عشية قمة أفريقية مصغرة، تبحث إمكانية رأب الصدع بين مصر وإثيوبيا بعد تعثر الوصول إلى اتفاق حيال نزاع «سد النهضة»، وجهت القاهرة أمس رسالة قوية إلى أديس أبابا، مشددة على عدم تهاونها في حماية «مصالحها المائية»، فيما تلقت دعماً أردنياً في مساعيها لعقد اتفاق نهائي.
وترأس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً أمس لـ«مجلس الدفاع الوطني»، بات معتاداً، قبيل كل مرحلة حاسمة من مفاوضات «سد النهضة»، التي لم تحرز تقدماً ملموساً حتى الآن.
وبحسب المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي، فإن الرئيس السيسي اطلع على مستجدات ملف سد النهضة والمسار التفاوضي الثلاثي الراهن، والجهود الرامية لبلورة اتفاق شامل يلبي طموحات ومطالب مصر والسودان وإثيوبيا في التنمية والحفاظ على الحقوق المائية بشكل عادل ومتوازن.
وأكد المجلس «استمرار مصر في العمل على التوصل إلى اتفاق شامل بشأن المسائل العالقة في قضية سد النهضة، وأهمها القواعد الحاكمة لملء وتشغيل السد، وذلك على النحو الذي يؤمن للدول الثلاث مصالحها المائية والتنموية، ويحافظ على الأمن والاستقرار الإقليمي».
وجاء الاجتماع الرفيع بمشاركة رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع والإنتاج الحربي، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة، ورئيس المخابرات العامة، ووزراء الخارجية، والمالية، والداخلية، وقائد القوات البحرية، وقائد قوات الدفاع الجوي، وقائد القوات الجوية، ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، وبحضور أمين عام المجلس.
وفي سياق الموقف المصري، أكد محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية، أن «الدولة لم ولن تقف مكتوفة الأيدي إزاء قضية سد النهضة الإثيوبي».
وأضاف الوزير خلال اجتماع لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمجلس النواب المصري، أمس، لمناقشة إمكانية توفير قروض للمزارعين لتطوير منظومة الري والصرف بما يسمح بترشيد المياه: «الأمر ليس سهلاً وهناك تحديات، لكن لن نقف مكتوفي الأيدي ونتفرج، ولدينا أدوات داخلية».
وأشار عبد العاطي إلى أن «الرئيس السيسي يتابع نتائج المفاوضات بشكل مستمر، وأنه حدث اتصال مع الرئيس يوم الجمعة الماضي».
وتأتي الرسالة المصرية، عشية قمة مصغرة يعقدها الاتحاد الأفريقي، للتباحث حول نزاع سد النهضة، غداً (الثلاثاء). بعد أن فشلت المباحثات التي جرت خلال الأسبوعين الماضيين برعاية الاتحاد الأفريقي وحضور مراقبين أفارقة وأوروبيين وأميركان، في تحقيق أي تقدم يذكر.
وتسعى مصر وكذلك السودان خلال القمة الأفريقية للتوصل إلى اتفاق ملزم قانونياً بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، قبل بدء إثيوبيا في ملء الخزان. وأعلنا مراراً رفضهما أي إجراءات إثيوبية «أحادية» من دون التوصل إلى اتفاق.
وتطمح إثيوبيا أن يمكنها السد، الذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار وستبلغ طاقته الإنتاجية من الكهرباء 6450 ميغاواط، من أن تصبح أكبر دولة مصدرة للكهرباء في أفريقيا. لكنه، في الوقت ذاته، يثير قلقاً مصرياً من تراجع إمدادات المياه الشحيحة أصلاً من النيل، التي يعتمد عليها أكثر من 100 مليون نسمة، بنسبة تفوق الـ90 في المائة.
وتلقت مصر أمس دعماً من الأردن الذي ثمن على لسان وزير خارجيته أيمن الصفدي الذي أشاد بـ«الموقف العقلاني» لمصر فيما يتعلق بعدم اتخاذ أي إجراءات أحادية حول سد النهضة، مشدداً على أن أمن مصر من أمن الأردن.
وزار وزير الخارجية المصري سامح شكري عمان، أمس، واستقبله العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. كما التقى نظيره الصفدي. وشدد وزير الخارجية الأردني خلال مؤتمر صحافي مع نظيره المصري، على ارتباط مصالح البلدين، بالقول: «أمن مصر وأمن الأردن واحد، ونقف مع أشقائنا في مصر بتوجيه من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لمواجهة كل التحديات»، مضيفاً: «تحدثنا في موضوع سد النهضة ونحن نثمن عالياً الموقف العقلاني الذي أبدته جمهورية مصر العربية، بعدم اتخاذ أي إجراءات أحادية والتوصل إلى اتفاق ضمن مصالح جميع الأطراف». مشدداً على أن «أمن مصر المائي هو جزء من الأمن الاستراتيجي العربي الذي نتمسك به جميعاً».
وعن الأوضاع في ليبيا، قال الوزير: «قلقون من المآل الذي تسير نحوه الأمور، وأقلمة الأزمة الليبية سيجعلها أكثر صعوبة وتعقيداً». وأضاف: «دعمنا كل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالوصول إلى تسوية سياسية يصنعها الليبيون، ودعمنا مخرجات مؤتمر برلين وإعلان القاهرة»، مؤكداً الاستمرارية بالتنسيق مع القاهرة للوصول إلى حلٍ يحفظ أمن مصر وليبيا.
وأشار إلى الجهود الثلاثيّة بين مصر والعراق والأردن لأجل زيادة التعاون، مضيفاً: «نتطلع إلى قمّة يتمّ التحضير لها ما بين زعماء الدول الثلاث».
أكّد وزير الخارجية المصري سامح شكري على ضرورة استئناف جهود العملية السلمية بما يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية على كامل الأراضي المحتلة عام 1967. وعاصمتها القدس الشرقية، وبما يلبي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وشدد شكري خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الأردني أيمن الصفدي في عمان، الأحد، على العمل في إطار جامعة الدول العربية للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى المخاطر المرتبطة بأي احتمالٍ لضم الأراضي الفلسطينية، والأثر السلبي الذي سيترتب على مسار حلّ الدولتين، ومخالفة قواعد الشرعية الدولية.
من جانبه، أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أنّ الأردّن ومصر في موقف واحدٍ برفض الضمّ، كونه يقوّض حلّ الدولتين ويخرق القانون الدولي، محذّراً من أنّ هذه الخطوة سيكون لها انعكاسات كارثيّة على كل الجهود المستهدفة لتحقيق السلام العادل الذي تقبله الشعوب وفق قرارات الشرعية الدولية.
وأشار الوزير إلى مشاركة الأردن ومصر بالاجتماع العربي الذي عقد ضمن مبادرة السلام العربية، وهي جزء من الحوار ما بين الأردن ومصر وفرنسا وألمانيا، من أجل العمل على منع الضم، وإيجاد أفق نحو إطلاق مبادرات فاعلة وجادة لتحقيق السلام العادل تقبلها الشعوب. وحذّر الوزير من أنّ الضم سيقتل «حل الدولتين»، وسيجعل من خيار الدولة الواحدة مآلاً حتمياً مع ما يفرضه ذلك من تحدي تكريس التمييز العنصري، «وهذا أمر لا يمكن أنّ يقبله العالم، وجهودنا مستمرة لوقف الضم والتقدم نحو عملية سلمية حقيقية».
وحول الأوضاع في ليبيا وتطوراتها، حذّر شكري من التدخلات الخارجية وجلب المقاتلين الأجانب والمتطرفين إلى الساحة الليبية لما يشكل ذلك من تهديد للأمن القومي المصري والعربي». وقال: «كان هنالك مسعى قامت به مصر من خلال إعلان القاهرة، في إطار خطاب الرئيس المصري في 20 يونيو (حزيران) الماضي، بإيجاد توافق ليبي يحفظ سلامة وأمن الأراضي الليبية وتحقيق إرادة الشعب الليبي». وتطرق الوزير إلى العلاقة الثلاثية بين مصر والعراق والأردن، قائلاً: «هذه العلاقة محل اهتمام». وتحدث عن السعي لدفع مسار العملية السياسية بسوريا والتنسيق أيضاً في القضايا الإنسانية المتعلقة باللاجئين ومكافحة الإرهاب.
وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، استقبل وزير الخارجية المصري سامح شكري، في لقاء، بحث التطورات الإقليمية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث أكّد العاهل الأردني موقف الأردن الثابت تجاهها وضرورة تحقيق السلام الشامل والعادل على أساس «حل الدولتين»، الذي يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة والقابلة للحياة، على خطوط الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وشدد عبد الله الثاني على أن «أي إجراء إسرائيلي أحادي الجانب لضم أراضٍ في الضفة الغربية، أمر مرفوض، ومن شأنه تقويض فرص تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة». كما أعرب الملك الأردني عن تطلعه للقمة الثلاثية الأردنية - المصرية - العراقية، المقبلة، الهادفة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتنموية والتجارية في مختلف المجالات، بما ينعكس إيجاباً على مصالح الدول الثلاث وشعوبها.
مصر تشدد على حماية «مصالحها المائية»... وتتلقى دعماً أردنياً
عشية قمة أفريقية لـ«رأب الصدع» بين القاهرة وأديس أبابا حيال «سد النهضة»
مصر تشدد على حماية «مصالحها المائية»... وتتلقى دعماً أردنياً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة