كبير في حل مشاكل الناس أولا من ناحية كفالة الأيتام والأرامل وإقامة مشروعات لخدمة الناس وتسيير قوافل طبية وجمعيات تقوم بتيسير الأمور بين الناس والإصلاح بين الناس. لنا وجود في المجتمع المصري لا يفعله أي حزب آخر ولا أي توجه آخر. كنا مختلطين مع الناس، وكنا في المساجد ونعد أي مسجد في أي قرية أو أي حي بمثابة برلمان لمصر لحل مشاكل الناس كلها. وكنا نشارك في حل مشاكل (نقص) أسطوانات الغاز والخبز. وكنا في أيام الثورة نوفر الخضراوات والمواد التموينية ونبيعها للناس بأسعار رخيصة. نحن في قلب الناس وفي قلب المجتمع، ومن أول من يسعى لحل مشاكل المجتمع. بالإضافة إلى هذا لدينا برامج متكاملة في برنامج الحزب وفي البرنامج الانتخابي. لدينا رؤية للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي والتعليمي والصحة وغيرها، ولكن نحن فعلا من أهم أهدافنا الشريعة الإسلامية لأننا نرى أن الدولة التي تتهاون في هويتها فهي لا تحترم نفسها ولا يحترمها الآخرون. نحن نرى أن لدينا رؤية إصلاحية منبثقة من الكتاب (القرآن) والسنة، لصالح البلاد والعباد، ولذلك نحن نهتم بهذه القضية باعتبارها قضية محورية وقضية أمر شرعي، ونحن لا نعبر بهذا عن موقفنا فقط، ولكن نعبر عن الشعب المصري كله.. الشعب المصري محب للشريعة وتوجد استطلاعات رأي محلية وخارجية وجدت أن نحو 90 في المائة أو 95 في المائة من الشعب المصري محب لدينه، وأنه من أكثر الشعوب حبا للشريعة الإسلامية. والدليل على ذلك أنه حين أرادوا أن يقننوا الشريعة الإسلامية في عهد (الرئيس أنور) السادات وفي بداية عهد مبارك، قال النائب حافظ بدوي الذي كان في ذلك الوقت وكيلا لمجلس الشعب إنه طاف ربوع مصر ووجد أن الشعب المصري مجمع على الشريعة الإسلامية. ومعظم الناس التي خرجت للاستفتاء بنعم على دستور 2012 خرجت بسبب المادة 219 وما كان فيها من نص على الشريعة الإسلامية. نحن حين نطالب بالشريعة فإننا نلبي رغبة الشعب المصري في هذا المجال.
* يقال: إن حجم تراكمات المشاكل في مصر خلال سنين كثيرة ستجعل مهمة أي حكم قادم صعبة وستحتاج إلى قرارات جريئة، يكون من بينها التقشف وكثير القرارات التي قد لا تكون شعبية لإصلاح الأمور. هل أنتم مستعدون لذلك؟
- أولا، من ناحية الحكم، وهل سيكون في يدنا الحكم أو السلطة التنفيذية، نحن من البداية مبدأنا أن ندير ولا نحكم، لأنه بعد أي ثورة لا ينبغي أبدا لفصيل معين أن يتحمل المسؤولية على الإطلاق، لكن كل من شارك في الثورة وهدم النظام السابق لا بد أن يشارك في البناء، ولا يستحوذ فصيل لمجرد أنه حصل على الأغلبية في الانتخابات، أو أن ينفرد بالبلد. نحن مع أن يشارك جميع أهل البيت في البناء وإلا سيحدث نوع من التمرد إما بمحاولات إفشالك أو عدم التعاون أو هدم ما تبنيه. نظريتنا أن ندير ولا نحكم، والفرق بين الإدارة والحكم، أن الإدارة هي أن نستفيد من جميع الكفاءات والخبرات ونضع الرجل المناسب في المكان المناسب بصرف النظر عن آيديولوجيته أو انتمائه الحزبي، هذه النقطة الأولى. أما النقطة الثانية فهي أن الناس تحتاج إلى قدوة. إذ لا يصح أن تفرض عملية تقشف على الشعب المصري في ظل وجود تفاوت طبقي رهيب، وفي ظل وجود ناس يعيشون عيشة فوق المستوى. فكيف تطلب من الناس التقشف بينما الناس ترى كل هذا البذخ وهذا الإسراف، وهذا الإنفاق الحكومي بلا حساب. إذا كان لا بد من التقشف فلا بد أن يكون على الجميع. ولا بد للحكام أن يكونوا قدوة ومثلا، وفي حال كان هناك مشروع قومي يلتف حوله الشعب فأعتقد أنه سيكون قادرا على تحمل القرارات الصعبة.
* هل ترى أن هناك مستقبلا سياسيا لجماعة الإخوان المسلمين، أو أي جماعات منهم، في مصر، وما هو الطريق لهذا؟
- بالنسبة لـ«الإخوان المسلمين»، في الحقيقة، يمكن للإنسان أن يفشل سياسيا، ويمكن أن يعيد الكرة مرة أخرى فينجح. ويمكن للإنسان أن يخوض معركة ويخسر لكنه يمكن أن يعيد الكرة وينتصر. لكن الإنسان حينما يفشل أخلاقيا، أو يسقط أخلاقيا، فهذا الأمر يصعب جبره وعلاجه. المشكلة أن الإخوان ما كنا نتمنى لهم أن يصدر منهم ما صدر. وأرى أن ما فعلوه يعد انتحارا. اختيار طريق الصدام بهذه الصورة واستخدام نهج العنف وكذلك عدم التزامهم بالأخلاقيات مع المخالف وصل لدرجة التكفير والعمالة والسب والشتم واللعن بكل صوره وأشكاله، فمما لا شك فيه أنه أصبح من الصعب جدا أن يعودوا للحياة السياسية، إلا إذا راجعوا أنفسهم واعتذروا للشعب المصري عما بدر منهم، وأن يقوموا بمراجعات للمنهج والفكر، وهذا الأمر قد يأخذ وقتا طويلا ولكن لا بد أن يقوموا بمراجعة نفسهم حتى يمكن أن يندمجوا في المجتمع. نحن نريد لهم أن يندمجوا في المجتمع ويكونوا جزءا فعالا وبناء ولكن أعتقد أن هذا سيستغرق وقتا طويلا ولن يكون في القريب العاجل أو المنظور.
* يوجد سؤال عام بشأن ما أطلق عليه «الربيع العربي» في تونس ومصر وسوريا وليبيا. في البدايات كان الانطباع ورديا ومتفائلا وبعد ثلاث سنوات تقريبا كثيرون يتساءلون عن ماله بسبب ما حدث من دمار. كيف ترى الأمر بعد ثلاث سنوات؟
- هناك بعض الدول الأمر فيها تتقاطع معه عوامل داخلية وخارجية. بالنسبة للعوامل الخارجية، معلوم أن هناك مخطط لتقسيم المنطقة بما يسمى «الشرق الأوسط الجديد»، وهذا تكون بدايته الفوضى الخلاقة بافتعال المعارك الطائفية والقبلية والمذهبية بحيث إنه بعد هذه الفوضى يجري تفكيك البلاد إلى بلاد صغيرة وتكون القوى الوحيدة هي إسرائيل. حدث ذلك في العراق، واليوم سوريا سقطت، والسودان انقسمت، واليمن على وشك، وليبيا تعد مفككة. أعتقد أن هناك أصابع خارجية تغذي ذلك بقوة. للأسف أننا لم نستوعب الدرس وكان من المفترض أن نتنبه لذلك ولكننا وقعنا في الفخ، وهذه البلاد بدأت فيها الصراعات المذهبية بقوة بحيث إنها صبت في صالح الأعداء والمتربصين، ولذلك نحن في حزب النور في مصر منتبهين لهذا الخطر، ولهذا شاركنا في خريطة الطريق، وفي وضع الدستور، لأننا ننظر لأخف الأضرار من باب إذا تزاحمت المفاسد فنختار أخف الضررين. وكما ترى لم يعد في المنطقة من دولة متماسكة بعد هذه الثورات إلا مصر، هذا بفضل الله عز وجل أولا، ثم بتماسك الجيش مع الشعب، ولهذا أقول إن من ينزل الشوارع اليوم للتخريب والعنف لا يصب في صالح مصر على الإطلاق ولكن يصب في صالح أعداء مصر حتى لو لم يكنوا يقصدون ذلك. فلا بد أن ننظر للأمر نظرة شاملة لأن سقوط مصر لا قدر الله سيكون كارثة على الأمة كلها. الأمة العربية والأمة الإسلامية، ولا بد أن نبذل كل الجهد من أجل أن تظل الدولة متماسكة، وبعد ذلك نصلح خطوة خطوة. لو هدمت الدولة لن يكون هناك شيء يمكن إصلاحه. ولكن الأمل في الله سبحانه وتعالى. وهناك بعد البلدان احتاجت لوقت حتى تستقر فيها الأمور بعد الثورات، مثل فرنسا التي استغرق فيها الأمر نحو عشرين سنة. وفي أميركا احتاج الأمر عشرات السنوات. ونحن لا نرجو أن نصل لهذا الأمر في مصر.
* هل أنت متفائل؟
- نعم الحمد لله أنا متفائل لعدة أسباب، منها أن مصر ليس فيها طائفية وكلنا أهل سنة، ثم إن جيش مصر جيش وطني وليس جيشا طائفيا ويوجد ارتباط قوي بين الجيش والشعب المصري. والشعب المصري لا يميل بطبيعته إلى العنف وما يحدث في الفترة الأخيرة أمر شاذ في تاريخ المصريين. والشعب حين يستشعر الخطر يتوحد ويقف صفا واحدا. أعتقد أن هذه عوامل تبشر بالخير والغد إن شاء الله سيكون أفضل من اليوم. ستكون هناك بعض العوائق وبعض الاضطرابات لكن الشعب المصري سيتجاوزها إن شاء الله.



العليمي يشدد على الشراكة السياسية... ويرفض «أحادية الانتقالي»

قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي تستعد لشن عملية أمنية في محافظة أبين شرق عدن (رويترز)
قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي تستعد لشن عملية أمنية في محافظة أبين شرق عدن (رويترز)
TT

العليمي يشدد على الشراكة السياسية... ويرفض «أحادية الانتقالي»

قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي تستعد لشن عملية أمنية في محافظة أبين شرق عدن (رويترز)
قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي تستعد لشن عملية أمنية في محافظة أبين شرق عدن (رويترز)

شدَّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، على ضرورة الالتزام بنهج الشراكة السياسية والمرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، محذراً من تداعيات أي إجراءات أحادية في المحافظات الشرقية، ومؤكداً أن فرض أمر واقع خارج التوافق الوطني من شأنه الإضرار بوحدة القرار الأمني والعسكري، وفتح ثغرات تستفيد منها الجماعة الحوثية والتنظيمات الإرهابية المتخادمة معها.

وجاءت تصريحات العليمي خلال استقباله في الرياض السفير الأميركي ستيفن فاغن، بالتوازي مع تحركات مكثفة لاحتواء تبعات التصعيد الأمني والعسكري في حضرموت والمهرة في شرق اليمن.

وذكر الإعلام الرسمي أن العليمي ناقش مع السفير فاغن «العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، وسبل تعزيزها على مختلف المستويات، إلى جانب مستجدات الأوضاع المحلية، وفي المقدمة التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية، وجهود الإصلاح الحكومي، والتنسيق المشترك في مجال مكافحة الإرهاب وردع الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران».

وأشاد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني - وفق الإعلام الرسمي - بالمواقف الأميركية «الحازمة» إلى جانب الدولة اليمنية، مثمناً قرار واشنطن تصنيف الجماعة الحوثية «منظمةً إرهابيةً أجنبيةً»، ودورها في مواجهة شبكات تهريب السلاح والتمويل المرتبطة بالنظام الإيراني، إضافة إلى الدعم السياسي في مجلس الأمن، والمساندة المقدّرة لمسار الإصلاحات الاقتصادية.

العليمي مجتمعاً في الرياض مع السفير الأميركي ستيفن فاغن (سبأ)

وأكد العليمي أهمية استمرار الدور الأميركي الفاعل إلى جانب اليمن وقيادته السياسية، بما يسهم في استعادة مؤسسات الدولة، وترسيخ الأمن والاستقرار، والتقدم نحو سلام عادل. وفي الوقت نفسه، جدد تحذيره من تداعيات أي خطوات أحادية خارج المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، لما قد يترتب عليها من إضعاف لاستقلالية الحكومة ووحدة القرار السيادي.

ونقلت وكالة «سبأ» أن اللقاء تناول التحركات الأخيرة للمجلس الانتقالي الجنوبي في المحافظات الشرقية، حيث شدد العليمي على ضرورة الالتزام بالشراكة القائمة بين مختلف المكونات السياسية في إطار تحالف الحكومة الشرعية، مؤكداً أن الحفاظ على التوافق الوطني يمثل شرطاً أساسياً لمواجهة التحديات الراهنة، وفي مقدمتها خطر الحوثيين والتنظيمات الإرهابية.

وثمّن العليمي الجهود التي تقودها السعودية، بمشاركة الإمارات، لخفض التصعيد في حضرموت والمهرة، عادّاً أن استقرار المحافظات الشرقية وإعادة تطبيع أوضاعها يمثلان مطلباً حيوياً لأمن اليمن واستقراره، وامتداداً طبيعياً لأمن المنطقة وإمدادات الطاقة العالمية.

ونسب الإعلام اليمني إلى السفير فاغن أنه أكد موقف بلاده الثابت والداعم لوحدة اليمن وسلامة أراضيه، وحرص واشنطن على تماسك مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، واستمرار الشراكة في جهود مكافحة الإرهاب، والتخفيف من معاناة الشعب اليمني، ودعم تطلعاته السياسية والاقتصادية.

نقاشات في عدن

بالتوازي مع هذه التطورات، شهدت العاصمة اليمنية المؤقتة، عدن، اجتماعاً سياسياً وأمنياً، جمع عضو مجلس القيادة الرئاسي عبد الرحمن المحرّمي ورئيس مجلس النواب سلطان البركاني، بحضور قيادات عسكرية وأمنية. وناقش اللقاء آخر المستجدات على الساحة الوطنية، وانعكاساتها على الأوضاع السياسية والاقتصادية والخدمية.

وشدَّد المحرّمي - بحسب الإعلام الرسمي - على أهمية توحيد السلاح في مواجهة الانقلاب الحوثي، ومكافحة الجماعات الإرهابية في المحافظات المُحرَّرة، وقطع شبكات تهريب السلاح والمخدرات التي تمثل أحد مصادر الدعم الرئيسية للحوثيين. في حين ثمّن البركاني الدور الذي يقوم به المحرّمي في مكافحة الإرهاب، عادّاً أن هذه الجهود تسهم في تعزيز الأمن والاستقرار.

عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عبد الرحمن المحرمي مجتمعاً في عدن مع رئيس البرلمان سلطان البركاني (سبأ)

وكان البركاني قد التقى، في وقت سابق، عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، بحضور قيادات عسكرية وأمنية، حيث ناقش اللقاء - بحسب إعلام «الانتقالي» - مستجدات الأوضاع السياسية، والجهود الرامية إلى تعزيز الأمن والتصدي لشبكات تهريب الأسلحة، لا سيما في وادي وصحراء حضرموت والمهرة.

تحرك ميداني

ميدانياً، أعلنت مصادر إعلامية مقربة من «المجلس الانتقالي الجنوبي»، أن القوات التابعة للمجلس بدأت نشر وحدات عسكرية وأمنية باتجاه مناطق التماس مع جماعة الحوثيين قرب محافظة البيضاء.

وأفادت المصادر بأن عملية «الحسم»، التي أُعلنت مطلع الأسبوع، دخلت حيز التنفيذ، مع انتشار قوات الحزام الأمني والدعم والإسناد ومحور أبين في مناطق المنطقة الوسطى، بالتوازي مع تعزيزات إضافية إلى خطوط التماس المتاخمة لمكيراس، ضمن خطة تهدف إلى إنهاء الوجود الحوثي وتأمين المديرية وربطها بالمناطق المحررة.

وبحسب مصادر ميدانية، تترافق هذه التحركات مع عمليات ملاحقة للتنظيمات الإرهابية في أبين، خصوصاً عناصر تنظيم «القاعدة»؛ لمنع استخدام تلك المناطق نقاط عبور أو نقاط إمداد لجبهات القتال.

جنود تابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب باستعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (رويترز)

من جهته، قال محمد النقيب المتحدث باسم القوات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي إن عملية «الحسم» التي تنفِّذها القوات الجنوبية تمثل محطةً مفصليةً في مسار مكافحة الإرهاب، وتأتي استكمالاً لعملية «سهام الشرق»، في إطار جهد عسكري وأمني تراكمي امتدَّ لنحو عقد من الزمن.

وأضاف النقيب في تصريحات صحافية، أن العملية لا تُعدُّ تحركاً عسكرياً معزولاً، بل تعدُّ امتداداً لسلسلة من العمليات التي نفَّذتها القوات الجنوبية لمواجهة التنظيمات الإرهابية، وتأمين المناطق الواقعة ضمن نطاق انتشارها، من المهرة شرقاً حتى باب المندب غرباً.

وأكد أن العملية تستهدف تقويض شبكات الجماعات المتطرفة ومنع تداخلها مع جماعة الحوثي، وقطع مسارات الإمداد والتهريب، مشيراً إلى أن هذه الجهود تندرج ضمن مقاربة أمنية أوسع تسهم - بحسب تعبيره - في تعزيز أمن الجنوب، ودعم الاستقرار الإقليمي، لا سيما في الممرات البحرية الحيوية.


إسلام آباد تترقب انطلاق مرحلة جديدة من المفاوضات مع كابل

أحمد فاروق السفير الباكستاني لدى السعودية (الشرق الأوسط)
أحمد فاروق السفير الباكستاني لدى السعودية (الشرق الأوسط)
TT

إسلام آباد تترقب انطلاق مرحلة جديدة من المفاوضات مع كابل

أحمد فاروق السفير الباكستاني لدى السعودية (الشرق الأوسط)
أحمد فاروق السفير الباكستاني لدى السعودية (الشرق الأوسط)

في وقتٍ شهدت فيه كل من الرياض والدوحة وإسطنبول مفاوضات مباشرة لنزع فتيل التوتر بين إسلام آباد وكابل، كشف مسؤول باكستاني أن بلاده تنتظر المرحلة الثانية من المفاوضات لإيجاد حل للتوتر بين البلدين، مشدداً على أهمية اتفاقية الدفاع المشترك التي وُقّعت أخيراً بين الرياض وإسلام آباد.

وقال أحمد فاروق، السفير الباكستاني لدى السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، إن باكستان وقّعت، هذا العام، اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المتبادل مع السعودية، و«ساعدت على إضفاء طابع رسمي على علاقة عسكرية قوية جداً بين البلدين. كما نعمل حالياً على كيفية تعزيز شراكتنا الاقتصادية بشكل أكبر، وهناك فِرق من الجانبين منخرطة حالياً في هذا الجهد». وأضاف فاروق: «نتطلع كثيراً إلى تعزيز علاقاتنا الاقتصادية وروابطنا التجارية بشكل أكبر، ونتطلع لزيارة مرتقبة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان».

وأضاف فاروق: «إن العلاقة بين إسلام آباد والرياض علاقة تاريخية جداً، وقوية جداً، وأخوية وصادقة. ولهذه العلاقة أهمية عميقة لشعبَي البلدين، حيث إن العلاقات الثنائية على مستوى القيادات علاقة قوية جداً، ويتجلى ذلك في كثافة الزيارات رفيعة المستوى التي نشهدها، ففي هذا العام وحده زار رئيس وزراء باكستان المملكة أربع مرات». وتابع: «بالمثل، هناك العديد من الوفود التي تأتي من باكستان إلى السعودية، كما تزور وفودٌ سعودية باكستان. وعلى المستوى العسكري أيضاً، هناك توافق ثنائي، إذ إن العلاقات العسكرية قوية جداً».

وزاد فاروق: «الأهم من ذلك، أودّ أن أقول إن التواصل بين الشعبين مهم جداً، فهناك أكثر من ثلاثة ملايين باكستاني يعيشون ويعملون في المملكة، وفي جميع المجالات، سواء في قطاع البناء، أو الصناعات الأخرى، أو النفط والغاز، أو القطاع المالي، أو المِهن الطبية، أو تكنولوجيا المعلومات».

وتابع فاروق: «في جميع قطاعات الحياة في السعودية، ستجدون باكستانيين يعملون ويساهمون في تنمية المملكة، وفي تحقيق الأهداف والرؤية ضمن (رؤية 2030) لقيادة المملكة، لذلك أقول إنها علاقة عميقة وقريبة، وتزداد قوة مع مرور الوقت».

التوتر الباكستاني الأفغاني

وعلى صعيد آخِر المستجدّات الدبلوماسية المتعلقة بالتوتر بين باكستان وأفغانستان، قال فاروق: «نحن نتلقى دعماً من دول صديقة مثل السعودية وقطر وتركيا وقطر، لإيجاد حل لهذه المشكلة. ولذلك نواصل الانخراط في هذا الملف، ونأمل أنه بدعم جميع الدول الصديقة، سنتمكن من إيجاد طريق أفضل للمُضي قُدماً، بحيث يتمكن شعبا البلدين من العيش في سلام وازدهار». وأضاف: «عقدنا اجتماعات في ثلاثة أماكن، في الدوحة، واجتماعات في إسطنبول، وكانت هناك أيضاً لقاءات هنا في الرياض، حيث كان فيها الطرفان على طاولة واحدة وجهاً لوجه، والآن نحن ننتظر المرحلة التالية. في الوقت الحالي، لا يحدث شيء جديد، لكنني لا أرى خياراً آخر، إذ لا بد من إيجاد حل».

وأضاف: «خلال السنوات الثلاث الماضية منذ أن سيطرت (طالبان) على أفغانستان، كان مصدر قلقنا الرئيسي هو استمرار نشاط التنظيمات الإرهابية التي تستخدم الأراضي الأفغانية لتنفيذ أعمال إرهابية داخل باكستان. وبخلاف ذلك، ليست لدينا مشاكل مع السلطات في أفغانستان، وقد طالبناهم باتخاذ إجراءات لمنع هذه التنظيمات من استخدام الأراضي الأفغانية لتنفيذ الإرهاب في باكستان». وتابع: «لكن للأسف، لم نحصل على التعاون الذي كنا نأمل به. وأنتم تعلمون جيداً أن لباكستان دوراً تاريخياً في مكافحة الإرهاب. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، تكبدنا مرة أخرى خسائر كبيرة، خاصة في صفوف قواتنا الأمنية، نتيجة للهجمات الإرهابية التي يتم التخطيط لها وتنطلق من أفغانستان».


مزاعم «الاعتدال» الحوثي تتلاشى... سجون خاصة وتصفيات داخلية

مسلحون حوثيون على متن عربة أمنية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون على متن عربة أمنية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
TT

مزاعم «الاعتدال» الحوثي تتلاشى... سجون خاصة وتصفيات داخلية

مسلحون حوثيون على متن عربة أمنية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون على متن عربة أمنية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)

في وقت تواصل فيه الجماعة الحوثية محاكمة العشرات من المدنيين بتهم مزعومة عن «التجسس» لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، تتكشّف وقائع جديدة تُظهر جانباً آخر من ممارسات القيادات النافذة داخل الجماعة، وتنسف محاولات بعضهم، وفي مقدمهم محمد علي الحوثي، تقديم أنفسهم كواجهة للاعتدال، إذ تعكس الشكاوى المتصاعدة من داخل مناطق سيطرتهم نمطاً من الانتهاكات المنهجية، تتجاوز الخصوم إلى الموالين أنفسهم، وتُدار غالباً بدوافع شخصية وتصفية حسابات داخلية.

وتزامنت هذه التطورات مع تأكيدات من مصادر داخل الجماعة بأن سجون الأجهزة الأمنية، التابعة للاستخبارات ووزارة الداخلية في حكومة الجماعة غير المعترف بها، تحولت فعلياً إلى أدوات بيد المتنفذين من المشرفين والقيادات والواجهات القبلية، بل وحتى بعض مديري المؤسسات التعليمية.

ووفق هذه المصادر، يُزجّ بالمواطنين في تلك السجون دون أوامر قضائية أو تهم قانونية واضحة، لتصبح الحرية أو الإفراج رهناً بمزاج النافذين ودرجة رضاهم أو غضبهم.

ابن عم زعيم الحوثيين حاول تقديم نفسه زعيما لجناح الاعتدال لكن الوقائع كشفت عكس ذلك (إعلام محلي)

وفي تسجيل مصوّر، روى المواطن شرف حجر تفاصيل ما قال إنه تعرّض له من تنكيل منذ تسعة أعوام، بعد أن اتهمه محمد علي الحوثي وهو ابن عم زعيم الجماعة بالاختلاس. وأكد حجر أنه أبدى استعداده للمثول أمام القضاء للفصل في القضية، إلا أن القيادي الحوثي، وهو عضو في مجلس الحكم وأحد أبرز المتنفذين، أجبره على اللجوء إلى «التحكيم». ورغم أن المحكّمين الذين جرى تعيينهم أقرّوا صراحة ببراءته، فإن الحوثي رفض جميع الأحكام الصادرة، بحسب رواية حجر، وهدده لاحقاً بجهاز المخابرات.

وأكد ناشطون موالون للجماعة براءة حجر، مطالبين قيادات الحوثيين بـ«الإنصاف» ومشيرين إلى أن الرجل تعرّض للظلم طوال هذه السنوات، رغم صدور توجيهات من زعيم الجماعة بتبرئته وتعويضه، بعد أن كلّف قاضياً للفصل في القضية. غير أن تلك التوجيهات، وفق الناشطين، ظلت حبراً على ورق، في ظل رفض ابن عم زعيم الجماعة وهو عضو مجلس الحكم، الاعتراف بالحكم حتى اليوم.

حتى النشطاء الذين أيدوا الحوثيين تم اعتقالهم بناء على رغبات نافذين (إعلام حوثي)

ويرى هؤلاء أن ما جرى يعكس اختلالاً عميقاً في منظومة العدالة داخل مناطق سيطرة الحوثيين، حيث يُفرغ القضاء من مضمونه، وتُختزل القضايا في إرادة القيادات النافذة. ولفتوا إلى أن حجر «مكلوم ولا أحد يقف إلى جانبه»، وأن قضيته لم تحظَ بتغطية سوى من وسيلة إعلامية واحدة، في مؤشر على الخوف أو التواطؤ داخل المشهد الإعلامي الموالي للجماعة.

سجون بقرار نافذين

لا تقتصر هذه الممارسات على قضية حجر. إذ تشير مصادر داخل الجماعة إلى أن سجونها تحولت إلى «سجون خاصة»، يُعتقل فيها كل من يختلف مع المتنفذين، حتى من داخل الصف الحوثي نفسه. وذكرت المصادر أن عميد أحد المعاهد الصحية أصدر توجيهاً للأجهزة الأمنية باعتقال مدرس يعمل لديه، بعد خلاف على ترتيب جدول المحاضرات، ولا يزال المدرس، ويدعى مهيوب الحسام، محتجزاً حتى الآن.

كما طالت الاعتقالات إعلاميين وناشطين موالين للجماعة، من بينهم محمد الشينة وعبد الكريم علي وعلي القاضي، الذين أُودعوا سجن استخبارات الشرطة، الذي يقوده علي حسين الحوثي نجل مؤسس الجماعة، بأوامر من القيادي حسن الهادي، لأسباب وُصفت بالشخصية.

وتحدثت المصادر أيضاً عن اعتقال الناشط رشيد البروي في ظروف مشابهة، مؤكدة أن «الحماية السياسية» التي يتمتع بها بعض المتنفذين تبيح لهم كل المحظورات.

وأعاد ناشطون التذكير بخطاب الحوثيين عند اقتحام صنعاء، حين وعدوا بردم الأقبية وإنهاء السجون السرية والتغييب والإذلال، وهدم قلاع النفوذ. غير أنهم، بحسب هؤلاء، لم يفعلوا سوى تعميق تلك الأقبية، وإعادة تشييد قلاع النفوذ الاجتماعي، ليس ضد الخصوم فحسب، بل ضد الأصدقاء أيضاً.

معاناة المعتقلين الإنسانيين

وجّهت رابطة أسر العاملين الإنسانيين المعتقلين والمخفين قسراً لدى الحوثيين منذ نحو عام ونصف رسالة عاجلة إلى رعاة مشاورات الأسرى والمعتقلين، التي تستضيفها مسقط. وأكدت الرابطة أن استمرار احتجاز أقاربهم، وحرمانهم من التواصل معهم، وغياب أي معلومات عن أوضاعهم الصحية والنفسية وأماكن احتجازهم، تمثل انتهاكاً جسيماً لا يمكن تبريره.

الفريق الحكومي في محادثات المحتجزين يواجه اشتراطات غير منطقية من الحوثيين (إعلام محلي)

وحمّلت الرابطة جماعة الحوثي كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن سلامة المعتقلين، مطالبة الأمم المتحدة باتخاذ موقف «واضح وحازم»، وممارسة ضغط فعلي لإلزام الحوثيين بالكشف عن مصيرهم، وتمكين أسرهم من زيارتهم، والإفراج عنهم دون شروط. كما دعت المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية لتحمّل مسؤولياتها تجاه موظفيها وشركائها المعتقلين.

وأكدت الرسالة أن معاناة الأسر لا تزال مستمرة، وسط قلق دائم وخوف من المجهول، مشددة على أن هذه العائلات لم تعد قادرة على تحمّل مزيد من التأجيل أو الوعود غير المقرونة بخطوات عملية، في ظل واقع يعكس، أكثر من أي وقت مضى، اتساع دائرة القمع داخل مناطق سيطرة الحوثيين.