رنا البطراوي تحوِّل رماد النار إلى لوحات معبّرة في غزة

مجسم صغير من صنع الفنانة رنا البطراوي
مجسم صغير من صنع الفنانة رنا البطراوي
TT

رنا البطراوي تحوِّل رماد النار إلى لوحات معبّرة في غزة

مجسم صغير من صنع الفنانة رنا البطراوي
مجسم صغير من صنع الفنانة رنا البطراوي

منذ عدّة سنوات، تنشغل الفنانة التشكيلية رنا البطراوي التي تسكن على مقربة من بحر غزة، في تطوير نفسها بالمجالات الفنية المختلفة، فبدأت برسم اللوحات بالألوان في مرحلة الطفولة. وفي وقت لاحق انتقلت للنحت على الخشب والأحجار والمعادن وغيرها، واستطاعت مؤخراً تطوير أسلوب فني جديد، استخدمت فيه الرماد الناتج عن حرق المخلفات، وأنتجت من خلاله لوحاتٍ فنية متعددة بأشكالٍ لافتة، جذبت الأنظار لها.
تقول الفنانة (36 سنة) لـ«الشرق الأوسط»: «أحتاج لتطبيق الفكرة إلى بحث معمق ومكثف في المراجع الأجنبية وفي التجارب السابقة التي سجلها التاريخ المعاصر، كون الأسلوب الفني يُطبق لأول مرة في الوطن العربي». وتوضح أنّ رسمها بالرماد يشبه إلى حدٍّ كبير «حال الفلسطينيين» في مختلف أماكن وجودهم، ففي كلّ مرّة يتعرضون للدمار والتشريد والضغوط، لكنّهم سرعان ما يخرجون من جديد للعالم، بروحٍ جديدة وحياة مليئة بالفرح.
الحدث الأبرز في حياة رنا الفنية كان معرض «رماد الطين»، الذي نظمته في بداية عام 2019، باحتضان من مجموعة «محترف شبابيك الفنية» وبدعمٍ مباشر من مؤسسة عبد المحسن القطان الفلسطينية.
وعرضت البطراوي في تلك الأيام، التي استمرت لنحو أسبوعين، عشرات اللوحات والمجسمات الفنية التي صنعتها من خلال الرسم والنحت والتشكيل، لتعبّر من خلالها عن تفاصيل الحياة المختلفة التي يعيشها الناس في قطاع غزة.
وضمن حديثها تسرد فكرة المعرض التي قامت بشكلٍ أساس على تحويل الرماد الناتج عن حرق المخلفات البيئية خصوصاً الورقية منها، إلى أشكال فنية: «خلال السنوات الماضية، وضمن بحثي عن الأساليب الحديثة، اخترت في مرحلة ما، فكرة الرّماد، وعملت على تطويرها بشكلٍ مستمر، وتمكنت من إخراج منتج حيوي بصري للناس».
درست البطراوي التربية الفنية في الجامعات الغزّية، الأمر الذي أكسبها الأساس العلمي للنحت والتشكيل، ومكّنها لاحقاً من التوسع في الاطلاع على الأنماط المختلفة، المعمول بها عالمياً، ووصلت أخيراً للنّمط الخاص بها، حيث عُرفت من خلاله، وصارت صاحبة بصمة فيه.
وتذكر البطراوي أنّ مرحلة بناء المجسمات تبدأ من الرسم الأوّلي وتوفير الرماد وبعد ذلك يُخلط بالمواد اللازمة ليصير بقوامٍ قابل للتشكيل، ويُحدد بعدها، إذا ما كان يلزم إدخال خامات مصاحبة له، مثل الخشب والحديد القابل للطّي وغيرها.
وتلفت إلى أنّها شاركت بلوحاتها في الأعوام الماضية، بعدد من المعارض في الضفة الغربية والقدس وخارج فلسطين، وفي كلّ مرّة كان الزوار والجمهور يُشيدون بأعمالها.
وتؤكد البطراوي أنّ شخصيتها في العالم الفني التي بدأت معالمها تظهر منذ الطفولة، صارت شبه مكتملة. وتعرّج بحديثها على الواقع الفني في فلسطين، مبيّنة أنّ كثيراً من الإبداعات خرجت مؤخراً وشكّلت حالة مختلفة حظيت بإعجاب الكثيرين، وذلك من خلال حصد الفنانين الوطنيين مراكز متقدمة على الصعيد الدولي والعربي.
كثيرة هي المعيقات التي تؤرق البطراوي، كونها تعيش في وسط بيئة منهكة بالتفاصيل السياسية والأعباء التي تجعل من الفن والثقافة هامشيين في أحيانٍ كثيرة، وتنوه إلى أنّها تحتاج لمكانٍ واسع تُجري فيه التجارب الفنية وتوّفر ضمنه الرماد اللازم لتشكيل اللوحات والمجسمات، لأنّ بيتها صار في الفترة الأخيرة، مساحة غير مناسبة لذلك. وتشير إلى أنّ الإغلاق المستمر للمعابر يقف في وجهها أيضاً، ويحرمها من فرص السفر للمشاركة في فعالياتٍ فنية وعربية، كما أنّه يحرمها من تبادل الخبرات مع أشخاص من خارج فلسطين، يمتلكون مهارات يمكن أن تساعدها في تطوير أساليبها النحتية والتشكيلية.
وتختم البطراوي قائلة: إنّ «الفن التشكيلي بشكلٍ عام هو نتاج حضاري وتعبير ثقافي يقدم فقرات الحياة الإنسانية بعاداتها وتقاليدها وأساليب حياتها في مختلف الميادين، ويبحث في نفوس الآخرين عن شعور جمعي مشترك، كما أنّه يعد بمثابة سجل يكتب آثار الأمم ويميزها عن غيرها ويرسم لها خصوصيتها، والأمر هذا يزيد مع الحال الفلسطينية التي عاشت تقلبات تاريخية وسياسية كبيرة، تحتاج لحالات فنية متنوعة تستطيع تجسيدها».



«احلم بمتحفك» يفوز بجائزة جميل للفنون «بقوته الهادئة»

الفنانة خاندكار اوهيدا الفائزة بجائزة جميل للفنون (جائزة جميل-متحف فيكتوريا وألبرت)
الفنانة خاندكار اوهيدا الفائزة بجائزة جميل للفنون (جائزة جميل-متحف فيكتوريا وألبرت)
TT

«احلم بمتحفك» يفوز بجائزة جميل للفنون «بقوته الهادئة»

الفنانة خاندكار اوهيدا الفائزة بجائزة جميل للفنون (جائزة جميل-متحف فيكتوريا وألبرت)
الفنانة خاندكار اوهيدا الفائزة بجائزة جميل للفنون (جائزة جميل-متحف فيكتوريا وألبرت)

مع الإعلان عن الفائز بالنسخة السابعة من جائزة جميل للفنون في لندن أمس أتيح للزوار مشاهدة الأعمال المشاركة عبر معرض مفتوح اجتمعت فيه فنون الفيديو والتصوير والوسائط الرقمية والتركيب لتعبر عن قضايا تتعلق بالمياه والبيئة والمناظر الطبيعية والروحانية.

الجولة على الأعمال المعروضة تفتح للمشاهد أبواباً على مناطق من العالم لم تجد طريقها للوعي العام، هي مرتبطة بأهلها وسكانها، ومن هنا جاءت مشاركات الفنانين في هذه المناطق لتلقي الضوء على قضايا مهمة وشخصية، امتزجت معالجتها باللمسة الشخصية التي تعبر عن الخاص والحميمي وبين الانعكاسات الأوسع التي تعبر عن قضايا إنسانية ومجتمعية عامة.

تتناول الأعمال النهائية، التي تشمل الأفلام والنحت والتصوير الفوتوغرافي والتركيب والصوت والأداء والواقع الافتراضي، كيفية كتابة التاريخ، من خلال فحص صناعة المعالم وهدمها من خلال أعمال تحطيم الأيقونات، وصياغة نهج بديلة للمتاحف والمجموعات. يقدم كثير من الأعمال شهادات شخصية للمجتمع والمرونة والتواصل، مع استخدام الرسوم المتحركة المرسومة يدوياً والتصوير الفوتوغرافي لسرد القصص القوية. ونرى عبر المعرض مساهمات المرشحين للجائزة مع العمل الفائز، وهو للفنانة خاندكار أوهيدا من الهند.

خاندكار أوهيدا (الهند)

من المهم ملاحظة وتسجيل أن معظم الأعمال المعروضة تشترك في كونها لفنانين يعيشون خارج بلدانهم، وهنا يبدو الحنين والذكريات والتأمل عن بعد نقاطاً أساسية في التعبير عن القضايا المطروحة. وفي حالة الفنانة الفائزة بالجائزة خاندكار أوهيدا تتجسد هذه العناصر في فيلمها «احلم بمتحفك» (2022) الذي يدور حول عمها خاندكار سليم الذي يهوى جمع القطع والتذكارات، وكون منها مجموعة ضخمة. نراه في الفيلم يلتقط قطعاً من شاطئ النهر، يغسلها ويأخذها ليضعها إلى جانب القطع الأخرى التي تملأ أرجاء منزله البسيط، تسأله طفلة صغيرة عن قوارير عطر فارغة يضعها على خزانة متواضعة: «لا أشم رائحة بها»، تعلق الصغيرة، ولكنه يؤكد لها أنها تحمل رائحة، تصوره الكاميرا لاحقاً، وهو يحاول شم القوارير، تسبح حوله وردات بيضاء، وكأنها قادمة من قوارير العطر، في استخدام لطيف للرسوم المتحركة، قد لا تحمل القوارير رائحة العطر، ولكنه يعرف أنها موجودة ويستمتع بها. نتابعه في الفيلم، وهو يهتم بالقطع المختلفة، وينظمها أحياناً على حد النافذة للعرض، وفي أحيان أخرى نراها على الأرض، وعلى الأسطح المختلفة في غرفته.

جانب من العمل الفائز «إحلم بمتحفك» للفنانة خاندكار اوهيدا ( جائزة جميل-متحف فيكتوريا وألبرت)

وفي المعرض أمامنا نرى بعض القطع نسقتها الفنانة على نحو مشابه لمنزل عمها الذي لم يعد موجوداً فقد هُدِم. بشكل ما تستكشف أوهيدا فكرة المتاحف في الهند حيث النماذج الغربية التي لا توفر مساحة للرؤى البديلة. «احلم بمتحفك» يتساءل عن أهمية القطع التي تمثل تفاصيل حياتنا، ويدعو المتفرج للتفكير في قيمتها. يشير البيان الصحافي إلى أن الفيلم يعارض مفهوم المتاحف التقليدية، ويدعونا إلى تصور مستقبل متحرر من قيود التقاليد والتبعية.

جانب من العمل الفائز «إحلم بمتحفك» للفنانة خاندكار اوهيدا (الشرق الاوسط)

في حيثيات منح الجائزة قال تريسترام هنت، مدير متحف فيكتوريا وألبرت، إن لجنة المحكمين أشادت بالقوة الهادئة للعمل السينمائي. أما أنطونيا كارفر، مديرة فن جميل فعلقت: «نحن سعداء للغاية للاحتفال بالنسخة السابعة من جائزة جميل، التي مُنحت لخانداكار أوهيدا بناءً على عملية اختيار صارمة. تكمن أهمية هذه الجائزة في قدرتها على تسليط الضوء على الروح الإبداعية في قلب الممارسات التي تعتمد على إرث الفن والتصميم الإسلامي. هذا العام، من خلال التركيز على الصور المتحركة والوسائط الرقمية، تسلط الجائزة الضوء على الفنانين الذين يعيدون تعريف القصص المرئية من حيث الشكل والمحتوى، ويتعاملون مع القضايا العاجلة، من علم البيئة والروحانية إلى مرونة تاريخ المجتمع».

صادق كويش الفراجي (مقيم في هولندا)

في عمل الفنان صادق كويش الفراجي نمر برحلة ممتعة في ثنايا ذكريات الفنان عن والديه عبر أفلام رسوم متحركة الأول بعنوان «خيط من الضوء بين أصابع أمي والسماء» (2023) والثاني «قصة قصيرة في عيون الأمل» (2023)، وهو سيرة ذاتية لوالد الفنان وبحثه عن حياة أفضل. يعرض الفراجي صوراً فوتوغرافية لوالده ووالدته كأنما يعرفنا بهما قبل مشاهدة الأفلام. يأخذنا الفنان في رحلة مع والدته، في عمل منسوج من خيوط الذكريات والحنين والحب العميق والحزن. الفيلم عميق وجميل، ينساب مثل الماء الصافي، يعزف على أوتار الحنين والحب الأبدي إلى الأم التي نرى منها كف يدها مفتوحاً أمامنا، (يصفه الفنان بأنه كف مقدس)، تخرج منه الأشكال والأشخاص والزهور والأشجار. الكف المفتوح يخرج لنا مشاهد حياتية وصوراً صوفية ودنيوية، تخرج منه صور لأشخاص يجتمعون جلوساً على الأرض ليتشاركوا في الطعام والغناء. كف الأم يتحول إلى أرض خصبة تزهر فيها الزهور والشجر، تنضم الكف لتحضن الأبناء، وفي نهاية الفيلم نرى نجمة وحيدة تلمس أصابع الكف لتسحبها معها إلى السماء.

من عمل «خيط من الضوء بين أصابع أمي والسماء» لصادق كويش الفراجي (جائزة جميل-متحف فيكتوريا وألبرت)

جوى الخاش (سوريا، مقيمة في كندا)

تهتم الفنانة السورية جوى الخاش بحرية بناء العوالم الرقمية وعبر عملها المعروض «الجانب العلوي من السماء» (2019)، تدخلنا إلى عالم رقمي تفاعلي مصمم حول الآثار والطبيعة السورية، باستخدام الواقع الافتراضي وبرامج المحاكاة ثلاثية الأبعاد. استوحت الفنانة فكرة المشروع من تجربة نشأتها في دمشق، سوريا، وذكرياتها عن زيارة الآثار القديمة في تدمر. وعبر التقنية الرقمية تعيد إحياء الآثار والبيئة السورية التي تعرضت للخطر أو التدمير نتيجة للحرب الأهلية المستمرة، ويتمثل جوهر المشروع في فكرة مفادها أنه في المجال الرقمي، قد تعيش مثل هذه الآثار - سواء كانت عمارة ملموسة أو حياة نباتية عابرة - في عالم متخيل، كشكل من أشكال الآثار الرقمية.

من عمل الفنانة السورية جوى الخاش «الجانب العلوي من السماء» (2019) (جائزة جميل-متحف فيكتوريا وألبرت)

علياء فريد (الكويت - بورتوريكو)

الفنانة الكويتية علياء فريد تستكشف علاقة الإنسان بالماء، وتعبر عنه ذلك بعمل تركيبي ضخم لزمزمية ضخمة مثل التي يحملها المسافرون في الصحراء لحمل الماء، ولكن هنا الزمزمية ضخمة جداً، في وسطها تجويف مربع يرمز لسبيل الماء العام. تاريخياً، كان السبيل يوضع من قبل الأفراد مثل وسيلة لمشاركة المياه عبر المجتمع. في السنوات الأخيرة، تراجعت هذه الممارسة لأن مصدر المياه تحول من موارد الأنهار العذبة في العراق إلى محطات تحلية المياه، التي تسهم في استخراج الطاقة وتغيير النظم البيئية المحلية.

عمل الفنانة علياء فريد في المعرض (جائزة جميل-متحف فيكتوريا وألبرت)

في جانب آخر من القاعة تعرض الفنانة فيلماً صورته في منطقة مستنقعية على طول نهر الفرات. من خلال الفيلم نرى تفاصيل من حياة ثلاثة من السكان الشباب الذين يعيشون هناك مع عائلاتهم، وهم يرعون الجاموس، ويصفون لها الجغرافيا المحلية، ويذكرون من لا يزال هناك ومن نزح. هناك إشارات للتأثير البيئي لصناعة النفط، على موطنهم وتقاليدهم.

زهراء مالكاني (باكستان)

يجمع عمل زهرة مالكاني بين الصوت والمقدس في باكستان، ويستكشف كيف تتقاطع الممارسات الصوفية والتعبدية مع التقاليد الموسيقية والشفوية، في سياق خاص بالمياه. مالكاني من السند، باكستان، وهي منطقة تتمتع فيها الممرات المائية بطابع تعبد وصوفي قوي. منذ عام 2019، وفي جزء من مشروعها «رطوبة في كل مكان» (2023)، تجمع الفنانة أرشيفاً صوتياً للأصوات والتقاليد الدينية من خلال البحث مع المجتمعات التي تعيش على طول نهر السند، وعلى ساحل المحيط الهندي.

عمل الفنانة زهرة مالكاني «رطوبة في كل مكان» (2023) ( جائزة جميل-متحف فيكتوريا وألبرت)

مريم أكاشي ساني (العراق - إيران - الولايات المتحدة الأميركية)

مريم أكاشي ساني فنانة وكاتبة ومصممة ومخرجة أفلام عراقية إيرانية من ديترويت، ميشيغان. تعرض ساني سلسلة صورها «محرم» (2023). وتوثق فيها تفاصيل من مجتمعها المحلي خلال شهر محرم (الشهر الأول في السنة الهجرية) من شعائرهم العامة والخاصة إلى تعبيرهم الديني الشخصي. في أثناء سيرها في المدينة مع كاميرتها في حقيبتها اليدوية، تعمل أكاشي ساني على نحو عفوي، وتصنع صوراً حميمة للأشخاص والأماكن، وتلتقط تفاصيل التصميمات الداخلية المنزلية والغرف الخلفية للمحال التجارية. تستكشف صور العناصر الشخصية للفنانة والجيران وأفراد الأسرة الطرق التي حافظ بها مجتمع مسلم متنوع على إيمانه وتطوره في الغرب الأوسط الأميركي.