«قلق كورونا» يؤرق العاملين بالقطاع الطبي... و15 % يفكرون في «ترك المهنة»

طبيبة من ألبانيا تبكي بسبب التعامل مع حالات «كورونا» في بلادها (أرشيفية - أ.ف.ب)
طبيبة من ألبانيا تبكي بسبب التعامل مع حالات «كورونا» في بلادها (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«قلق كورونا» يؤرق العاملين بالقطاع الطبي... و15 % يفكرون في «ترك المهنة»

طبيبة من ألبانيا تبكي بسبب التعامل مع حالات «كورونا» في بلادها (أرشيفية - أ.ف.ب)
طبيبة من ألبانيا تبكي بسبب التعامل مع حالات «كورونا» في بلادها (أرشيفية - أ.ف.ب)

أصبح العاملون في المجال الطبي رمزاً لمكافحة الوباء، لكن التوتر والقلق الناجمين عن التعامل مع العدد الكبير من المصابين والمتوفين أصبحا شائعين بين هؤلاء «الجنود»... لذلك، تعمل هيئات مهنية في البلدان الأكثر تضرراً في أوروبا على تأمين الدعم النفسي لهم، خصوصاً إذا ضربت موجة ثانية من فيروس كورونا المستجد.
أصيب ستيف وهو ممرض بريطاني في شمال شرقي إنجلترا بمرض «كوفيد - 19» قبل شهرين. وهو يخبر حالياً بعد شفائه عن القلق الذي ينتابه من أن يصاب أطفاله بالمرض. ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية: «لدى عودتي من العمل، لم أكن أستطيع النوم جيداً، كنت أقلق من خطر نقلي الفيروس إلى المنزل وأن أصاب مجدداً به». ويضيف: «لم أكن لأتصور يوماً أني سأضطر للعمل في الصفوف الأولى خلال فترة وباء. كنت أود لو أن ذلك مجرد حلم سينتهي عندما أستيقظ ويعود العالم كما كان».
ويوضح الخبير في مسائل الصحة الذهنية في جامعة بروكسل الحرة كزافييه نويل: «لدينا هنا كل المكونات اللازمة لخطر اضطرابات ما بعد الصدمة».
ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية إن الأشخاص الذين يتدخلون في وحدة العناية المركزة «واجهوا نسبة وفيات وطريقة في الموت غير اعتيادية البتة، في إطار مجرد من الإنسانية ومن دون العائلات لمواساتهم خلال مرحلة اتخاذ القرار».
تبكي أوروبا ما يقرب من 175 ألفاً من سكانها أودى بحياتهم وباء «كوفيد - 19» الذي أصاب أكثر من مليوني شخص في القارة. ويدفع المعالجون الذين يقودون المعركة لإنقاذ الأرواح فاتورة باهظة.
وتظهر دراسة أجريت مطلع الشهر الجاري على 3300 معالج في مناطق بلجيكا الناطقة بالهولندية أن 15 في المائة من المستطلعة آراؤهم يفكرون في «ترك المهنة» في مقابل 6 في المائة في الأوقات العادية.
وفي فرنسا، توضح جمعية متخصصة في دعم أفراد الطواقم الصحية أنها تتلقى يومياً أكثر من 70 اتصالاً بعضها من أشخاص يواجهون «خطراً داهماً للإقدام على الانتحار».
وفي إسبانيا، ثبتت إصابة أكثر من 50 ألف معالج بـ«كوفيد - 19»، أي 22 في المائة من الحالات المسجلة في البلاد بحسب وزارة الصحة.
وينتشر القلق على نطاق واسع لدى الطواقم العلاجية بحسب دراسة لجامعة مدريد خلصت إلى أن أكثر من النصف (51 في المائة) من المعالجين الـ1200 الذين شملهم الاستبيان يظهرون «أعراض اكتئاب». كما كانت لدى 53 في المائة من هؤلاء مؤشرات «تتوافق مع تلك العائدة لاضطرابات ما بعد الصدمة».
وأشار معدّا الدراسة لورديس لوتشينو مورينو وخيسوس مارتن غارسيا إلى أن «تدخلاً نفسياً طارئاً ضروري لهذه المجموعة إذا ما باتت الموجة الثانية التي يُخشى منها كثيراً أمراً واقعاً»، مضيفين: «سنرى اختصاصيين منهارين عاطفياً ونظاماً صحياً غير قادر على الاستجابة».
وتبين لجامعة القلب الأقدس الكاثوليكية في ميلانو أن سبعة اختصاصيين صحيين من كل عشرة في المناطق الإيطالية الأكثر تضرراً يعانون الإرهاق، وتسعة من كل عشرة يعانون الضغط النفسي. وتحدث كثيرون عن عصبية زائدة واضطرابات في النوم وكوابيس ليلية إضافة إلى نوبات بكاء.
وبحسب الباحثة سيرينا باريلو فإن الضغط المهني ازداد بفعل ضغط العمل المتنامي، «مما يهدد بشدة صحتهم لا الجسدية فحسب، بل أيضاً العاطفية والنفسية».
وفي بريطانيا، ثاني أكثر بلدان العالم تضرراً بالوباء لناحية عدد الوفيات بعد الولايات المتحدة، توضح جمعية لورا هايد وهي الوحيدة التي تقدم دعماً نفسياً للطواقم العلاجية، أنها تتلقى سيلاً من الاتصالات.
وتقول جنيفر هوكينز، وهي من المسؤولين في المؤسسة التي أنشئت تكريماً لذكرى ممرضة انتحرت في 2016: «جميع أفراد الطواقم الطبية في كل مكان تأثروا حقاً بفيض الحب الذي تلقوه من العامة. غير أن صفة الأبطال التي أطلقت عليهم قد تزيد أحياناً الضغوط عليهم».


مقالات ذات صلة

صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )

تانيا صالح تُغنّي للأطفال وترسم لُبنانَهم الأحلى

باكتمال الألبوم واستعداد الفنانة لنشره بين الأطفال تشعر بالاستراحة (صور تانيا صالح)
باكتمال الألبوم واستعداد الفنانة لنشره بين الأطفال تشعر بالاستراحة (صور تانيا صالح)
TT

تانيا صالح تُغنّي للأطفال وترسم لُبنانَهم الأحلى

باكتمال الألبوم واستعداد الفنانة لنشره بين الأطفال تشعر بالاستراحة (صور تانيا صالح)
باكتمال الألبوم واستعداد الفنانة لنشره بين الأطفال تشعر بالاستراحة (صور تانيا صالح)

أمَّنت الإقامة في باريس للفنانة اللبنانية تانيا صالح «راحة بال» تُحرِّض على العطاء. تُصرُّ على المزدوجَين «...» لدى وصف الحالة، فـ«اللبناني» و«راحة البال» بمعناها الكلّي، نقيضان. تحطّ على أراضي بلادها لتُطلق ألبومها الجديد الموجَّه إلى الأطفال. موعد التوقيع الأول؛ الجمعة 6 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. والأحد (8 منه) تخصّصه لاستضافة أولاد للغناء والرسم. تريد من الفنّ أن يُهدّئ أنين أطفال الصدمة ويرأف بالبراءة المشلَّعة.

تريد من الفنّ أن يُهدّئ أنين أطفال الصدمة ويرأف بالبراءة المشلَّعة (صور تانيا صالح)

وطَّد كونها أُماً علاقتها بأوجاع الطفولة تحت النار؛ من فلسطين إلى لبنان. تُخبر «الشرق الأوسط» أنها اعتادت اختراع الأغنيات من أجل أن ينام أطفالها وهم يستدعون إلى مخيّلاتهم حلاوة الحلم. لطالما تمنّت الغناء للصغار، تشبُّعاً بأمومتها وإحساسها بالرغبة في مَنْح صوتها لمَن تُركوا في البرد واشتهوا دفء الأحضان. تقول: «أصبح الأمر مُلحّاً منذ تعرُّض أطفال غزة لاستباحة العصر. لمحتُ في عيون أهاليهم عدم القدرة على فعل شيء. منذ توحُّش الحرب هناك، وتمدُّد وحشيتها إلى لبنان، شعرتُ بأنّ المسألة طارئة. عليَّ أداء دوري. لن تنفع ذرائع من نوع (غداً سأبدأ)».

غلاف الألبوم المؤلَّف من 11 أغنية (صور تانيا صالح)

وفَّر الحبُّ القديم لأغنية الطفل، عليها، الكتابةَ من الصفر. ما في الألبوم، المؤلَّف من 11 أغنية، كُتب من قبل، أو على الأقل حَضَرت فكرته. تُكمل: «لملمتُ المجموع، فشكَّل ألبوماً. وكنتُ قد أنقذتُ بعض أموالي خشية أنْ تتطاير في المهبّ، كما هي الأقدار اللبنانية، فأمّنتُ الإنتاج. عملتُ على رسومه ودخلتُ الاستوديو مع الموسيقيين. بدل الـ(CD)؛ وقد لا يصل إلى أطفال في خيامهم وآخرين في الشوارع، فضَّلتُ دفتر التلوين وفي خلفيته رمز استجابة سريعة يخوّلهم مسحه الاستماع المجاني إلى الأغنيات ومشاهدتها مرسومة، فتنتشل خيالاتهم من الأيام الصعبة».

تُخطّط تانيا صالح لجولة في بعلبك وجنوب لبنان؛ «إنْ لم تحدُث مفاجآت تُبدِّل الخطط». وتشمل الجولة مناطق حيث الأغنية قد لا يطولها الأولاد، والرسوم ليست أولوية أمام جوع المعدة. تقول: «أتطلّع إلى الأطفال فأرى تلك السنّ التي تستحقّ الأفضل. لا تهمّ الجنسية ولا الانتماءات الأخرى. أريد لموسيقاي ورسومي الوصول إلى اللبناني وغيره. على هذا المستوى من العطف، لا فارق بين أصناف الألم. ليس للأطفال ذنب. ضآلة مدّهم بالعِلم والموسيقى والرسوم، تُوجِّه مساراتهم نحو احتمالات مُظلمة. الطفل اللبناني، كما السوري والفلسطيني، جدير بالحياة».

تعود إلى لبنان لتُطلق ألبومها الجديد الموجَّه للأطفال (صور تانيا صالح)

باكتمال الألبوم واستعداد الفنانة لنشره بين الأطفال، تشعر أنها تستريح: «الآن أدّيتُ دوري». الفعل الفنّي هنا، تُحرّكه مشهديات الذاكرة. تتساءل: «كم حرباً أمضينا وكم منزلاً استعرنا لننجو؟». ترى أولاداً يعيشون ما عاشت، فيتضاعف إحساس الأسى. تذكُر أنها كانت في نحو سنتها العشرين حين توقّفت معارك الحرب الأهلية، بعد أُلفة مريرة مع أصوات الرصاص والقذائف منذ سنّ السادسة. أصابها هدوء «اليوم التالي» بوجع: «آلمني أنني لستُ أتخبَّط بالأصوات الرهيبة! لقد اعتدْتُها. أصبحتُ كمَن يُدمن مخدِّراً. تطلَّب الأمر وقتاً لاستعادة إيقاعي الطبيعي. اليوم أتساءل: ماذا عن هؤلاء الأطفال؛ في غزة وفي لبنان، القابعين تحت النار... مَن يرمِّم ما تهشَّم؟».

تريد الموسيقى والرسوم الوصول إلى الجميع (صور تانيا صالح)

سهَّلت إقامُتها الباريسية ولادةَ الألبوم المُحتفَى به في «دار المنى» بمنطقة البترون الساحلية، الجمعة والأحد، بالتعاون مع شباب «مسرح تحفة»، وهم خلف نشاطات تُبهج المكان وزواره. تقول إنّ المسافة الفاصلة عن الوطن تُعمِّق حبَّه والشعور بالمسؤولية حياله. فمَن يحترق قد يغضب ويعتب. لذا؛ تحلَّت بشيء من «راحة البال» المحرِّضة على الإبداع، فصقلت ما كتبت، ورسمت، وسجَّلت الموسيقى؛ وإنْ أمضت الليالي تُشاهد الأخبار العاجلة وهي تفِد من أرضها النازفة.

في الألبوم المُسمَّى «لعب ولاد زغار»، تغنّي لزوال «الوحش الكبير»، مُختَزِل الحروب ومآسيها. إنها حكاية طفل يشاء التخلُّص من الحرب ليكون له وطن أحلى. تقول: «أريد للأطفال أن يعلموا ماذا تعني الحروب، عوض التعتيم عليها. في طفولتي، لم يُجب أحد عن أسئلتي. لم يُخبروني شيئاً. قالوا لي أنْ أُبقي ما أراه سراً، فلا أخبره للمسلِّح إنْ طرق بابنا. هنا أفعل العكس. أُخبر الأولاد بأنّ الحروب تتطلّب شجاعة لإنهائها من دون خضوع. وأُخبرهم أنّ الأرض تستحق التمسُّك بها».

وتُعلِّم الصغار الأبجدية العربية على ألحان مألوفة، فيسهُل تقبُّل لغتهم والتغنّي بها. وفي الألبوم، حكاية عن الزراعة وأخرى عن النوم، وثالثة عن اختراع طفل فكرة الإضاءة من عمق خيمته المُظلمة. تقول إنّ الأخيرة «حقيقية؛ وقد شاهدتُ عبر (تيك توك) طفلاً من غزة يُفكّر في كيفية دحض العتمة لاستدعاء النور، فألهمني الكتابة. هذه بطولة».

من القصص، تبرُز «الشختورة» (المركب)، فتروي تانيا صالح تاريخ لبنان بسلاسة الكلمة والصورة. تشاء من هذه الحديقة أن يدوم العطر: «الألبوم ليس لتحقيق ثروة، وربما ليس لاكتساح أرقام المشاهدة. إنه شعوري بتأدية الدور. أغنياته حُرّة من زمانها. لم أعدّها لليوم فقط. أريدها على نسق (هالصيصان شو حلوين)؛ لكلّ الأيام».