منذ ظهور فيروس كورونا أواخر العام الماضي في الصين، وانتشاره في العالم، ما زال هذا الوباء محاطاً بألغاز وأسئلة كثيرة حول مصدره ومواصفاته ومحددات سريانه ومسرى تفاعلاته. وبعد انحساره في الصين مطالع هذا العام، انتقلت بـؤرته الرئيسية إلى القارة الأوروبية التي سجّلت حتى الآن 2.3 مليون إصابة، وأكثر من 185 ألف وفاة، قبل أن تبدأ هذه الأعداد بالتراجع منذ بداية الشهر الماضي، بعد سلسلة من الفصول المأساوية لانتشاره في بلدان مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة.
ومع العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية التي بدأتها البلدان الأوروبية، فيما تواصل جائحة «كوفيد-19» تمدّدها في مناطق أخرى من العالم، تبقى الأسئلة الأساسية التي تدور حولها التجارب في المختبرات، ويترقّب المسؤولون إجابات قاطعة عنها، هي معرفة احتمالات عودة الوباء في موجات لاحقة على غرار الفيروسات الأخرى المشابهة، وتقدير مدى خطورته في حال العودة، خاصة أن نسبة الإصابات المؤكدة لا تتجاوز 7 في المائة من عدد السكّان؛ أي أقلّ بكثير من النسبة التي تضمن المناعة الجماعية التي تتراوح بين 60 و70 في المائة، هذا في حال توفر العلاج الشافي واللقاح ضد الوباء.
الأرقام الأخيرة عن عدد الإصابات الجديدة المؤكدة والوفيّات اليومية تدلّ على تراجع واضح في وتيرة تفشي الوباء ومعدلات فتكه داخل الاتحاد الأوروبي، خاصة في البلدان التي عانت منه بقسوة في المرحلة الأولى، مثل إيطاليا وإسبانيا، حتى أن بعض الخبراء الإيطاليين ذهبوا مؤخراً حد التأكيد على أن الوباء «لم يعد موجوداً سريرياً»، والقول إنه حتى في حال عودته مجدداً أواسط الخريف المقبل، كما يتوقع بعضهم، لن يكون بالضراوة نفسها التي تميز بها في هذه الموجة الأولى.
ويفيد التقرير الدوري الأخير الصادر عن المركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة، وهو الهيئة الصحية الرئيسية التابعة للمفوضية الأوروبية، بأن عدد الإصابات الجديدة المؤكدة في أوروبا منذ 23 أبريل (نيسان) الماضي بلغ 460 ألفاً، 34 في المائة منها في المملكة المتحدة، و11 في المائة في إيطاليا، و9 في المائة في إسبانيا، و8 في المائة في ألمانيا، و7 في المائة في فرنسا. كما يفيد بأن الإصابات اليومية تراجعت بنسبة 81 في المائة، مقارنة بما وصلت إليه في 9 أبريل (نيسان) الفائت، وهو التاريخ الذي حدده الخبراء ذروة لانتشار الوباء في القارة الأوروبية.
وإذ يحجم خبراء المركز عن القول إن الوباء دخل مرحلة الانحسار في أوروبا، يؤكدون أن الوضع الوبائي في بلدان الاتحاد الأوروبي عموماً، باستثناء بعض المناطق، لم يعد يبرر إقفال الحدود الداخلية للاتحاد من وجهة النظر الصحية، خاصة أن جميع الدول الأوروبية أصبحت اليوم جاهزة لمواجهة موجة جديدة من الوباء، في حال حدوثها، حتى قبل التوصل إلى علاج ناجع أو لقاح ضده. لكن التقرير الأخير للمركز يشير أيضاً إلى أن الموجة الثانية ليست مستبعدة، ويحذرون بشكل خاص مما يسمونه «الإصابات المستوردة» التي يمكن أن تأتي مع الوافدين من بلدان خارج الاتحاد الأوروبي، والتي تذهب بعض النظريات إلى القول إن مواصفاتها قد تكون مختلفة عن تلك المنتشرة في أوروبا.
وأشار خبراء بمجال الصحة في الاتحاد الأوروبي، أمس، إلى احتمال حدوث موجة ثانية من حالات الإصابة بمرض «كوفيد-19» على نحو يستلزم إعادة فرض إجراءات العزل العام في أوروبا، وقالوا إن هذا الاحتمال من متوسط إلى مرتفع، ويتوقف على التدرج في تخفيف القيود، وعلى مدى التزام الناس بها، كما نقلت وكالة «رويترز». كما توقع تقييم للجائحة أجراه المركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة والوقاية منها زيادة متوسطة في معدلات العدوى في الأسابيع المقبلة، وإن أشار إلى أن انتقال العدوى قد تجاوز ذروته في معظم البلدان الأوروبية.
وقالت أندريا آمون، مديرة المركز، في بيان مرفق مع التقييم، إن «الجائحة لم تنتهِ بعد». وأضافت أنه رغم تناقص حالات العدوى في أنحاء أوروبا، فإن بذل الجهد لا يزال مطلوباً للحد من انتشار المرض، وتابعت أنه «من المهم الالتزام بالتوصيات المتعلقة بالتباعد الاجتماعي، والحفاظ على معايير مرتفعة للصحة العامة».
وتستند المفوضية الأوروبية إلى تقارير المركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة والتوصيات الدورية التي يصدرها من أجل إعداد توجيهاتها إلى الدول الأعضاء، والخطط التي تقترحها لتنسيق جهود احتواء الوباء، وفتح الحدود، خلال مرحلة العودة إلى الحياة الطبيعية. لكن يعترف المسؤولون في المفوضية بأنهم يواجهون صعوبات جمة لتنسيق الإجراءات الأوروبية في هذا المجال، خاصة أن الصلاحيات الصحية محصورة بكاملها في يد الدول الأعضاء التي يغني كل منها على ليلاه في إجراءات فتح الحدود التي أصبحت أحجية بالنسبة للمواطن الأوروبي. فإيطاليا مثلاً فتحت حدودها أمام جميع الوافدين من منطقة «شنغن» من غير إخضاعهم لأي إجراءات أو شروط صحية، بينما النمسا قررت فتح حدودها أمام بعض جيرانها فحسب، وهناك مجموعة ثالثة من البلدان ما زالت حدودها مغلقة أمام الجميع، مثل إسبانيا التي تمنع مواطنيها من التنقل بين المقاطعات حتى نهاية الشهر الحالي.
وإذ تخشى المفوضية من أن تكرر الدول الأعضاء الأخطاء نفسها التي ارتكبتها في بداية انتشار الوباء، عندما أقدمت على اتخاذ قرارات منفردة من غير أي تنسيق بينها، أو مع الأجهزة المعنية في المؤسسات الأوروبية، ألحت مؤخراً في طلبها من الدول الأعضاء رفع جميع تدابير الرقابة على الحدود الداخلية بدءاً من منتصف الشهر الحالي، وحذرت من عواقب القرارات المنفردة وانعكاساتها على مبدأ حرية التنقل داخل الاتحاد الذي يعد أهم الإنجازات الأوروبية.
وبالنسبة للمسافرين إلى أوروبا من خارج الاتحاد، تقترح المفوضية وضع لائحة مشتركة بالدول التي لا تفرض قيوداً على المواطنين الأوروبيين، على أن تفتح حدودها أمامها بصورة تدريجية، وأن تبدأ بدول البلقان المرشح بعضها لعضوية الاتحاد، التي لم تسجل سوى إصابات قليلة بالفيروس. ويتضمن اقتراح المفوضية لفتح الحدود الأوروبية أمام الوافدين من بلدان خارج الاتحاد استيفاء الشروط الثلاثة التالية: أن يكون الوضع الوبائي مشابهاً للأوروبي أو أفضل منه، والقدرة على تطبيق تدابير الوقاية والتباعد الاجتماعي خلال مراحل السفر، والمعاملة بالمثل.
ترحيب أوروبي بتراجع الجائحة... وتحذير من «الإصابات المستوردة»
ترحيب أوروبي بتراجع الجائحة... وتحذير من «الإصابات المستوردة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة