رغم أن الحرب التي استمرت عاماً وأكثر، ووضعت أوزارها في غرب ليبيا بين قوات حكومة «الوفاق الوطني» وقوات {الجيش الوطني الليبي} بقيادة المشير خليفة حفتر، فإن معاناة سكان جنوب العاصمة الليبية طرابلس، لا تزال مستمرة بسبب الألغام التي وضعها المتحاربون.
وشهد جنوب طرابلس العشرات من حوادث انفجار الألغام، وخلال الأسبوعين الماضيين قتل أكثر من 30 شخصا، وجرح أكثر من 60 بينهم حالات حرجة، جلهم من المدنيين جنوب العاصمة، بحسب وزارة الصحة.
وعبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقها من استخدام عبوات ناسفة، «تتعمد» استهداف المدنيين في طرابلس. وأكدت في بيان صحافي أنها «قلقة للغاية حيال تقارير تفيد بمقتل، أو إصابة ساكني منطقتي عين زارة وصلاح الدين في طرابلس جراء انفجار عبوات ناسفة مبتكرة وضعت في منازلهم أو بالقرب منها».
وتعد منطقة الخلة في جنوب طرابلس من أكثر المناطق، التي شهدت مواجهات عنيفة بين قوات حكومة الوفاق وقوات حفتر، وأكثرها تضرراً نظراً لموقعها الاستراتيجي، إذ تشكل حلقة وصل بمناطق مهمة تجاورها، مثل طريق المطار وصلاح الدين والسدرة.
يقول هشام سليمان، الذي يعمل مدرسا منذ أكثر من 25 عاما، إن فرحته بالعودة إلى منزله «سرعان ما تلاشت، وشعرت بانقباض في قلبي» أمام حجم الدمار الذي خلفته آلة الحرب.
وأضاف سليمان لمراسل الصحافة الفرنسية، وهو يتجول في منزله بحذر: «أصبت بخيبة أمل، ليس جراء خسارتي المنزل وتعرضه للدمار فقط، بل للحالة التي خلفتها الحرب في منطقتي، وكأن نيزكا عملاقاً ضربها وترك فيها هذا الدمار غير المسبوق».
وتابع سليمان أثناء تفقده زاوية للكتب في غرفة الاستقبال، متصفحا بعض ما نجا من الحرق، والحسرة تعلو وجهه المرهق: «يعلم الله وحده وعائلتي كيف بنيت هذا المنزل... لقد أخذ مني كامل مدخرات عمري، وأكثر من 10 أعوام، واليوم صار خرابا بفعل الحرب التي لا شأن لي وعائلتي بها».
وختم رافعا رأسه للسماء: «لله المشتكى وحده. دُمر منزلي وزرعت ألغام حوله... لكني سأتحمل المخاطر وأجهز نصف منزلي السليم، لأنه لا طاقة لي بالاستمرار في دفع إيجار منزل بسبب غلاء المعيشة وضيق حالي».
ولقي المئات حتفهم، وشرد حوالي 200 ألف شخص منذ أن شنت قوات حفتر هجومها للسيطرة على طرابلس في أبريل (نيسان) 2019، والذي انتهى بالانسحاب منها، ومن غرب ليبيا بالكامل مطلع يونيو (حزيران) الجاري. واتهمت حكومة الوفاق الوطني قوات حفتر بزراعة ألغام في كافة المواقع التي دخلتها، وطلبت مساعدة دولية في عمليات نزع الألغام. بينما لم تصدر قوات حفتر تعليقا رداً على الاتهامات.
وقال العميد أحمد بعيو، رئيس فريق تفكيك المتفجرات بوزارة الداخلية بحكومة الوفاق: «قمنا بين منطقة صلاح الدين والسدرة بتفكيك ألغام، ورفع مخلفات الحرب في مساحة 5 هكتارات (50 ألف متر مربع)، وما زلنا نقوم بعمليات التنظيف والتأمين للمناطق تباعا». مضيفا أنه يصعب حصر منطقة الألغام لأن «معظم المناطق جنوب طرابلس وضعت فيها ألغام ضد الأفراد، أو عبوات محلية الصنع، وقد استخدم العدو جميع الطرق في وضع ألغام شديدة الخطورة وحديثة غير موجودة في ليبيا من قبل».
ودعا المسؤول الليبي سكان المناطق، التي شهدت اشتباكات، إلى عدم التسرع بالعودة حفاظا على سلامتهم، فيما وضعت الفرق الأمنية علامات إرشادية وملصقات حديثة تنبه السكان إلى مواقع الألغام.
في غضون ذلك، أعلنت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي، أمس، عن إطلاق مبادرة مشتركة لإطعام ما يصل إلى عشرة آلاف من اللاجئين وطالبي اللجوء العالقين في ليبيا، «إقرارا بالانعكاسات الاجتماعية - الاقتصادية الحادة لـ(كوفيد - 19) في ليبيا، إضافة إلى تداعيات النزاع المستمر».
وبدأت أولى عمليات توزيع المواد الغذائية أول من أمس في حي السراج بطرابلس، الذي يضم عشرات اللاجئين وطالبي اللجوء، إضافة إلى مهاجرين من آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء يأملون عبور البحر المتوسط وصولا إلى أوروبا، ويقيمون في ليبيا في ظروف مروعة.
وقالت وكالتا الأمم المتحدة إن المساعدات لهؤلاء ضرورية لأن معظمهم «لم يتمكنوا من إيجاد أي عمل يومي لإعالة أنفسهم وسط فرض حظر للتجول والارتفاع الهائل لأسعار المواد الغذائية والسلع الرئيسية».
سكان جنوب طرابلس يخوضون «حرباً غير متكافئة» ضد الألغام
{الوفاق} أكدت مقتل أكثر من 30 شخصاً خلال الأسبوعين الماضيين
سكان جنوب طرابلس يخوضون «حرباً غير متكافئة» ضد الألغام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة