رغم الإلغاء التدريجي والمستمر لمعظم التدابير والإجراءات المشددة التي اعتمدت منذ إعلان الحكومة اللبنانية «التعبئة العامة» للتصدي لتفشي وباء «كورونا»، يستغرب كثير من اللبنانيين التمسك بنظام «المفرد والمزدوج» أي سير السيارات وفق أرقام لوحاتها في أيام محددة من كل أسبوع، نظرا إلى أن إعادة افتتاح معظم القطاعات بات يحتم عليهم التوجه إلى أعمالهم ووظائفهم ما يضعهم أمام تحد حقيقي في ظل غياب شبكة نقل عام تمكّنهم من الاستغناء عن سياراتهم.
ويشكو ف. ن (35 عاما) الذي فضل عدم ذكر اسمه كاملاً، من إلزامه التوجه إلى وظيفته يومياً رغم استمرار تدبير «المفرد والمزدوج» لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه يضطر لمخالفة التدبير والتوجه بسيارته يوميا إلى عمله خوفا من تقديم ذريعة لصاحب العمل لطرده، خاصة أنه تم طرد كثير من الموظفين في الآونة الأخيرة بحجة الظروف الاقتصادية الصعبة. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «أنا أجازف بأن يتم توقيفي وتنظيم محضر ضبط بحقي وبالتالي بأن أضطر لدفع مبالغ طائلة شهريا، لكن ذلك يبقى أسهل من المجازفة بفقدان وظيفتي».
وبينما يربط البعض إصرار الحكومة على التمسك بهذا النظام بسعيها للتخفيف من أزمة السير التي كانت قد تفاقمت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية أو بشح مادة البنزين نتيجة تأخر المصارف في فتح الاعتمادات لشركات استيراد النفط، وسعي المستوردين والموزعين والمحطات إلى تخزين البنزين للاستفادة من ارتفاع الأسعار في الأسابيع المقبلة، تؤكد مصادر قوى الأمن الداخلي أن الموضوع مرتبط حصرا بالإجراءات المتخذة للحد من تفشي وباء «كورونا»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الهدف الأساسي من هذا التدبير هو التخفيف من عدد السيارات على الطرق وبالتالي من أعداد الناس في الأماكن العامة. وتضيف المصادر: «أما إلزام أصحاب العمل الموظفين بالتوجه إلى أعمالهم بشكل يومي فهو أمر خاطئ وغير مقبول، فمن المفترض أن يلتزموا بالإجراء الذي لا تزال تعتمده الحكومة وبالتالي يتم تقسيم العمل على الموظفين على أساس أرقام لوحات سياراتهم».
وأشارت المصادر إلى أن ربط الموضوع بالسعي لتخفيف أزمة السير يتوجب أن ترافقه خطة للنقل العام، لذلك هو ربط في غير مكانه في المرحلة الحالية.
وأوضح وزير الداخلية السابق زياد بارود أن هذا التدبير الذي اتخذته وزارة الداخلية استنادا إلى التعبئة العامة وقانون السير، «ساهم في الحد من خطر انتشار (كورونا) في الأشهر الماضية باعتبار أنه خفف من التنقلات وبالتالي من حالات الاحتكاك سواء على الطرق أو في أماكن العمل، إلا أنه لا شك إجراء غير مريح للناس بغياب النقل العام وبالتالي لا يمكن على الإطلاق الاستمرار فيه عند رفع حالة التعبئة، فالقانون لا يسمح بذلك خاصة بغياب النقل العام».
وأضاف بارود لـ«الشرق الأوسط» أن دولاً كفرنسا اعتمدت هذا التدبير عام 2018 للحد من التلوث، لكنها توفر لمواطنيها شبكة متطورة للنقل العام بخلاف ما هو حاصل في لبنان. وأضاف: «على كل الأحوال هذا التدبير يخفف من أزمة السير لكن ليس واضحا ما إذا كان الالتزام به لا يزال قائما كما كان في السابق، خاصة مع ارتفاع عدد الاستثناءات من إعلاميين ومحامين وأطباء وممرضين ومؤخرا سائقي سيارات عمومية والعاملين في القطاع العام».
واعتبر مدير الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية كامل إبراهيم أن تدبير «المفرد والمزدوج» كان مفيدا في الأسابيع الأولى لإعلان التعبئة العامة، «لكن سرعان ما كان له ردة فعل عكسية إذ اعتبر البعض أنه طالما يحق لي أن أستخدم سيارتي اليوم ويمنع علي ذلك غدا فالأفضل أن أستفيد من ذلك وإن لم يكن هناك من ضرورة قصوى للخروج». وأشار إبراهيم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الأمر بات يشكل حاليا تحديا جديدا للبنانيين، خاصة أن هذا التدبير بقي رغم إعادة افتتاح معظم القطاعات، «وبالتالي بات الموظفون يتفقون على أن يتوجهوا بسيارة واحدة إلى العمل ما يعني أنه يحصل اختلاط داخل السيارات بشكل كبير ما يهدد أكثر بانتشار الفيروس». وإذ وصف التمسك بالتدبير حاليا بـ«السخيف»، شدد على أن ربطه بالتخفيف من أزمة السير «يوجب على الدولة تأمين البدائل للبنانيين وبخاصة وسائل النقل العام التي هي غير متاحة رغم الخطط التي لطالما تحدثوا عنها ولم ينفذ منها شيء على أرض الواقع».
تمسك وزارة الداخلية بنظام «المفرد والمزدوج» يفاقم التحديات اليومية للبنانيين
ربطه بتخفيف أزمة السير يقيّده غياب خطة للنقل العام
تمسك وزارة الداخلية بنظام «المفرد والمزدوج» يفاقم التحديات اليومية للبنانيين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة