مبادرة سياسية لتجاوز «شتات» المعارضة التونسية

يقودها أحد أبرز معارضي نظام بن علي

TT

مبادرة سياسية لتجاوز «شتات» المعارضة التونسية

يقود أحمد نجيب الشابي، أحد أبرز معارضي نظام بن علي، مجموعة من القيادات السياسية، بعضها على ارتباط بالمنظومة السابقة وبعضها الآخر تحمل مسؤوليات حكومية بعد الثورة، ويسعى إلى تشكيل حزب وسطي كبير له القدرة على المناورة السياسية، سواء في حال وجوده في الحكم أو انضمامه إلى صفوف المعارضة. ويبدو أن هذا الحزب -وفق تحاليل سياسية- يعمل بالدرجة الأولى للعب دور سياسي مختلف عن المعارضة التي تتزعمها عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر، فهو لا يرفض التعامل مع الإسلام السياسي، ممثلاً خاصة في حركة النهضة وائتلاف الكرامة وحزب الرحمة، وهي أحزاب ممثلة في البرلمان التونسي الحالي.
ومن المنتظر أن يضم هذا الحزب السياسي الجديد محسن مرزوق رئيس حركة مشروع تونس أحد مؤسسي حزب النداء، ومهدي جمعة رئيس حزب البديل التونسي رئيس الحكومة التونسية السابقة، وسلمى اللومي رئيسة حزب البديل التونسي القيادية السابقة المستقيلة من حزب النداء، علاوة على أحمد نجيب الشابي الذي يتزعم حزب الحركة الديمقراطية.
ووفق مراقبين، فإن هذه المبادرة تأتي في سياق جهود متواصلة يقوم بها عدد من قيادات الأحزاب الوسطية لتوحيد الصفوف بعيد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي كشفت انحسار تأثير هذه العائلة في المشهد السياسي.
وتدور هذه المبادرة في ظل مناخ يغلب عليه الاحتقان والصراعات السياسية، خاصة بين حركة النهضة المتزعمة للمشهدين السياسي والبرلماني، والحزب الدستوري الحر المتزعم للمعارضة، إضافة إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا.
وفي هذا السياق، قال جمال العرفاوي المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط» إن هذه المبادرة ليست الأولى أو الأخيرة، فقد سبقتها عدة محاولات، منها تلك التي قادها عبيد البريكي القيادي النقابي السابق لجمع شتات اليسار التونسي، وتشكيل ائتلاف انتخابي، وانتهت إلى الفشل، ومنها مبادرات قادها الشابي نفسه لخلق جبهات سياسية وانتخابية، غير أن هذه المحاولات غالباً ما تصطدم بحرب الزعامات، وتنتهي إلى الرفوف، رغم أهمية تشكيل قطب سياسي معارض قادر على إعادة التوازن للمشهد السياسي والبرلماني في تونس.
ومن المنتظر أن تعلن عدة شخصيات تقلدت مسؤوليات في الدولة، سواء في زمن بن علي أو إبان الثورة، التحاقها بالحزب الجديد. وذكرت مصادر سياسية تونسية أن الحزب الذي يتزعمه أحمد نجيب الشابي قد يضم نحو 60 في المائة من القيادات التجمعية النظيفة السيرة، ومن المتوقع أن يجمع عدداً من الأسماء السياسية المهمة، على غرار أحمد فريعة وزير الداخلية السابق، وفاضل عبد الكافي وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في حكومة الشاهد الأولى، وناجي جلول الأمين العام المستقيل من حركة نداء تونس.
ويسعى الحزب السياسي الجديد إلى توحيد وتجميع العائلة الوسطية التقدمية من أحزاب أو شخصيات وطنية، في شكل ائتلاف سياسي هدفه تحقيق التوازن في المشهد السياسي والبرلماني. وكانت هذه الأحزاب قد منيت بخسارة مدوية في الانتخابات البرلمانية السابقة، وقد لملمت جراحها وشكلت كتلة الإصلاح الوطني في البرلمان التونسي (15 مقعداً برلمانياً)، وهي تضم 4 أحزاب سياسية ومجموعة من المستقلين، من بينها نواب حزب البديل، وحركة مشروع تونس، وحركة نداء تونس، وهذه الأحزاب ممثلة حالياً في البرلمان بـ4 نواب لكل منها على أقصى تقدير.
وعلى صعيد آخر، أعلنت كتلة الحزب الدستوري الحر التي تتزعمها عبير موسي، وجود ما سمتها «هبّة شعبية» للتوقيع على عريضة، تطالب فيها نواب البرلمان التونسي بسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، وأكدت أنها تجاوزت حدود 80 ألف إمضاء، وأن العدد مرشح لبلوغ 100 ألف إمضـاء مع نهاية الأسبوع الماضي.
وعرضت كتلة الحزب الدستوري الحر على رؤساء بقية الكتل البرلمانية، وعدد من النواب المستقلين، وثيقة تضمنت خريطة طريق لإنجاز مجموعة من الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأكدت أنها ستسعى إلى تنفيذها في حال تشكيل أغلبية برلمانية مدنية. وتضمنت الوثيقة 5 محاور، منها الإمضاء على عريضة سحب الثقة من رئيس البرلمان الحالي، وانتخاب رئيس جديد من القوى المدنية، وإبعاد أعضاء الديوان ورئيسه.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.