«لا كرامة لنبي في وطنه»، هكذا يمكن أن يفهم قرار البروفسور الفرنسي الشهير ديديه راوولت، الوجه الأبرز فرنسيا وربما عالميا في مكافحة كورونا المستجد، الهجرة من فرنسا ليلتحق بجامعة بكين الطبية وهي الأشهر في هذا البلد الذي انطلق منه الوباء. وذاع صيت البروفسور راوولت في الأسابيع الماضي، بعدما «عثر» على العقار «السحري» لمعالجة أعراض وباء «كوفيد - 19». وهذا العقار ليس جديدا، إنه «هيدروكسي كلوروكين» الذي يستخدم منذ سنوات لعلاج الملاريا التي تضرب، خصوصا، مناطق أفريقيا الاستوائية. ومؤخرا، كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه يتناول حبة منه يوميا، لأنه «مفيد» وسبق له أن روج لاستخدامه قبل أن يتراجع نسبيا.
وفي مقر عمله الحالي في المستشفى الجامعي في مدينة مرسيليا المتوسطية، ينظر إلى البروفسور راوولت، الاختصاصي في علم الأمراض المعدية الذي له العديد من المؤلفات الطبية المعروفة، كأنه «الرجل المنقذ». وقد دأب منذ انطلاق أزمة كورونا على اللجوء إلى العقار المذكور لمعالجة المصابين في مستشفاه، لا، بل عمد إلى إجراء اختبارين متعاقبين على عينة محدودة من المرضى لتؤكد خلاصاته فاعلية الدواء.
بيد أن مشكلة راوولت الذي زاره الرئيس إيمانويل ماكرون شخصيا في مرسيليا ليسمع منه الشرح الكافي حول العقار ومفاعيله، أن الجسم الطبي والعلمي في فرنسا لم يقتنع بنظرياته وممارساته. فقد شكك أولا بفاعليته، ثم برصانة ودقة الاختبارين العلميين. وثالث المآخذ التحذير من العوارض الجانبية المتأتية من استخدام الكلوروكين، وليس أقلها التسبب في أزمات قلبية.
وفي شهر أبريل (نيسان) الماضي، أصدرت الوكالة الوطنية لأمن الأدوية والمنتجات الصحية في فرنسا تحذيرا من اللجوء إلى هذا العقار، وكذلك فعلت وكالة الأدوية الأوروبية. إلا أن الانتقادات لم تحط من عزيمة راوولت، وحجته الأولى أن لا دواء ولا لقاح حاليا موجودان في الأسواق، وأن ميزة الكلوروكين أنه في متناول الأيدي وبخس الثمن، وأنه، إضافة لذلك كله، مفيد. وإزاء الحملات التي تعرض لها من زملاء له في الطب والبحث، لم يبق مكتوف اليدين، بل رد الصاع صاعين واستهدف شركات صناعة الأدوية التي تريد «جني المليارات».
فهل حفّزت هذه الأسباب راوولت على مغادرة مدينته مرسيليا والتوجه صوب الصين؟ الخبر جاء أمس في عدد مجلة «أونتروبروندر» التابعة لمجموعة «لافون للنشر»، التي تلقى رئيسها رسالة من راوولت يعلمه فيها بالتوصل إلى اتفاق مع جامعة بكين الطبية للالتحاق بها نهاية الصيف. وجاء في رسالة راوولت ما يلي: «أتوجه إليك لأطلعك على سبق خبري، بما أنك كنت من بين القلائل الذين كان تصرفهم مثاليا خلال هذه الأزمة: سوف أتوجه قريبا إلى الصين مع نهاية الصيف، حيث تم التعاقد معي لأشغل منصب بروفسور في جامعة بكين الطبية، وهي الأشهر والأكثر تقدما في البحوث المتخصصة بالأمراض المعدية». ويضيف راوولت في رسالته: «لقد أصبح من الصعب ممارسة البحث في مجال الصحة في فرنسا، لأن المماحكات تتآكله من الداخل، ولأنه يعاني من البيروقراطية المتجذرة والرقابة السياسية».
الخبر كان شديد الوقع في فرنسا. إلا أن تطورا رئيسيا حصل أمس لاحقا، إذ اتصل يانيس رسول وهو مساعد البروفسور راوولت ويدير علاقاته مع الإعلام، بالمجلة المذكورة ثم بصحيفة «ليبراسيون» ليؤكد أن الخبر «عار عن الصحة» وأن نص الرسالة التي نشرتها المجلة لم يصدر عن راوولت.
ولاحقا، عدلت «أونتوبروندر» صيغة عنوان مقالها الموجود على الصفحة الأولى مع صورة المعني به ليصبح: «هل سيرحل البروفسور راوولت عن فرنسا؟»، بصيغة الاستفهام بعد أن كان بداية قطعيا. ولم تتمكن «الشرق الأوسط» من التواصل مع مساعد راوولت، فيما قالت المجلة ذات العلاقة إنها تنتظر الخبر من راوولت شخصيا.
خبر كاذب ككثير من الأخبار التي تحفل بها المنصات الإعلامية، أم أن الخبر صحيح وأن الضجة التي أثيرت حوله دفعت البروفسور المثير للجدل إلى التراجع؟ كل الاحتمالات واردة، ولن يضع حدا إلا الكلام المباشر الحي من راوولت نفسه... وبالطبع لن يتأخر كثيرا.
هل يتأهب البروفسور الفرنسي راوولت للرحيل إلى الصين؟
هل يتأهب البروفسور الفرنسي راوولت للرحيل إلى الصين؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة