رواية هاربر لي ما زالت أصداؤها تتردّد في المجتمع الأميركي

مقتل جورج فلويد يعيد فتح الدفاتر القديمة

مشهد من فيلم «أن تقتل الطائر المحاكي»
مشهد من فيلم «أن تقتل الطائر المحاكي»
TT

رواية هاربر لي ما زالت أصداؤها تتردّد في المجتمع الأميركي

مشهد من فيلم «أن تقتل الطائر المحاكي»
مشهد من فيلم «أن تقتل الطائر المحاكي»

في عام 1960، نشرت كاتبة أميركية مغمورة تدعى هاربر لي، روايتها الأولى التي تناولت فيها، باستبصار لا ترقى إليه سوى الأعمال الخالدة، الموضوع الأساس والأشدّ مأساوية في التاريخ الأميركي منذ بداياته: الإجحاف العنصري الذي يرزح تحته الزنوج، وأيضاً السكان الأصليون والمهاجرون من أميركا اللاتينية.
وبعد أقلّ من شهر على صدور تلك الرواية بعنوان «أن تقتْل الطائر المحاكي»، كان الكتاب يتصدّر لائحة المبيعات، وتعتمده المدارس التكميلية والثانوية ضمن مناهجها الرسميّة، ليصبح من الأعمال الكلاسيكية في الأدب الأميركي الحديث بعد أن فاز بجائزة «بوليتزر» الشهيرة.
يروي الكتاب قصة «آتيكوس فينش»، أحد الأبطال الهادئين الذين تزخر بهم الأعمال الأدبية والسينما الأميركية، وهو محامٍ يتولّى الدفاع عن زنجي متّهم من غير ذنب بجريمة اغتصاب في ولاية آلاباما، التي كانت أحد المعاقل الرئيسية للتمييز العنصري في الولايات المتحدة. وقد استندت لي في روايتها إلى ما كانت تعايشه في أسرتها ومع جيرانها، وإلى حادثة وقعت بالقرب من مسقط رأسها في مونروفيل عام 1936، عندما كانت في العاشرة من عمرها.
تدور حياة «آتيكوس فينش» العائلية في تربية أولاده، والمهنية في ممارسة المحاماة، على مبدأ أساس هو التصدّي للظلم، وعلى قناعة راسخة بأن القرارات الشخصية هي التي تؤدي في نهاية المطاف إلى القضاء عليه في المجتمع. وعندما يشرح لأحد أبنائه الأسباب التي حدت به إلى الدفاع عن الزنجي المتّهم بجريمة الاغتصاب ضد إرادة سكّان البلدة، يقول له: «الشجاعة هي في مواصلة النضال حتى النهاية، رغم اليقين بأن المعركة خاسرة. ونادراً ما ينتصر المرء في هذه المعارك، لكنه أحياناً ينتصر».
والاضطرابات التي تعصف بالولايات المتحدة، منذ أيام، بسبب من مقتل الرجل الأسود جورج فلويد، خنقاً تحت ركبة الشرطي الأبيض ديريك شوفين في مينيسوتا هي دليل واضح على أن الرسالة التي حملتها رواية هاربر لي منذ ستين عاماً ما زالت أصداؤها تتردّد إلى اليوم في المجتمع الأميركي، الذي أصبح فيه عنف الشرطة على الزنوج، وما يستتبعه من احتجاجات، من الأمور العادية التي كاد يألفها الناس. وكما قال الممثل المعروف ويلي سميث: «العنصرية ليست اليوم أسوأ مما كانت عليه، لكنها صارت تُنقل مباشرة على الشاشات».
صحيح أن الولايات المتحدة بتشريعاتها العنصرية وقوانين الفصل بين البيض والسود، التي تصفها هاربر لي، لم تعد موجودة، ولا تلك التي عاشها المجتمع الأميركي في ذروة حركة المطالبة بالحقوق المدنية، وأن وضع السود في الولايات المتحدة اليوم أفضل من أي وقت مضى، لكنه يبقى سيئاً جداً، كما تبدّى مع جائحة «كوفيد - 19»، التي يقع معظم ضحاياها بين السود، لأن أبشع وجوه العنصرية هي في الأساس اقتصادية واجتماعية، قبل أن تكون عرقية، حتى في أغنى بلدان العالم.
أهمية كتاب هاربر لي تتجاوز قيمته الأدبية العالية وعمق إنسانية شخصياته، خصوصاً آتيكوس فينش، الذي حمله وجه غريغوري بيك إلى السينما. الرواية ما زالت حاضرة بقوة في الضمير الأميركي، لأن القضية التي تطرحها لم تجد طريقها بعد إلى الحل. والأمثولة التي يريد فينش أن ينقلها إلى أولاده هي أن الاستسلام ممنوع في هذه المعركة، مهما طالت وكبُرت الصعوبات التي تعترضها، «لأن الهزيمة قبل مائة عام من بداية النضال ليست سبباً يحول دون محاولة الانتصار»، ولأن محاربة العنصرية، أياً كان شكلها، هي معركة فردية تقتضي، قبل أي شيء، أن نضع أنفسنا مكان الآخر، ونسير في عذاباته ومعاناته.
إن الانتفاضة العارمة التي فجّرها مقتل جورج فلويد في ذلك المشهد السينمائي المروّع، الذي دام تسع دقائق اختصرت أربعة قرون من الظلم والعذاب، لا تؤرّخ فحسب لمرحلة جديدة في مسيرة الكفاح ضد العنصرية في الولايات المتحدة، بل هي تعيد فتح الدفاتر القديمة التي طواها الغرب ودفنها تحت الرماد، وعادت فصولها تطلّ من جديد على المجتمعات الأوروبية، مع تدفّق موجات المهاجرين واشتداد الأزمة الاقتصادية التي ستبلغ ذروتها في الأشهر المقبلة.


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
TT

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

في سابقة جديدة، تسعى من خلالها وزارة الثقافة المصرية إلى تكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية» ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة»، التي من المقرر أن تشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذي رحلوا عن عالمنا خلال العام الماضي.

ووفق وزارة الثقافة المصرية، فإن الاحتفالية ستُقام، مساء الأربعاء المقبل، على المسرح الكبير في دار الأوبرا، من إخراج الفنان خالد جلال، وتتضمّن تكريم أسماء عددٍ من الرموز الفنية والثقافية الراحلة خلال 2024، التي أثرت الساحة المصرية بأعمالها الخالدة، من بينهم الفنان حسن يوسف، والفنان مصطفى فهمي، والكاتب والمخرج بشير الديك، والفنان أحمد عدوية، والفنان نبيل الحلفاوي، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والفنان صلاح السعدني، والفنان التشكيلي حلمي التوني.

أحمد عدوية (حساب نجله محمد في فيسبوك)

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري في تصريحات الأحد، إن الاحتفال بيوم الثقافة جاء ليكون مناسبة وطنية تكرم صُنّاع الهوية الثقافية المصرية، مشيراً إلى أن «هذا اليوم سيُعبِّر عن الثقافة بمعناها الأوسع والأشمل».

وأوضح الوزير أن «اختيار النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة للمكرمين تم بناءً على مسيرتهم المميزة وإسهاماتهم في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر». كما أشار إلى أن الدولة المصرية تهدف إلى أن يُصبح يوم الثقافة تقليداً سنوياً يُبرز إنجازات المتميزين من أبناء الوطن، ويحتفي بالرموز الفكرية والإبداعية التي تركت أثراً عظيماً في تاريخ الثقافة المصرية.

وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، رحل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، عن عمر ناهز 81 عاماً، وقدم الفنان الراحل المولود في محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1943 أكثر من 200 عمل فني.

صلاح السعدني (أرشيفية)

كما ودّعت مصر في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2024 كذلك الفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد رحلة طويلة مفعمة بالبهجة والحب، مُخلفاً حالة من الحزن في الوسط التشكيلي والثقافي المصري، فقد تميَّز التوني الحاصل على جوائز عربية وعالمية عدّة، بـ«اشتباكه» مع التراث المصري ومفرداته وقيمه ورموزه، واشتهر برسم عالم المرأة، الذي عدّه «عالماً لا ينفصل عن عالم الحب».

وفي وقت لاحق من العام نفسه، غيّب الموت الفنان المصري حسن يوسف الذي كان أحد أبرز الوجوه السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات عن عمر ناهز 90 عاماً. وبدأ يوسف المُلقب بـ«الولد الشقي» والمولود في القاهرة عام 1934، مشواره الفني من «المسرح القومي» ومنه إلى السينما التي قدم خلالها عدداً كبيراً من الأعمال من بينها «الخطايا»، و«الباب المفتوح»، و«للرجال فقط»، و«الشياطين الثلاثة»، و«مطلوب أرملة»، و«شاطئ المرح»، و«السيرك»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«فتاة الاستعراض»، و«7 أيام في الجنة»، و«كفاني يا قلب».

الفنان حسن يوسف وزوجته شمس البارودي (صفحة شمس على فيسبوك)

وعقب وفاة حسن يوسف بساعات رحل الفنان مصطفى فهمي، المشهور بلقب «برنس الشاشة»، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد صراع مع المرض.

وجدّدت وفاة الفنان نبيل الحلفاوي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحزن في الوسط الفني، فقد رحل بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

وطوى عام 2024 صفحته الأخيرة برحيل الكاتب والمخرج بشير الديك، إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى رحيل «أيقونة» الأغنية الشعبية المصرية أحمد عدوية، قبيل نهاية العام.