الأميركي لا يطير بجناح واحد... أبيض

الأميركي لا يطير بجناح واحد... أبيض
TT

الأميركي لا يطير بجناح واحد... أبيض

الأميركي لا يطير بجناح واحد... أبيض

لم تكن نبوءة تلك التي أطلقها جيمس بالدوين، الروائي، والشاعر، وكاتب المقالات، والمسرحي الأفرو - أميركي، في محاضرة له بكلية كمبرج البريطانية عام 1965: «لا مستقبل للحلم الأميركي إذا لم يشارك فيه الأميركيون الأفارقة. هذا الحلم، الذي كان على حسابهم، سيتحطم». الحلم الأميركي لا يمكن أن يطير بجناح واحد.
كان صوته المهيب يهدر في قاعة الجامعة الشهيرة، وهو يتلو كلماته، وكأنه يلقي واحدة من قصائده الموجعة، المحمّلة بقرون من السخرة والسوط والنخاسة:
أنا الذي سقيت التربة،
أنا الذي زرعت،
أنا الذي قطفت القطن في المزارع،
أنا الذي حملته إلى السوق،
أنا الذي بنيت خطوط سكك الحديد
تحت سوط شخص آخر،
مقابل لا شيء،
مقابل لا شيء.
لقد علموه ألا تاريخ للأفارقة، لا جذور، ولا تراث سوى العبودية، ولا سنناً أخرى، غير سنّة العبد والسيد.
لكن بالدوين، صبي حي هارلم البائس، سيكتشف، شيئاً فشيئاً، ذاته، وسيعرف أن أجداده لم يُلقَ بهم فجأة من السماء على الأرض، بل سيق 12 مليوناً منهم إلى الأميركتين في القرن السادس عشر، عكس ما علمته الكتب الأميركية في المدارس. وسيدرك أيضاً أن العلم الأميركي الذي كان يقف تحته ليعلن الولاء، مثل غيره، ليس وفياً له.
هل تغير شيء بعد 55 سنة منذ ذلك الخطاب الشهير؟ وبعده الخطاب الأشهر الآخر «عندي حلم» لمارتن لوثر كنغ، الذي ألقاه عند نصب إبراهام لنكولن عام 1963؟ بل هل تغير شيء منذ عصر لنكولن، الذي ألغى، قانونياً، العبودية عام 1864 بعد صدور رواية «كوخ العم توم» لهارييت ستو عام 1852، والضجة التي أثارتها حول معاناة السود، وبيع البشر في سوق النخاسة فقط بسبب لونهم؟
لم يتغير أي شيء. كان تغييراً من فوق، على الورق، بقي الواقع الصلد، الأقوى من القانون، كما هو في العمق، يعيد إنتاج نفسه، ويعلن كلما اقتضى الأمر: إنني هنا، ما زلت موجوداً رغم كل شيء، بل حتى العدالة تطأطئ رأسها له.
في روايتها «كي تقتل طائراً محاكياً»، الصادرة عام 1960، تكشف لنا البيضاء هاربر لي، مهزلة تلك المحاكمة التي حكمت على «الزنجي» «توم» بتهمة اغتصاب فتاة بيضاء... فقد العالم براءته منذ ذلك الوقت في عين الشخصية الرئيسية؛ «سكوت». اهتزت أميركا حينها، ولكن، في الجوهر، لم يتغير شيء.
لم يجسد هذه الحقيقة، في العقود الثلاثة الأخيرة، أكثر من أعمال توني موريسون.
في روايتها الأولى «العين الأكثر زرقة»، الصادرة عام 1971، تحلم الطفلة «نيكولا»، التي تسمى «القبيحة» بسبب بشرتها السوداء، بأن تملك عًينين زرقاوين... لو امتلكت هذين العينين فستصبح جميلة. ستتماهى مع البيض عندها. كانت في لا وعيها الطفولي تفتش عن هوية أخرى، فهويتها الخاصة قد سحقت، وانقطت عن جذورها. ولكن البحث عن هذه الهوية الأخرى، لا يعكس سوى نظرة الأفرو - أميركي الدونية لنفسه، التي زرعها المجتمع في لا وعيه بعد قرون من الاحتقار والمهانة. غير أن هذا الحلم المستحيل لم يكن سوى حجاب: «كانت - نيكولا - تتوارى خلف بشاعة منظرها. كانت تختفي، تحتجب، تنكسف كالشمس؛ وغالباً ما تسترق النظر من خلف ذلك الحجاب، لكنها لا تشعر بشيء سوى الحنين لأن تعود للاختباء وراء قناعها».
وفي روايتها «محبوبة»، تستند موريسون إلى قصة حقيقية لسيدة قتلت ابنتها كي لا تعيدها إلى العبودية. ويعود كتابها «البيت» إلى أجواء أميركا في الخمسينات من خلال قصة جندي أميركي أسود قاتل في الحرب الكورية، وكان مستعداً للموت من أجل بلده أميركا، لكنه ظل يعاني من تشظي الهوية والانتماء.
كل هذه الأعمال التي ذكرناها، منذ «كوخ العم توم» في منتصف القرن التاسع عشر، إلى آخر عمل لموريسون وهو «أصل الآخرين»، الذي صدر عام 2017، والذي واصلت فيه تشريح تجربة العبوديّة في التاريخ الأميركي الحديث، بيعت بالملايين في أميركا نفسها، وفي العالم، وشكلت علامات بارزة في الأدب الأميركي.
لكن لم يتغير شيء في الواقع الصلد. مقتل جورج فلويد تعبير صارخ عن هذه الحقيقة...



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».