تونس تقر غدا دستور «الجمهورية الثانية»

المهدي جمعة يعلن اليوم تشكيل الحكومة الجديدة

مناصرون لحزب التحرير الأسلامي يهتفون في مظاهرة ضد الدستور الجديد في تونس أمس (إ.ب.أ)
مناصرون لحزب التحرير الأسلامي يهتفون في مظاهرة ضد الدستور الجديد في تونس أمس (إ.ب.أ)
TT

تونس تقر غدا دستور «الجمهورية الثانية»

مناصرون لحزب التحرير الأسلامي يهتفون في مظاهرة ضد الدستور الجديد في تونس أمس (إ.ب.أ)
مناصرون لحزب التحرير الأسلامي يهتفون في مظاهرة ضد الدستور الجديد في تونس أمس (إ.ب.أ)

أنهى أعضاء المجلس الوطني التأسيسي مناقشة فصول الدستور التونسي الجديد فصلا فصلا، وسيمهد هذا التوافق الطريق أمام إعلان المهدي جمعة رئيس الحكومة المكلف عن تركيبة الحكومة اليوم (السبت). وانتهت المهلة الممنوحة لجمعة أمس (الجمعة) حسب الروزنامة التي حددها رباعي الوساطة في الحوار الوطني.
وتأتي المصادقة على كل فصول الدستور التونسي الجديد، الذي عده التونسيون دستورا للجمهورية الثانية، بعد أشهر عدة من الصراعات والتجاذبات والجدل والنقاش حول محتوى هذا الدستور.
وحتى ساعات أخيرة قبل إعلان جمعة عن فريقه الحكومي، لا يبدو أن تركيبة الحكومية قد اتخذت شكلها النهائي، فقد أكدت مصادر مقربة من جمعة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن التحديد النهائي لتركيبة الحكومة لم يحسم بعد، وأنها ستبقى مفتوحة إلى ما قبل ساعتين من إعلانها المنتظر اليوم. وترى نفس المصادر أن المهدي جمعة قد خير المزج بين الخبرة والطموح من خلال الإبقاء على وزراء تكنوقراط من الحكومة المتخلية لا يتجاوز عددهم الثلاثة أو الأربعة، والاعتماد على وجوه جديدة.
ويتمسك المهدي جمعة بوزير الداخلية لطفي بن جدو ويبرر هذا الاختيار بدقة المرحلة السياسية وعدم استعداد البلاد لقدوم وزير داخلية جديد يبدأ من النقطة الصفر.
ويلقى اختيار المهدي جمعة الإبقاء على وزراء سابقين، معارضة صريحة من جانب تحالف الجبهة الشعبية المعارضة (تجمع لأحزاب يسارية وقومية)، وفي هذا الشأن، صرح زهير حمدي القيادي بالجبهة لـ«الشرق الأوسط» بأن نية جمعة الاحتفاظ بثلاثة وزراء من حكومة علي العريض المتخلية «أمر لا يمكن أن تقبله الجبهة الشعبية التي طالبت منذ بداية جلسات الحوار بالانطلاق من صفحة بيضاء في الحكومة المرتقبة وعدم الإبقاء على أي وزير سابق». وفي صورة الإصرار على الإبقاء على بعض الوزراء.
يقول حمدي إن الأمر حينها سيعرف تعقيدات كثيرة من بينها خسارة دعم الجبهة الشعبية للحكومة المقبلة وربما مقاطعة بقية جلسات الحوار المؤدي إلى الحل الكامل للأزمة السياسية في تونس.
وتتضارب الأنباء حول عدد الوزراء في حكومة المهدي جمعة، وفي كل الأحوال سيتراوح عددها بين 15 و20 وزيرا على الأرجح. ومن المتوقع أن يكون العدد الإجمالي لحكومة جمعة في حدود 20 وزيرا و17 مستشارا حكوميا، وبذلك لن يكون العدد بعيدا عن حكومة سلفه علي العريض، إذ كانت حكومته بدورها تتركب من 24 وزيرا و3 وزراء لدى الحكومة و10 كتاب دولة.
ويشترط جمعة في أعضاء الحكومة المقبلة الاستقلالية والحياد والكفاءة، ويلتزم في ذلك بوثيقة خارطة الطريق الممضاة بين الأحزاب الممثلة في البرلمان التونسي. وتضمنت وثيقة تكليف جمعة مجموعة من الشروط من بينها ضمان نجاح المرحلة الانتقالية والمرور بالبلاد إلى انتخابات حرة نزيهة وشفافة إلى جانب التعهد بالتزام الحياد وعدم الوقوع في فخ الضغوطات السياسية أو الميل لحزب على حساب حزب آخر.
وسارع عامر العريض رئيس الدائرة السياسية في حركة النهضة إلى التصريح بعدم قبول أي وزير له موقف عدائي ضد النهضة أو «الترويكا» أو حتى ضد المعارضة. وأضاف بلغة جازمة لـ«الشرق الأوسط»: «لن نقبل إلا بوزراء مستقلين حقا وحقيقة»، على حد تعبيره. ويجد المهدي جمعة صعوبات متعددة في ضبط تركيبة الحكومة ولا يجد حلولا بخصوص التخلي عن بعض الوزارات على غرار وزارة التشغيل لكون ملف التشغيل من أهم الملفات المطروحة على الحكومة وهو سبب رئيس في تأجيج الثورة. كما لا يمكن الاستغناء حسب بعض المتابعين على وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية لثقل ملف المحاسبة وفتح أبواب المصالحة بين التونسيين. كما أن نية الاستغناء عن وزارة الشؤون الدينية وحصر مهمتها في كتابة دولة فقط، تلقى صدودا من قبل عدة قيادات سياسية.
ومن المتوقع حذف مناصب ثلاثة وزراء معتمدين لدى رئيس الحكومة، إضافة إلى حذف وزارات المرأة والشؤون الدينية والثقافة والتنمية والتعاون الدولي وإلحاقها بوزارات أخرى. ومن المنتظر كذلك حذف ثلاث كتابات دولة وهي كتابة الدولة للفلاحة، وكتابة الدولة للهجرة وكتابة الدولة للمالية.
وفي كل الحالات، يبدو أن المهدي جمعة قد اتخذ قرارا شبه نهائي بالإبقاء على لطفي بن جدو على رأس وزارة الداخلية، كما أن اسمي المنجي مرزوق وزير الاتصالات وجمال قمرة وزير السياحة من بين الأسماء المرشحة بقوة لمواصلة المشاركة في الفريق الحكومي.
وكانت مصادقة أعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان) على فصول الدستور ليلة الخميس، قد فتحت الأبواب أمام الفرقاء السياسيين للاحتفال بالانتهاء من قراءة فصول الدستور كافة في انتظار التصديق عليه في قراءة أولى لإجمالي الفصول.
وأمكن لأعضاء المجلس المتسم بالتجاذب السياسي المتواصل، تجاوز مجموعة من الفصول الخلافية من بينها على وجه الخصوص الفصل السادس المتعلق بحرية الضمير وتحجير التكفير.
وبعد المصادقة على قراءة فصول الدستور، توجه راشد الغنوشي برسالة إلى الشعب التونسي عد من خلالها أن الدستور التونسي من أعظم الدساتير في العالم، وأثنى على المهدي جمعة رئيس الحكومة المكلف، وقال عنه: «سيكون الفارس البديل لعلي العريض». وأضاف الغنوشي في رسالته: «لم يبق الآن إلا الختم الرسمي على الدستور وتحديد موعد الانتخابات وتوديع علي العريض وشكره على هذا الإنجاز»، في إشارة إلى الانتهاء من مناقشة كافة فصول الدستور.
وأعلنت النائبة كريمة سويد مساعدة رئيس المجلس التأسيسي المكلفة الإعلام إن التصويت على مشروع الدستور سيكون غدا (الأحد)، بدلا من اليوم (السبت).
وكان المجلس أعلن في وقت سابق أمس أنه سيصوت السبت على الدستور بأكمله «في قراءة أولى».
ويتعين أن يصادق ثلثا أعضاء المجلس التأسيسي (145 نائبا من أصل 217) على الدستور، «في قراءة أولى» من أجل تمريره.
وإن لم يصوت على الدستور ثلثا أعضاء المجلس في «قراءة ثانية» يطرح على استفتاء شعبي.
من جهته، قال الحبيب خضر المقرر العام للدستور في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن استكمال الدستور يعد إغلاقا نهائيا للباب أمام عودة الاستبداد.
وأضاف القيادي في حزب النهضة: «جرت بحمد الله وحسن عونه المصادقة على كل التصويتات الجزئية على مشروع الدستور من توطئة وأبواب وفصول ونتوقع أن نستكمل التصويت عليه إجماليا اليوم (السبت) ونرجح من خلال ما عشناه عند آخر عملية تصويت من قبول واسع داخل المجلس التأسيسي أن تكون الأغلبية المحققة عالية وأكثر من الثلثين المشترطين لاعتماد الدستور».
وأضاف: «أعتقد أن هذه محطة مهمة على درب تحقيق أهداف الثورة والمضي نحو بناء دولة ديمقراطية مدنية تعيش المصالحة بين الهوية والتجذر فيها والانفتاح على الثقافات الأجنبية، ويعيش فيها المواطن بقناعاته في كنف الحرية بمنسوب عال من الحقوق والحريات في هذا الدستور، أعتقد أننا بذلك وببعض العناصر الأخرى نقدم لشعبنا ما يلبي الجزء الأكبر من انتظاراته، لا نقول إنه الأفضل موضوعيا ولكن لعله الأفضل الذي يمكن أن ندركه في ظل الواقع الذي نعيشه والصعوبات التي صغنا الدستور في إطاره».
وقال: «نرجو أن تتواصل بقية الخطوات في اتجاه الخروج من كل ما هو مؤقت نحو الدائم الذي يحقق الرخاء والاستقرار، أعتقد أن هذا الدستور هو بالفعل في مستوى تطلعات الشعب التونسي ويلبي أهداف الثورة. ففي طليعة هذه الأهداف الحرية وهذا عنصر حاضر بكثافة في الدستور، والعدالة الاجتماعية مكرسة والتصدي للفساد حاضر في مستوى ما جرى إرساؤه من حيث التأكيد على الشفافية وإحداث هيئة دستورية مختصة، بالإضافة إلى تكريس عدم العودة إلى استبداد الفرد وحاولنا توزيع السلطات داخل السلطة التنفيذية بما يغلق الباب أمام أي رغبة في الرجوع إلى الاستبداد وأساليبه».
وقال: «كما أعتقد أنه بما أقررناه من موقع للسلطة القضائية وما منحناه من صلاحيات فإننا نوفر ضمانة أساسية للحقوق والحريات ليتاح لكل من يريد أن يتظلم أن يلجأ إلى قضاء وفرنا له في الدستور كل ما يجعله قضاء مستقلا وبعيدا عن الضغوطات والتوجيه كما أن المحكمة الدستورية تمثل إضافة نوعية تمكن من التصدي لكل جنوح نحو الإفراط في استعمال السلطة التشريعية لغير ما جعلت له».
من جهته، قال الأزهر العكرمي عن حزب نداء تونس: «إن الدستور هو أول إنجاز للانتقال الديمقراطي منذ 2011، وباعتباره إنجازا جماعيا شاركت فيه كل ألوان الطيف فهو جزء من الجهاز المناعي للبلاد ضد العنف وانهيار الدولة والانهيار الاقتصادي سيعيد جزءا من الثقة لتونس مما يسهم في تحسين الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأوضاع كلها، وبالتالي هناك جانب رمزي وهو أن التونسيين أنتجوا عقدا اجتماعيا جديدا خرجوا به من مرحلة الخلاف الكبير إلى حالة التعاقد. هذا الدستور فيه بعض التسويات والترضيات، لكن في عمومه يستجيب لتطلعات تليق بالعصر وتطمئن الأجيال القادمة».
وعلى النقيض من موقف خضر والعكرمي اعتبر رضا بالحاج الدستور غير إسلامي وقال: «نحن في حزب التحرير لنا موقف رافض لمحتوى الدستور من ناحية منهجية فهو دستور لا ينظر إلى الإسلام كدين وكخاصية أساسية وحضارية لتونس ونعتبر أن فيه محاصرة للإسلام وتعاليمه حتى لا تبرز ثماره في الحياة العامة والمجتمع ونرى أن هذا الدستور اعتداء على ممكنات الثورة وعلى حقوق الناس العينية ولا علاقة له بالثورة التي ضحى من أجلها التونسيون وبالتالي فهو دستور فاشل وحالة تلفيقه باسم الوفاق وافتكاك لإرادة الناس الذين شاركوا في الانتخابات».
أما عبد الوهاب الهاني رئيس حزب المجد فحذر من أن نص الدستور مليء بالألغام على الرغم من أهمية هذا الحدث.
وقال الهاني في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن الأهمية تكمن في أنه ينهي مرحلة انتقالية طالت أكثر من اللزوم، فعلى مستوى الكم سيؤدي الدستور الجديد إلى ارتياح لدى المواطنين بعد ولادة عسيرة ولكن على مستوى الكيف والجودة فإنه يطرح إشكاليات جديدة خاصة في الفصل 73 المتعلق بشروط الترشح للانتخابات الرئاسية والذي يهدد الولاء للدولة التونسية دون سواها ويؤسس لثقافة اللاجدية السياسية، حيث إن السماح للتونسي الحامل لجنسية أخرى بالترشح للانتخابات وخوض حملتها الانتخابية مع المحافظة على جنسيته وولائه الثاني والالتزام فقط بسحبها في حالة الفوز سيدخل ثقافة المقامرة السياسية اللامسؤولة وسيقلص من جدية الترشح في حين أن الانتخابات يحكمها مبدآن هما حرية الترشح ومبدأ الحرية وإذا ما اهتز التوازن بين الجدية والحرية يمكن أن تتحول انتخاباتنا القادمة إلى لعبة قمار أكثر منها مناسبة للتنافس الجدي في خدمة الصالح العام، علما بأن هذا الإجراء إجراء نادر وغريب لا نكاد نجد له مثيلا في القانون الدستوري المقارن وهو ناتج عن سياسة الترضيات التي اعتمدها المجلس الوطني التأسيسي.
وأردف: «الحقيقة أن دستور تونس الجديد متوسط جدا ويحمل عدة ألغام في الصياغات وهو أشبه ما يكون بكتب الطبخ التي نجد فيها كل الشهوات في حين أن عهد الأمان لسنة 1857 يقوم على أربعة أركان: أمانة النفس وأمانة الدين وأمانة المال وأمانة العرض وقام دستور 1959 على أربعة أركان هي الاستقلال الوطني، السيادة الشعبية، البناء الديمقراطي والنظام الجمهوري، بينما نجد صعوبة كبيرة في تلخيص أركان الدستور الجديد».
أما عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فرحب بالتصديق على الدستور واعتبره يحترم المعايير الدولية. وقال: «هذه لحظة فارقة في تاريخ تونس لأن هذا الدستور يأتي بعد ثورة وهو دستور توافقي وحداثي فيه احترام للمعايير الدولية ومراعاة للخصوصيات الثقافية التونسية، في الحقيقة لنا بعض المؤاخذات على بعض الفصول ولكن في إطار التوافق لا نرى أن هناك إشكالا». وأضاف: «هذا الدستور أعتقد أنه في مستوى تطلعات الثورة وانتظارات التونسيين ويلبي بعض مطالب الثورة ولو أنني أعتقد أن المطالب الاقتصادية والاجتماعية لا تلبى بالقوانين ولكن بالأفعال، كذلك وكحقوقي أرى أن ما ورد في باب الحقوق والحريات كان جيدا وأنا راض إجمالا عن هذا الدستور».



تصعيد «الانتقالي» الأحادي يهزّ استقرار الشرعية في اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

تصعيد «الانتقالي» الأحادي يهزّ استقرار الشرعية في اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يشهد شرق اليمن، وتحديداً وادي حضرموت ومحافظة المهرة، واحدة من أكثر موجات التوتر خطراً منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل (نيسان) 2022، وسط تصاعد في الخطاب السياسي، وتحركات عسكرية ميدانية، وإعادة رسم للتحالفات داخل المعسكر المناهض للحوثيين؛ الأمر الذي يضع البلاد أمام احتمالات مفتوحة قد تنعكس على كامل المشهد اليمني، بما في ذلك مسار الحرب مع الجماعة الحوثية، وواقع الإدارة المحلية، ووضع الاقتصاد المنهك.

وفي هذا السياق، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي بوضوح نيته المضي نحو تعزيز سيطرته الأمنية في وادي حضرموت. وقال علي الكثيري، رئيس الجمعية الوطنية للانتقالي، إن «الانتصارات الأخيرة شكلت بارقة أمل لأبناء حضرموت»، مشيراً إلى أن «مرحلة ما بعد التحرير تتطلب تضافر الجهود للحفاظ على المكتسبات».

رئيس مجلس الانتقالي الجنوبي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عيدروس الزبيدي (أ.ب)

وكان لافتاً حديثه عن أن «تأمين وادي حضرموت يمثل أولوية قصوى»، في إشارة مباشرة إلى مطلب الانتقالي القديم بإخراج القوات الحكومية من الوادي واستبدالها بقوات «النخبة الحضرمية» الموالية له، بالتوازي مع تأكيده أنّ الجنوب «مقبل على دولة فيدرالية عادلة»، في تكرار لرؤيته الداعية إلى إنهاء الوحدة بصيغتها الحالية.

بالنسبة للانتقالي، فإن السيطرة على وادي حضرموت والمهرة ليست مجرد توسع جغرافي؛ بل جزء من رؤية استراتيجية تهدف إلى ترسيخ النفوذ جنوباً استعداداً لأي تسوية سياسية مقبلة بخاصة في ظل مطالب المجلس باستعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990.

موقف العليمي

في المقابل، صعّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي خطابه بعد أن غادر العاصمة المؤقتة عدن بالتوازي مع تصعيد المجلس الانتقالي؛ إذ شدد بشكل واضح على «انسحاب القوات الوافدة من خارج حضرموت والمهرة» وتمكين السلطات المحلية من إدارة شؤون المحافظتين.

وجاءت مواقف العليمي من خلال تصريحاته أمام السفراء الراعيين للعملية السياسية في اليمن، وأخيراً من خلال اتصالات هاتفية مع محافظي حضرموت والمهرة، في رسالة أراد من خلالها تقديم دعم مباشر للسلطات المحلية والدفع نحو تهدئة التوتر بعيداً عن الخطوات الأحادية التي أعلنها المجلس الانتقالي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وشدد العليمي على ضرورة «عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، محذراً من مخاطر التصعيد على الاقتصاد والواقع الإنساني. كما دعا إلى «تحقيق شامل في الانتهاكات المرافقة للإجراءات الأحادية»، في إشارة إلى الاعتقالات والإخفاءات التي تقول جهات حقوقية إنها رافقت عمليات الانتقالي في بعض المناطق الجنوبية.

ويبرز من هذه التصريحات حجم الهوة داخل مجلس القيادة الرئاسي نفسه؛ إذ يتحرك كل طرف من أطرافه بشكل مستقل، بينما تتسع الفجوة بين مواقف العليمي والانتقالي بشأن مستقبل الإدارة الأمنية والعسكرية للشرق اليمني.

مخاوف واسعة

يثير تصاعد الأحداث في شرق اليمن مخاوف من أن تتحول حضرموت والمهرة، وهما أكبر محافظتين في البلاد مساحة، إلى بؤرة صراع داخلي قد تجرّ اليمنيين إلى فوضى جديدة. فالمنطقة، التي تمتاز بامتدادات جغرافية واسعة وثروات نفطية ومنافذ برية مهمة مع السعودية وسلطنة عُمان، حافظت لسنوات على نمط من الاستقرار النسبي مقارنة بمناطق الحرب الأخرى.

لكن دخول قوات إضافية وفرض وقائع أمنية وعسكرية قد يؤدي إلى تقويض الإدارة المحلية التي تعتمد على التوازنات القبلية والسياسية، وعرقلة إنتاج النفط الذي يمثل شرياناً اقتصادياً أساسياً، مع ارتفاع خطر الجماعات المتطرفة التي تستغل عادة الفراغات الأمنية، إضافة إلى تعميق الانقسام داخل مجلس القيادة الرئاسي وانعكاس ذلك على قدرته في إدارة ملفات الحرب والسلم.

كما يهدد التصعيد بتفاقم الأزمة الإنسانية في بلد يعيش أكثر من 23 مليون من سكانه على المساعدات، بينما تشير تقارير أممية إلى أن 13 مليوناً قد يبقون بلا دعم إنساني كافٍ خلال العام المقبل.

تنسيق الزبيدي وصالح

على خلفية هذه التطورات، أجرى طارق صالح اتصالاً برئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، في خطوة أضافت طبقة جديدة من التعقيد، بخاصة وأن الطرفين عضوان في مجلس القيادة الرئاسي الذي يقوده العليمي.

وحسب بيان الانتقالي، ناقش الطرفان «سبل التنسيق المشترك لإطلاق معركة لتحرير شمال اليمن من الحوثيين»، مؤكدين أن «المعركة واحدة والمخاطر واحدة»، مع الإشارة إلى تعاون مستقبلي لمواجهة «الجماعات الإرهابية» بما فيها الحوثيون وتنظيم «القاعدة».

المجلس الانتقالي الجنوبي يطالب باستعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (أ.ف.ب)

هذا التواصل ليس عادياً؛ فهو يجمع بين قيادتين تنتميان لمدرستين سياسيتين مختلفتين، الزبيدي بمشروعه الانفصالي جنوباً، وطارق صالح بمشروع «الجمهورية الثانية» شمالاً. لكن المشترك بينهما هو الرغبة في إعادة ترتيب موازين القوة داخل المعسكر المناهض للحوثيين، وتشكيل محور عسكري قادر على التحرك خارج حسابات الحكومة الشرعية، غير أن الرهان دائماً سيكون منوطاً بالإيقاع السياسي الذي تقوده الرياض.

وحسب مراقبين، يسعى الطرفان إلى استثمار الجمود في مسار التفاوض مع الحوثيين وملء الفراغ الناجم عن التغاضي الدولي تجاه الوضع في اليمن؛ وذلك لصياغة تحالف جديد يعيد تشكيل الخريطة السياسية، ويمنح كلاً منهما مساحة أكبر للتأثير، لكن كل ذلك يبقى غير مضمون النتائج في ظل وجود التهديد الحوثي المتصاعد.

بين الحوثيين والانتقالي

تأتي هذه التطورات في وقت تتراجع فيه العمليات القتالية بين الحكومة والحوثيين على معظم الجبهات. ومع أن الحوثيين يواصلون الحشد والتجنيد، فإن خطوط الجبهة الداخلية بين شركاء «معسكر الشرعية» باتت أكثر اشتعالاً من خطوط القتال مع الحوثيين أنفسهم.

ويحذّر خبراء من أن أي انقسام إضافي داخل هذا المعسكر سيمنح الحوثيين هامشاً أوسع لتعزيز نفوذهم، خصوصاً أنهم يراقبون من كثب ما يجري في الشرق، حيث تعتمد الحكومة الشرعية على الاستقرار هناك لضمان مرور الموارد والتحركات العسكرية.

وبين دعوات الانتقالي إلى «مرحلة ما بعد التحرير»، ومطالب العليمي بعودة القوات إلى تموضعها السابق، ومحاولات الزبيدي وطارق صالح لتشكيل موقف موحد، يجد سكان حضرموت والمهرة أنفسهم أمام مشهد معقد يشبه صراع نفوذ متعدد الطبقات.

وفد سعودي برئاسة اللواء محمد القحطاني زار حضرموت لتهدئة الأوضاع (سبأ)

فالمنطقة التي لطالما عُرفت بقبائلها وامتدادها التجاري والاجتماعي مع دول الخليج، باتت اليوم ساحة اختبار لمعادلات سياسية تتجاوز حدودها، وسط مخاوف من أن يقود هذا التصعيد إلى هيمنة على السلطة تتناسب مع المتغيرات التي فرضها المجلس الانتقالي على الأرض، بالتوازي مع تحذيرات من انفجار جديد يعمّق الانقسام اليمني بدلاً من رأبه.

وفي كل الأحوال، يرى قطاع عريض من اليمنيين والمراقبين الدوليين أن العامل الحاسم يظل مرتبطاً بموقف الرياض التي تمسك بخيوط المشهد الرئيسية، وقد دعت بوضوح إلى خفض التصعيد والتهدئة، عادَّة أن أي فوضى في المناطق المحررة في الجنوب والشرق اليمني ستنعكس سلباً على جهود إنهاء الحرب مع الحوثيين، مع اعترافها الواضح أيضاً بعدالة «القضية الجنوبية» التي يتبنى المجلس الانتقالي الجنوبي حمل رايتها.


«خطط الإعمار الجزئي» لرفح الفلسطينية... هل تُعطّل مسار «مؤتمر القاهرة»؟

يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
TT

«خطط الإعمار الجزئي» لرفح الفلسطينية... هل تُعطّل مسار «مؤتمر القاهرة»؟

يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)

حديث عن خطط للإعمار الجزئي لمناطق في قطاع غزة، تقابلها تأكيدات عربية رسمية بحتمية البدء في كامل القطاع، بعد نحو أسبوعين من تأجيل «مؤتمر القاهرة» المعني بحشد تمويلات ضخمة لإعادة الحياة بالقطاع المدمر وسط تقديرات تصل إلى 35 مليار دولار.

تلك «الخطط الجزئية» التي تستهدف مناطق من بينها رفح الفلسطينية، تقول تسريبات عبرية إن حكومة بنيامين نتنياهو وافقت على تمويلها، وهذا ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تماشياً مع خطط أميركية سابقة حال التعثر في الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأشاروا إلى أن مؤتمر القاهرة للإعمار سيعطل فترة من الوقت؛ ولكن في النهاية سيعقد ولكن ليس قريباً ومخرجاته ستواجه عقبات إسرائيلية في التنفيذ.

ونقل موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن تل أبيب وافقت مبدئياً على دفع تكاليف إزالة الأنقاض من قطاع غزة وأن تتحمل مسؤولية العملية الهندسية الضخمة، وذلك بعد طلب من الولايات المتحدة الأميركية، وستبدأ بإخلاء منطقة في رفح جنوبي القطاع من أجل إعادة إعمارها.

ويتوقع، وفق مصادر الصحيفة، أن تكون إسرائيل مطالبة بإزالة أنقاض قطاع غزة بأكمله، في عملية ستستمر سنوات بتكلفة إجمالية تزيد على مليار دولار.

وترغب الولايات المتحدة في البدء بإعادة إعمار رفح، على أمل أن تجعلها نموذجاً ناجحاً لرؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتأهيل القطاع، وبالتالي جذب العديد من السكان من مختلف أنحائه، على أن يعاد بناء المناطق الأخرى في مراحل لاحقة، وفق الصحيفة الإسرائيلية.

تلك التسريبات الإسرائيلية، بعد نحو أسبوعين من تصريحات للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط»، أكد خلالها أن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

وفي 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قال مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن المؤتمر «لن ينعقد في موعده (نهاية نوفمبر) وسيتأجل». وأرجع ذلك إلى التصعيد الحالي بالقطاع، وسعي القاهرة إلى توفر ظروف وأوضاع أفضل على الأرض من أجل تحقيق أهدافه، تزامناً مع تقرير عن مخططات إسرائيلية لتقسيم قطاع غزة لقسمين أحدهما تحت سيطرة إسرائيلية والآخر تتواجد فيه «حماس» ولا يتجاوز نحو 55 في المائة من مساحة القطاع.

صبيان يحتميان من المطر وهما جالسان على عربة يجرها حمار في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وذلك وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار. ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

ويرى عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير رخا أحمد حسن، أن تلك الخطط لن يوافق عليها ضامنو وبعض وسطاء اتفاق غزة باعتبارها مخالفة للاتفاق، وتطرح مع تحركات إسرائيلية لتعطيل المرحلة الثانية بدعوى أهمية البدء في نزع سلاح القطاع أولاً.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن موافقة إسرائيل على تمويل الإعمار الجزئي وعودة الترويج له إسرائيلياً، يشير لعدم احتمال الوصول لمرحلة ثانية واللجوء لخطة بديلة تحدث عنها جاريد كوشنر صهر ترمب بالبناء في المناطق الخارجة عن سيطرة «حماس» ما دامت الحركة لم تُنهِ بند نزع السلاح، مشيراً إلى أن عودة الحديث عن خطط الإعمار الجزئي تؤخر الإعمار الشامل وتعطي رسالة للدول التي ستمول بأن ثمة عقبات، وبالتالي ستعطل عقد مسار مؤتمر القاهرة.

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد كوشنر، في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، ما دام أمكن تأمينها لبدء البناء كغزة جديدة، وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

فلسطينيون نازحون يسيرون أمام المباني المدمرة في حي تل الهوى في الجزء الجنوبي من مدينة غزة (أ.ف.ب)

تلك الخطط الجزئية تخالف مواقف عربية، وشدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، في اتصال هاتفي، الخميس، على ضرورة التنفيذ الكامل لاتفاق وقف الحرب في القطاع، وحتمية البدء في عملية إعادة إعمار القطاع، وفق بيان للرئاسة المصرية.

وفي مقابلة مع المذيع الأميركي تاكر كارلسون، بـ«منتدى الدوحة»، الأحد الماضي، قال رئيس الوزراء القطري، محمد عبد الرحمن آل ثاني «لن نتخلى عن الفلسطينيين، لكننا لن نوقّع على الشيكات التي ستعيد بناء ما دمره غيرنا».

ويعتقد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية» أن طلب قطر قبل أيام بتحمل إسرائيل تمويل ما دمرته «تعبير عن موقف عربي صارم للضغط لعدم تكرار التدمير»، مشيراً إلى أن مصر تدرك أيضاً أن إسرائيل تتحرك في الخطة البديلة بإعمار جزئي في رفح لكن القاهرة تريد تعزيز الموقف العربي المتمسك بالإعمار الكامل، والذي سيبدأ مؤتمره مع بدء المرحلة الثانية التي تشمل انسحاباً إسرائيلياً. بينما يرى المحلل السياسي الفلسطيني أن الموقف العربي سيشكل ضغطاً بالتأكيد لكن هناك وجهات نظر متباينة، مشيراً إلى أن مؤتمر إعمار القاهرة مرتبط بحجم التقدم في المرحلة الثانية ونزع السلاح بالقطاع؛ إلا أنه في النهاية سيحدث، لكن ليس في القريب العاجل وستكون مخرجاته مهددة بعقبات إسرائيلية.


جبايات الحوثيين تعمّق الركود الاقتصادي وتغلق عشرات الشركات

ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)
ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)
TT

جبايات الحوثيين تعمّق الركود الاقتصادي وتغلق عشرات الشركات

ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)
ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)

تتواصل الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بصورة متسارعة، مع تصاعد شكاوى التجار من الزيادات الجديدة في الضرائب والرسوم المفروضة عليهم، وهي إجراءات وصفوها بـ«التعسفية»، كونها تمتد إلى مختلف الأنشطة التجارية دون استثناء.

في هذا السياق، أكد تقرير دولي حديث أن الضغوط المالية المفروضة على القطاع الخاص باتت تهدد بقاء مئات الشركات الصغيرة والمتوسطة، كما دفعت بالفعل العديد منها إلى إغلاق أبوابها خلال الأشهر الماضية.

وحسب التقرير الصادر عن «شبكة الإنذار المبكر للاستجابة للمجاعة»، فإن الوضع الاقتصادي في مناطق الحوثيين «يستمر في التدهور بوتيرة متصاعدة»، نتيجة الحملات المتكررة للجبايات التي تستهدف المطاعم والمتاجر والفنادق وقطاعات التجزئة.

وأشار التقرير إلى أن سلطات الحوثيين فرضت مؤخراً رسوماً إضافية على التجار تحت مبرر دعم الإنتاج المحلي، غير أن تلك الرسوم جاءت في سياق سلسلة ممتدة من القيود المالية والتنظيمية التي أثقلت كاهل أصحاب الأعمال.

الحوثيون تجاهلوا مطالب التجار بالتراجع عن زيادة الضرائب (إعلام محلي)

واحد من أبرز هذه الإجراءات كان فرض ضريبة جمركية بنسبة 100 في المائة على السلع غير الغذائية المستوردة، وهو ما أدى -وفق التقرير- إلى إغلاق عدد كبير من محلات التجزئة والمؤسسات الصغيرة التي لم تعد قادرة على تحمّل ارتفاع التكلفة التشغيلية والانخفاض المتواصل في الطلب. وتزامن ذلك مع استمرار الحوثيين في تجاهل مطالب التجار بالتراجع عن هذه الزيادات، رغم الاحتجاجات التي شهدتها صنعاء خلال الأسابيع الماضية.

تراجع غير مسبوق

يشير التقرير الدولي إلى أن العمل بالأجر اليومي والأعمال الحرة التي كانت تشكّل مصدر دخل رئيسياً للأسر الفقيرة والمتوسطة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، باتت تواجه تراجعاً غير مسبوق نتيجة خسائر الدخل وتراجع القدرة الشرائية.

ويحذّر التقرير من أن استمرار هذا التراجع سيقلل «على الأرجح» من قدرة الأسر على الحصول حتى على الغذاء بالتقسيط، وهو إحدى آخر الوسائل التي كان يعتمد عليها السكان خلال السنوات الماضية لمواجهة الضائقة المعيشية.

المزارعون والتجار في مناطق سيطرة الحوثيين يعانون من الجبايات (رويترز)

وفي المقابل، استعرض التقرير الإجراءات الاقتصادية التي تنوي الحكومة المعترف بها دولياً اتخاذها، ومنها رفع سعر الدولار الجمركي بنسبة 100 في المائة.

وعلى الرغم من التأكيدات الحكومية أن المواد الغذائية الأساسية مستثناة من هذا التعديل، يتوقع محللون أن ترتفع أسعار السلع غير الغذائية بنحو 6 إلى 7 في المائة، وسط مخاوف من استغلال بعض التجار للوضع ورفع الأسعار بنسب أكبر في ظل ضعف الرقابة المؤسسية.

استمرار الأزمة

تتوقع «شبكة الإنذار المبكر» أن تستمر حالة الأزمة واسعة النطاق في اليمن (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي للأمن الغذائي) حتى مايو (أيار) من العام المقبل على الأقل.

ويعزو التقرير الدولي ذلك إلى تأثيرات الصراع الاقتصادي بين الحوثيين والحكومة اليمنية الشرعية الذي أدى إلى تقويض النشاط التجاري، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور بيئة الأعمال، بالإضافة إلى ضعف سوق العمل وانحسار القدرة الشرائية للمواطنين.

أما في محافظات الحديدة وحجة وتعز فيتوقع التقرير استمرار حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة)، نتيجة آثار الهجمات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت البنية التحتية الحيوية مثل المنشآت والمواني في الحديدة، بالإضافة إلى عجز سلطات الحوثيين عن إعادة تأهيل هذه المرافق.

الحوثيون متهمون بتدمير مستقبل جيل يمني بكامله جراء انقلابهم (إ.ب.أ)

وقد أدى هذا الوضع إلى انخفاض شديد في الطلب على العمالة، وتراجع مصادر الدخل الأساسية للأسر في هذه المناطق.

وتناول تقرير الشبكة التطورات المتعلقة بالوديعة السعودية للبنك المركزي اليمني، وتوقعت أن تُسهم هذه المبالغ في تعزيز المالية العامة ومعالجة عجز الموازنة، بما يمكن الحكومة من استئناف بعض التزاماتها المتوقفة، بما في ذلك صرف الرواتب.

ومع ذلك، يؤكد التقرير أن هذا الدعم «قصير الأجل» ولا يعالج المشكلات الهيكلية العميقة التي يعاني منها الاقتصاد اليمني، خصوصاً في جانب الإنتاج وفرص العمل وبيئة الاستثمار.