«توثيق الجرائم»... سلاح مؤجّل بين المتحاربين في طرابلس

كل طرف يهدد باستخدامه في الوقت المناسب

TT

«توثيق الجرائم»... سلاح مؤجّل بين المتحاربين في طرابلس

شهدت ليبيا «جرائم عديدة» منذ سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، قبل 9 سنوات، بعضها مجهول المصدر، والبعض الآخر ينظر إليها على أنه مجرد تهم متبادلة؛ لكن الجزء الأكبر من هذه «الجرائم» يقع الآن في حق المدنيين في عموم العاصمة طرابلس، على خلفية العمليات العسكرية. وأبرز هذه الحوادث، مما لوح به وزير الخارجية في حكومة «الوفاق»، محمد الطاهر سيالة، بأن وزارته ستعمل مع الوزارات المعنية على توثيق انتهاكات الدول الداعمة لـ«الجيش الوطني» من خلال الأسلحة التي عثر عليها في قاعدة الوطية الجوية. وأضاف سيالة أن وزارته ستقدم ما ستتوصل إليه إلى مجلس الأمن الدولي ولجنة العقوبات التي قال إن عليها تحمل مسؤولياتها تجاه هذه الانتهاكات، مضيفاً: «سنعمل مع كل القوى الدولية المحبة للسلام لترسيخ العدالة وبناء دولة مدنية ديمقراطية ينعم فيها كل الليبيين بالحرية والعدالة». وهيمنت قوات «الوفاق» على قاعدة الوطية الجوية الاثنين الماضي، بدعم تركي واسع وسط تنديد وتخوف دولي من تغول أنقرة في ليبيا.
ولم يتم التحقيق في «الجرائم المتنوعة» التي شهدتها ليبيا في سنوات الانفلات الأولى، حيث تواجه الميلشيات اتهامات بارتكاب جرائم عديدة، أشهرها مجزرة غرغور ضد أهالي طرابلس في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 وراح ضحيتها 49 مواطناً وأكثر من 450 جريحاً. وقال مصدر عسكري في «الجيش الوطني» لـ«الشرق الأوسط» إن «حالة الانفلات الأمني التي شهدتها البلاد منذ إسقاط نظام معمر القذافي عديدة من بينها مجزرة براك الشاطئ الجوية بجنوب البلاد التي ارتكبت قبل ثلاثة أعوام»، مضيفاً أن «هذه الجريمة هي الأكثر بشاعة في ليبيا منذ سنوات طويلة إن لم تكن أبشعها على الإطلاق دون تحقيق القصاص لدماء 148 قتيلاً بين مدنيين وعسكريين وتورطت بها قوات تابعة لوزارة الدفاع في حكومة الوفاق».
ومن الجرائم التي تبادل الطرفان الاتهامات حولها، حادثة مقتل 30 طالباً في قصف جوي على الكلية العسكرية بمصراتة، مطلع أبريل (نيسان) الماضي، ووجهت قوات «الوفاق» أصابع الاتهام إلى «الجيش الوطني» لكن المتحدث باسمه، اللواء أحمد المسماري، قال إن الغارات التي استهدفت الكلية الجوية كانت بسبب تدخل الميليشيات الإرهابية في مدينة مصراتة، موضحاً أن «الجيش الوطني» يعتمد الحرفية والدقة منذ انطلاق عملية الكرامة، مطالباً بفتح تحقيق دولي ومستقل في «جرائم الميليشيات» في ليبيا. وكان المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، قال إن مهمة البعثة الأممية ليست «حفظ أمن»، كما أنها لا تملك عسكريين يمكنهم التدخل لردع أي طرف أو إنهاء القتال، لكن دورها يتمثل في «محاولة إقناع الأطراف بالتوقف عن العنف، وتوثيق المخالفات والجرائم بحق المدنيين والمنشآت المدنية، وكذلك إبلاغ مجلس الأمن بهذه المخالفات».
وتعد الجرائم التي ارتكبتها القوات الموالية لحكومة «الوفاق» بعد دخولها صبراتة وصرمان، من بين الأحداث الأكثر عنفاً، حيث لاقت تنديداً واسعاً من أطراف داخلية وخارجية بالإضافة إلى البعثة الأممية. وتوعد المسماري في حينها بتوثيق «جرائم قتل وخطف وسرقة وتدمير ارتكبتها الميليشيات هناك، وإرسالها إلى مجلس الأمن الدولي».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.