فرنسا تنسحب من مهمة قبالة ليبيا بعد خلاف مع تركيا

الاتحاد الأوروبي سيدرس فرض عقوبات إضافية على أنقرة

TT

فرنسا تنسحب من مهمة قبالة ليبيا بعد خلاف مع تركيا

كان منتظرا أن تقدم باريس على خطوة ما للتعبير عن إحباطها إزاء ردة فعل الحلف الأطلسي الفاترة بصدد شكواها من سلوك تركيا في مياه المتوسط، وبخصوص ليبيا، وتحديدا تهديدها بفتح النار على الفرقاطة «لو كوربيه» المنخرطة في إطار عملية «سي غارديان».
ولم يخف الرئيس ماكرون غيظه عندما حمّل تركيا، «مسؤولية تاريخية وإجرامية» بسبب دورها في ليبيا وعدوانيتها في مياه المتوسط. وقبله، دعا وزير الخارجية جان إيف لودريان إلى «مراجعة من دون ممنوعات أو سذاجة» لعلاقة تركيا المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، واصفا تصرفاتها بـ«العدائية». لكن جل ما حصلت عليه باريس من وزراء دفاع الحلف الأطلسي، ردا على انتقاداتها ومطالبها، هو إعلان أمين عام الحلف يان ستولتنبرغ عن «فتح تحقيق» من أجل «إلقاء الضوء» على ما حصل في حادثة المواجهة بين قطع بحرية تركية والفرقاطة الفرنسية في 10 من يونيو (حزيران) الماضي الأمر الذي جعل باريس تشعر بالإحباط. كما لم يخرج عن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أي تنديد أو موقف إزاء تركيا.
وفي المحفلين الأطلسي والأوروبي، تلعب قاعدة الإجماع ضد رغبة فرنسا بتنديد جماعي بالسياسة التركية في ليبيا، وبأداء أنقره داخل الحلف الأطلسي. ويجدر التذكير بأن ماكرون اعتبر الحلف في حالة «موت سريري» منذ نهاية العام الماضي بسبب أحادية التصرفات التركية. وبالنظر لهذا الوضع ولموقع فرنسا داخل المحفلين، كان على باريس ألا تكتفي بالتنديد والتصريح، بل أن تقوم بعمل يعكس غيظها المزدوج من تركيا أولا، ومن الحلف ثانيا. وقد سعى ماكرون لكسب الرئيس الأميركي إلى جانبه من خلال مكالمتين هاتفيتين، لكن لم يصدر أي تنديد من واشنطن للدور التركي.
وأمس، جاء الرد الفرنسي على شاكلة إعلان وزارة الدفاع عن تجميد باريس مشاركتها في عملية الحلف الأطلسي «سي غارديان» للأمن البحري في مياه المتوسط، إذ قررت سحب مساهمتها «مؤقتا» بانتظار الحصول على أجوبة للمطالب التي طرحتها. وفي مؤتمر صحافي عبر الهاتف قالت وزارة الدفاع أمس: «قررنا سحب وحداتنا مؤقتاً من عملية سي غارديان» بانتظار تصحيح الوضع.
وترى باريس أنه «ليس من الطبيعي أن نبقي وسائلنا في إطار عملية أحد أهدافها مراقبة حظر السلاح (إلى ليبيا) مع شركاء لا يحترمون هذه المهمة». في إشارة إلى تركيا التي تتهمها باريس بانتهاك القرارات الدولية ومقررات مؤتمر برلين، والإخلال بالتعهدات التي قدمتها عن طريق نقل كميات كبيرة من السلاح إلى ليبيا، إضافة إلى خبراء ومرتزقة.
ومن جانب آخر، أفاد مسؤول في وزارة الدفاع بأن فرنسا تريد من الدول الحلفاء في الناتو «أن يعيدوا التأكيد رسمياً على التزامهم» بحظر الأسلحة المفروض على ليبيا. وتريد باريس كذلك من الحلف وضع آلية جديدة للحيلولة دون تكرار الاحتكاك مع القطع التركية، التي تستخدم الرموز الأطلسية في مهمات لا علاقة لها بالحلف الأطلسي أو بعملية «سي غارديان».
لكن اكتفى الحلف الأطلسي أمس بالقول، تعليقا على قرار باريس بأنه «أمر سيادي» لن يؤثر على استمرار العملية الأطلسية التي تهدف لمحاربة الإرهاب، وضمان أمن المتوسط، والتأكد من احترام الحظر على السلاح إلى ليبيا.
بيد أن الملف التركي لا ينحصر أوروبيا بليبيا، بل يتناول أيضا الأنشطة الليبية التنقيبية في مياه المتوسط الشرقي، التي تقوم بها أنقرة مستندة إلى اتفاق اقتصادي مع حكومة فائز السراج، أبرم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وفي هذا السياق، أعلن الوزير لودريان أمس في كلمة له أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، أن اجتماعا على مستوى وزراء خارجية الاتحاد سوف يعقد في 13 الجاري بطلب فرنسي، و«سيخصص حصرا للمسألة التركية». ومما سيدرسه الوزراء فرض عقوبات إضافية على تركيا.
وأضاف لودريان أن عقوبات قد اتخذت سابقا بحق تركيا بسبب أنشطتها في المنطقة البحرية الاقتصادية لقبرص، «ويمكن أن تتخذ عقوبات إضافية ضدها». ويعتبر الأوروبيون جماعيا أن الاتفاق الليبي - التركي ينتهك الحقوق القبرصية واليونانية، وأنه يشكل عامل إخلال بالاستقرار في المتوسط. فضلا عن ذلك، يتخوف الأوروبيون، وعلى رأسهم الفرنسيون، من تنامي الحضور التركي في ليبيا والمتوسط، ومن احتمال أن تستنسخ أنقره استخدامها لملف اللاجئين من ليبيا على غرار ما تفعله بملف اللاجئين الموجودين على أراضيها.
وهكذا، فإن باريس تنتظر من الحلف والاتحاد أن يتجاوبا مع هواجسها، وما قامت به من تجميد مساهمتها في عملية «سي غارديان» ليس، كما هو واضح، سوى إجراء رمزي لجذب انتباه الشركاء والحلفاء ليس إلا. أما وضع التنقيب فله أبعاد أخرى لأنه يمس دولتين عضوين في الاتحاد.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.