سجلت الولايات المتحدة، السبت، إصابات قياسية جديدة بـ«كوفيد-19»، بلغت 66 ألفاً و528 إصابة بفيروس «كورونا المستجد» خلال 24 ساعة، بحسب بيانات نشرتها جامعة جونز هوبكنز. وأظهرت إحصائيات الجامعة أن إجمالي عدد المصابين بـ«كوفيد-19» في هذه الدولة الأكثر تضرراً بالوباء ارتفع إلى 3 ملايين و242 ألفاً و73، بينما بلغ عدد الوفيات جراء الفيروس 134 ألفاً و729.
وتجاوز العدد اليومي للإصابات الجديدة 60 ألفاً لليوم الخامس على التوالي في الولايات المتحدة، حيث أصبح الوباء خارجاً عن السيطرة في كثير من الولايات، خاصة في جنوب وغرب البلاد.
ورغم هذا التطور المقلق، أعيد افتتاح جزء من متنزه «ديزني وورلد» الترفيهي في أورلاندو بولاية فلوريدا، أول من أمس (السبت)، بعد 4 أشهر من الإغلاق. واشترى جميع الزوار الذين حضروا تذاكرهم مسبقاً بهدف عدم التسبب بالازدحام، وجعل التباعد ممكناً، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. كما اتخذت إجراءات وقائية، مثل قياس درجة الحرارة عند المدخل، وفرض وضع كمامات، وتوفير سائل مطهر لليدين في كل المواقع، وترك مسافة مترين على الأقل بين الأشخاص.
وقد انتُقدت هذه الخطوة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي أوساط صحية أميركية، فيما تواجه فلوريدا تفشياً سريعاً للوباء. إلا أن فلوريدا ليست الولاية الأميركية الوحيدة التي تواجه صعوبات. ففي جورجيا، أعلنت أتلانتا، الجمعة، إعادة فرض تدابير عزل صارمة بعد إعادة فتح المدينة جزئياً. وتقول المستشفيات في ولاية تكساس إنها أصبحت مثقلة.
ومن جهتها، رحبت أوساط أميركية بوضع الرئيس الأميركي دونالد ترمب كمامة للمرة الأولى في مكان عام، السبت، خلال زيارته مركزاً طبياً. ويرتدي الظهور الأول لترمب بالكمامة، خلال زيارة مستشفى والتر ريد العسكري في ضواحي واشنطن، طابعاً رمزياً كبيراً في الولايات المتحدة، خاصة في أوساط أنصاره الذي يعترض كثيرون بينهم على ارتداء أقنعة الوجه.
ومنذ بدء انتشار الفيروس، تجنب ترمب الظهور بكمامة أمام الجمهور، رغم أن السلطات الصحية الأميركية أوصت بذلك. وهو بذلك ساهم في جعل هذه المسألة موضوع خلاف سياسي، لأن رفض وضع الكمامة ينظر إليه في جزء من المجتمع الأميركي على أنه تأكيد للحرية الفردية للمواطن. وعن سبب ارتدائه القناع، قال للصحافيين قبل الزيارة إنه «عندما تتحدث مع جنود خرجوا لتوهم من أرض المعركة، أعتقد أن وضع قناع أمر عظيم. أنا لم أكن يوماً ضد الأقنعة، لكني أعتقد أن لها مكاناً وزماناً مناسبين».
فاوتشي: لم نخرج من الموجة الأولى
من جهته، وبعد 4 أشهر على بداية الانتشار الواسع لفيروس كورونا في الولايات المتحدة، رسم الدكتور أنتوني فاوتشي، كبير الاختصاصيين الأميركيين في علم الوبائيات مدير المعهد الوطني للأمراض السارية، مشهداً قاتماً لما ينتظر البلاد في الأشهر المقبلة، وشدد على أن يكون استخدام الكمامات إلزامياً للجميع.
وجاءت تصريحات فاوتشي في حديث أدلى به إلى صحيفة «إل باييس» الإسبانية، نفى فيه ما يؤكده الرئيس الأميركي من أن الارتفاع الكبير الذي تشهده الإصابات في الولايات المتحدة مؤخراً يعود إلى زيادة الفحوصات، وقال إن السبب في ذلك مرده إلى ازدياد عدد المصابين نتيجة التراخي في تطبيق إجراءات الوقاية، مما أدى أيضاً إلى ازدياد ملحوظ في عدد الذين يعالجون في المستشفيات.
ويقول فاوتشي الذي يعد الوجه الأبرز في الفريق العلمي الأميركي لمكافحة الوباء إن «هناك أكثر من سبب وراء هذا الازدياد في عدد الإصابات بعد 4 أشهر على انتشار الوباء في الولايات المتحدة. بعض الولايات رفعت تدابير العزل باكراً، وبعضها الآخر لم يمتثل للتوجيهات التي أصدرها المركز الوطني لمكافحة الأوبئة، يضاف إلى ذلك الانتهاكات الكثيرة لتدابير الوقاية، والمشاركة في تجمعات كبيرة، وارتياد الأماكن العامة من غير استخدام الكمامات؛ كل ذلك أدى إلى ارتفاع كبير في معدل سريان الوباء».
وأعرب فاوتشي عن اعتقاده بأن السبيل الوحيد لوقف هذا الارتفاع المطرد في عدد الإصابات هو العودة إلى إجراءات العزل الجزئي، أو الكلي في بعض الحالات، والالتزام بتوجيهات اللجنة العلمية التي تشرح بالتفصيل وبوضوح ودقة الشروط التي ينبغي استيفاؤها للانتقال من مرحلة إلى أخرى.
وعن احتمالات عودة الوباء في موجة ثانية، مع مطلع الخريف، قال فاوتشي إنه «لا داعي للحديث الآن عن موجة ثانية لأننا ما زلنا في المرحلة الأولى، ولم نخرج منها بعد. الموجة الثانية ممكنة جداً ومحتملة، خاصة إذا لم يحصل انخفاض كبير في عدد الإصابات خلال فصل الصيف، لكننا سنكون في تتمة المرحلة الأولى، على أي حال».
ويتردد فاوتشي في إبداء رأيه حول اللقاح، والمواقيت المحتملة لتطويره وإنتاجه، ويرجح أنه «قد يكون جاهزاً أواخر هذا العام أو مطالع العام المقبل بشكل تدريجي، ومتاحاً لعدد كبير من الناس»، لكنه يشدد على أن الأهم في موضوع اللقاح هو فاعليته، وتوفره على نطاق واسع. كما يُذكر، وهو الذي أشرف على إدارة حملة التصدي لفيروس نقص المناعة المكتسب (إيدز)، بأنه حتى الآن لا يوجد لقاح ضد هذا الفيروس.
وعن العلاجات، يقول إن «هناك علاجين حتى الآن يبدو أن لهما فاعلية في الحالات المتقدمة من المرض، لكننا ما زلنا بحاجة إلى مزيد، خاصة في المراحل الأولى من الإصابة، للحيلولة دون الاضطرار لمعالجة المرضى في المستشفيات».
ويعترف فاوتشي بأن المناخ السياسي السائد في الولايات المتحدة يشكل عقبة أمام الجهود المبذولة لمكافحة الوباء واحتوائه، ويقول: «من الواضح أن الولايات المتحدة تعيش حالة من الاستقطاب السياسي الحاد، وهذا لا يساعد على التصدي لمثل هذا الوباء المنتشر عالمياً، الذي له تداعيات اقتصادية يعرف الجميع خطورتها».
ويتحاشى فاوتشي توجيه اللوم إلى منظمة الصحة العالمية لتأخرها في التحذير من خطورة الوباء، أو إلى الحكومات التي تواجه صعوبة أكثر من غيرها في احتوائه، فيقول: «كان من الصعب جداً التصدي لمثل هذه الجائحة. طبيعة هذا الوباء التي ما زالت غير واضحة بشكل دقيق كامل جعلت من الصعب التصدي له، خاصة أنه كان ينتشر على صعيد عالمي، لكن هذا لا ينفي أنه كان بوسعنا التصرف بشكل أفضل».
ويرفض فاوتشي الحديث عن الأخطاء التي يعتقد أن الولايات المتحدة قد ارتكبتها في التصدي للوباء حتى أصبحت الدولة الأكثر تضرراً في العالم، ويكتفي بالقول: «لا أريد الخوض في هذا المجال، بوسعنا دائماً أن نقوم بالأفضل. المهم هو أن نحاول دوماً تحسين ما نقوم به»، ثم يضيف: «أعتقد أننا تعلمنا درساً قاسياً جداً من هذه الجائحة، وأن الناس أدركت أهمية الالتزام بالتدابير الوقائية، وضرورة التكيف مع واقع جديد».
كما رفض فاوتشي الرد أو التعليق على سؤال حول صعوبة العلاقة مع الرئيس الأميركي الذي حاول منعه من المثول أمام الكونغرس، واتهمه بارتكاب بعض الأخطاء، وأنه يتصرف بعكس التوجيهات التي تصدر عن إدارته. واكتفى بالقول إن «العبرة التي يجب أن نستخلصها من هذا الوباء أن نتوقع ما ليس متوقعاً لأنه سيحصل».