ليبيون يأملون القصاص لـ«دماء أبنائهم»

بعد تفعيل لجنة تقصي الحقائق الأممية

TT

ليبيون يأملون القصاص لـ«دماء أبنائهم»

طوال السنوات التسع التي تلت إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011، وما واكبها من انفلات أمني، واشتباكات وحروب إلى الآن، شهدت ليبيا جرائم وتجاوزات عدة، قضي فيها مئات المواطنين في قضايا قيدت ضد مجهول، لكن مع بدء تفعيل لجنة تقصي الحقائق عملاً بقرار اعتمده مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مؤخراً، بات كثير من ذوي القتلى يعوّلون على هذا التحرك الأممي في التوصل إلى «قتلة أبنائهم والقصاص منهم».
ورأت النائبة في برلمان طبرق بـ«شرق البلاد» صباح جمعة الحاج، أن «الليبيين في عموم  البلاد منذ 2011 لم ينعموا بالراحة والسكينة في ظل هذه الفوضى والانتهاكات التي حدثت وتحدث بحقهم»، مضيفة أن الجناة يظلون أحراراً لأسباب، منها غياب الأدلة الواضحة، أو لعدم قدرة السلطات على تطبيق القانون عليهم.
وتعنى اللجنة الأممية بالتحقيق في تجاوزات وانتهاكات التي وقعت بعد عام 2016، ما يعني التطرق إلى جرائم كثيرة، من بينها الهجوم الذي خلف 140 قتيلاً على الأقل في استهداف مقر قيادة اللواء 12 التابع للجيش الوطني الليبي بقاعدة براك الشاطئ (جنوب البلاد) في مايو (أيار) 2017. وما تلا ذلك من جرائم، وصولاً إلى الانتهاكات التي خلّفتها حرب طرابلس راهناً.
ودعت الحاج في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «سرعة توثيق الانتهاكات التي استهدفت المدنيين وأضرت بممتلكاتهم، خاصة أن أغلبهم لا علاقة له من قريب أو بعيد بالصراع السياسي والعسكري الدائر، مثلما حدث مع مواطني مدينة ترهونة الذين وجدوا أنفسهم فجأة في قلب الحدث، فأصبحوا ضحايا بعد تدمير جانب من ممتلكاتهم وتشريدهم خارج ديارهم»، منوهة إلى ضرورة أن «يتم التوثيق للجرائم والانتهاكات بشكل منهجي وعادل يقوم على جمع الأدلة والإثباتات حتى لا يظلم أحد».
ولفتت الحاج، وهي نائبة مقرر مجلس النواب، إلى أن «عملية التوثيق قابلة للتحقق في أحداث ترهونة نظراً لأن أغلب المضارين نزحوا إلى مناطق بالشرق الليبي، ما يعني وجود إمكانية كبيرة للتواصل معهم وتوثيق إفادتهم»، رغم ذلك قالت النائبة إن كثيراً من الليبيين «يتشككون فيما يصدر من قرارات وبيانات من قبل الأمم المتحدة وبعثتها الأممية، وخصوصاً ما يتعلق بتحديد المسؤولية عن وقوع التجاوزات والانتهاكات بين طرفي الحرب»، وهما «الجيش الوطني» وقوات حكومة «الوفاق».
وأصدرت البعثة الأممية بيانات عدة تناولت فيها التجاوزات التي ارتكبها طرفا الحرب على مدار 14 شهراً هي مدة الحرب على طرابلس، إلى أن تمكنت قوات «الوفاق» من السيطرة على الحدود الإدارية للعاصمة. كما تحدثت في تقارير سابقة عن تعرض المدنيين للقتل والقصف في وقائع كثيرة. ونقل حقوقيون ليبيون أن كثيراً من الأسر التي فقدت أبناءها على مدار السنوات التسع إلى الآن تنتظر قصاصاً عادلاً، بعد أن تحقق الأمم المتحدة في أسباب مقتلهم.
ومع تبادل الاتهامات بين سلطات طرابلس، و«الجيش الوطني» عن كثير الجرائم التي تمثلت في العثور على مقابر جماعية في ترهونة، أعلن رئيس الحكومة المؤقتة بالشرق الليبي عبد الله الثني هو الآخر تشكيل لجنة للتحقيق في انتهاكات قال إن «الجماعات الإرهابية والميليشيات الخارجة عن القانون بالمنطقة الغربية تورطت فيها، بعد الدعم الذي تحصلت عليه من النظام التركي».
وقال رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب طلال الميهوب، إن «الجرائم الكثيرة المرتكبة في غرب البلاد من قبل الميليشيات والتنظيمات الإرهابية الموالية لحكومة (الوفاق) و(المرتزقة المستوردين) من قبل حليفتها الرئيسية تركيا لا بد أن يتم توثيقها، كونها ترتقي إلى جرائم حرب»، لافتاً إلى ضرورة «إعداد الملفات التي ستقدم إلى الجهات المعنية المحلية والدولية لينال المسؤولون عنها عقابهم».
 في المقابل، بدأت حكومة «الوفاق» في توثيق ما تراه من جرائم هي الأخرى، سعياً لتعقب المتورطين فيها، وتحدث خالد أبو صلاح وكيل وزارة العدل بحكومة «الوفاق» لـ«الشرق الأوسط» عن لجان شكّلتها حكومته لرصد وتوثيق انتهاكات وقعت خلال الحرب على العاصمة طرابلس، وقال: «قدمنا 3 تقارير للأمم المتحدة عن الفترة من 4 أبريل (نيسان) 2019 حتى نهاية مارس (آذار) الماضي 2020. وتعكف اللجان الآن على إعداد تقرير رابع».
ورحّبت أستاذة القانون الجنائي بجامعة بنغازي جازية شعيتير، بتشكيل لجان من قبل طرفي الصراع في ليبيا لتوثيق الانتهاكات والجرائم، لكنها قالت: «قد يلجأ كل منهما لتوظيفها بما يخدم إخلاء مسؤوليته وتبيض صفحته أمام الرأي العام المحلي والدولي». وأضافت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الحقوقيين والقانونيين يعرفون مدى أهمية أن يتم جمع الأدلة وسماع أقوال الضحايا في تاريخ  قريب من حدوث الجريمة حيث لا تزال التفاصيل الدقيقة حاضرة في الأذهان؛ خصوصاً أن توثيق الجرائم بعد فترة من وقوعها قد يفتح الباب لتزييف واسع للأدلة أو لتداخل الروايات، وبالتالي يجب على كل طرف كتابة تقريره وتقديم الأدلة لتأكيد اتهاماته، ما قد يساعد بعثة تقصي الحقائق الأممية في كشف غموض كثير من الحوادث التي شهدتها ليبيا.



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».